أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-12-2019
1661
التاريخ: 5-4-2017
4364
التاريخ: 6-4-2017
4170
التاريخ: 29-4-2022
2897
|
لم يكن عقد البوت B .O.T بتفريعاته المختلفة عقدا حديثا . بل إنه عقد يمتد بجذوره في عمق الزمن ، ولعل من أهم العقود التي أبرمت وفقا لهذا النظام في مصر هو عقد التزام قناة السويس . وغيره كثير من العقود التي شارك بمقتضاها القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية كمرافق المياه أو المواصلات أو الكهرباء أو غير ذلك .
وبعد قيام الثورة واتجاه النظام السياسي والاقتصادي إلى الفكر الاشتراكي أخذت الدولة على عاتقها القيام بكافة الخدمات . وتضاءل دور القطاع الخاص حتى أوشك على الانتهاء تماما .
ثم بعد ذلك - ومع اتجاه الدولة إلى النظام الاقتصادي الحر وإعمال آليات السوق وإعطاء الدور الأكبر في النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص - عادت من جديد عقود البوت كأسلوب الإنشاء وتشغيل المرافق العامة التي تتعلق أساسا بالبنية الأساسية ، والتي ظلت حبيسة نشاط الدولة مدة طويلة من الزمن . هذا التحول - وإن بدت أهميته في علاج المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول النامية على الوجه الذي س بق وبيناه - يستلزم بالطبيعة أيضا تحولا في الأطر الدستورية والتشريعية التي كانت سائدة عند غيابه ، وذلك حتى ينتظم هذا التحول ، وتستطيع الدولة أن تجنى فوائده .
فبغير هذا التنظيم الدستوري والتشريعي يصبح الاتجاه إلى الخصخصة أسلوبا عشوائيا غير مضمون العواقب .
وعقود البوت تمثل أسلوبا مهما من أساليب الخصخصة ، ومن ثم تتبدى أهمية بحث مدى وجود إطار دستوری يسمح بذلك .
على أن الحقيقة تتبدى في غياب هذا الإطار الدستوري ، وقد عمدت الاجتهادات الفقهية والقضائية إلى تبني تفسيرات واسعة لنصوص الدستور بلغت مداها في حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ أول فبراير سنة ۱۹۹۷(1) .
وعلى ذلك فإننا ، سوف نبحث في هذا الموضوع أمرين: الأول :
مدى جواز خصخصة المشروعات العامة في ظل نصوص الدستور المصرى 11 سبتمبر سنة ۱۹۷۱ ، أما الثاني : حكم المحكمة الدستورية بجواز الخصخصة .
الفرع الأول الخصخصة ونصوص الدستور المصري
يقوم النظام الاقتصادي في الدستور المصري الصادر في 11 سبتمبر سنة ۱۹۷۱ على النظام الاشتراكي ، وتأتي نصوص هذا الدستور لكي تؤصل هذا النظام .
فمن ناحية أولى : المادة ۲۳ منه توجب تنظيم الاقتصاد القومي وفقا لخطة تنمية شاملة ، إذ تنص على أن « ينظم الاقتصاد القومي وفقا الخطة تنمية تكفل زيادة الدخل القومي وعدالة التوزيع ورفع مستوى المعيشة ، والقضاء على البطالة وزيادة فرص العمل ، وربط الأجر بالإنتاج وضمان حد أدنى للأجور ، ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول »
ومفاد هذه المادة هي ضرورة ربط الاقتصاد المصري بخطة مركزية تتضمن تحديد الأهداف والوسائل التي تحققها وتبين نتائجها . وقد عرفت مصر منذ الثورة خططا من هذا القبيل ، وقد تكون ه ذه الخطط طويلة أو متوسطة أو قصيرة الأجل .
وإذا كان التخطيط هو أساس نجاح كل عمل ، فإن دوره يختلف من نظام اقتصادي إلى آخر . ففي الأنظمة الاشتراكية تقوم الدولة بوضع خطة مركزية تسيطر من خلالها على النظام الاقتصادي في الدولة ، ويتضاءل معها دور الأفراد، ويقتصر هذا الدور على أحسن الفروض في مجرد تنفيذ مهام مخطط لها سلفا وتدور في فلك الخطة المركزية .
أما في النظام الرأسمالي فإن المشروع الخاص هو الذي يقوم بوضع الخطة المناسبة له . وعلى ذلك فإذا كان في النظام الاشتراكي خطة واحدة ، فإنه في ظل النظام الرأسمالي تتعدد هذه الخطط بتعدد المشروعات الفردية .
ومن ناحية ثانية : فإن المادتين ۲4 ، ۲۰ من الدستور تؤكدان سيطرة الشعب على أدوات الانتاج ؛ فالمادة ۲4 تنص على أن « يسيطر الشعب على كل أدوات الانتاج وعلى توجيه فائضها وفقا لخطة التنمية التي تضعها الدولة ».
كما تنص المادة ۲۰ على أن : « لكل مواطن نصيب في الناتج القومى يحدده القانون بمراعاة عمله أو ملكيته غير المستغلة » .
وهذا الأمر وذاك لا يوجدان إلا في ظل نظام اشتراکی .
ومن ناحية ثالثة : فإن المادة ۳۰ من الدستور تنص على أن" الملكية العامة هي ملكية الشعب وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام ، ويقود القطاع العام التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية ".
والجلى أن هذه النصوص و غيرها التي احتواها الفصل الثاني م ن الباب الأول من الدستور المصري تفرض نظاما اشتراكيا ينهض فيه القطاع العام بالدور الرائد في قيادة هذا النظام . ومن ثم يبقى متعارضا مع هذه النصوص القول بأنها نفسها تبيح الخصخصة وبيع وحدات هذا القطاع إلی القطاع الخاص . فتحول الاقتصاد المصري من النظام الاقتصادي القائم على التخطيط والملكية العامة ، وملكية الشعب الأدوات وسائل الانتاج إلی اقتصاد السوق الحرة طرفي نقيض مع الاقتصاد المخطط ؛ فالمشروع العام هو أساس الاقتصاد المخطط بينما المشروع الفردي الخاص ه و أساس الاقتصاد الحر . كما أن الدولة في الاقتصاد المخطط لها دور تدخلي كبير سواء في تحديد كمية الإنتاج أو جودته أو سعره ، وقد تكون أسعارا غ ير حقيقية ، وإنما تراعي أبعادا أخرى . أما في الاقتصاد الحر فإن ذلك كله يترك لقوانين السوق أي العرض والطلب .
ولذلك فإنا نتفق مع ما ذهب إليه البعض من أن الخصخصة بصورتها التي تضمن بيع وحدات القطاع العام ونقل ملكيتها إلى القطاع الخاص تخالف نصوص الدستور (2) . ولا يقدح في ذلك القول بأن الدستور لم يحظر الخصخصة بنص صريح ، ومن ثم فإن القاعدة العامة أن كل مالم يحظره القانون جائز (3) . فهذا قول لا يستقيم إذ أنه يفترض أن الحظر في كل الأحوال يجب أن يكون صريحا . فهو أيضا قد يكون ضمنيا يستفاد من تتابع النصوص وتكاملها . فلا يتفق مع المنطق أن ينسب المشرع الدستوری تنظيمه للشيء ونقيضه في آن واحد. وهو ما أدى بالرأي المخالف أن يتناقض مع نفسه إذ ذهب إلى « أنه إذا كانت الخصخصة جائزة » دستوريا فإنها « مقيدة » دستوريا ؛ أي أنها يجب ألا تخالف الدستور ما دامت لا تؤدي إلى الإخلال بالمبادئ الاقتصادية في الدستور ؛ أي لا تؤدي إلى تخلف القطاع العام وعجزه عن تحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية(4) . فأي حدود هذه التي تقيد الخصخصة ؟! ، وما حدود هذه الحدود ؟!
ثم كيف تحدد ؟! ، والمبادئ الاقتصادية في الدستور تتناقض أصلا مع الخصخصة من حيث المبدأ . فكيف يجتمعان ؟! .
إن غياب الإطار الدستوري للخصخصة ، يجعل اللجوء إليها في ظل نصوص دستورية تفرض نظاما اقتصاديا مخالفا لها ، عملية ارتجالية بلا ضوابط تحدد ما يمكن بيعه وما يجب الاحتفاظ به ، وما الوسائل التي تكفل الاستفادة من عوائد هذه العملية ؟ . وعلى ذلك فإنه يجب تعديل الدستور المصرى حتى يساير هذه التحولات . وهو أمر لا يخلو من فائدة تضمن ضرورة ضبط هذا التحول بنصوص دستورية وتشريعية . وكما سبق أن أوضحنا إنه لا يستقيم في عقل ولا منطق أن ينص الدستور علی أن يقود القطاع العام التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية. في الوقت الذي يتم فيه بيع القطاع العام وتحويله إلى مشروعات خاصة . هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى ، فإن التأميم - الذي كان له فضل السبق فی إنشاء القطاع العام في مصر على أثر تطبيق القوانين الاشتراكية سنة ۱۹۹۱ - كان بقانون فلماذا لا تكون الخصخصة بقانون ؟(5) .
الفرع الثانی حكم المحكمة الدستورية العليا بدستورية عمليات الخصخصة
في الأول من فبراير سنة ۱۹۹۷ أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها في الدعوى رقم 7 لسنة 16 ق.د. وقد كان المدعي فيها ينعي على قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم ۲۲ لسنة ۱۹۹۱ مخالفته الأوضاع والإجراءات التي رسمها الدستور في المادتين :۱۹، ۱۸5 واحتياطيا بعلم دستورية هذا القانون ؛ لأن الغاية التي يستهدفها منافية لحكم المادة ۳۰ من الدستور (6).
وفي هذا الحكم بعد أن رفضت المحكمة التسليم بعدم مخالفة القانون ۲۰۳ لسنة ۱۹۹۱ للأوضاع والإجراءات التي رسمها الدستور في المادتين ۱۹4 ، ۱۸۰ انتقلت إلى بحث مدى اتفاق هذا القانون مع نص المادة ۳۰ من الدستور ؛ والتي تنص على أن « الملكية العامة هي ملكية الشعب . وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام ، ويقود القطاع العام التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية » على أن المحكمة رأت في إصدار حكمها مناسبة لإعلان تأييدها السياسة التحول الاقتصادي التي تسير عليها الحكومة. وخاصة أن الانتقادات كانت دائما توجه إلى هذه السياسة بدعوى مخالفتها للدستور ، فتجاوزت المحكمة حدود الدعوى لتتطرق في حكمها إلى تفسير نصوص الدستور المتعلقة بالاتجاه الاشتراكي فيه وبالخطة العامة للدولة وبالملكية العامة وما يتعلق بها من استثمار عام تقوده الدولة ، وتأويل ذلك كله ليصب في تأييد نظام الخصخصة والتحول عن القطاع العام وكل الأسس التي نص عليه الدستور لبناء الاتجاه الاشتراكي فيه . وقد جاء في هذا الحكم « ... وحيث إن المدعي طلب كذلك - وبصفة احتياطية - الحكم بعدم دستورية قانون شركات قطاع الأعمال العام - في جملة الأحكام التي تضمنها - باعتبار أن الأغراض التي استهدفها منافية لنص المادة ۳۰ من الدستور ... وحيث إن هذا النعي مردود .
أولا : بأن النصوص القانونية التي تقرها السلطة التشريعية انحراف بها عن مقاصد حددها الدستور ، وتنكب بها عن أغراض بعينها ، تفترض أن تكون هذه المقاصد والأغراض من مكوناتها ، فلا ينفصل بنيانها عنها ، بل تشملها المطاعن الموضوعية بالنظر إلى اتساعها لكل عوار لا يرتبط بالأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور في النصوص القانونية .
ومردود ثانيا : بأن النصوص الدستورية لا يجوز تفسيرها باعتبارها حلا نهائيا و دائما لأوضاع اقتصادية جاوز الزمن حقائقها ، ف لا يكون تبنيها والإصرار عليها ، ثم فرضها بآلية عمياء. بل يتعين فهمها في ضوء قيم أعلى غايتها تحرير الوطن والمواطن سياسيا واقتصاديا .|
ومردود ثالثا : بأن قهر النصوص الدستورية لإخضاعها لفلسفة بذاتها يعارض تطويعها لآفاق جديدة تريد الجماعة بلوغها ، فلا يكون الدستور كافلا لها ، بل حائلا دون ضمانها .
ومردود رابعا : بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يتطلبها الدستور ، هدفها تغيير أشكال من الحياة من خلال منظومة تتكامل روافدها ، يكون التعليم فيها أكثر عمقا وامتدادا ، والبيئة التي نعايشها خالية من ملوثاتها بصورة أشمل ، والفرص التي يتكافأ المواطنون في الحصول عليها أبعد نطاقا ، وتوكيد حرياتهم كافل حيويتها واكتمالها ومساواتهم ف ي مباشرتها ، وحياتهم الثقافية أكثر ثراء ووعيا ، ونظم معاشهم أفضل بمزاياها وعلى مستوياتها . ومن ثم تتحقق التنمية - وميادينها متعددة - من خلال الاستثمار في رأس المال - ماديا كان أو بشريا - لتقارنها زيادة في الدخل توجهها قدرة الجماعة في زمن معين على أن تتخطى عثراتها ، وأن تكرس مواردها الأحداثها ، وأن تكون مدخلاتها تقدما علميا معززا باستثماراتها التي يرتبط معدل النمو بزيادتها واستدامتها وتصاعد إنتاجيتها ضمانا لإفادة المواطنين منها ولو بدرجات متفاوتة .
ومردود خامسا : بأن الاستثمار بمختلف ص وره - العام منها والخاص ليس إلا أموالا تتدفق . وسواء عبأتها الدولة أو كونها القطاع الخاص فإنها تتكافل فيما بينها ، ويعتبر تجميعها لازما لضمان قاعدة إنتاجية أعرض وأعمق لا يكون التفريط فيها إلا ترفا ونكولا عن قيم يدعو إليها التطور ويتطلبها . وما تنص عليه المادة ۲۹ من الدستور من أشكال الملكية العامة ، وتقوم إلى جانبها كل من الملكية التعاونية والملكية الخاصة ، ليس إلا توزيعا للأدوار فيما بينها لا يحول دون تساندها وخضوعها جميعا لرقابة الشعب .
ومردود سادسا : بأن تواصل التنمية وإثراءها لنواتجها – وعلى ما تنص عليه المادة ۳۰ من الدستور - إنما يمثل أصلا يبلوره الاستثمار العام ، ولئن مهد هذا الاستثمار الطريق إلى الاستثمار الخاص ، وكان جاذبا قواه إلا أنه أسبق منه وجودا ، وأبعد أثرا ؛ إذ يمتد لميادين متعددة لا يقبل عليها الاستثمار الخاص أو يتردد في ولوجها ، وإن كان تدفق الاستثمار العام لمواجهتها لازما ضمانا لسير الحياة وتطويرا لحركتها بما مؤداه أن لكل من الاستثمارين العام والخاص دوره في التنمية ، وإن كان أولهما قوة رئيسية للتقدم تتعدد مداخلها ، وليس لازما أن يتخذ هذا الاستثمار ش كل وحدة اقتصادية تنشئها الدولة أو توسعها ، ولا عليها أن تبقيها كلما كان تعثره باديا أو كانت الأموال الموظفة فيها لا تغل عائدا مجزيا ، أو ك ان ممكنا إعادة تشغيلها لاستخدامها على نحو أفضل ، ولا مخالفة ف ي ذلك للدستور .
ومردود سابعا : بأن ما تنص عليه المادة ۲۰ من قانون شركات قطاع الأعمال العام من جواز تداول أسهم الشركات التابعة لشركات قابضة
- ولو آل هذا التداول إلى بيعها للقطاع الخاص - لا يمثل ردة عن الدور الرائد للاستثمار العام ؛ بل هو صون لموارد لا يجوز تبديدها أو بعثرتها ، ضمانا لتواصل التنمية وترابط حلقاتها ، في إطار من التعاون بين شركائها !! (7).
وما من شك في أن هذا القضاء لا يمكن أن يفهم إلا في إطار حرص المحكمة على تجنب التصادم مع النظام السياسي ، ولعل ذلك ظاهر في تطوع المحكمة لتجاوز حدود الدعوى وإثبات رأيها ف ي مدى اتفاق التحول الاقتصادي مع نصوص الدستور ، والمفاضلة بين هذا النظام وذاك . ولبلوغ هدفها في تبرير سياسة الخصخصة ، وإثبات توافقها مع نصوص الدستور فسرت المحكمة النصوص الدستورية وفقا لمذهب « تطور التفسير بتطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية » وهو منهج معيب من حيث إنه - في حقيقته - يعتبر تعديلا لنصوص الدستور ، فهو لا يقتصر على التفسير بل يتعداه إلى خلق قواعد قانونية جديدة تخالف ما يثبته النص . فهذا التفسير يقوم بتعديل وإلغاء نصوص التشريع وخلق قواعد قانونية جديدة وفي هذا توسيع غير مأمون العاقبة لسلطة المفسر(8).
هذا فضلا عن تهاوى المبررات والأسباب التي س اقتها المحكمة وتناقضها ، وذلك على الوجه التالي : فمن ناحية أولى : ليس صحيحا ما ذهبت إليه المحكمة من أن النصوص الدستورية لا يجوز تفسيرها باعتبارها حلا نهائيا ودائما لأوضاع اقتصادية جاوز الزمن حقائقها ؛ بل العكس هو الصحيح إذ الأصل أن كل نص قانونی سواء أكان نصا دستوريا أم نصا تشريعيا يقدم حلا نهائيا ودائما لمشكلة معينة . إن الاسترسال مع منطق المحكمة الدستورية العليا إلى النهاية يفضي إلى نتائج غير صحيحة ؛ وهي أن نصوص الدستور أصبحت بلا قيمة ولا جدوى و غير صالحة للتطبيق أو كما عبر البعض « لم تعد إلا حبرا على ورق »(9) .
فالدستور يقيم النظام الاقتصادي على فلسفة ونظام معين يجب اتباعه ؛ وإذا أرادت الدولة النكول عنه فيجب تعديل الدستور . فاتفاق الآليات القانونية مع الواقع يؤدي بطبيعة الحال أن يتم هذا التحول بطريقة صحيحة ومأمونة .
ومن ناحية ثنية : فإن ما ذهبت إليه المحكمة في تفسيرها النصوص الدستور هو الذي يؤدي إلى نهر النصوص الدستورية لإخضاعها الفلسفة بنائها ، لم تتضمنها ولا يمكن أن تتعايش معها أو تؤدي إلى إتمام التحول إليها بطريقة سليمة .
ومن ناحية ثالثة : فليس صحيحا ما ذهبت إليه المحكمة من أن استهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يتطلبها الدستور يمكن أن تتحقق بأية وسيلة مادامت هذه الوسيلة يتحقق بها الهدف . ذلك أنه حين يحدد الدستور وسيلة معينة أو نظاما اقتصاديا محددا يجب أن تتم هذه التنمية عن طريقها ، فإذا ما رغبت عن هذه الوسيلة فإنه يجب تعديل نصوص الدستور لاقرار وسيلة أخرى تتحقق بها .
ومن ناحية رابعة : فإذا كان صحيحا ما ذهبت إليه المحكمة من أن الاستثمار بمختلف صوره - العام منها والخاص - ليس إلا أموالا تتدفق وسواء عبأتها الدولة أو كونها القطاع الخاص فإنها تتكامل فيما بينها. إلا أن الدستور إذ وزع الأدوار بينهما فإنه يجب احترام هذا التنظيم الدستوری إلى أن يعدل أو يلغي .
نخلص مما سبق إلى أن الاتجاه إلى الاقتصاد الحر وخصخصة القطاع العام تتم في مصر دون إطار دستوری يضبط هذا التحول ، الأمر الذي يفقد هذا التحول الضوابط الضرورية التي تكفل نجاحه . ومن أهم هذه الضوابط تحديد المرافق التي يمكن أن تكون محلا للخصخصة وتلك التي تخرج عنها إعمالا للاعتبارات الوطنية أو الاعتبارات التي تتعلق بالمصلحة
العامة . فضلا عن تحديد أساليب الخصخصة وكيفية التصرف في عوائدها . وإذا خلصنا إلى تخلف الإطار الدستوري للخصخصة في مصر فهل توافر له الإطار التشريعي ؟.
______________________
1- الجريدة الرسمية - العدد ۷ (تابع) في 13/2/۱۹۹۷
2- سعاد الشرقاوي : مبادئ القانون الإداري - الطبعة الثالثة - ۲۰۰۱ - دار النهضة العربية ص ۳۰4 ، ۳۰۰ . وأيضا مقالها بعنوان : نقلة حضارية بأساليب متنوعة التحرير الاقتصاد - جريدة الأهرام – بتاریخ 19/4/1994
3- محمد محمد عبد اللطيف - النظام الدستوري للخصخصة - ۲۰۰۰ - دار النهضة العربية - ص ۲۷.
4- محمد محمد عبد اللطيف : النظام الدستوري للخصخصة - المرجع السابق - ص ۲۷.
5- جابر جاد نصار : الوسيط في القانون الدستوری - ۱۹۹۹ - ص ۳۲۹.
6- لجريدة الرسمية - العدد ۷ (تابع) في 13/2/۱۹۹۷
7- حكم المحكمة الدستورية العليا : في الدعوى رقم 7 لسنة 16 ق.د - بتاريخ أول فبراير ۱۹۹۷ - والجريدة الرسمية - العدد ۱۷ (تابع) في 13/2/ 1997
8- رمزي الشاعر : النظرية العامة للقانون الدستوری - الطبعة الثالثة - ۱۹۸۳ - دار النهضة العربية - ص ۳۳۰-۳۳۱.
9- محمد عبد اللطيف : النظام الدستوري للخصخصة - المرجع السابق - ص 36.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|