أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2015
4681
التاريخ: 25-03-2015
1989
التاريخ: 25-03-2015
1210
التاريخ: 25-09-2015
2689
|
الجناس ويسمّى أيضاً "التجنيس"
الجِنَاسُ في اللّغة: المشاكلة، والاتحاد في الجنس، يقال لغة: جانَسهُ، إذا شاكله، وإذا اشترك معه في جِنْسه، وجنسُ الشيء أصله الذي اشْتُقَّ منه، وتَفَرَّع عنه، واتَّحدَ معَه في صفاته العظمى التي تُقومِّ ذاته.
والجناسُ في الاصطلاح هنا: أن يتشابه اللَّفْظانِ في النُّطْقِ ويَخْتَلِفَا في المعنى.
وهو فنٌّ بديعٌ في اختيار الألفاظ التي تُوهِمُ في البدْءِ التكرير، لكنّها تفاجئ بالتأسيس واختلافِ المعنى.
ويُشْترط فيه أن لا يكون متكلّفاً، ولا مُسْتكرهاً استكراهاً، وأن يكون مستعذَباً عند ذوي الحسِّ الأدبي المرهف، وقد نَفَر من تصنُّعه وتكلُّفِه كِبَارُ الأدباء والنُّقَاد.
قال: "ابنِ حِجَّة الحموي" في كتابه: "خزانة الأدب": "أمّا الجناسُ فإنَّهه غَيْرُ مذْهبي ومَذْهَبِ مَنْ نسجْتُ على مِنْوالِهِ مِنْ أهْلِ الأدب".
وقال "ابن رشيق" في كتابه: "العمدة": "التجنيس من أنواع الفراغ، وقلّةِ الفائدة، وممّا لاَ يُشَكُّ في تَكلُّفِه، وقد أكثر منه السَّاقَةُ المتعقِّبُونَ في نَظْمِهم ونَثْرِهم، حتّى بَرَدَ وَرَكَّ".
يعني بالساقة الّذين لم يصِلُوا إلى أن يكونوا فُرْسانَ أدب في نَثْرٍ أو شِعْر، وأرى أنّه يَذُمُّ الجناس المتكلَّف المَمْجُوج.
وقال "الشيخ عبد القاهر الجرجاني" في كتابه "أسرار البلاغة": "أمّا التجنيس فإنَّكَ لا تَسْتَحْسِنُ تجانُسَ اللَّفظتَيْن إلاَّ إذا كان مَوْقعُ مَعْنَيَيْهما من العقل موقعاً حميداً، ولم يَكُنْ مَرْمَى الجامع بينهما مَرْمىً بعيداً، أَتُراك استَضْعَفْتَ تجنيس أبي تمام في قوله:
*ذهَبَتْ بِمَذْهَبِهِ السَّمَاحَةُ فَالْتَوَتْ * فِيهِ الظُّنُونُ: أَمَذْهَبٌ أَمْ مُذْهَبٌ*
واستحسنْتَ قول القائل:
*"حَتَّى نَجَا مِنْ خَوْفِهِ وَمَا نَجا"*
وقولَ المُحْدَث:
*نَاظِرَاهُ فِيمَا جَنَى نَاظِرَاهُ * أَوْ دَعَانِي أَمُتْ بِمَا أَوْدعَاني*
لأمْرٍ يرجع إلى اللّفظ؟ أمْ لأنَّكَ رَأيْتَ الفائدة ضَعُفَتْ عنْدَ الأوّل، وقويتْ في الثاني؟ ورأيْتُك لم يَزِدْك بمَذْهَبٍ ومُذْهَبٍ على أن أسْمَعَك حُروفاً مكرَّرة، تروها لها فائدةً فلا تَجدُها إلاَّ مجهولة مُنْكرة، ورأيْتَ الآخَرَ قَدْ أعاد عَلَيْكَ اللّفظة، كأنَّهُ يخدَعُك عن الفائدة وقد أعطاها، ويُوهِمُك كأنَّهُ لم يَزِدْكَ وَقَدْ أحْسَنَ الزيادة ووفّاها، فبهذه السّريرة صار التجنيس - وخصوصاً المستوفى منه المتّفِقَ في الصورة - من حَلْي الشعر، ومذكوراً في أقسام البديع.
فقد تبيَّن لَكَ أنّ ما يُعْطي التجنيس من الفضيلة أمْرٌ لم يَتمَّ إلاّ بنُصْرَةِ المعنى، إذْ لو كان باللّفظ وحده لَمَا كان فيه مُسْتَحَسَن، وَلمَا وُجِدَ فِيه إلاَّ مَعِيبٌ مُسْتَهْجَن، ولذلِكَ ذُمَّ الإِكْثَارُ مِنْهِ والْوُلُوعُ به، وذلك أنَّ المعاني لا تدين في كلّ موضِعٍ لما يَجْذِبُها التجنيس إليه...".
وهكذا أعطى "الشيخ عبد القاهر الجرجاني" الجناسَ قيمته، فلم يَبْخَسْهُ حقَّهُ، ولم يَغْلُ فيه.
وقد اعتنى علماء البديع بتقسيم الجناس إلى أنواع، اعتماداً على استقراء الأمثلة، والنظر الفكري في احتمالات التقسيم، إلاَّ أنهم أسرفوا في وضع أسماء لكلّ فرع من فروع أنواعه، وهو أمْرٌ يُرْهِق محلّل النّصوص، ويصْرفه عن تذوُّق الجمال الأدبي، ليهْتَمَّ بالتحليل الآلي، وتذكُّرِ الاسم الخاصّ بكلّ فرع من هذه الفروع، وإنّي أوردها لا لأكلّف الدارس حفظَها وتطبيقها على ما يشرحه من الأمثلة في دراساته الأدبيّة، متذكّراً ما وُضِعَ لكلّ فرع منها من اسم خاصٍّ به، ولكن ليكتشف مدى الدقّة التي كانت لدى علمائنا الأقدمين، فيما قدّموه من دراسات تفصيليّة، وليكون لديه تصوّرٌ عامّ يَسّتَفيدُ منه لدى دراساته للنصوص الأدبيّة.
أنواع الجناس وفروعها:
/ قسَّم علماء البديع الجناس إلى ستة أنواع ذوات فروع: / النوع الأول: "الجناس التام":
/ وهو ما اتفق فيه اللَّفظان في أربعة أمور:
(1) في نوع الحروف.
(2) وفي هيئتها (أي: في حركاتها وسكناتها). (3) وفي عَدَدِها.
(4) وفي ترتيبها.
مثل: "يَحْيَا" فعلاً مضارعاً مصدره الحياة، و "يَحْيَى" اسماً علماً لإِنسان، ومثل: "جَنَى" بمعنى ارتكب جناية، و "جَنَى" بمعنى قطف ثمرة من شجرتها.
واشتقّوا من هذا النوع الأوّل خمسة فروع، وهي ما يلي:
الفرع الأول: "المماثل" وهو الجناس التام الذي يكون اللّفظان المتشابهان فيه من نوع واحد من أنواع الكلام، كاسمين، أو فعلين، ومن أمثلته ما يلي:
(1) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الروم/ 30 مصحف/ 84 نزول):
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ...} [الآية:55].
المراد من لفظ "الساعة" ساعَةُ البعثَ إلى يوم الحساب والجزاء، والمراد من لفظة "ساعة" أنهم ما لبثوا في البرزخ بين الموت والبعث غير مدة زمنية من أزمان النهار واللّيل المقسّم إلى (24) ساعة أو نحوها.
(2) وقول أبي تمّام يصف فُرْسَانَ ممدوحيه:
*إِذَا الْخَيْلُ جَابَتْ قَسْطَلَ الْحَرْبِ صَدَّعُوا * صُدُورَ الْعَوَالي في صُدُور الكَتَائِبِ*
جَابَتْ قَسْطَل الحرب: أي: اخترقت وقَطَعَتْ غُبار موقعه الحرب من وسطه.
صَدَّعُوا: أي: كَسَّروا. صُدُورَ العوالي: أي: المتقدّم من الرماح مما هو قريبٌ من السِّنان، فالعالية: هي النِّصْفُ الذي يَلي السّنان من قناة الرّمح، وجمعها العوالي. وصُدُور الكتَائب: هي صدور أفراد الجيش المحارب.
صُدور وصُدُور: اسمان.
(3) قول أبي نواس يمدح عبّاسَ بن فضل الأنصاري الذي ولي قضاء الموصل في عهد الرشيد، ويمدح الفضل بن الربيع بن يونس وزير الرشيد، ثم وزير الأمين، ويمدح الربيع بن يونس، وزير المنصور العباسي، في بيت واحد:
*عَبَّاسُ عَبَّاسٌ إِذَا احْتَدَمَ الوغَى * والْفَضْلُ فَضْلٌ، والرَّبيعُ رَبيعُ*
الفرع الثاني: "الْمُسْتَوْفَى" وهو الجناس التامّ الذي يكون اللّفظان المتشابهان فيه من نوعين مختلفين من أنواع الكلام، كأن يكون أحدهما اسماً والآخر فعلاً، ومن أمثلته ما يلي:
(1) قول أبي تمّام:
*مَا مَاتَ مِنْ كَرَمِ الزَّمَانِ فإنَّهُ * يَحْيَا لَدَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله*
(2) قول صانعاً مثلاً:
*يَزِيدُ لَهُ أيَادٍ لاَ تُبَارَى * ويَسْبِقُ مَنْ رَجَاهُ لِمَا يُرِيدُ*
*"يَزِيدُ" عطاؤُهُ مَا جِئْتَ تَرْجُو * نَدَاهُ بِكُلِّ آوِنَةٍ يَزِيدُ*
"يَزيدُ" الأول اسم علم. و "يزيد" الثاني فعل مضارع.
الفرع الثالث: "المتشابه" وهو الجناس التام الذي يكون أَحَدُ اللَّفْظَين المتشابهين فيه مركّبَاً من كلمتين فأكثر مع اتفاقهما في الخطّ، ومن أمثلته ما يلي:
(1) قول أبي الفتح الْبُسْتِي:
*إِذا مَلِكٌ لَمْ يَكُنْ ذَا هِبَة * فَدَعْهُ فَدَوْلَتُهُ ذَاهِبَة*
"ذا هبة" الأول: أي: صاحب هِبَةٍ. والثانية اسم فاعل من الذّهاب.
(2) قول القاضي الفاضل:
*عَضَّنا الدَّهْرُ بِنَابِهْ * لَيْتَ مَا حَلَّ بِنَا بِهْ*
* لا يُوَالي الدَّهْر إلاَّ * خَامِلاً لَيْسَ بِنَابِهْ*
"بنابِه" الأول: أي: بسِنَّهِ المعروف بالنَّاب. و"بِنابه" الثاني" الباء حرف جرّ و "نا" ضمير، و "به" حرف وضمير متصل يعود عل الدهر. و "بنابه" الثالث، الباء حرف جر، و "نابه" أي ذي شَرَفٍ وشُهْرَة.
(3) قول بعض البلغاء: "يَا مَغْرُورُ أَمْسِكْ، وقِسْ يَوْمَكَ بِأمْسِكَ".
الفرع الرابع: "المفروق" وهو الجناس التامّ الذي يكون أحدُ اللّفظَينْ المتشابهين فيه مركّباً من كلمتين فأكثر مع اختلافهما في الخطّ، ومن أمثلته ما يلي:
(1) قول أبي الفتح البستي:
*كُلُكُمْ قَدْ أَخَذَ الْجَا * مَ وَلاَ جَامَ لنا*
*مَا الَّذِي ضَرَّ مُدِير الْجَا * مِ لَوْ جَامَلَنا*
الجام: إناء للشراب من فضَّةٍ أو نحوها.
ولاَ جَامَ لنا: أي ليس لنا هذا الإِناء.
لو جَامَلَنا: أي: لو عامَلَنا بالجميل.
(2) قول أحدهم:
*لاَ تَعْرِضَنَّ عَلَى الرُّوَاةِ قَصِيدَةً * مَا لَمْ تُبَالِغْ قَبْلُ فِي تَهْذِيبَها
*فَمَتَى عَرَضْتَ الشِّعْرَ غَيْرَ مُهَذَّبٍ * عَدُّوهُ مِنْكَ وَسَاوِساً تَهْذِي بها*
"تهْذِي بها" الثاني من الْهَذَيان. والأول من التهذيب.
الفرع الخامس: "المَرْفُوّ" وهو الجناس التّام الذي يكون أَحَدُ اللّفظين المتشابِهَيْن فيه مركَّباً من كلمة وبعض كلمة أخرى، ومن أمثلته ما يلي:
(1) قول الحريري:
*والْمَكْرُ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ لاَ تَأْتِهِ * لِتَقْنَنِي السُّؤدُدَ والمَكْرُمَة*
(2) وقوله أيضاً:
*فَلاَ تَلْهُ عَنْ تَذْكَارِ ذَنْبِكَ وابْكِهِ * بِدَمْعٍ يُحَاكِي الْمُزْن حَالَ مَصَابِهِ*
*وَمَثِّلْ لِعَيْنَيْكَ الْحِمَامَ وَوَقْعَهُ * وَرَوْعَةَ مَلْقَاهُ وَمَطْعَمَ صَابِهِ*
حَالَ مَصَابِه: أي: حَال انصبابه، تقول: صَابَ المطر، إذا انصبّ. الحِمَام: الموت.
ومَطْعَمَ صَابِه: أي: مَطْعَمَ شجرتِهِ المُرَّة، الصَّابُ: شَجَرٌ مُرٌّ لَهُ عُصَارَةٌ بيضاءُ كاللَّبَن بالغة المرارة، إذا أصابت العَيْنَ أتْلَفَتْهَا.
(3) ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (التوبة/ 9 مصحف/ 113 نزول):
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
النوع الثاني: "الجناس المحرّف":
وهو ما اختلف فيه اللّفظان في هيأة الحروف، واتفقا في نوعها وعددها وترتيبها.
مثل: "الْبُرْد" بمعنى الكِسَاء، وهو كِسَاءٌ مُخَطَّط يُلْتحف به، و"الْبَرْد" بمعنى انخفاض درجة الحرارة، و"الْبَرَد" بمعنى الماء الجامد الذي ينزل من السّماء، إنّ حروف هذه الكلمات متفقة في نوعها وعددها وترتيبها، لكنّها مختلفة في هيئتها، فالباء مضمومة في الأولى ومفتوحة في الثانية مع سكون الراء، ومفتوحة في الثالثة مع فتح الراء.
ومثل: "الشِّرْك" بمعنى جعل شريك لله عزَّ وجلَّ، و "الشَّرَك" بفتح الشين والراء بمعنى الحبل الذي يضعه الصياد ويُخْفيه ليصيد به ما يترصّد من حيوان الوحش، كغزال، وتيْسٍ جبليّ.
ومن أمثلة الجناس المحرّف ما يلي:
(1) قولهم: "جُبَّةُ الْبُرْدِ جُنَّةُ الْبَرْد" فبين البُرْدِ والبَرْدِ جناسٌ مُحَرَّف.
(2) وقولهم: "الْبِدْعَةُ شَرَكُ الشِّرْك".
(3) قول المعرّي:
*والْحُسْنُ يَظْهَرُ فِي بَيْتَيْنِ رَوْنَقُهُ * بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ بَيْتٍ مِنَ الشَّعَر*
فبين الشِّعْرِ، والشَّعَر جناسٌ محرّف.
(4) قولهم:
*"لاَ تُنَالُ الْغُرَرَ إِلاَّ بِرُكُوبِ الْغَرَر"*
الغُرَر: جَمْعُ أغَرّ، وهو الحَسَنُ من كُلّ شيء.
الْغَرَر: الخَطَر، والتعرّض لِلْهَلَكَة.
(5) قول ابن الفارض:
*هَلاَّ نَهَاكَ نُهَاكَ عَنْ لَوْمِ امْرِئٍ * لَمْ يُلْفَ غَيْرَ مُنَعَّمٍ بِشَقَاءِ*
نَهَاكَ: ضدّ أمَرَك. نُهَاك: النُّهَى: العقل، والمعنى: هلاَّ زجرك عقلك عن لوم امْرِئٍ...
(6) قول الحريري يصف هُيَامَ الجاهلِ بالدنيا:
*مَا يَسْتَفِيقُ غَراماً * بها وَفَرْطَ صبَابَة*
*ولَوْ دَرَى لَكَفَاهُ * مما يَرُومُ صُبَابة*
النوع الثالث: "الجناس الناقص":
وهو ما نقصت فيه حروف أحد اللفظين عن الآخر، مع اتفاق الباقي في النوع والهيئة والترتيب.
مثل: "جَوَابٍ" و "جَوَانح". ومثل: "صالحٍ" و "صوالح". ومثل: "سابح" و "مَسَابح".
واشتقُّوا من هذا النوع الثالث أربعة فروع، وهي ما يلي:
الفرع الأول: "الْمَرْدُوف" وهو ما كان الحرف الأوّل هو الناقص في أحَدِهما، مثل: "مَسَاق" و "ساق". ومثل: "باح - ربَاح" و "جَاء - رَجَاء" ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (القيامة/ 75 مصحف/ 31 نزول):
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}.
ومنه: {كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَات}.
ومثل: "سَاءَ مَسَاءُ المُجْرِمِ إذْ ضَاءَ مَضَاءُ سَيْفِ الْجَلاَّد".
الفرع الثاني: "المكتَنف" وهو ما كان الحرف الناقص في وسط أحَدِهما، مثل: "حديقة مَطُوفَةٌ، وثِمَارُها مَقْطُوفة" - "السَّكْرَانَ بلَذَّاتِ دُنْيَاهُ هُوَ الْمَجْنُون، وهو لا يَصْحُو مَا لَمْ يَنْزِلْ بِه رَيْبُ الْمَنُوْن" - "مَنْ فَقَدَ بالسُّكْرِ عَقْلَهُ كُشِفَ سِتْرُهُ، واسْتُبِيحَ سِرُّهُ".
الفرع الثالث: "الْمُطَرَّف" وهو ما كان الحرف الناقص في آخرِ أَحَدِهما، مثل: "سَارٍ" و "سَارِق". و "عَارٍ" و "عَارِف". و "قاضٍ" و "قاضِم". و "جَوارٍ" و "جَوَارِح"، ومنه قول أبي تمّام:
*يَمُدُّونَ مِنْ أَيْدٍ عَوَاصٍ عَوَاصِمٍ * تَصُولُ بِأَسْيَافَ قَوَاضٍ قَوَاضِبِ*
عَوَاصٍ: جَمْعُ "عاصِيَة" من: "عَصَاهُ" إذا ضرَبَهُ بالعصا فَهُوَ عَاصٍ، وهي عَاصِيَة.
عَوَاصِم: جمع "عاصِمة" وهي الحافظة الحامية.
قواضٍ: جمع "قاضية" من "قضى عليه" إذا قتله.
قواضِب: جمع "قاضِبَة" من "قَضَب" بمعنى "قطع" أي: قواطع.
ومنه قول ابن الفارض:
*أَشُكُو وَأَشْكُرُ فِعْلَهُ * فَاعْجَبْ لشَاكٍ مِنْهُ شَاكِرْ*
الفرع الرابع: "الُمُذَيَّل" وهو ما كان الناقص في آخر أحدهما أكثر من حرف، فيكون مقابله بمثابة ما له ذيل، مثل: "الْجَوى" و "الجوانج". و "الصَّفا" و "الصّفائح". و "القَنا" و "القنابل" ومنه قول الخنساء من قصيدة ترثي فيها أخاها صخراً:
*إِن الْبُكَاءَ هُوَ الشِّفَا * ءُ مِنَ الْجَوَى بَيْنَ الجَوَانِح*
الجوَى: الحرقَةُ وشدّة الوجد. الجوانح: الأضلاع التي تحت الترائب ما يلي الصدر.
ومنه قول حسّان بن ثابت رضي الله عنه:
*وَكْنَّا مَتَى يَغْزُ النَّبِيُّ قَبِيلَةً * نَصِلْ جَانِبَيْهِ بالْقَنَا والْقَنَابِلِ*
القنا: جمع "القَنَاة" وهي الرّمح. القنابل: جمع "الْقَنْبَلَة" وهي الطَّائفة من الناس، ومن الخيل.
ومنه: {وانْظُرْ إلى إلهِك}.
النوع الرابع: "الجناسُ الْمُضَارع":
وهو ما اختلف فيه اللّفظانِ المتشابهان في نوع حرف واحدٍ منهما مع تقاربهما في النطق، في الأول أو الوسط أو الآخر.
مثل: "الخيل" و "الخير". و "دامس" و "طَامِس". و "البرايا" و "البلايا". و "صالح" و "سَالح" ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (غافر/ 40 مصحف/ 60 نزول):
{ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ}.
"تفرحون" و "تَمْرحُون" متشابهان باختلافٍ في حرف واحد هو "الفاء" في اللفظ الأول، و "الميم" في اللفظ الثاني، وهما حرفان متقاربان.
ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (القيامة/ 75 مصحف/ 31 نزول):
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.
ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نواصِيهَا الْخَيْرُ".
ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الأنعام/ 6 مصحف/ 55 نزول):
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
النوع الخامس: "الجناس اللاّحِق":
وهو ما اختلف فيه اللفظان المتشابهان في نوع حرف واحد منهما غَيْرِ مُتَقاربَيْنِ في النُّطْق، في الأوّل أو الوسط أو الآخر.
مثل: "تَقْهر" و "تَنْهَر" فالقاف والنون غير متقاربين في النطق. ومثل: "تَلاَقٍ" و "تَلاَفٍ" فالقاف والفاء غير متقاربين، ومثل: "هُمَزَة" و "لُمَزَة".
* ومن هذا النوع قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الضحى/ 93 مصحف/ 11 نزول):
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ}.
* وقول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الهمزة/ 104 مصحف/ 32 نزول):
{ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}.
* وقول البحتري:
*أَلِمَا فَاتِ مِنْ تَلاَقٍ تَلاَف؟ * أَمْ لِشَاكٍ من الصَّبَابَةِ شَافِ؟*
النوع السادس: "الجناس المزدوج ويُسَمَّى "المكرر" و "المردَّد" وهو أن يلي أحد المتجانسين الآخر، ومنه ما يلي:
(1) قول الله تعالى في سورة (النمل/ 27 مصحف/ 48 نزول) حكاية لما قال الهدهد لسليمان عليه السلام:
{جِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [الآية:22].
(2) وقولهم: "مَنْ جَدَّ وَجَد" - "من قرعَ باباً ولَجَّ وَلَجَ".
النوع السابع: "جناسُ القلب".
وهو ما اختلف فيه ترتيب حُروف اللَّفظَيْن، واتّفقَا في النَّوْع والْعَدَدِ والهيأة.
مثل: "حَتْف" و "فَتْح". ومثل: "عَوْرَة" و "رَوْعة".
واشتقوا من هذا النوع ثلاثة فروع:
الفرع الأول: "قَلْبُ الْكُلّ" وهو أن تكون حروف كلٍّ مِنْهُما على عَكْسِ حروف الآخر، مثل: "فتح" و "حتف".
ومن أمثلة هذا الفرع قول الأحنف بن قيس:
*حُسَامُكَ فِيه لِلأَحْبَابِ فَتْحٌ * ورُمْحُكَ فِيهِ للأَعَدَاءِ حَتْفُ*
ومثل: "ورَبَّكَ فكَبّر".
الفرع الثاني: "قَلْبُ البعض" وهو أن يكون بَعْضُ حروفِ أحَدِهما على عكْسِ بعضِ حروف الآخر منهما، مثل: "عَوْرات" و "رَوْعات" ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أدعيته:
"اللَّهُمَّ اسْتُرُ عَوْراتِنَا وَآمِنْ رَوْعاتِنَا".
الرَّوْعة: المرّة من الرَّوْع، وهو الخوف.
ومنه قول بعضهم: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أمْسَكَ مَا بَيْن فَكَّيْهِ وأطْلَقَ مَا بَيْنَ كَفَّيْهِ".
أي: أمسك لسانه وحفظه، وجَادَ بماله.
الفرع الثالث: "المقلوبُ المجنّح" وهو أن يكون أحد اللَّفظين من "جناس القلب" في أوّل البيت من الشعر، أو الفقرة من النثر، والآخر في آخر البيت، أو في آخر الفقرة.
* ومنه قولُ ابن نُبَاتة:
*سَاقٍ يُرِيني قَلْبُهُ قَسْوَةً * وَكُلُّ سَاقٍ قَلْبُهُ قَاسٍ*
أي: وكلّ لفظ "سَاق" إذا قلبته بعكس حروفه فهو "قاس".
* قولي صانعاً مثلاً:
*جَانٍ عَلَيْنَا فِي الهَوَى ظَالِمٌ * هَلْ هُوَ مِنْ نَارِ الْهَوَى نَاجِ*
*قَالَ: فَهَلْ يَلْزَمُنِي وَصْلُكُمْ؟ * قُلْتُ: وحَقُّ الجَارِ واللاَّجي؟*
*فَجَارُ ذِي الْحُسْنِ ومَنْ عنْدَهُ * فَيْضُ عَطَاءٍ طَامِعٌ رَاجِ*
النوع الثامن: "الجناسُ المصحَّف" ويسمى "جناس الخطّ".
*وهو أن يتشابه اللفظان في الكتابة مع اختلافٍ في نقَط الحروف، مثل: "يَسْقي" و"يشفي".
ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الشعراء/ 26 مصحف/ 47 نزول) حكاية لقول إبراهيم عليه السلام لقومه:
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.
ما يُلْحقُ بالجناس:
يُلحقُ بالجناس ما يُسمَّى "الجناس المطلق" وهو قسمان:
القسم الأول: "المتلاقيان في الاشتقاق".
وهو أن يجمع بين اللَّفظين الاشتقاق، مثل قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الروم/ 30 مصحف/ 84 نزول):
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ الْقِيِّمِ...} [الآية:43].
لفظ "أَقِم" ولفظ "القيّم" مشتقان من مادة لغوية واحدة ومنه: "تأخّر كليمُ الله في رحلة الميعاد أيّاماً قليلة فعَجِلَ بَنُو إسرائيل إلى عبادة العِجْل".
القسم الثاني: "المتلاقيان فيما يشبه الاشتقاق".
وهو أن يجمع بين اللَّفْظين ما يشبه الاشتقاق، مثل قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الشعراء/ 26 مصحف/ 47 نزول) حكايةً لما قال لوطٌ عليه السّلام لقومه: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ}.
فعل "قال" مشتقٌّ من "القول" وكلمة "القالين" جمع "القالي" وهو المبغض والهاجر، من "قَلاَهُ قِلىً" إذا أبغضه وهجره، ولكن جمع بينهما ما يشبه الاشتقاق، فقد اشتركا في القاف والألف واللاّم، وإن كانَا مِنْ مادّتين مختلفتين.
ومنه: {وجَنى الجنتيْن دَان} - {ليُريَهُ كيْفَ يُواري} - {وإِنْ يُرِدْكَ بخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لَهُ} - {أثاقلتُم إلى الأَرْض أرَضيتُمْ بالحياة الدُّنيا} - {وَإِذَا أنْعَمْنَا على الإِنْسَان أعْرَضَ ونأَى بجانِبِه، وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}.
أمثلة مختلفة من أقسام الجناس وفروعها
(1) قال شاعر في رثاء ولده يحيى:
*وَسَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَا فَلَمْ يَكُنْ * إِلى رَدِّ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ سَبِيلُ*
(2) وقال الشاعر:
*قالَ لِي والدَّلاَلُ يَعْطِفُ مِنْهُ * قَامَةً كالْقَضِيب ذَاتَ لَيَانَهْ*
*هَلْ عَرَفْتَ الهَوَى فَقُلْتُ وهل أُنْـ * ـكِرُ دَعْوَاهُ قال: فاحْمِلْ هوَانَهْ*
(3) قول هَارون لأخيه موسى عليهما سلام الله كما حكى الله عزَّ وجلَّ:
{خَشِيتُ أن تَقُولَ فرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيل}.
(4) قول أبي العلاء المعري:
*لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْسَاناً يُلاَذُ به * فَلاَ بَرِحْتَ لِعَيْنِ الدَّهْرِ إِنْسَانَا*
(5) قول أبي الفتح الْبُسْتِي:
*فَهِمْتُ كِتَابَكَ يَا سَيِّدِي * فَهِمْتُ وَلاَ عَجَبٌ أَنْ أَهِيمَا*
(6) قول ابن جُبَيْر الأندلسي:
*فَيَا رَاكِبَ الْوَجنَاءِ هَلْ أَنْتَ عَالِمٌ * فِداؤُكَ نَفْسِي كَيْفَ تِلْكَ الْمَعَالِمُ*
(7) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النساء/ 4 مصحف/ 92 نزول):
{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ...} [الآية:83].
(8) قول النابغة في الرّثاء:
*فَيَا لَكَ مِنْ حَزْمٍ وعَزْمٍ طَوَاهُما * جَدِيدُ الرَّدَى بَيْنَ الصَّفَا والصَّفَائح*
الصَّفَا: الحجارة العريضة الملساء، والواحدة منها صفاة.
الصَّفائح: جمْعُ صفيحة، وهي كلّ عريضٍ من حجارة أو لوح أو نحوهما، وتطلَقُ على السيف، لأنَّه حديدة عريضة.
(9) قول الحريري:
"لاَ أعْطِي زِمَامِي مَنْ يُخْفِرُ ذِمَامِي، وَلاَ أَغْرِسُ الأَيَادي فِي أرْضِ الأَعَادِي".
يُخْفِرُ: أيْ ينقضْ. ذِمَامِي: أي عَهْدِي. الأيادي: أي النّعَم.
(10) قول البحتري:
*فقِفْ مُسْعِداً فِيهنَّ إِنْ كُنْتَ عَاذِراً * وسِرْ مُبْعِداً عَنْهُنَّ إِن كُنْتَ عَاذِلاً*
عاذلاً: أي: لائماً.
(11) قول أبي تمّام:
*بِيضُ الصَّفَائحِ لاَ سُودُ الصَّحائِفِ في * مُتُونِهِنَّ جَلاَءُ الشَّكِّ والرِّيَبِ*
الصَّفائح: يريد بها السّيوف. ومَتْنُ السيف حدُّه.
(12) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (غافر/ 40 مصحف/ 60 نزول):
{ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ}.
(13) قول الشاعر:
*إِلَى حَتْفِي سَعَى قَدَمِي * أَرَى قَدَمِي أَرَاقَ دَمِي*
*فَمَا أَنْفَكُّ عَنْ نَدَمِي * وَهَانَ دَمِي فَهَا نَدَمِي*
خاتمة:
يحسُنُ تَرْكُ الجناس وإن تيسّرَ إذَا اقتضى معنىً مقصودٌ تَرْكَه وعَدَمَ الاحتفاء به، فمرعاةُ المعاني أولى من مراعاةِ الألفاظ.
* ومن الأمثلة الكاشفة ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (يوسف/ 2 مصحف/ 53 نزول) حكاية لما قال إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم يعقوب عليه السلام:
{قَالُواْ يَا أَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}.
كان من الممكن أن يقولوا: وما أنْتَ بمصدِّقٍ لنا وإنْ كنّا صادِقين، فيصنَعُوا جناساً.
لكنّ هذا الجناس يفوّتُ معنىً قَصَدُوا التعبير عنه، وهو أنَّ أباهم غَيْرُ مطمئن لمشاعرهم تُجاه أخيهم، إذْ هُو يعلمُ حسَدَهم له، فلو كانوا صادقين حقّاً وصَدَّقهم لما وصلَ تصديقه إلى درجةِ الإِيمان يُحْدِثُ في القلب الطَّمْأْنينة.
ومن الأمثلة الكاشفة أيضاً قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الصَّافات/ 37 مصحف/ 56 نزول) حكاية لمقالة "إلياس عليه السلام" لقومه بشأن إلهِهِم "بَعْل":
{أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}.
كان من الممكن أن يُسْتَخْدَم في هذا التعبير الجناس، بأن يُقالَ: أَتَدْعُونَ بَعْلاً وتَدَعُونَ أَحْسَنَ الخالقين.
لكنّ استخدام هذا الجناس يُفَوّتُ معنىً مقصوداً، والدّلالة عليه أولى من الاحتفاء بمُحَسِّنٍ لفظي، وذلِكَ لأَن كلمة "تَدَعُون" تدلُّ على أنّ المتروكَ شيءٌ معتنىً به، بشهادة الاشتقاق، إذْ مادّة الكلمة ليست موضوعة لمطلَق التَّرْك، بل هو ترك مقرون بالاعتناء بحال المتروك، ومنه ترك الوديعة، ولذلك يُختار لها من هو مؤتَمَنٌ عليها، وتُودَعُ لتُسْتعادَ بعد حين.
والمخاطبون عُبَّادُ "بعل" غيْر مهتمّين ولا معتنين بالله ربِّ العالمين، أحْسَنِ الخالقين.
بخلاف عبارة: "تَذَرُونَ" فإنّ مادَّتَها موضوعة لمطلق الترك أو للترك مع إعراضٍ وإهمال وعدم اعتناءٍ بالمتروك مطلقاً.
قال الراغب: يُقالُ: فلانٌ يَذَرُ الشيء، أي: يَقْذِفُه لقلّة الاعتداد به، ومنه "الوَذْرَة" وهي القطعة الصغيرة من اللّحم لا عظم فيها، لقِلّة الاعتداد بها.
ولمّا كان سياق النصّ يُناسبُه معنى: "وَتَذَرُونَ" دون "وتَدَعُونَ" كان الاختيار القرآني مُرَجَّحاً جانب المعنى على جانب المُحَسِّن اللّفظِيّ، إذْ حالُ المخاطبين من أهل الشرك والكُفر الذين كانوا يعبدون بعلاً حال المُدْبرِ المتولِّي الذي بلغ الغاية في تولّيه عن ربِّه وما جاء به الرسول.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|