أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015
1039
التاريخ: 24-03-2015
2227
التاريخ: 24-03-2015
2475
التاريخ: 2-10-2019
1870
|
القديم في شعر محمود البارودي :
1- لم يجدد البارودي في أغراض الشعر التي عرفها شعر العصر العباسيّ, فهو يمدح ويصف، ويهجو، ويرثي، ويعتب، ويفتخر ..إلخ ما هناك من أغراض معروفة مألوفة، و يا ليته وقف عند هذا، فقد تكون الأغراض قديمة والمعاني جديدة، ولكنه حاكى القدماء أحيانًا في أسلوبهم, كما حاكاهم في أغراضهم، وقد بلغ به التقليد حدًّا نسي معه أنه في مصر, وأنه بعيدٌ عن نجد ورباها ووديانها وآرامها وخمائلها، فقال:
يا سعد قل لي فأنت أدرى ... متى رعان العقيق تبدو(1)
أشتاق نجدًا وساكنيه ... وأين منِّي الغداة نجد
(1/190)
وقال:
أين ليالينا بوادي الغضا ... ذاك عهد ليته ما انقضى(2)
كنت به من عيشتي راضيًا ... حتى إذا ولى عدمت الرضا
أيام لهوٍ وصبًا كلما ... ذكرتها ضاق عليّ الفضا
2- وقد وقف على الأطلال والدمن، وأتى بشعر جاهليّ الروح والمعنى، والوجه والزيّ، ولا يمتُّ إلى عصره وعصر الحضارة بصلة، وهو لم يقله لأنه مقتنع بأن ذلك هو الأسلوب الواجب اتباعه، والنهج الذي عليه أن يسلكه، ولكنه يريد أن يمتحن شاعريته، وهل في استطاعته أن يحاكي القدماء حتى وقوفهم على الأطلال والدمن؟ وليس أمامه أطلال ودمن تهيج شاعريته، وتثير عبرته, فإذا استطاع أن يقول مثلما قالوا فهو شاعر فحل، ولا شكَّ أن هذا النوع من الشعر خالٍ من العاطفة, وفيه كثير من الصنعة والتكلف، استمع إليه يقول:
ألا حيٌّ من أسماء رسم المنازل ... وإن هي لم ترجع بيانًا لسائل
خلاء تعفتها الروامس والتقت ... عليها أهاضيب الغيوب الحوافل
فلأيًا عرفت الدار بعد ترسم ... أراني بها ما كان بالأمس شاغلي
غدت وهي مرعًى للظباء وطالما ... غنت وهي مأوًى للحسان العقائل
إلى أن يقول:
فيا ليت أن العهد باقٍ وأننا ... دوارج في غفل من العيش خامل
تمر بنا رعيان كل قبيلة ... فما يمنحونا غير نظرة غافل
صغيرين لم يذهب بنا الظن مذهبًا ... بعيدًا ولم يسمع لنا بطوائل(3)
نسير إذا ما القوم ساروا غدية ... إلى كل بهم راتعات وجامل(4)
فأي أطلال، وأي رسومٍ رآها البارودي فوقف عندها؟ وأين رأي الظباء وهو يعيش في أحضان القاهرة المتمدينة؟ وأين مرت بهما رعيان القبائل؟
(1/191)
وما هذه البهم والجمال السائمة؟ اللهم إنه التقليد ورياضة القول, وإظهار المقدرة على النظم في مثل هذه الأغراض، وعلى هذا النمط كما فعل القدماء.
3- ونراه في النسيب ووصف المرأة يعمد إلى التشبيهات القديمة المحفوظة، فهي تحكي الظبي في كناسه، والبدر في سمائه، وهي مهاة، وألحاظها سيوف باترات، وقدها غصن يتثنى ... إلخ هذه القوالب الموروثة.
إذ نظرت أو أقبلت، أوتهللت ... فويل مهاة الرمل، والغصن والبدر
ويقول:
أيها الساهرون حول وسادي ... لست منكم أو تذكروا لي نجدًا
لا تخوضوا في غيره من حديث ... فهو حسبي، وأي ماء كصدا(5)
ويتغزل:
غصن بانٍ قد اطلع الحسن فيه ... بيد السحر جلنارًا ووردًا
ما هلال السماء؟ ما الظبي؟ ما ... الورد جنيًا؟ ما الغصن إذ يتهدى؟
هو أبهى وجهًا وأقتل ألحاظًا ... وأندى خدًّا، وألين قدّا
ويصف المرأة بقوله:
كالورد خدًّا، والبنفسج طرة ... والغصن قدًّا، والغزالة ملفتًا
ويصفها وصفًا ماديًّا كما كان يفعل القدماء، كأنها تباع وتشترى:
خفت معاطفها، لكن روادفها ... بمثل ما حملتني في الهوى رجحت
ويلاه من لحظها الفتاك إن نظرت ... وأهٍ من قدِّها العسال إن سنحت
كالبدر إن سفرت والظبي إن نظرت ... والغصن إن خطرت والزهر إن نفحت
(1/192)
ويقول:
وا لوعة القلب من غزلان أخبية ... تكاد تكسر من أحداقها الراح
من كل مائسة كالغصن قد جمعت ... بدائعًا كلها للحسن أوضاح
فالعين نرجسة، والشعر سوسنة ... والنهد رمانة، والخد تفاح
4- نرى البارودي الذي حاكى فحول الشعراء حتى الجاهليين منهم، يقلد شعراء الصنعة، وعصر الضعف، فيؤرخ أحيانًا في شعره كما أرخوا -وإن كان قليلًا ما فعل حتى لا يكاد يذكر- فمن ذلك قوله يؤرخ عودة "إسماعيل باشا" خديو مصر من دار الخلافة العلية سنة 1289هـ.
ورجع الخديو لمصره ... وأتت طلائع نصره
وتهللت بقدومه ... فرحًا أسرة عصره
فلتبتهج أوطانه ... بحلوله في قصره
وليشتهر تأريخه ... رجع الخديو لمصره
وقال في تهنئة الخديو عباس الثاني بعيد الفطر:
أمولاي دُمْ للمُلْكِ ربًّا تسوسه ... بحكمة مطبوع على الحلم والباس
ولا زالت الأعياد تجري سعودها ... عليك وتحظى من علاك بإيناس
فلولاك ما فازت يد القطر بالمنى ... ولا نشأت روح العدالة في الناس
وهذا لسان الشكر يدعو مؤرخًا ... حوى العيد أنواع الفخار بعباس
1314هـ
24، 155، 128، 219، 135
5- واستعمل البارودي المحسنات البديعية أحيانًا، ولا سيما الطباق في مثل قوله:
يموت قلبي ويحيا حيرةً وهدفي عالم الوجد إن صدت وإن جنحت ...
وقوله:
وبنفسي حلو الشمائل مر الهجر ... ويحيى وصلًا، ويقتل صدًّا
ما على قومه وإن كنت حرًّا ... إن دعتني له المحبة عبدا
(1/193)
6- أما معانيه فكثير منها قديم, والقليل فيه جدة, وهو مقلِّدٌ في المعاني كما هو مقلد في الشكل، ولا أستطيع أن أحصي المعاني القديمة لكثرتها, ولكن أدل على نوعها ببعض الأمثلة كقوله في الغزل:
طربت وعادتني المخيلة والسكر ... وأصبحت لا يلوى بشيمتي الزجر(6)
كأني مخمور سرت بلسانه ... معتقة مما يضن بها التجر
صريع هوى يلوى بي الشوق كلما ... تلألأ برق أو سرت ديم غر
إذا مال ميزان النهار رأيتني ... على حسرات لا يقاومها صبر
يقول أناس إنه السحر ضلة ... وما هي إلّا نظرة دونها السحر
ويقول مفتخرًا في هذه القصيدة بقومه:
لهم عمد مرفوعة ومعاقل ... وألوية حمر وأفنية خضر
ونار لها في كل شرق ومغرب ... لمدرع الظلماء ألسنة حمر
ويقول في القصيدة من الحكمة:
ل
عمرك ما حيٌّ وإن طال سيره ... يعد طليقًا والمنون له أسر
وما هذه الأيام إلّا منازل ... يحل بها سفر ويتركها سفر
فهذه أغراض ثلاثة في قصيدة واحدة لم يأت فيها بجديدٍ من المعنى، ففي الغزل يقول: إنه استخفه الطرب والشوق على حدة قول أبي نواس.
حامل الهوى تعب ... يستخفه الطرب
إن بكى يحق له ... ليس ما به لعب
وحاكى الأقدمين في ذكره البرق والسحب، فهذه الأشياء كانت مقبولة في الشعر القديم لأنها تصف البيئة العربية، والغيث والبرق كان فيهما حياة العرب القاطنين بالجزيرة، فإذا لمع البرق أو هطلت السحب هلل الناس وفرحوا، وإذا ذكر
(1/194)
المحب محبوبته في ذلك الوقت فكأنه يريد أن يشاركها سرورها، أو تشاركه سروره، والسرور من الأشياء التي لا تتم إلّا إذا اقتسمها الإنسان مع سواه, أما في بيئة البارودي فليس لهذه الأشياء من التأثير والاهتمام ما يدعو لذكرها، بل قد يسبب المطر من المضايقات لأهل القاهرة الذين يعتمدون على النيل، ولأهل الريف في ضرر زرعهم ما يذكرونه بشرٍّ، ولكنه التقليد القديم، وقوله: "على حسرات" يعني به: أنه حين تغيب الشمس تكثر همومه، وكأنه يتقلب على حسرات؛ لأن الليل مصدر للذكريات لفراغ الإنسان من الشواغل والأعمال، وقديمًا قال النابغة:
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الحزن من كل جانب
ويقول النابغة كذلك:
فبت كأن العائدات فرشن لي ... هراسًا به يعلى فراشي ويقشب
وتشبيه نظرات المحبوبة بالسر تشبيه قديم معروف.
وفي الفخر ترى البارودي يذكر العمد المرفوعة وهو في القاهرة، ويذكر النار على عادات البدو، ولا سيما في الجاهلية إذا كانوا يشبونها على يفاعٍ من الأرضي كي يهتدي بها الساري، ويلجأ إليها الجائع ويطلب القرى، ورحم الله حاتمًا حين قال لغلامه:
أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر(7)
معل يرى نارك من ير ... إن جلبت ضيفًا فأنت حر
وقوله في الحكمة: إن الإنسان لا يعد طليقًا في حياته وهو في أسر المنون, مأخذو من قول طرفة بن العبد:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكا لطول المرخى وثنياه باليد(8)
(1/195)
وبيت طرفة أحسن وأمتن؛ حيث شبه الإنسان بدابة، وحبلها بيد الموت يرخي لها فيه, وإذا شاء جذبها إليه فتقضي العمر, وأما أن الأيام منازل، وأنا فيها على سفر فمعنًى قديم مطروق، وقد تكررت في الأحاديث النبوية، وفي أقول الزهاد والوعاظ.
وهكذا إذا أخذت أي قطعة للبارودي تجده يردد فيها كثيرًا من المعاني القديمة المعروفة المشهورة, ولا يعني هذا أن البارودي لم يجدد في شعره وفي معانيه، بل له تجديد ملحوظ في شعره سنذكره فيما بعد.
وإذا كان البارودي قد طرق أبواب الشعر العربيّ الموروثة, ولم يجدد في أغراضه، فإنه كان واضح الشخصية في كثير من هذه الموضوعات المطروقة, فتراه يمثل نفسه، وزمنه، وبيئته، في قصائد شتَّى. فالبارودي ذاق حلو الزمان، ومره، وارتفع في مناصب الدولة حتى رئاسة الوزارة, ثم شُرِّدَ ونُفِيَ، وقضى زمنًا طويلَ يتحرق فيه شوقًا إلى وطنه وأهله، ويتحسر على أيامه الخاليات، ويندب فيه حظه، ويَنْعى على الأصدقاء الكاذبين خياناتهم وغدرهم، ويذم الحياة ويكيل لها السباب، وهو في كل ذلك صادق الشعور يصف ما به على طبيعته, فبرزت شخصيته واضحةً لا لبس فيها ولا غموض.
وإذا كان البارودي قد قلَّدَ القدماء وحاكاهم في أغراضهم وطريقة عرضهم للموضوعات وفي أسلوبهم، وفي معانيهم، فإن له مع ذلك جديدًا ملموسًا في شعره؛ من حيث التعبير عن شعوره وعن مشاهداته، وله معانٍ جديدة، وصور لهم يسبق إليها، وإذا أردنا أن ننصفه, فعلينا دراسة الجديد في شعره حتى يكون حكمنا عليه عادلًا، ونستطيع أن نضعه في منزلته الجديرة به في موكب التاريخ والأدب والنهضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العقيق: الوادي, وكل ميل شقه ماء السيل، مواضع بالمدينة والطائف واليمامة ونجد، والمقصود هنا عقيق نجد.
ورعان: جمع رعن "بفتح فسكون" وهو أنف يتقدم الجبل.
(2) الغضاء: شجر، وخشبه من أصلب الخشب جمع غضاة، ووادي الغضاء, مكان بنجد.
(3) الطوائل: جمع طائلة وهي الوتر، والذحل والمعنى: لم نقترف إثمًا.
(4)البهم: جمع بهمة, وهي صغار المعز والضأن, والجامل: الإبل.
(5)صدًّا بالقصر ضرورة من صداء: اسم عين يستعذبها العرب, وفي أمثالهم. "ماء ولا كصداء".
(6) المخيلة: الظن, والمراد ذكريات الماضي، وبلوى به: يذهب به.
(7) قر: بارد، وصر: شديد البرودة.
(8) الطول: الحبل.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|