أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-03
452
التاريخ: 19-11-2020
2975
التاريخ: 6-1-2023
2162
التاريخ: 18-1-2020
4149
|
ان فهم ودراسة ظاهرة استقلال وتحرر الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية لا يمكن القيام بها الا في علاقتها بما عرفتها الظاهرة الاستعمارية من تحولات جذرية خلال تلك الفترة ، فرغم التضحيات الجسام التي قدمها رجال الحركات الوطنية التحررية ، ورغم الأعمال البطولية التي سطرها مقاومي جيوش التحرير المسلحة ، ورغم ما ضحت به الشعوب التي كانت مستعمرة من غالي ونفيس في سبيل الاستقلال والتحرر ، فتبقى أعمالها تلك عاملاً ثانوياً في جلاء الاستعمار .
فاذا نظرنا الى الظاهرة الاستعمارية كظاهرة كونية مرتبطة بالتحولات الكبيرة التي حدثت في بنية الاقتصاد الرأسمالي ، الذي أفرز الظاهرة الاستعمارية في بداية القرن التاسع عشر ، والتي جعلت الرأسمالية تتحول الى امبريالية استعمارية توسعية تكتسح شعوب الكرة الأرضية برمتها ، فإن تحولات جديدة حدثت في بنية الرأسمالية مرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية ، هي التي جعلت الدول الرأسمالية لم تعد في حاجة الى الاستعمار المباشر للدول والشعوب ، وفرضت عليها الانتقال الى شكل جديد من الاستعمار أكثر نجاعة وأقل كلفة ، وهو ما نسميه " الاستعمار في نسخته المنقحة " .
وهذا ما يفرض دراسة الاستقلال في إطار فهم وتفكيك الظاهرة الاستعمارية برمتها على اعتبار انه استقلال عن دول استعمارية ، ومن المعلوم لدى دارسي التاريخ ان التوسع الاستعماري منذ القرن التاسع عشر ليس سوى نتيجة حتمية للتطور الكبير الذي بلغته الرأسمالية في مرحلتها الصناعية ، وما حتمه عليها ذاك التطور من الحاجة الملحة للمواد الأولية والأسواق الاستهلاكية لتصريف فائض منتوجاتها الصناعية ، مما دف بتلك الرأسماليات الأوربية ذات الطابع القومي الخروج من أوطانها القومية في القارة العجوز (أوربا) بحثاً لها عن مستعمرات لتوفير حاجتها الملحة من الأسواق و المواد الأولية ، وقد دفعها الطابع القومي لدولها الى المنافسة الشديدة التي سرعان ما تحولت الى صراعات وحروب مدمرة (حرب عالمية اولى وثانية) ، خاصة بعد دخول ألمانيا مجال المنافسة متأخرة ، بسبب من الإكراهات السياسية التي كانت تعيشها الى غاية توحيدها من طرف بيسمارك سنة 1871م ، حيث انطلقت متأخرة بحثاً عن المستعمرات ، فوجدت أمامها بريطانيا وفرنسا وهولندا واسبانيا وبلجيكا قد سيطروا على مختلف أراضي المعمورة ، وفي هذا السياق تم استعمار مختلف الشعوب والدول في القارات الأربع .
ومنذ العشرينات من القرن العشرين أصبحت الرأسمالية تعرف تحولاً بنيوياً عميقاً بظهور البنوك والبورصات وغيرها من المؤسسات المالية والنقدية ، حيث شرعت في التحول من رأسمالية تنافسية الى رأسمالية احتكارية تقوم على الاحتكار والكارتيلات الصناعية الضخمة والتروستات التجارية الكبرى والهولنديكات المالية الضخمة ، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية التي لم تكن سوى تفجيراً للتناقضات البنيوية للرأسمالية الصناعية التنافسية القومية ، التي ستتحول الى رأسمالية مالية احتكارية عالمية ، اذ ستصبح معها الدول الاستعمارية الكبرى في غير حاجة الى فرض سيطرتها العسكرية والسياسية على الدول المُستعمرة ، حيث تمكنت هذه القوى الاستعمارية طيلة الفترة السابقة من الاستعمار من تفكيك الأنماط الانتاجية " قبل الرأسمالية " بمستعمراتها وخلخلتها وربطها بالنمط الانتاجي الرأسمالي في دولها ، وجعلت شعوب المستعمرات مجتمعات استهلاكية بامتياز ، وفي حاجة دائمة للبضائع الصناعية الأوربية ، والتي لا يمكن ان تقتنيها الشعوب المستعمرة الا ببيع ما تنتجه من المواد الأولية (الفلاحية والمعدنية والطاقية) ، وقد تزامن هذا مع ماعرفته الشعوب الاوربية ومن تقدم وتطور فكري وسياسي وحقوقي ، وازدهار للفكر الاشتراكي ، وما ينادي به من قيم التحرر والعدالة الاجتماعية وحقوق الشعوب وتقرير مصيرها ... هذا ما جعل الدول الاستعمارية في غير حاجة الى فرض سيطرتها العسكرية والسياسية على المستعمرات ، ما دامت تستطيع فرض هيمنتها الاقتصادية عليها ، من خلال الاستعمار الجديد بالقروض والاستثمارات عبر المؤسسات البنكية والنوادي المالية الدولية ، وما يتطلبه ذلك من تنصيب لأنظمة سياسية ديكتاتورية محلية على الشعوب ، وخاصة وان تكلفة تلك السيطرة العسكرية المباشرة كانت باهضة ومكلفة جداً ، فشرعت في منح "الاستقلال" لمستعمراتها بشكل تدريجي .
هذا هو العامل الموضوعي الرئيسي في ما يسمى "الاستقلال" وهذا لا يمنع من الأخذ بعين الاعتبار عامل الحركات الوطنية التحريرية التي نشأت في شعوب المستعمرات ، والتي كان لها الدور الكبير في التسريع من الحصول على الاستقلال لا غير ، من خلال نضالاتها السياسية وكفاحاتها المسلحة ، ولكن هذا العامل يبقى ثانوياً ومساعداً لا غير ، بالمقارنة مع العامل الأساسي والمحدد المتمثل في التحول البنيوي في النظام الرأسمالي من رأسمالية صناعية الى رأسمالية مالية ، أضحت في غير حاجة للسيطرة العسكرية والسياسية على المستعمرات ، وهذا ما جعل غالبية الشعوب تشعر بعد مرور أكثر من نصف قرن من " استقلال " بأن لا شيء تغير في ظروفها المعيشية وأحوالها الاقتصادية وأوضاعها السياسية ، ان لم تزداد سوءاً على ما كانت عليه في عهد الاستعمار المباشر .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|