المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

طبيعـة عمليـة التنفـيذ السـتراتيـجي واهمـيتها
14-5-2022
المالئات Fillers
24-10-2017
Alkene Stereochemistry and the E,Z Designation
17-5-2017
الدلاليون الأوروبيون
4-05-2015
الأنسجة الخضرية Vegetative Tissues
8-9-2020
المضايق البحرية
12-1-2022


الصدق والكذب بين أبي تمام والبحتري  
  
4407   05:06 مساءاً   التاريخ: 25-03-2015
المؤلف : وحيد صبحي كبابة
الكتاب أو المصدر : الخصومة بين الطّائِيّيْن وعمود الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص28-29
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2017 1980
التاريخ: 23-7-2016 2129
التاريخ: 23-3-2018 6001
التاريخ: 14-08-2015 2944

إن الحديث عن مطالبة القدماء الشعراء بالكتابة وفق أذواق المتلقين، ووفق مذهب الأوائل، يقودنا إلى الحديث عن قضية الصدق والكذب. والآمدي في موازنته يتعرض لهذه القضية، " فيعرض طائفة من مآخذ الرواة على القدماء، وهي مآخذ تُردّ في أكثرها إلى مطالبة الشاعر بأن لا يصف الأشياء كماهي في الواقع، بل كمثل أعلى، كما تُردّ إلى المبالغة في فهم بعض الأبيات مبالغة تفسد معانيها.. (1)

وعليه، يرى محمد زغلول سلام مع ابن رشيق " أن المحدثين أكثر تلاؤماً مع العصر ومسايرة له، وأنهم أصدق تعبيراً من التقليديين الذين ينهجون مناهج القدماء، وأن شعر القدماء لا يوافق بحال أذواق العصر، وحياة البداوة مغايرة لحياة الحضارة. فصور الشعر القديم المشتقة من حياة القدماء، لا توافق أمزجة المحدثين الذين بدّلت الحضارة من حياتهم وعدّلت في أذواقهم. والمحدثون أصدق إحساساً وتعبيراً، لأنهم إنما يصوّرون ما يقع تحت أعينهم، ويديرون على ألسنتهم ما يقرّ في آذانهم " (2).

لقد كانت الخصومة حول مذهب أبي تمام، لأنه خالف الطريقة التقليدية للشعر العربي، في اعتماد مبدأ المثل في التصوير والمقاربة في التشبيه، ولإغراقه في طلب الغريب من المعاني والمبالغ فيها.

لقد اعتمد أبو تمام على ذاته وأخضع الآخرين له، بدل أن يخضع لهم (3). وفي هذا تحدّ للذوق العام والتقليد الشعري، الذي يدعو إلى المقاربة في التشبيه واعتماد مبدأ المثل في التصوير.

ولعلّ للإطار الحضاري العام أثراً بارزاً في ما جاء به أبو تمام. فطريقته ليست غريبة في العصر الذي عاشه، ذاك العصر الذي: " تزعزعت فيه فكرة النموذج أو الأصل، ولم يعد الكمال موجوداً، كما يقول التقليد الديني، خارج التاريخ. لقد أصبح الكمال في هذا العصر موجوداً داخل التاريخ. أصبح بمعنى آخر، كامناً في حركة الإبداع المستمرة، أي في الحاضر -المستقبل، ولم يعد قائماً في الماضي، كأنه ابتكر للمرة الأولى والأخيرة " (4).

استناداً إلى ما تقدّم، نرى أنّ أحد أهم أسباب الخصومة حول الشاعرين، هو ذاك المقياس النقدي الذي يحكم للشاعر بمقدار اتفاق شعره مع النموذج المثال المألوف... فإذا ما شاء الخروج على هذا المذهب، معتمداً نموذجه الخاص، فإنه مارق خارج على عمود الشعر.

وهكذا صار الكذب مقياس الأدبية، مادام متفقاً مع المثال التقليدي، وبات الصدق مرفوضاً، مادام يخالف ذاك المثال.

إن أهم ثورة تحققت في هذه الخصومة، هي إعادة حقوق الإبداع للمبدع، فيقول ما في نفسه، سواء أفهم القارئ أم لم يفهم، وسواء أطابق القولُ المثالَ الموجود في أذهان المتلقين أم قلب مفاهيمهم ‍

وإذا كنّا نقف حذرين أمام هذا الاستنتاج، فإن ذلك كان خطوة هامة لإقامة جسر التواصل بين الشاعر والمتلقي على أسس جديدة تحفظ لكل منهما حقّه في الفهم والإفهام، كما كان خطوة هامة نحو التجديد الذي يقوم على التجاوز المستمر للذات والمألوف. وفي بداية كل تجاوز غموض.

_____________

(1) البلاغة تطور وتاريخ 129، وانظر الموازنة 1/37 -52

(2) تاريخ النقد العربي 2/ 146، لمحمد زغلول سلام، دار المعارف بمصر، د. ت

(3) يقول إبراهيم السامرائي: ".. ولعل الكلمة القصيرة التي توجه بها إسحاق الموصلي إلى أبي تمام في قوله: " يافتى، ما أشدّ ما تتّكئ على نفسك "، خير ما يوضح نظر النقاد التقليدي الجامد، أولئك الذين لم يؤمنوا بالتجديد والخروج على طرائق القول عند المتقدمين ". (لغة الشعر بين جيلين 135، ط 2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1980.

(4) الثابت والمتحول 3/ 267

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.