المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



مناظرة الإمام الرضا (عليه السلام) مع المأمون العباسي في عصمة الأنبياء (عليهم السلام)  
  
1954   11:06 مساءً   التاريخ: 22-11-2019
المؤلف : الشيخ عبد الله الحسن
الكتاب أو المصدر : مناظرات في العقائد
الجزء والصفحة : ج1 ، 287-298
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * العـصمة /

عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) فقال له المأمون: يا بن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون؟

 

قال: بلى.

قال: فما معنى قول الله عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121].

فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى قال لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ- وأشار لهما إلى شجرة الحنطة - فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنما أكلا من غيرها، لما أن وسوس لهما الشيطان وقال: { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ } [الأعراف: 20] وإنما ينهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها { إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 20، 21] ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 22] فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 121، 122] وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 33].

فقال له المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف: 190] ؟

فقال له الرضا (عليه السلام): إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن ذكرا وأنثى وإن آدم (عليه السلام) وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا } [الأعراف: 189، 190] من النسل خلقا سويا بريا من الزمانة والتامة وكان ما آتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا إناثا، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190].

فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله حقا فأخبرني عن قول الله عز وجل في حق إبراهيم (عليه السلام): {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76].

فقال الرضا (عليه السلام): إن إبراهيم (عليه السلام) وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه *(فلما جن عليه الليل)* فرأى الزهرة، قال: *(هذا ربي)* على الإنكار والاستخبار {فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام: 76] الكوكب {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: 76] لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 77] على الإنكار والاستخبار {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77] يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين فلما أصبح و {رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ } [الأنعام: 78] من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الإخبار والإقرار {فَلَمَّا أَفَلَتْ} [الأنعام: 78] قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 78، 79] وإنما أراد إبراهيم (عليه السلام) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83].

فقال المأمون: لله درك يا بن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم (عليه السلام): { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].

قال الرضا (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام) إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} على الخلة {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260] فأخذ إبراهيم (عليه السلام) نسرا وطاووسا وبطا وديكا، فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم (عليه السلام) عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب، وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15].

قال الرضا (عليه السلام): إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } [القصص: 15] فقضى موسى على العدو، وبحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: 15] يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعل موسى (عليه السلام) من قتله، إنه - يعني الشيطان - عدو مضل مبين.

فقال المأمون: فما معنى قول موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16].

قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلونني {فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16] قال موسى (عليه السلام): {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: 17] من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى رضى فأصبح موسى (عليه السلام) في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنك لغوي مبين قتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا اليوم لأودبنك وأراد أن يبطش به {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا } [القصص: 19] وهو من شيعته {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: 19].

قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } [الشعراء: 20].

قال الرضا (عليه السلام): إن فرعون قال لموسى لما أتاه: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] بي، قال موسى: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20] عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 21] وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله): {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى } [الضحى: 6] يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7] يعني عند قومك فهدى، أي هداهم إلى معرفتك { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.

قال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟

فقال الرضا (عليه السلام): إن كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أن الله تعالى أعز أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ } [البقرة: 55] حتى نستمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمأة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ } بأن هذا الذي سمعناه كلام الله {حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55] فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة، فأخذتهم بظلمهم فماتوا. فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت به فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته، فقال موسى: يا قوم إن الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى: يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم، فأوصى الله تعالى إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى (عليه السلام): { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } [الأعراف: 143] وهو يهوي {فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } [الأعراف: 143] بآية من آياته {جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أول المؤمنين منهم بأنك لا ترى.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف: 24].

فقال الرضا (عليه السلام): لقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم لها كما همت به، لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه، وقد حدثني أبي عن أبيه الصادق (عليه السلام) أنه قال: همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87].

فقال الرضا (عليه السلام): ذاك يونس بن متى (عليه السلام) ذهب مغاضبا لقومه، فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه، أي لن نضيق عليه رزقه، ومنه قوله عز وجل: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16] أي ضيق وقتر {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت، فاستجاب الله له وقال عز وجل: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144].

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110].

فقال الرضا (عليه السلام): يقول الله عز وجل: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم، أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2].

قال الرضا (عليه السلام): لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما، فلما جاءهم (صلى الله عليه وآله) بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا: { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 5 - 7] فلما فتح الله عز وجل على نبيه (صلى الله عليه وآله) مكة قال له: يا محمد {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ - مكة -  فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1، 2] عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] ؟

فقال الرضا (عليه السلام): هذا ما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته، وكذلك قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] وقوله عز وجل: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } [الإسراء: 74].

قال: صدقت يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبرني عن قول الله عز وجل: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37].

قال الرضا (عليه السلام): ... جاء [زيد] إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن امرأتي في خلقها سوء وإني أريد طلاقها، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 37] وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد، وخشى الناس أن يقولوا: إن محمدا يقول لمولاه: إن امرأتك ستكون لي زوجة يعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] يعني بالإسلام وأنعمت عليه يعني بالعتق {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه، فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وأنزل بذلك قرآنا فقال عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37] ثم علم الله عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزوجها فأنزل الله تعالى: {ا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38].

فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا بن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبسا علي، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا .

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.