أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2019
1080
التاريخ: 24-03-2015
2234
التاريخ: 15-12-2019
1818
التاريخ: 1-10-2019
1248
|
أثار بعض الشعراء في رحلاتهم الخياليّة مشكلة الروح والجسد، وعبّروا عن إحساسهم بالصراع بينهما، وبرز هذا الصراع في قصيدة "على بساط الريح" لفوزي معلوف، فمنذ بداية القصيدة يريد فوزي التحليق بروحه لا بجسده، لاعتقاده أنّ الجسد يثقل عند التحليق، فهو لحم وعظم ودم وأصله من تراب. وتتعمّق هذه الرؤية للجسد في نشيد (العبد). إذ الجسد لديه عبودية لما له من رغبات وأهواء وانفعالات تقيّده، فيقول:
أنا في قبضةِ العبوديّةِ العمـ ... ياءِ أعمى مسيّرّ بغرورهْ
إنّ جسمي عبدٌ لعقلي وعقلي ... عبدُ قلبي والقلبُ عبدُ شعورهْ
وشعوري عبدٌ لحسّي وحسّي ... هو عبدُ الجمالِ يحيا بنورِهْ
كلُّ ما بي في الكونِ أعمى ومنقا ... دٌ على رغمهِ لأعمى نظيرهْ(1)
ويقابل الجسد الروح التي هي الخلاص والحريّة والشعلة التي لا تنطفئ فعندما يضرب فوزي بروحه بعيداً في آفاق الخيال تصير كلّ الكائنات له حاشية وأتباعاً، لذا يقول عن نفسه حين تتخفّف روحه من أدران الجسد:
مَلِكٌ قبّةُ السّماءِ لهُ قَصـ ... رٌ وقلبُ الأثيرِ مَسرَحُ حكمِهْ
ضاربٌ في الفضاءِ موكبُهُ النّـ م ... ورُ وأتباعُهُ عرائسُ حُلْمِهْ
ملكٌ ركنُهُ الهواءُ وما أقْـ ... واهُ رُكناً قامَ الخلودُ بدعمِهْ(2)
وقصيدة المعلوف هذه تمجيد للروح في مقابل الجسد، ومحاولة خلاص صادقة من قيود الجسد الراسفة إلى فضاء الحريّة.
والشاعر ينتصر للروح، ويرى أنّ الإنسان في الأرض محض تراب، فيقول:
هُو في الأرض حفنةٌ من ترابِ
فأبُوهُ
طينٌ ومَاءْ(3)
ولذلك فالإنسان يحيا للشرّ في الأرض، ولا يسمو إلاّ عندما تتحرّر روحه، ويتخلّص من ربقة الجسد، وعندئذ يتحلّل جسده، ويغدو غذاءً تحيا به الزهور فيقول:
هُو يحيَا للشّر فالشّرُّ يحيَا ... أبداً حيثُ حلَّ شؤمُ رِكابِهْ
وهْو لا ينفعُ البسيطةَ إلاّ ... حيثُ يثوي في القبرِ بينَ رحابِهْ
حينَ يمتصّهُ الثّرى فيغذّي ... منهُ ما في الأديم منْ أعْشَابِهْ
يا لعَمْرِي كلُّ النباتِ الذي في الـ ... كونِ من زهرهِ إلى لبلابِهْ
ليسَ إلاّ عصيرُ أجسامِ مَن ما ... توا فزانوا الثّرى بأجملَ ما بِهْ(4)
ولعلّه بذلك يشير من طرف خفي إلى القول بأنّ المادة لا تفنى وإنّما هي في تحوّل دائم.
وتبدو الروح في قصيدة نسيب عريضة "على طريق إرم" سبيل الإنسان المعاصر للوصول إلى السعادة وإلى النبع الفيّاض الذي لا ينضب، لذا يخاطب نفسه قائلاً:
يا نفسُ رِفقاً ومَهلاً ... فأنتِ ظَعني ورَحلِي
فاصمتْ وسِرْ في السكونِ ... على طريق الجنونِ
لعلّه بعدَ حينِ ... يبدوُ لنا وجهُ ربّي(5)
ولعلّ الشاعر في عيشه وسط النهضة الماديّة الصناعيّة في أمريكا قد لمس بروحه الشفّافة عجز المادة العلميّة عن تحقيق السعادة، فلذلك لجأ إلى الروح.
ويظهر لدى شعراء الرحلات الخياليّة التعبير عن الصراع بين العقل والنفس، أو المعرفة والحبّ، وهذا الصراع هو امتداد للصراع بين الجسد والروح، ولقد شكّ بعض الشعراء بمقدرة العقل على تحقيق المعرفة الكليّة وفي ذلك يقول أنيس المقدسي:
وليسَ العلمُ يروي نفسَ صادٍ ... فما علمُ الأنامِ سوى رجوم(6)
وتطلّع الشاعر نفسه بالمقابل إلى الحبّ بوصفه طاقة روحيّة قادرة على تحقيق التواصل والسمو بالروح، وهو يقول في ذلك:
هلِ الدّنيا سوى قلبٍ شريفٍ ... يُجاهدُ في سبيلِ الوَاجباتِ
ويعملُ باسماً في كلّ حالِ ... وينظرُ باسماً للكائناتِ
ويزهو نامياً يوماً فيوماً ... إلى أسمى كمالاتِ الحياةِ
إلى الحبّ المطلّ من الأعالي ... إلى روحِ الوجودِ إلى النّعيم
هُو النّورُ الذي يهدي البَرايا ... فما تُجديكَ أنوارُ النّجومِ(7)
ويحمّل القلعجي الماديّة وزر دفع عجلة الزمان إلى الأمام في سيرها الحثيث وصولاً إلى ساعة القيامة، لأنّ القيامة وفق المعتقد الإسلامي لن تقوم إلاّ بعد طغيان المادة، وبعد أن تنطفئ شعلة الروحانية والإيمان في نفوس الخلق فتكون القيامة خاتمة لسلسلة الصراع الطويل بين الجسد والروح الذي بدأ بخلق الإنسان، فيقول:
الشّيخُ: الإنسانُ طغى وتجبّرْ
عبد الآلةَ.. صنعَ يديهِ، تكبَّرَ
أعطاها الثّقةَ الكُبرى
لم يذكرْ:
أنّ المعدنَ يُصهرْ
والمصنوعَ يُكْسَرْ(8)
ولقد كان للروح والجسد في صراعهما على مرّ الزمان رموز وأعلام تجمعهم ملحمة القيامة في عرصات الساعة متمايزين وفق المعطيات الإسلامية، فأغلب ملوك الأرض والطغاة والدكتاتوريين والدجّالين والأفّاقين والشذّاذ والفلاسفة الوضعيين والملحدين واليهود رموز للماديّة الطاغية المضطهدة، وكلّ الأنبياء والقديسين والمصلحين من الفلاسفة والعلماء والمفكرين والشعراء والبسطاء هم الفئة المقهورة في الأرض لأنّهم يرمزون للروحية الشفّافة.
ولم يجمعهم الشاعر إلاّ ليحقّق حلم الانتصار للروح على المادة يقول:
الدجّالُ: أيا مهديُّ.. أينَ تسيرُ
المهديُّ: رسولُ الله يدعوني إلى الموردْ
الدجّالُ: أغثني كأسَ ماءٍ، يا فداكَ أبي
المهديُّ: هي الكوثرْ
شرابُ المؤمنينَ اليومَ.. يا دجّالُ
الدجّالُ: أما لو شاء ربّكَ كنتُ مهديّاً
المهديُّ: "لكُمْ دينُكُمْ.. ولي دين"
لكُمْ حوضٌ.. لنا حوض(9)
وبخلاف ذلك كلّه، يعبّر شفيق معلوف عن نزوع نحو الجسد وبُعد عن الروح إذ يصوّر جنيّة تملّ روحها الخالدة، وتعرضها للبيع مُقابل متعة جسديّة فتقول:
ما نفعُ روحٍ خالدٍ عشتُ فيهْ ... ما زلتُ لم أحضنْ ولم أُحتضَنْ
يا حاملَ الجسم ألا أعطنيهْ ... وخذْ إذا شئتَ خلودي ثَمَنْ
روحيَ لا يَبلى فمنْ يرتضيهْ ... أحملُ ما في جسمهِ من شجَنْ
وشاحيَ النّاريّ من يشتريهْ ... فإنّني أبيعهُ بالكَفنْ(10)
وينزع الزّهاوي أيضاً إلى تمجيد العقل وإنكار كلّ ما عداه، بل إنّه يكفر بالروح ويدعو إلى ماديّة واضحة، فيقول:
غيرَ أنّي أرتابُ في كلّ ما قَدْ ... عجزَ العقلُ عنهُ والتّفكيرُ(11)
وفي جوابه للملكين حين يسألانه عن هاروت وماروت ويأجوج ومأجوج يقول:
قلتُ ما لي بكلّ ذلكَ علمٌ ... فبجحدي عقلي عليّ يشورُ(12)
وفي موضع آخر يقول:
ثمّ تلاّني للجبينِ وقَالا ... ليَ ذُقْ أنْتَ الفيلسوفُ الكبيرُ
قلتُ صَفْحاً فكلُّ فلسفتي قَدْ ... كانَ ممّا يمليهِ عقلي الصغيرُ(13)
ولقد عبّر شعراء الرحلات الخياليّة عن الصراع بين الروحانية والماديّة ورأى أغلبهم أنّ الحياة السعيدة الهانئة لا يصلح أساساً لبنيانها إلاّ قيامها على الروحانيّة واختلف عنهم شفيق معلوف في تعلّقه بالجسد وغالى من بعده الزهاوي في تمجيد العقل وإنكار الروح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعلوف، فوزي، على بساط الريح، ص:79.
(2) المصدر نفسه، ص63.
(3) المصدر نفسه، ص:133.
(4) المصدر السابق، ص:135.
(5) عريضة، نسيب، الأرواح الحائرة، ص:195.
(6) المقدسي، أنيس، المورد الصافي، ع 10، ص:335.
(7) المصدر السابق، ص335.
(8) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص:18.
(9) المصدر السابق، ص:60.
(10) المعلوف، شفيق، عبقر، ص:181.
(11) الزهاوي، جميل صدقي، الديوان، ص:720.
(12) المصدر نفسه، ص:7725
(13) المصدر نفسه، ص726.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|