أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-5-2021
2204
التاريخ: 29-8-2019
1624
التاريخ: 11-12-2019
1547
التاريخ: 2-11-2018
2136
|
( الفتنة ورفع المصاحف )
ان اعظم ساعة مرت على معاوية بن ابي سفيان . هي الساعة التي ضاق به الخناق . وكادت روحه أن تفارق جسده . وذلك لإنكسار جيشه بصفين صبيحة ليلة الهرير ، وطلوع فجر النصر على جيش علي (عليه السلام) جيش العراق فالتفت عندئذ الى عمرو بن العاص قائلاً له وهو في رعدة واضطراب أنفر أم نستأمن ؟ فقال ابن العاص أؤمر برفع المصاحف ، فان قبلوا حكم القرآن أوقفنا الحرب . ورافعنا بهم الى أجل . وان أبى بعضهم إلا القتال الحرب . ورافعنا بهم الى أجل . وان أبى بعضهم إلا القتال فللنا شوكتهم ووقعت الفرقة بينهم . فصوب معاوية هذا الرأي وأمر برفع المصاحف فرفعت على أطراف الرماح .
ذكر نصر بن مزاحم عن جابر . قال سمعت تميم بن جذيم يقول : لما أصبحنا من ليلة الهرير . نظرنا فاذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال معاوية ، فلما أسفرنا فاذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح ، وهي عظام مصاحف العسكر ، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعاً . وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشر رهط .
قال ابو جعفر وأبو الطفيل. استقبلوا علياً بمائة مصحف، ووضعوا في كل مجنبة مأتي مصحف. وكان جميعها خمسمائة مصحف. قال: ابو جعفر. ثم قام الطفيل بن أدهم حيال على (عليه السلام) وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة . وقام ورقاء بن معمر حيال الميسرة . ثم نادوا يامعشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم . فمن للروم والأتراك . وأهل فارس غداً إذا فنيتم . الله الله في دينكم . هذا كتاب الله بيننا وبينكم . فقال علي (عليه السلام) : اللهم انك تعلم انهم ما لكتاب يريدون . فاحكم بيننا وبينهم انك انت الحكيم الحق المبين . قال فاختلف أصحاب علي في الرأي ،فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة الى الكتاب ، ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا الى حكم الكتاب : فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت اوزارها ، وذكر نصر انهم رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل . ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمّله عشرة رجال على رؤوس الرماح ، ونادوا : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم .
وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون له أبيض . وقد وضع المصحف على رأسه ينادي : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم .
ومن ثم وقعت الفتنة بين أصحاب علي (عليه السلام): وشك فريق من أصحابه ولجؤا الى المسالمة. ودعوه اليها ـ وهم أصحاب جباه السود ـ فقال لهم علي (عليه السلام) ويلكم ان هذه خديعة . وما يريد القوم القرآن لأنهم ليسوا بأهل القرآن فاتقوا الله وامضوا على بصائركم في قتالهم . فان لم تفعلوا تفرقت بكم السبل وندمتم حيث لا تنفعكم الندامة .
قال : وحضر عند علي (عليه السلام) مسعر بن فدكي . وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس الكندي . فقالوا له أجب القوم إلى كتاب الله فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ويحكم والله انهم ما رفعوا المصاحف الا خديعة ومكيدة حين علوتموهم . فأجابه خالد بن معمر السدوسي قائلاً : يا أمير المؤمنين احب الأمور الينا ما كفينا مؤنته . وابتدر رفاعة بن شداد البجلي قائلاً :
وان حكموا بالعدل كانت سلامة *** والا اثرناها بيوم قماطر
واجتمع حول علي (عليه السلام) عشرون ألف رجل . ينادون يا علي . اجب الى كتاب الله اذا دعيت وإلا دفعناك برمتك الى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان ، فقال (عليه السلام) فاحفظوا عني مقالتي فاني آمركم بالقتال . فان تعصوني فافعلوا ما بدأ لكم ، قالو فابعث إلى الأشتر ليأتيك ، فبعث يزيد بن هاني السبعي يدعوه . فقال الأشتر قد رجوت أن يفتح الله لا تعجلني . وشدد مالك في القتال فقالوا حرضه في الحرب ، فابعث اليه بعزيمتك ليأتيك والا والله اعتزلناك ، قال يا يزيد عد إليه . وقل له اقبل الينا ، فان الفتنة قد وقعّت . فاقبل الأشتر عليهم يقول . لأهل العراق يا أهل الذل والوهن : أحين علوتم القوم . وعلموا انكم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكراً . فقالوا قاتلناهم في الله . فقال : امهلوني ساعة احسست بالفتح وايقنت بالظفر . قالوا لا . قال : امهلوني عدوة فرسي . قالوا : انا لسنا نطيعك ولا لصاحبك . ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح تدعي اليها . فقال خدعتم والله فانخدعتم . ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم ، فقال جماعة من بكر بن وائل . فقالوا يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ان أجبت القوم أجبنا وان أبيت أبينا فقال : نحن احق من أجاب الى كتاب الله . وان معاوية وعمرو بن العاص . وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة . وابن أبي سرح . والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين وقرآن . أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً فهم شر أطفال ورجال (1) .
قال نصر . وأقبل عدي بن حاتم . فقال يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ان كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فانه لم يصب عصبة منا الا وقد أصيب مثلها منهم ، وكل مقروح . ولكنا أمثل بقية منهم . وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم : وقام مالك الأشتر النخعي (رض) فقال يا أمير المؤمنين (عليه السلام) إن معاوية لأخلف له من رجاله . ولك بحمد الله الخلف . ولو كان مثل رجالك لم يكن مثل صبرك ولا بصرك فأقرع الحديد بالحديد واستعن بالله الحميد .
وقام عمرو بن الحمق الخزاعي . فقال يا أمير المؤمنين (عليه السلام) انا والله ما أجبناك . ولا نصرناك عصبية على الباطن. ولا أجبنا إلا الله عزّ وجلّ ، ولا طلبنا إلا الحقّ : ولا دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لاستشرى (2) فيه اللجاج . وطالت فيه النجوى. وقد بلغ الحق مقطعه. وليس لنا معك رأى .
قال : فقال الأشعث بن قيس مغضباً . فقال يا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنالك اليوم على ما كنا عليه بالأمس . وليس آخر أمرنا كأوله ، وما من القوم أحد احنى على أهل العراق ولا اوتر لأهل الشام مني . فأجب القوم إلى كتاب الله . فانك أحق به منهم ، وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال . فقال علي (عليه السلام) ان هذا أمر ينظر فيه ، وسمع من أهل الشام صائح يصيح :
رؤوس العراق اجيبوا الدعاء *** فقد بلغت غاية الشدة
وقد أودت الحرب بالعالمين *** واهل الحفائظ والنجده
فلسنا ولستم من المشركين *** ولا المجمعين على الردة
ولكن اناس لقوا مثلهم *** لنا عدة ولهم عده
فقاتل كل على وجهه *** يقحمه الجد والحده
فان تقبلوها ففيها الباق *** ء وامن الفريقين والبلدة
وان تدفعوها ففيها الفناء *** وكل بلاء الى مده
وحتى متى مخض هذا السقاء *** ولابدان يخرج الزبده
ثلاثة رهط هم أهلها *** وان يسكنوا تخمد الوقده
سعيد بن قيس وكبش العرا *** ق وذاك المسود من كنده (3)
قال : وتداعى الناس على علي (عليه السلام) وكثر الصياح ، فلا نسمع إلا النداء من أصحابه أكلتنا الحرب وقتلت الرجال (4) : الا نفر يسير ينادون نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه بالأمس . ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة (5) وثارت الجماعة بالموادعة ، قال فقام علي (عليه السلام) وقال : أنه لم يزل امري معكم على ما أحب الي ان أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت ، وأخذت من عدوكم فلم تترك . وانها فيهم أنكى وانهك . الا اني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً . وكنت ناهياً فأصبحت منهياً . وقد احببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » ثم جلس (عليه السلام) وكثر اللغط بين أصحابه ، تهددوه ان يصنع به ما صنع بعثمان (عليه السلام) وكثر الهرج والمرج حتى أسفر هذا كله عن الرضا والتحاكم الى كتاب الله من العسكرين .
قال وسأل مصعب ابن الزبير ابراهيم بن الأشتر . حين دخل عليه عن الحال فقال كنت عند علي حين بعث الى الأشتر يأتيه . وقد كان أشرف على معسكر معوية ليدخله . فأرسل اليه يزيد بن هاني أن أئتني . فأتاه وبلغه . فقال الأشتر . ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي . اني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني . فرجع يزيد بن هاني الى علي وأخبره فما هو إلا أن انتهى الينا . حتى ارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر . وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ، ودلائل الخذلان والأدبار على أهل الشام ، فقال له القوم . والله ما نراك الا أمرته بقتال القوم . فقال ارأيتموني ساررت رسولي ؟ أليس اني كلمته على رؤوسكم علانية وانتم تسمعون . قالوا : فابعث اليه فليأتك . والا فوالله اعتزلناك . قال : ويحك يا يزيد قل له أقبل الي . فان الفتنة قد وقعت فأتاه وأخبره فقال : الأشتر . الرفع هذه المصاحف ؟ قال نعم . قال اما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافاً وفرقة . انها من مشورة ابن النابغة ـ يعني عمرو بن العاص ـ قال : ثم قال ليزيد ( ويحك ) ألا ترى الى الفتح . الا ترى الى ما يؤلون . الا ترى الى الذي يصنع الله لنا ، أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ فقال له يزيد . أتحب أنك ظفرت ها هنا . وان أمير المؤمنين (عليه السلام) بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه ؟ فقال سبحان الله (لا) والله ما احب ذالك . قال فانهم قالوا . لترسلن الى الأشتر فليأتيك أو لنقتلنك بأسيافنا . كما قتلنا عثمان ، أو لنسلمنك الى عدوك . قال . فاقبل الأشتر حتى انتهى اليهم فصاح : يا أهل الذل والوهن ، أحين علوتم القوم فظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها ، وقد والله تركوا ما امر الله به فيها . وسنة من انزلت عليه . فلا تجيبوهم امهلوني فواقا فاني قد أحسست بالفتح . قالوا لا . قال : فامهلوني عدوة الفرس . فاني قد طمعت في النصر . قالوا : اذن ندخل معك في خطيئتك قال : فحدثوني عنكم . وقد قتل اماثلكم وبقي اراذلكم .
متى كنتم محقين احين كنتم تقتلون أهل الشام . فانتم الآن حين امسكتم عن القتال مبطلون . ام انتم الآن ( في مساككم عن القتال ) محقون ؟ فقتلاكم اذن الذي لا تنكرون فضلهم وكانوا خيراً منكم في النار ، قالوا دعنا منك يا اشتر . قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله . انا لسنا نطيعك فاجتنبنا . قال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم . يا أصحاب الجباه السود كنا نظن ان صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله . فلا أرى فراركم الا الى الدنيا من الموت . ألا فقبحاً لكم يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزاً ابداً . فابعدوا كما بعد القوم الظالمون ، قال فسبوه وسبهم ، وضرب بسوطه وجوه دوابهم . فصاح بهم على (عليه السلام) فكفوا . وقال : الأشتر يا أمير المؤمنين (عليه السلام) احمل الصف يصرع القوم . فتصايحوا . ان أمير المؤمنين قد قبل الحكومة . ورضي بحكم القرآن هذا وعلي ساكت لا ينبس بكلمة مطرق الى الأرض (6) .
وجاء الأشعث بن قيس الى علي (عليه السلام) وقال : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أرى الناس الا وقد رضوا وسرهم ان يجيبوا القوم الى ما دعوهم اليه من حكم القرآن . قان شئت أتيت معوية فسألته ما يريد . نظرت ما الذي يسأل فقال (عليه السلام) ائته ان شئت. فأتاه فسأله. فقال : يا معوية لأي شيء رفعتم هذه المصاحف ؟ قال : لنرجع نحن وأنتم الى ما أمر الله في كتابه فابعثوا منكم رجلاً ترضون به . ونبعث منا رجلاً ، ثم نأخذ عليهما ان يعملا بما في كتاب الله ولا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه . فقال . الأشعث هذا هو الحق ، فانصرف الى علي وأخبره بالذي قال ، وقال الناس قد رضينا . وقبلنا . فبعث علي (عليه السلام) قراءاً من أهل العراق .
وبعث معاوية قراءاً من أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوه . واجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات القرآن .
ثم رجع كل فريق الى أصحابه ، وقال الناس . قد رضينا بحكم القرآن . فقال أهل الشام . فأنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص . وقال الأشعث والقرآء ـ الذين صاروا خوارج فيما بعد ـ فانا قد رضينا واخترنا أبا موسى الاشعري. فقال لهم علي (عليه السلام) اني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى ان أوليه. فقال الأشعث. وزيد بن حصين، ومسعر بن فدكي. في عصابة من القراء . انا لا نرضى الا به ، فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه (7) قال (عليه السلام) فانه ليس لي برضاً . وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر . ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك ، قالوا والله لا نبالي أكنت أنت او ابن عباس ، ولا نريد الا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء . ليس الى واحد منكما بادني من الآخر. قال علي (عليه السلام) فاني اجعل الأشتر. فقال الأشعث وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر . وهل نحن الا في حكم الأشتر . فقال علي (عليه السلام) وما حكمه قال . حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد . فأجابه علي (عليه السلام) ان معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه . ونظره من عمرو بن العاص . وانه لا يصلح للقرشي الا مثله ، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به . فان عمرو ألا يعقد عقدة الا حلها عبدالله . ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم امرأ الا نقضه . ولا ينقض امرأ الا أبرمه فقال الأشعث . لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ، ولكن اجعله رجلاً من أهل اليمن . اذ جعلوا من مضر . فقال علي اني أخاف أن يخدع يمنيكم (8) فان عمرواً ليس من الله في شيء اذا كان له في أمر هوى . فقال الأشعث . والله لأن يحكما ببعض ما نكره . وأحدهما من أهل اليمن . أحب الينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان ، فقال علي (عليه السلام) فالأحنف بن قيس التميمي فقالوا لا يكون الا أبا موسى . فقال (عليه السلام) قد أبيتم الا أبا موسى ؟ قالوا نعم . قال فاصنعوا ما أردتم .
قال : نصر وقال علي (عليه السلام) للحكمين حين أكره على امرهما ، على أن تحكما بما في كتاب الله ، وكتاب الله كله لي ، فان لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكم لكما ، وصيروا الأجل الى شهر رمضان . على أن يجتمع الحكمان في موضع بين الكوفة والشام .
وقيل اتعد الحكمان اذرح (9) وأن يجىء علي (عليه السلام) بأربعمائة من أصحابه ، ويجىء معوية بأربعمائة من أصحابه ، فكتبت صحيفتهم بذلك .
قال وجاء الاشعث بالصحيفة يقرؤها على الناس فرحاً مسروراً . حتى انتهى الى مجلس لبني تميم فيه جماعة من زعمائهم . منهم عروة بن الزبير التميمي ، وهو أخو مرداس الخارجي . فقرأ عليهم. فجرى بين الاشعث وبين أناس منهم كلام طويل. وأن الاشعث كان بدء هذا الأمر. والمانع لهم من قتال عدوهم حتى يفيئوا الى أمر الله، وقال عروة ابن أدية. أتحكمون في دين الله وأمره ونهيه الرجال ؟ لا حكم إلا لله، فكان أول من قالها وحكم بها ، وقد تنوزع في ذلك ، وشد بسيفه على الأشعث فضم فرسه من الضربة فوقعت في عجز الفرس . ونجا الأشعث ، وكادت العصبية أن تقع بين النزارية واليمانية ، لولا اختلاف كلمتهم في الديانة والتحكيم . وارتجل صالح بن شقيق ، وكان من رؤساء مراد فقال :
ما لعلي في الدماء قد حكم *** لو قاتل الأحزاب يوماً لظلم
وصاح ، لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ، وصاح قومه بمثل ما صاح به ، ونادى فتيان من غزة ، لا حكم إلا لله ، وكان عددهم أربعة آلاف مجفف (10) وخرج منهم فتيان . وحملاً على أهل الشام بسيفيهما . فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية ، وأسماهما . معدان وجعد . وهما اخوان . وصاحب تميم ـ لا حكم إلا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين ، وصاحت بنور اسب . لا حكم إلا لله ـ لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين الله .
قال : وكثر اللغط . وتباغض القوم جميعاً . وصار يبرأ الأخ من أخيه والابن من أبيه ، وأمر علي (عليه السلام) بالرحيل لما رأى الحال هذه ، وتفاوت الرأي وعدم النظام لأمورهم . وما لحقه من الخلاف منهم ، وكثرة التحكيم في جيش أهل العراق ، وتضارب القوم وبالمقارع ونعال السيوف وتساببهم . ولام كل منهم الآخر في رأيه. وصاح جماعة الحكم لله يا علي لا لك. لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله أن الله قد امضى حكمه في معوية وأصحابه ان يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين. فرجعنا عليهم ، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين . فرجعنا وتبنا فارجع انت يا علي كما رجعنا. وتب إلى الله كاتبنا وإلا برئنا منك . فقال (عليه السلام) ويحكم أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع . أوليس الله تعالى قال : ( اوفوا بالعهود ) وقال : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91] (11) فأبى على أن يرجع وأبت الخوارج الا تضليل التحكيم والطعن فيه . وبرأت من علي (عليه السلام) وبريء منهم .
____________
(1) مروج الذهب ج2 (ص) 27 طبع دار الرجاء .
(2) استشرى . اي اشتد وقوي .
(3) أراد الشاعر : بالثلاثة هم الأشعث فانه لم يرض بالسكوت . بل كان اعظم الناس قولا في اطفاء الحرب والركون الى الموادعة وكبش العراق هو الأشتر فلم يكن يرى الا الحرب ولكنه سكت على مضض ، وسعيد بن قيس فتارة هكذا وتارة هكذا .
(4) نصر بن مزاحم ص 552 طبع مصر .
(5) مروج الذهب ج2 ، ص 272 طبع دار الرجاء .
(6) نصر بن مزاحم ص 562 وص 563 ، طبع مصر .
(7) كان ابو موسى يحدث قبل وقعة صفين ويقول : ان الفتن لم تزل في بني اسرائيل ترفعهم وتخفضهم . حتى بعثوا الحكمين يحكمان بما لا يرضى به من اتبعهما ، فقال سويد بن علقمة . إياك ان أدركت ذلك الزمان ان تكون أحد الحكمين . قال : انا ؟ . قال نعم انت . فكان يخلع قميصه ويقول : لا جعل الله لي اذا في السماء مصعداً ولا في الأرض مقعداً ، فلقيه سويد بن علقمة بعد ذلك . فقال : يا أبا موسى اتذكر مقالتك ؟ . قال : سل ربك العافية .
(8) هذه الكلمة وأمثالها من مغيباته (عليه السلام) .
(9) أذرح . بفتح أوله وسكون الذال المعجمة وضم الراء ، بلاد في أطراف الشام مجاور لأرض الحجاز .
(10) هو الذي لبس التجفاف ، وهو ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة .
(11) سورة المائدة .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|