أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-7-2019
698
التاريخ: 15-7-2019
2743
التاريخ: 16-4-2016
812
التاريخ: 14-7-2019
577
|
كان لموانئ مصر جاذبية شديدة للأمم التجارية الغربية، وكانت توابل الهند موجودة في سوريا أيضاً. ولكنها لا تصل إليها إلا بعد رحلات برية كثيرة التكاليف ترفع كثيراً من أثمانها. وكان من المستطاع إحضارها بنفقات أقل من ذلك بكثير حتى مصب نهر النيل. فيكون سعر التكلفة هناك أكثر انخفاضاً. إضافة إلى ذلك أن الغربيين كان لهم ميزة الحصول في الموانئ المصرية على حاصلات الأراضي المصرية ومنتجاتها الصناعية. وكان هناك من جهة أخرى أرباح كثيرة تتحقق بتوريد بعض السلع التي كانت مصر محرومة منها تماماً مثل الخشب والحديد، وهما مادتان لا غنى عنهما، وكان لابد لمصر من استيرادهما من الخارج.
كان للعوامل السابقة ما يغرى الأمم التجارية الغربية، ولكن ربط العلاقة السليمة مع مصر لم يكن بالأمر السهل. فطالما بقيت الدول الصليبية كانت مصر عدوة لها بالضرورة . وفى البداية كانت مصر ضعيفة ولكنها بالتدريج أصبحت إحدى القوى العسكرية الكبرى في العالم الإسلامي، ولذلك ازدادت كراهية العالم المسيحي لها. وكان العمل على إذلالها وخرابها في نظر الغرب أول واجبات المسيحية، كما كان الهدف الذي يتبناه قادة الحملات الصليبية الأخيرة .
إذاً يتبين لنا أنه من العسير قيام حركة تجارية بين أوروبا ومصر فكانت العقبات تأتى من الطرفين، ولكن الأمل عند الغربيين في الحصول على أرباح جسيمة كان يبدد الكثير من المخاوف . وبالمقابل كان سادة مصر يتحملون ما يصيبهم من ويلات في نظير الأرباح الهائلة التي تأتى بها التجارة لبلدهم وخزائنهم. وكان أكثر السلاطين حباً للقتال أولئك الذين يعتبرون أن رسالتهم هي سحق صليبيي فلسطين ولذلك يرحبون بمواطني هؤلاء الصليبيين الذين يأتون إليهم للتجارة وبخاصة حين يحضرون معهم خشباً لبناء السفن وقاراً وقطراناً ومعادن مختلفة وأسلحة. وكان السلاطين يشجعونهم على الاستيراد ويوعدونهم بأرباح كثيرة وبالفعل فقد حققت جهودهم في هذا السبيل النتيجة المرجوة.
لاشك أن التجارة بهذه الصورة مع المسلمين تمثّل ضرراً كبيراً بالعالم المسيحي ولهذه الأسباب تدخلت الكنيسة أكثر من مرة، كما اعتبرت المجامع الدينية المسيحية أن كل شخص يجرؤ في المستقبل على بيع حديد أو سلاح أو خشب لبناء السفن أو سفن جاهزة للمسلمين خائناً، ويستحق عقوبة الحرمان فضلاً عن مصادرة أمواله، وفقد حريته الشخصية، كما يرخص لمن يقبض عليه أن يحتفظ به عبداً . ووجه البابوات أيضاً تحذيرات صريحة في هذا الصدد لسكان المدن التجارية، ورأت البابوية في العلاقات التجارية الوثيقة القائمة مع المسلمين في مصر والشام خيانة للأهداف المسيحية عن طريق مساعدة أعداء الكيان المسيحي. ولكن برغم كل ذلك ترددت السلطات في جنوى وبيزا وأصدروا عقوبات خاصة في مناطقهم، وفعل الشيء نفسه ملك أرجوان لسكان مونبيلييه ولسكان برشلونة. ولعبت مدينة بيزا دوراً غامضاً في هذه المسألة، ففي المعاهدات التي أبرمت بين سفراء بيزا وملوك مصر كان ثمة اتفاق على نقل مواد بناء السفن والأسلحة إلى مصر وهذا ما نصّت عليه معاهدة1173م. ومع ذلك كانت الكنيسة تطالب من وقت لآخر أثناء الاستعدادات لحرب صليبية بوقف إرسال السفن التجارية إلى مصر وكان لابد للأمم التجارية أن ترضخ لهذا الطلب.
ولكن هذه الإنقطاعات الوقتية لم تكن بالإجمال تعوق حركة الملاحة النشيطة بين الغرب ومصر إلا بصورة عرضية، وقد يبدو أن عصر الحروب الصليبية لم يكن ملائماً لهذه الحركة التجارية، ومع ذلك فإنها نمت نمواً كبيراً في هذه الفترة بالذات، فالإسكندرية من قبل لم يكن يزورها سوى البنادقة والأمالفيين والجنويين، ولكن منذ ذلك العصر راحت أمم كثيرة تشارك فى نشاط هذا السوق الكبير ويذكر بنيامين دوديل أنه رأى تجار حوالي ثمانية وعشرين بلداً أو مدينة في هذا السوق.
كان للبنادقة والجنويين علاقة تجارية وثيقة بمصر منذ قديم الزمان، وكانوا يضاعفون رحلاتهم إلى مصر سنة بعد سنة مع نمو تجارتهم نمواً مطرداً. أما أمالفى فإنها المدينة الوحيدة التي تقر بأن علاقتها بمصر قد تباطأت بالتدرج إلى أن توقفت تماماً، وعانت مما أصابها من نكبات سياسية. وهناك غير هذه الأمم التي عرفت علاقاتها بمصر منذ أقدم العصور، أمم لا تظهر أسماؤها في تاريخ تجارة مصر إلا في عصور الحروب الصليبية.
أما فيما يتعلق بصقلية فتزوّدنا وثيقة رسمية لروجر الثاني في عام1137م بلمحة عن وضعها وقتئذ. يتعهد روجر فيما يتعهد به في هذه الوثيقة الممنوحة لمدينة سالرنو مكافأة لها على إخلاصها له وطلب أن يسعى للحصول على تخفيض الرسوم التي كان يدفعها في الإسكندرية تجار تلك المدينة (سالرنو) بالفئة المحددة لتجار صقلية. وعلى ذلك ففي عام1137م كان الصقليون يتمتعون في مصر بتخفيض في التعريفات، كما حصل أيضاً سكان سالرنو على نفس الامتياز.
أما بيزا فإنها أقامت علاقات تجارية مع مصر في النصف الأول من القرن الثاني عشر. وفى عام1154م استقبل الخليفة الفاطمي أبو المنصور إسماعيل الظافر ووزيره عباس الزيرى فى بلاط مصر سفيراً بيزياً يدعى رانبرى بوتاكى يحمل رسائل من رئيس الأساقفة فيللانوس وقناصل بيزا. ولكنه لم يكن أول سفير بيزى يظهر في هذا البلاط، وكانت مهمته تسوية بعض الخلافات التي تعانى منها العلاقات القديمة التي تربط الأمتين، ففي العام السابق كان تجار بيزيون في سفينة مع بعض رعايا الخليفة، فقتلوا الرجال منهم وأسروا النساء والأطفال واستولوا على ما معهم من بضائع.
وأخذ الخليفة بثأر رعاياه في شخص التجار البيزيين المقيمين في مصر أو المارين بها، ومن ثم انقطعت حركة التجارة وطالبت الحكومة المصرية بمعاقبة المذنبين قبل أن تصرح بعودة الحركة، والتزمت الحكومة المصرية أيضاً في حالة تكرار مثل هذا العدوان ألا تتخذ إجراءات ثأرية فورية ضد التجار البيزيين وأن تعطى مهلة سنة للسلطات البيزية للتعويض عما يقع من أضرار. وتعهد بوتاكى بألا يقدم بلده أية مساعدة لفرنجة سورية أو غيرهم في أية حملة يقومون بها ضد مصر.
وبعد رحيل رانبرى بوتاكى بوقت قليل قتل الوزير عباس مولاه الخليفة الظافر ونصب في مكانه على العرش ابنه القاسم عيسى الفائز بنصر الله البالغ من العمر خمس سنوات فقط بغرض تسيير أمور البلاد حسب مشيئته ولكنه لم يتمتع طويلاً باغتصاب السلطة ففي السنة الثالثة أطاح به طلائع ابن رزيّك الأرمنى، وتولى الوزير الجديد الحكم باسم الخليفة الفائز وبعثت إليه حكومة بيزا بالسفراء، وسعت إلى اكتساب مودته ورعايته كما فعلت مع سلفه. وقد استقبل السفراء في مصر أحسن استقبال ولما عادوا إلى بلادهم حملوا معهم أثمن أنواع الدهون التي أهديت لهم لاستعمالها في حفلات القداس.
غير أن مملكة بيت المقدس لم تنظر بعين الرضا إلى علاقة المودة بين بيزا ومصر ففي عام1156م عقدت معاهدة بين بيزا وبلدوين الرابع وأهم ما جاء في تلك المعاهدة وقف إرسال السفن المحملة بالخشب والقار إلى مصر.
يحدث هذا كلَّه ودولة الفاطميين كانت وقتئذ تسير بخطوات واسعة نحو الفناء، إذ أصبح الخلفاء منذ وقت طويل مجردين من كل سلطة عن طريق وزرائهم، إلا أنه لم يستطيع أى من هؤلاء الوزراء أن يحتفظ بمنصبه، وحين وجد أحدهم ويدعى شاور، أنه على وشك السقوط طلب معونة نور الدين زنكى أقوى ملوك سورية وبلاد ما بين النهرين بين المسلمين، وبفضل جيوش نور الدين بقيادة مساعده شيركوه نجح في سحق خصومه. ولكن شاور لم يف بوعده بل عمل على التخلص من شيركوه، ولم يجد وسيلة لذلك أفضل من الاستعانة بحليف جديد ذلك هو عمورى ملك بيت المقدس الذي كان له مصلحة كبيرة في جلاء القوات السورية سريعاً عن مصر، ذلك لأنه إذا نجح نور الدين في بسط سيادته على البلد فإن مملكة بيت المقدس سوف تجد نفسها محصورة ومهددة من جميع الجهات، وفى عام1167م أرسل نور الدين جيشاً جديداً إلى مصر تحت امرة شيركوه. وبالفعل استولى شيركوه على الإسكندرية وعهد بحراستها إلى ابن أخيه صلاح الدين.
أما عمورى فراح وتحالف مع البيزيين وحاصروا المدينة ولكن المدينة قاومت إلى أن تم عقد صلح، كان أول شروطه إقصاء صلاح الدين عنها.
غير أن المعاهدة أعادت الإسكندرية إلى الخليفة الفاطمي وكان الفضل الكبير للبيزيين في تسوية المشكلة وعقد معاهدة الصلح، ولم ينس الخليفة هذا الإسهام من جانبهم واعترافاً منه بجميلهم أمر بتخفيض كبير من الضرائب لصالح التجار البيزيين في القاهرة. ولكن برغم كل هذه المعاهدات لم يقف الصراع وسقطت الدولة الفاطمية في مصر ولم يستفد عمورى من سقوطها إذ آلت السيادة إلى صلاح الدين، الذي وافق فيما بعد على عقد معاهدة جديدة ضمنت للبيزيين.
المقيمين في الإسكندرية امتلاك حمام وفندق وكنيسة وتمتعهم بحرية العبادة، ورخّصت لهم باستعمال مكاييلهم وموازينهم، وشجعت استيراد منتجات الغرب إلى مصر وبخاصة الحديد والخشب والقار. وأعفت البيزيين من كل الضرائب على ما كانوا يستوردونه إلى مصر من ذهب وفضة.
ولكنها ألزمتهم بأن يقدموا للجمارك عند رحيلهم ما يتبقى معهم من نقود.
وأخيراً وضع صلاح الدين حداً لمختلف أنواع التعسّف التي كان البيزيون ضحيتها من إجبارهم على بيع بضائعهم للحكومة بأقل من السعر المتداول ومنعهم من الرحيل بالقوة وغير ذلك.
وعلى غرار بيزا استمرت جنوى والبندقية تزاولان تجارتهما مع مصر في عهد صلاح الدين، وعقدتا معه عن طريق سفرائهما معاهدات شبيهة بتلك التي عقدها مع البيزيين والحقيقة أن التبادل التجاري بين المدن الإيطالية والمسلمين كان ضرورياً للطرفين، لدرجة أن صلاح الدين حاول إغراء هذه المدن بأن تركز تجارتها مع مصر ليحرم الصليبيين من إمداداتهم في موانئ الشام.
ورغم أن بعض المدن التجارية الغربية كانت تقطع تجارتها مع مصر إبان الاستعدادات لحملة صليبية أو خلال الحملة، بيد أن التجارة كانت تستمر غالباً دون عوائق، ولم تكن فترات الانقطاع هذه تمنع أفراد المستوطنات الصليبية من ملء حوانيتهم واثقين من تصريف بضائعهم بمجرد عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها الآمنة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|