المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

STOPS
15-3-2022
اثر وقف التنفيذ في انهاء العلاقة الوظيفية في مصر
13-4-2017
مستقبل السياحة في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة
22-4-2022
معنى كلمة خيم
4-06-2015
السلطات التأديبية في القانون الليبي
24-6-2021
التفاعل والحيوية
2024-08-28


تفسير آية (61-63) من سورة التوبة  
  
5022   01:59 صباحاً   التاريخ: 9-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 61 - 63] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

رجع سبحانه إلى ذكر المنافقين، فقال : {ومنهم} أي : ومن هؤلاء المنافقين {الذين يؤذون النبي} والأذى قد يكون بالفعل، وقد يكون بالقول، وهو هنا بالقول . {ويقولون هو أذن} معناه : إنه يستمع إلى ما يقال له، ويصغي إليه، ويقبله . {قل} يا محمد {أذن خير لكم} أي : هو أذن خير، يستمع إلى ما هو خير لكم، وهو الوحي . وقيل : معناه هو يسمع الخير، ويعمل به، ومن قرأ {أذن خير لكم} فمعناه : قل كونه أذنا أصلح لكم، لأنه يقبل عذركم، ويستمع إليكم، ولو لم يقبل عذركم لكان شرا لكم، فكيف تعيبونه بما هو خير لكم وأصلح ؟

{يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} معناه : إنه لا يضره كونه أذنا، فإنه أذن خير، فلا يقبل إلا الخبر الصادق من الله، ويصدق المؤمنين أيضا فيما يخبرونه، ويقبل منهم دون المنافقين، عن ابن عباس، فإيمانه للمؤمنين تصديقه لهم على هذا القول . وقيل : يؤمن للمؤمنين أي : يؤمنهم فيما يلقي إليهم من الأمان، ولا يؤمن للمنافقين بل يكونون على خوف، وان حلفوا {ورحمة للذين آمنوا منكم} أي : وهو رحمة لهم لأنهم إنما نالوا الإيمان بهدايته، ودعائه إياهم .

{والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} في الآخرة {يحلفون بالله لكم ليرضوكم} أخبر سبحانه أن هؤلاء المنافقين يقسمون بالله ان الذي بلغكم عنهم باطل، اعتذارا إليكم، وطلبا لمرضاتكم . {والله ورسوله أحق أن يرضوه} أي :

والله ورسوله أحق وأولى بأن يطلبوا مرضاتهما {ان كانوا مؤمنين} مصدقين بالله، مقرين بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وتقديره : والله أحق أن يرضوه ، ورسوله أحق أن يرضوه، فحذف للتخفيف، ولدلالة الكلام عليه، كما قال الشاعر :

نحن بما عندنا ، وأنت بما عندك راض، والرأي مختلف والمعنى : نحن بما عندنا راضون ، وأنت بما عندك راض . ثم قال سبحانه على وجه التقريع والتوبيخ لهؤلاء المنافقين : {ألم يعلموا} أي : وما يعلموا {أنه من يحادد الله ورسوله} أي : من تجاوز حدود الله التي أمر المكلفين ألا يتجاوزوها، وإنما قال : {ألم يعلموا} لمن لا يعلم على وجه الاستبطاء لهم، والتخلف عن عمله أي : هلا علموا بعد أن مكنوا من عمله . وقيل : هو أمر بالعلم أي يجب أن يعلموا بهذا الخبر، وبالدلائل . وقيل : معناه ألم يخبرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، عن الجبائي {فأن له نار جهنم خالدا فيها} أي : دائما {ذلك الخزي} أي : الهوان والذل {العظيم} .

_________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 79-80 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ ومِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } . كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعامل كل إنسان بظاهره ، ولا يبحث عن باطنه عملا بمبدأ الظاهر للناس ، والباطن للَّه ، وهذا أصل من أصول الشريعة الإسلامية يبتني عليه كثير من الأحكام ، وقد استغله المنافقون ، فكانوا يفلتون من طاعة اللَّه ورسوله ، ويعتذرون فيقبل منهم الرسول ويعفو . . والغريب انهم اتخذوا من هذه الفضيلة وسيلة للطعن فيه ، ونسبوه إلى سرعة التصديق والتأثر بكل ما يسمع ، دون ان يتدبر ويميز بين ما هو جدير بالقبول ، وما هو جدير بالرفض . . ولو أنه ( صلى الله عليه وآله ) واجههم بكذبهم ونفاقهم ، وعاملهم بما يستحقون من العقوبة لكان شرا لهم ، ولقالوا : فظ غليظ . . لقد عابوه فيما يعود عليهم بالخير والنفع ، وهنا مكان الغرابة . . لكن اللئيم لا يكثر عليه شيء ، لأنه ينظر إلى كل شيء بمرآة نفسه السوداء ، حتى إلى من يحسن إليه . . وصدق الذي قال :

من تكن نفسه بغير جمال * لا يرى في الوجود شيئا جميلا

{ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ } هذا رد من اللَّه على أولئك المنافقين ، ويتلخص الرد بأن النبي أذن خير ، لا أذن شر . . يقبل منكم ما لا ضرر فيه على إنسان ، ويرفض ما فيه الضرر ، كالغيبة والنميمة { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي يصدق الصادقين منهم تصديق تسليم واقتناع ، أما المنافقون فيصدقهم فيما لا ضرر فيه تصديق ملاطفة ومجاملة {ورَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} . رحمة معطوف على أذن خير ، وهو من باب عطف العام على الخاص لأن أذن الخير رحمة أيضا {والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} لأن من آذى رسول اللَّه فقد آذى اللَّه .

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ واللَّهُ ورَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ} .

كما يزعمون ، والضمير في يحلفون عائد إلى الذين قالوا : هو أذن . والخطاب في لكم وفي ليرضوكم للنبي والمؤمنين ، فلقد أخبرهم اللَّه تعالى في هذه الآية ان المنافقين حين علموا باطلاعكم على ما قالوه في حق النبي ( صلى الله عليه وآله ) خافوا منكم فالتجأوا إلى اليمين الكاذبة ليرضوكم ، وكان الأولى بهم أن يرضوا اللَّه ورسوله بالتوبة والإخلاص . وفي الحديث من حلف على يمين ، وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز اللَّه بالمحاربة . . وفي التعبير بيرضوه دون يرضوهما اشعار بأن إرضاء الرسول هو عين إرضاء اللَّه ، كما أن إيذاءه عين إيذائه .

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهً ورَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} . يحادد أي يخالف . وهذه الآية تأكيد لقوله في الآية السابقة : والذين يؤذون رسول اللَّه لهم عذاب أليم . قال الشيخ إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان ، وهو يشرح هذه الآية :

« كل نبي أوذي بما لا يحيط به البيان ، وكان محمد ( صلى الله عليه وآله ) أشدهم في ذلك كما قال : ما أوذي نبي مثل ما أوذيت . ولما كانت الأذية سبب التصفية كان المعنى ما صفى نبي مثل ما صفيت . . وانما كان الحسن مسموما ، والحسين مذبوحا رضي اللَّه عنهما بسبب ان كمال تعينهما كان بالشهادة ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قادرا على تخليصهما بالشفاعة من اللَّه ، ولكنه رأى كمالهما في رتبتهما راجحا على الخلاص ، حتى أنه دفع قارورتين لواحدة من أزواجه المطهرة ، وقال لها :

إذا اصفر ما في إحداهما يكون الحسن شهيدا بالسم ، وإذا احمر ما في الأخرى يكون الحسين شهيدا بالذبح . . فكان كذلك » .

_____________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 61-63 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم﴾ الأذن جارحة السمع المعروفة ، وقد أطلقوا عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) الأذن وسموه بها إشارة إلى أنه يصغي لكل ما قيل له ويستمع إلى كل ما يذكر له فهو أذن . 

وقوله : ﴿قل أذن خير لكم﴾ من الإضافة الحقيقية أي سماع يسمع ما فيه خيركم حيث يسمع من الله سبحانه الوحي وفيه خير لكم ، ويسمع من المؤمنين النصيحة وفيها خير لكم ويمكن أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي أذن هي خير لكم لأنه لا يسمع إلا ما ينفعكم ولا يضركم . 

والفرق بين الوجهين أن اللازم على الأول أن يكون مسموعه خيرا لهم كالوحي من الله والنصيحة من المؤمنين ، واللازم على الثاني أن يكون استماعه استماع خير وإن لم يكن مسموعه خيرا كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيرا لهم لكنه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله ثم يحمل ذلك القول منه على الصحة فلا يهتك حرمته ولا يسيء الظن به ثم لا يرتب أثر الخبر الصادق المطابق للواقع عليه فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الذي جاءه بالخبر . 

ومن هنا يظهر أن الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثاني لما عقبه بقوله : ﴿يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾ الآية . 

وذلك أن الإيمان هو التصديق ، وقد ذكر متعلق الإيمان في قوله : ﴿يؤمن بالله﴾ وأما قوله : ﴿ويؤمن للمؤمنين﴾ فلم يذكر متعلقه وإنما ذكر أن هذا التصديق لنفع المؤمنين لمكان اللام ، والتصديق الذي يكون فيه نفع المؤمنين حتى في الخبر الذي يتضمن ما يضرهم إنما هو التصديق بمعنى إعطاء الصدق المخبري دون الخبري أي فرض أن المخبر صادق بمعنى أنه معتقد بصدق خبره وإن كان كاذبا لا يطابق الواقع . 

وهذا كما في قوله تعالى : ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ المنافقون : 1 فالله سبحانه يكذب المنافقين لا من حيث خبرهم برسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل من حيث إخبارهم بخلاف ما يعتقدونه وهذا بخلاف قول المؤمنين فيما حكى الله سبحانه : ﴿ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله﴾ [الأحزاب : 22] فهم يصدقون الله ورسوله في الخبر لا في الاعتقاد . 

وبالجملة ظاهر قوله : ﴿يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾ إنه يصدق الله فيما أخبره به من الوحي ، ويصدق لنفع المؤمنين كل من ألقى إليه منهم خبرا بحمل فعله على الصحة وعدم رميه بالكذب وسوء النية من غير أن يرتب أثرا على كل ما يسمعه ويستمع إليه وإلا لم يكن تصديقه لنفع المؤمنين واختل الأمر ، وهذا المعنى كما ترى يؤيد الوجه الثاني المذكور . 

وكأن المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم وإن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين وعلى هذا كان المراد بالذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقا فمعنى الكلام أنه يصدق ربه ويصدق كل فرد من أفراد مجتمعكم احتراما لظاهر حاله من الانتساب إلى المؤمنين وهو رحمة للذين آمنوا منكم حقا لأنه يهديهم إلى مستقيم الصراط . 

وإن كان المراد من الذين آمنوا هم الذين آمنوا في أول البعثة قبل الفتح - كما تقدم سابقا أن ﴿الذين آمنوا﴾ اسم تشريفي في القرآن للمؤمنين الأولين في الإسلام - كان المراد بالمؤمنين في قوله : ﴿ويؤمن للمؤمنين﴾ المؤمنون منهم حقا كما أطلق بهذا المعنى في قوله : ﴿ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله﴾ [الأحزاب : 22] . 

وربما قيل : إن اللام في قوله : ﴿ويؤمن للمؤمنين﴾ للتعدية كما في قوله : ﴿يؤمن بالله﴾ فالإيمان يتعدى بالحرفين جميعا كما في قوله : ﴿فآمن له لوط﴾ [العنكبوت : 26] وقوله : ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ [يونس : 83] وقوله : ﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾ [الشعراء : 111] . 

وربما قيل : إن اللفظ جار على طريقة التضمين بتضمين الإيمان معنى الجنوح المتعدي باللام والمعنى يجنح للمؤمنين مؤمنا بهم أو يؤمن جانحا لهم والوجهان وإن كانا لا بأس بهما في نفسهما لكن يبعد ذلك لزوم التفكيك في قوله : ﴿يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾ بين ﴿يؤمن﴾ الأول والثاني من غير نكتة ظاهرة إلا أن يحمل على التفنن في التعبير ومع ذلك فالنتيجة هي النتيجة السابقة فإن إيمانه بالمؤمنين لا يختص بالمخبرين خاصة حتى يصدق خبرهم ويؤاخذ آخرين إذا أخبر بما يضرهم بل إيمان يعم جميع المؤمنين فيصدق المخبر في خبره بمعنى إعطاء الصدق المخبري ويصدق المخبر عنه بحمل فعله على الصحة فافهم ذلك . 

وعده تعالى نبيه في قوله : ﴿ورحمة للذين آمنوا منكم﴾ رحمة لقوم خاص في هذه الآية مع عده رحمة للناس كلهم في قوله عز وجل : ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ الأنبياء : 107 إنما هو لاختلاف المراد بالرحمة في الآيتين فالمراد بها هاهنا الرحمة الفعلية وهناك الرحمة الشأنية . 

وبعبارة أخرى هو (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة لمن آمن به حقا بمعنى أن الله سبحانه أنقذه به من الضلالة وختم له بالسعادة والكرامة ، ورحمة للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم ، من معاصريه وممن يأتي بعده بمعنى أن الله بعثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بملة بيضاء وسنة طيبة فحول المجتمع البشري وصرفه عن مسيره المنحرف عن الاستقامة إلى طريق الشقاوة والهلاك ، وأنار بمشعلته صراط الفطرة الإلهية فمن راكب على السبيل فائز بالغاية المطلوبة ، ومن خارج عن مسير الردى والهلكة ولما يركب متن الصراط الفطري ، ومن قاصد للخروج والورود ولما يخرج وهذا حال المجتمع العام البشري بعد طلوع الإسلام وبسطة معارفه بين الناس وإيصاله إلى سمع كل سامع وتأثيره في كل من السنن الاجتماعية بما في وسعه أن يتأثر به ، وهذا مما لا يرتاب فيه باحث عن طبيعة المجتمع الإنساني ، وهذا الوجه قريب المأخذ من الوجه السابق أو راجع إليه بالحقيقة . 

قوله تعالى : ﴿يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين﴾ قال في المجمع ، الفرق بين الأحق والأصلح أن الأحق قد يكون من غير صفات الفعل كقولك : زيد أحق بالمال ، والأصلح لا يقع هذا الموقع لأنه من صفات الفعل وتقول : الله أحق بأن يطاع ولا تقول أصلح . 

والسبب الأصلي فيه أن الصلاحية والصلوح يحمل معنى الاستعداد والتهيؤ ، والحق يحمل معنى الثبوت واللزوم ، والله سبحانه لا يتصف بشيء من معنى الاستعداد والقبول المستلزم لتأثير الغير فيه وتأثره عنه . 

وقد حول الله الخطاب في الآية عن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المؤمنين التفاتا وكأن الوجه فيه التلويح لهم بما يشتمل عليه قوله : ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين﴾ من الحكم وهو أن من الواجب على كل مؤمن أن يرضي الله ورسوله ، ولا يحاد الله ورسوله فإن فيه خزيا عظيما نار جهنم خالدا فيها . 

ومن أدب التوحيد في الآية ما في قوله : ﴿أحق أن يرضوه﴾ من إفراد الضمير ولم يقل : أحق أن يرضوهما صونا لمقامه تعالى من أن يعدل به أحد فإن أمثال هذه الحقوق وكذا الأوصاف التي يشاركه تعالى غيره من حيث الإطلاق والإجراء ، له تعالى بالذات ولنفسه ولغيره بالتبع أو بالعرض ومن جهته كوجوب الإرضاء والتعظيم والطاعة وغيرها ، وكالاتصاف بالعلم والحياة والإحياء والإماتة وغيرها . 

وقد روعي نظير هذا الأدب في القرآن في موارد كثيرة فيما يشارك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غيره من الأمة من الشئون فأخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بينهم وأفرد بالذكر كما في قوله : ﴿يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا﴾ [التحريم : - 8] وقوله : ﴿فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ [الفتح : 26] وقوله : ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون﴾ [البقرة : 285] وغير ذلك . 

قوله تعالى : ﴿ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم﴾ إلى آخر الآية قال في المجمع ، : المحادة مجاوزة الحد بالمشاقة ، وهي والمخالفة والمجانبة والمعاداة نظائر ، وأصله المنع والمحادة ما يلحق الإنسان من النزق لأنه يمنعه من الواجب وقال : والخزي الهوان وما يستحيى منه .

 ___________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 262-265 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [التوبة : 61] .

تتحدّث الآية- كما يفهم من مضمونها- عن فرد أو أفراد كانوا يؤذون النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بكلامهم ويقولون أنّه أذن ويصدّق كل ما يقال له سريعا {ومِنْهُمُ الَّذِينَ‏ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ‏} .

«الأذن» في الأصل تطلق على الجزء الظاهر من الحاسة السامعة (الصيوان) ، لكنّها تطلق على الأفراد الذين يصغون كثيرا لكلام الناس أو كما يقال : سمّاع .

هؤلاء المنافقون اعتبروا هذه الصفة- والتي هي سمة ايجابية للنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، والتي يجب توفرها في أي قائد كامل- نقطة ضعف في سيرته ومعاملته صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، وكأنّهم غفلوا عن أن القائد إذا أراد أن يحبه الناس لا بدّ أن يظهر لهم كل محبّة ولطف ، وأن يقبل عذر المعتذر ما أمكن ، ويستر على عيوبهم ، (إلّا أن تكون هذه الصفة الحميدة سببا لاستغلالها من قبل البعض) .

من هنا نلاحظ أنّ القرآن قد ردّهم مباشرة ، وأمر النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن يقول لهم بأنّه إذا كان يصغي لكلامكم ، ويقبل أعذاركم ، أو كما تظنون بأنّه أذن ، فإنّ ذلك في مصلحتكم ولمنفعتكم‏ {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ‏} ، فإنّه بذلك يحفظ ماء وجوهكم وشخصيتكم ، ولا يجرح شعوركم وعواطفكم ، وبذلك- أيضا- يسعى لحفظ وحدتكم واتحادكم ومودتكم ، ولو أراد أن يرفع الستار عن أفعالكم القبيحة ، ويفضح الكاذبين على رؤوس الأشهاد ، لضرّكم ذلك وشق عليكم ، وافتضح عدّة منكم ، وعندها سيغلق أمامهم باب التوبة ممّا يؤدي إلى توغلهم في الكفر والابتعاد عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بعد أن كان من المحتمل هدايتهم .

إن القائد الرحيم والمحنّك يجب أن يكون مطّلعا على كل شي‏ء ، لكن لا ينبغي له أن يجابه أفراده بأمورهم الخاصّة والمجهولة عند الآخرين حتى يتربى من لهم الاستعداد والقابلية وتبقى اسرار الناس في طي الكتمان .

ويحتمل في تفسير الآية أن يراد معنى آخر ، وهو أنّ اللّه سبحانه وتعالى يقول في جواب هؤلاء الذين يعيبون على النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إصغاءه للآخرين: ليس الأمر كما تظنون بأنّه يسمع كل ما يقال له ، بل إنّه يصغي إلى الكلام الذي فيه نفعكم ، أي أنّه يسمع الوحي الإلهي ، والاقتراح المفيد ، ويقبل اعتذار الأفراد إذا كان هذا القبول‏ في صالح المعتذرين والمجتمع‏ «2» .

ومن أجل أن لا يستغل المتتبعون لعيوب الناس ذلك ، ولا يجعلون هذه الصفة وسيلة لتأكيد كلامهم ، أضاف اللّه تعالى أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم يؤمن باللّه ويطيع أوامره ، ويصغي إلى كلام المؤمنين المخلصين ، ويقبله ويرتب عليه الأثر ، {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏} ، وهذا يعني أن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان له طريقان وأسلوبان في عمله :

أحدهما : الحفاظ على الظاهر والحيلولة دون هتك الأستار وفضح أسرار الناس .

والثّاني : في مرحلة العمل ، فقد كان صلى اللّه عليه وآله وسلّم في البداية يسمع من كل أحد ، ولا ينكر على أحد ظاهرا ، أمّا في الواقع العملي فإنّه لا يعتني ولا يقبل إلّا أوامر اللّه واقتراحات وكلام المؤمنين المخلصين ، والقائد الواقعي يجب أن يكون كذلك فإن تأمين مصالح المجتمع لا يتم إلّا عن هذا الطريق ، لذلك عبر عنه بأنّه رحمة للمؤمنين‏ {ورَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} .

ويمكن أن يطرح هنا سؤال ، وهو أننا نلاحظ في بعض الآيات التعبير عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّه‏ {رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} [الأنبياء - 107] لكننا نقرأ هنا أنّه رحمة للمؤمنين ، فهل يتطابق ذلك العموم مع هذا التخصيص ؟

إلّا أنّنا إذا لا حظنا نقطة دقيقة سيتّضح جواب هذا السؤال ، وهي أنّ للرحمة درجات ومراتب متعددة ، فإحداها مرتبة (القابلية والاستعداد) ، والأخرى (الفعلية) .

فمثلا: المطر رحمة إلهية ، أي أنّ هذه القابلية واللياقة موجودة في كل قطرات المطر ، فهي منشأ الخير والبركة والنمو والحياة ، لكن من المسلّم أنّ آثار هذه‏ الرحمة لا تظهر إلّا في الأراضي المستعدّة ، وعلى هذا فإنّه يصح قولنا : إنّ جميع قطرات المطر رحمة ، كما يصح قولنا : إنّ هذه القطرات أساس الرحمة في الأراضي التي لها القابلية والاستعداد لتقبل هذه الرحمة ، فالجملة الأولى إشارة إلى مرحلة (الاقتضاء والقابلية) ، والجملة الثّانية إشارة إلى مرحلة (الوجود والفعل) ، وعلى هذا فإنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أساس الرحمة لكل العالمين بالقوة ، أمّا بالفعل فهو مختص بالمؤمنين .

بقي هنا شي‏ء واحد ، وهو أنّ هؤلاء الذين يؤذون النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بكلامهم ويتتبعون أحواله لعلهم يجدون عيبا يشهّرون به يجب أن لا يتصوروا أنّهم سوف يبقون بدون جزاء وعقاب ، فصحيح أن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم مأمور ، ومن واجبه- كقائد- أن يقابل هؤلاء برحابة صدر ولا يفضحهم ، لكن هذا لا يعني أنّهم سوف يبقون بدون جزاء ، ولهذا قال تعالى في نهاية الآية : {والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏} .

 

- { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } [التوبة : 62 - 63] .

 

المنافقون والتظاهر بالحق :

إن إحدى علامات المنافقين وأعمالهم القبيحة والتي أشار إليها القرآن مرارا هي إنكارهم الأعمال القبيحة والمخالفة للدين والعرف ، وهم إنّما ينكرونها من أجل التغطية على واقعهم السيء وإخفاء الصورة الحقيقية لهم ، ولما كان المجتمع يعرفهم ويعرف كذبهم في هذا الإنكار فقد كانوا يلجؤون إلى الأيمان الكاذبة من أجل مخادعة الناس وإرضائهم .

وفي الآيات السابقة الذكر نرى أنّ القرآن المجيد يكشف الستار عن هذا العمل القبيح ليفضح هؤلاء من جهة ، ويحذّر المسلمين من تصديق الإيمان الكاذبة من جهة أخرى .

في البداية يخاطب القرآن الكريم المسلمين وينبههم إلى أنّ هدف هؤلاء من القسم هو إرضاؤكم‏ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ‏} ، ومن الواضح إذن أن هدف هؤلاء من هذه الأيمان لم يكن بيان الحقيقة ، بل إنّهم يسعون عن طريق المكر والخديعة إلى أن يصوروا لكم الأشياء والواقع على غير صورته الحقيقة ، ويصلون عن هذا الطريق إلى مقاصدهم ، وإلّا فلو كان هدفهم هو إرضاء المؤمنين الحقيقيين عنهم ، فإنّ إرضاء اللّه ورسوله أهم من إرضاء المؤمنين ، غير أنا نرى أنّهم بأعمالهم هذه قد أسخطوا اللّه ورسوله ، ولذا عقبت الآية فقالت : {واللَّهُ ورَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ‏} .

ممّا يلفت النظر أن الجملة المذكورة لما كانت تتحدث عن اللّه ورسوله ، فعلى القاعدة النحوية ينبغي أن يكون الضمير في «يرضوه» ضمير التثنية غير أن المستعمل هنا هو ضمير المفرد ، وهذا الاستعمال والتعبير يشير إلى أن رضا النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من رضا اللّه . بل أنّه لا يرتضي من الأعمال إلّا ما يرتضيه اللّه سبحانه ، وبعبارة أخرى : فإنّ هذا التعبير يشير إلى حقيقة (توحيد الأفعال) ، لأنّ النّبي‏ الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم لا يملك استقلالية العمل في مقابل اللّه ، بل إن غضبه ورضاه وكل أعماله تنتهي إلى اللّه ، فكل شي‏ء من أجل اللّه وفي سبيله .

روي‏ أنّ رجلا في زمن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال ضمن كلامه : من أطاع اللّه ورسوله فقد فاز ، ومن عصاهما فقد غوى . فلما سمع النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كلامه غضب- حيث أن الرجل ذكر اللّه ورسوله بضمير التثنية فكأنّه جعل اللّه ورسوله في درجة واحدة- وقال : «بئس الخطيب أنت ، هلا قلت : ومن عصى اللّه ورسوله» «3» ؟!

وفي الآية الثّانية نرى أنّ القرآن يهدد المنافقين تهديدا شديدا ، فقال : {أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ومن أجل أن يؤكّد ذلك أضاف تعالى‏ ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ‏} .

(يحادد) مأخوذ من (المحادّة) وأصلها (حدّ) ، ومعناها نهاية الشيء وطرفه ، ولما كان الأعداء والمخالفون يقفون في الطرف الآخر المقابل ، لذا فإن مادة (المحادّة) قد وردت بمعنى العداوة أيضا ، كما نستعمل كلمة (طرف) في حياتنا اليومية ونريد منها المخالفة والعداوة .

______________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 274-279 .

2. في الحقيقة ، بناء على التّفسير الأوّل فإنّ‏ {أُذُنُ خَيْرٍ} التي هي مضاف ومضاف إليه من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، وعلى التّفسير الثّاني فهي من قبيل إضافة الوصف إلى المفعول ، فعلى الاحتمال الأوّل يكون المعنى ، إنّه إنسان يقبل الكلام وهو خير لكم ، وعلى الاحتمال الثّاني فالمعنى : إنّه يسمع الكلام المفيد الذي ينفعكم ، لا أنّه يسمع كل كلام .

3. تفسير أبي الفتوح الرازي ، ذيل الآية .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .