أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2016
1931
التاريخ: 7-2-2017
1704
التاريخ: 22-2-2021
2387
التاريخ: 9-7-2019
2528
|
غزوة أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب سنة تسع، وهي على عشرة أميال من المدينة.
قال: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن أبن عباس ،، ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، ومعاذ بن محمد، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وإسماعيل ابن إبراهيم، عن موسى بن عقبة؛ وكل قد حدثني من هذا الحديث بطائفة، وعماده حديث ابن أبي حبيبة.
قالوا: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد من تبوك في أربعمائة وعشرين فارساً إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل - وكان أكيدر من كندة قد ملكهم وكان نصرانياً - فقال خالد: يا رسول الله، كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ستجده يصيد البقر فتأخذه. قال: فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرةٍ صائفة، وهو على سطحٍ له ومعه امرأته الرباب بنت أنيف بن عامر من كندة، وصعد على ظهر الحصن من الحر، وقينته تغنيه، ثم دعا بشرابٍ فشرب. فأقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن، فأقبلت امرأته الرباب فأشرفت على الحصن فرأت البقر فقالت: ما رأيت كالليلة في اللحم! هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا! ثم قالت: من يترك هذا؟ قال: لا أحد! قال: يقول أكيدر: والله، ما رأيت جاءتنا ليلة بقر غير تلك الليلة، ولقد كنت أضمر لها الخيل إذا أردت أخذها شهراً أو أكثر، ثم أركب بالرجال وبالآلة.
فنزل فأمر بفرسه فأسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيت، معه أخوه حسان ومملوكان، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم؛ فلما فصلوا من الحصن، فاستأسر أكيدر وامتنع حسان، فقاتل حتى قتل، وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته فدخلوا الحصن. وكان على حسان قباء ديباجٍ مخوص بالذهب، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عمرو بن أمية الضمري حتى قدم عليهم فأخبرهم بأخذهم أكيدر.
قال أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله: رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعل المسلمون يتلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتعجبون من هذا؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا! وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لخالد بن الوليد: إن ظفرت بأكيدر فلا تقتله وائت به إلى، فإن أبي فاقتلوه، فطاوعهم. فقال بجير بن بجرة من طيئ، ذكر قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لخالد " إنك تجده يصيد البقر " وما صنع البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال شعراً:
تبارك سائق البقرات إني ... رأيت الله يهدي كل هاد
ومن يك عانداً عن ذي تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد
وقال خالد بن الوليد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتي بك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن تفتح لي دومة؟ قال: نعم، ذلك لك. فلما صالح خالد أكيدر، وأكيدر في وثاق، انطلق به خالد حتى أدناه من باب الحصن ونادى أكيدر أهله: افتحوا باب الحصن! فرأوا ذلك، فأبى عليهم مضاد أخو أكيدر لخالد: تعلم والله لا يفتحون لي ما رأوني وثاق، فخل عني فلك الله والأمانة أن أفتح لك الحصن إن أنت صالحتني على أهله. قال خالد: فإني أصالحك. فقال أكيدر: إن شئت حكمتك وإن شئت حكمني. قال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فصالحه على ألفي بعير، وثمانمائة رأس، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح، على أن ينطلق به وأخيه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيحكم فيهما حكمه. فلما قاضاه خالد على ذلك خلى سبيله ففتح الحصن، فدخله خالد وأوثق أخاه مضاداً أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح، ثم خرج قافلاً إلى المدينة، ومعه أكيدر ومضاد. فلما قدم بأكيدر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما. وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً فيه أمانهم وما صالحهم، وختمه يومئذ بظفره.
قالوا: وأقبل واثلة بن الأسقع الليثي، وكان ينزل ناحية المدينة، حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى معه الصبح، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا صلى الصبح انصرف فيتصفح وجوه أصحابه ينظر إليهم.
فلما دنا من واثلة أنكره فقال: من أنت؟ فأخبره فقال: ما جاء بك؟ قال: أبايع. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فيما أطقت؟ قال واثلة: نعم. فبايعه - وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ يتجهز إلى تبوك فخرج الرجل إلى أهله، فلقى أباه الأسقع فلما رأى حاله قال: قد فعلتها! قال واثلة: نعم. قال أبوه: والله لا أكلمك أبداً. فأتى عمه، وهو مولى ظهره الشمس، فسلم عليه فقال: قد فعلتها! قال: نعم. ولا مه لائمة أيسر من لائمة أبيه وقال: لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر، فسمعت أخت واثلة كلامه فخرجت إليه فسلمت عليه بتحية الإسلام، فقال واثلة: أني لك هذا يا أخية؟ قالت: سمعت كلامك وكلام عمك. وكان واثلة ذكر الإسلام ووصفه لعمه، فأعجب أخته الإسلام فأسلمت، فقال واثلة: لقد أراد الله بك أخية خيراً! جهزى أخاك جهاز غازٍ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جناح سفر. فأعطته مدا من دقيق فعجن الدقيق في الدلو، وأعطته تمراً فأخذه. وأقبل إلى المدينة فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تحمل إلى تبوك، وبقي عيرات من الناس وهم على الشخوص وإنما رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك بيومين - فجعل ينادي بسوق بني قينقاع: من يحملني وله سهمي! قال: وكنت رجلاً لا رجلة لي، فدعاني كعب بن عجرة فقال: أنا أحملك عقبة بالليل وعقبة بالنهار، ويدك أسوة يدي ولي سهمك! قال واثلة: نعم. فقال واثلة بعد ذلك: جزاه الله خيراً! لقد كان يحملني عقبتي، ويزيدني وآكل معه ويرفع لي، حتى إذا بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إلى أكيدر الكندي بدومة الجندل خرج كعب بن عجرة في جيش خالد بن الوليد، وخرجت معه فأصبنا فيها كثراً، فقسمه خالد بيننا، فأصابني ست قلائص، فأقبلت أسوقها حتى جئت بها خيمة كعب بن عجرة فقلت: اخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك فاقبضها! فخرج إلى وهو يتبسم ويقول: بارك الله لك فيها! ما حملتك وأنا أريد أن آخذ منك شيئاً.
وكان أبو سعيد الخدري رحمه الله يحدث يقول: أسرنا أكيدر فأصابني من السلاح درع وبيضة ورمح، وأصابني عشر من الإبل.
وكان بلال بن الحارث المزني يحدث يقول: أسرنا أكيدر وأخاه، فقدمنا بهما على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعزل يومئذ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صفى خالص قبل أن يقسم شئ من الفئ، ثم خمس الغنائم فكان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمس. وكان عبد الله بن عمرو المزني يقول: كنا أربعين رجلاً من مزينة مع خالد بن الوليد، وكانت سهماننا خمس فرائض، كل رجلٍ مع سلاح، يقسم علينا درع ورماح.
قال: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت أكيدر حين قدم به خالد وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهر.
قال الواقدي: حدثني شيخ من أهل دومة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب له هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام، مع خالد ابن الوليد سيف الله، في دومة الجندل وأكنافها. وإن لنا الضاحية من الضحل، والبور، والمعامي، وأغفال الأرض، والحلقة، والسلاح، والحافر، والحصن، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، ولا يؤخذ منكم عشر البتات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة لحقها. عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء. شهد الله ومن حضر من المسلمين.
قال: الضحل: الذي فيه الماء القليل؛ والبور: ما ليس فيه زرع؛ والمعامي: ما ليست له حدود معلومة؛ وأغفال الأرض: مياه؛ ولا تعد فاردتكم: يقول لا يعد ما يبلغ أربعين شاة؛ والحافر: الخيل؛ والمعين: الماء الظاهر؛ والضامنة من النخل: النبات من النخل التي قد نبتت عروقها في الأرض؛ ولا تحظر عليكم النبات: ولا تمنعوا أن تزرعوه.
قالوا: وأهدي له هدية فيها كسوة، وكتب له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً آمنه فيه وفيه الصلح، وآمن أخاه ووضع عليه فيه الجزية، فلم يك في يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم فختمه بظفره.
وكانت دومة، وأيلة، وتيماء، قد خافوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رأوا العرب قد أسلمت. وقدم يحنة بن رؤبة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان ملك أيلة، وأشفقوا أن يبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما بعث إلى أكيدر. وأقبل معه أهل جرباء وأذرح، فأتوه فصالحهم فقطع عليهم الجزية، جزية معلومة، وكتب لهم كتاباً: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، لسفنهم وسائرهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله، ولمن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر. ومن أحدث حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه، ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصلت وشر حبيل بن حسنة بإذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ووضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجزية على أهل أيلة؛ ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل.
قال: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: رأيت يحنة بن رؤبة يوم أتى به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه صليب من ذهب، وهو معقود الناصية، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفر وأومأ برأسه، فأومأ إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ارفع رأسك! وصالحه يومئذ، وكساه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بردا يمنة، وأمر له بمنزل عند بلال.
وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل جر باء وأذرح هذا الكتاب: من محمد النبي رسول الله لأهل أذرح؛ أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجبٍ وافية طيبة، والله كفيل عليهم.
قال الواقدي: نسخت كتاب أذرح وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل أذرح، أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجبٍ وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون، حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه.
قالوا: وكتب لأهل مقنا أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم ربع غزولهم وربع ثمارهم.
وكان عبيد بن ياسر بن نمير أحد سعد الله، ورجل من جذام أحد بني وائل، قدما على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبرك، فأسلما وأعطاهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ربع مقنا مما يخرج من البحر ومن الثمر من نخلها، وربع المغزل. وكان عبيد بن ياسر فارساً، وكان الجذامي راجلاً، فأعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرس عبيد بن ياسر مائة ضفيرة - والضفيرة: الحلة - فلم يزل يجري ذلك على بني سعد، وبني وائل إلى يوم الناس هذا.
ثم إن عبيد بن ياسر قدم مقنا وبها يهودية، وكانت اليهودية تقوم على فرسه، فأعطاها ستين ضفيرة من ضفاشر فرسه، فلم يزل يجري على اليهودية حتى نزعت آخر زمان بني أمية، فلم ترد إليها ولا إلى ولد عبيد. وكان عبيد قد أهدى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرساً عتيقاً يقال له مراوح، وقال: يا رسول الله ، سابق! فأجرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخيل بتبوك فسبق الفرس، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أين سبحة؟ فرس للمقداد قد شهد عليها بدراً. قال: يا رسول الله عندي، وقد كبرت وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها؛ وقد خلفتها لبعد هذا السفر وشدة الحر عليها، فأردت أحمل هذا الفرس المعرق عليها فتأتيني بمهر.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فذاك إذا! فقبضه المقداد، فخبر منه صدقاً، ثم حمله على سبحة فنتجت له مهراً كان سابقاً يقال له الذيال، سبق في عهد عمر وعثمان، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفاً.
قالوا: ومر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبوك يريد حاجته، فرأى ناساً مجتمعين فقال: ما لهم؟ قيل: يا رسول اله بعير لرافع بن مكيث الجهني، نحره فأخذ منه حاجته، فخلى بين الناس وبينه، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذه نهبة لا تحل! قيل: يا رسول الله، إن صاحبه أذن في أخذه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وإن أذن في أخذه!
قالوا: وجاءه رجل فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: ظل خباء في سبيل الله، أو خدمة خادمٍ في سبيل الله، أو طروقة فحلٍ في سبيل الله.
وكان جابر بن عبد الله يحدث يقول: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تبوك فقال: اقطعوا قلائد الإبل من الإبل. قيل: يا رسول الله ، فالخيل؟ قال: لا تقلدوها بالأوتار.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استعمل على حرسه بتبوك من يوم قدم إلى أن رحل منها عباد بن بشر، فكان عباد بن بشر يطوف على أصحابه في العسكر، فغدا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فقال: يا رسول الله، ما زلنا نسمع صوت تكبيرٍ من ورائنا حتى أصبحنا، فوليت أحدنا يطوف على الحرس؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما فعلتن ولكن عسى أن يكون بعض المسلمين على خيلنا انتدب. فقال سلكان ابن سلامة: يا رسول الله، خرجت في عشرةٍ من المسلمين على خيلنا فكنا نحرس الحرس. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله حرس الحرس في سبيل الله! قال: فلكم قيراط من الأجر على كل من حرستم من الناس جميعاً أو دابة.
قالوا: وقدم نفر من بني سعد هذيم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله، إنا قدمنا عليك وتركنا أهلنا على بئر لنا، قليل ماؤها، وهذا القيظ، ونحن نخاف إن تفرقنا أن نقتطع؛ لأن الإسلام لم يفش حولنا بعد، فادع الله لنا في ماء بئرنا، وإن روينا به فر قوم أعز منا، لا يعبر بنا أحد مخالف لديننا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أبلغوني حصيات! فتناولت ثلاث حصيات فدفعتهن إليه، ففركهن بيده ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم فاطرحوها واحدةً واحدةً وسموا الله. فانصرفوا من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعلوا ذلك فجاشت بئرهم بالرواء، ونفوا من قاربهم من المشركين ووطئوهم، فما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة حتى أوطأوا من حولهم عليه ودانوا بالإسلام.
قالوا: وكان زيد بن ثابت يحدث يقول: عزونا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تبوك، فكنا نشتري ونبيع، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرانا ولا ينهانا.
قال: وكان رافع بن خديج يحدث يقول: أقمنا بتبوك المقام فأرملنا من الزاد وقرمنا إلى اللحم ونحن لا نجده، فجئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله، إن اللحم ها هنا، وقد سألت أهل البلد عن الصيد فذكروا لي صيداً قريباً - فأشاروا إلى ناحية المغرب - فأذهب فأصيد في نفرٍ من أصحابي؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن ذهبت فاذهب في عدةٍ من أصحابك، وكونوا على خيلٍ ، فإنكم تتفرقون من العسكر.
قال: فانطلقت في عشرةٍ من الأنصار فيهم أبو قتادة - وكان صاحب طردٍ بالرمح وكنت رامياً - فطلبنا الصيد فأدركنا صيداً، فقتل أبو قتادة خمسة أحمرة بالرمح على فرسه، ورميت قريباً من عشرين ظبياً، وأخذ أصحابنا الظبيين والثلاثة والأربعة، وأخذنا نعامة طردناها على خيلنا. ثم رجعنا إلى العسكر، فجئناهم عشاء ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأل عنا: ما جاءوا بعد؟ فجئنا إليه فألقينا ذلك الصيد بين يديه فقال: فرقوه في أصحابكم! قلت: يا رسول الله، أنت مر به رجلاً! قال: فأمر رافع بن خديج. قال: فجعلت أعطي القبيلة بأسرها الحمار والظبي، وأفرق ذلك حتى كان الذي صار لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ظبي واحد مذبوح، فأمر به فطبخ، فلما نضج دعا به - وعنده أضياف - فأكلوا. ونهانا بعد أن نعود وقال: لا آمن. أو قال: أخاف عليكم.
حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجةٍ، فرجعنا إلى منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد تعشى ومن عنده من أضيافه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية، فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة، وعبد الله بن مغفل المزني - فكنا ثلاثة، كنا جائع، إنما نعيش بباب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيت فطلب شيئاً نأكله فلم يجده، فخرج إلينا فنادى بلالاً: يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ قال: لا والذي بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا وحمتنا. قال: انظر، عسى أن تجد شيئاً فأخذ الجرب ينفضها جراباً جراباً، فتقع التمرة والتمرتان، حتى رأيت بين يديه سبع تمرات، ثم دعا بصحفةٍ فوضع فيها التمر، ثم وضع يده على التمرات وسمى الله وقال: كلوا بسم الله! فأكلنا فأحصيت أربعة وخمسين تمرة أكلتها، أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، وشبعنا وأكل كل واحدٍ منا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي، فقال: يا بلال، ارفعها في جرابك، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل شبعاً. قال: فبينا نحن حول قبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان يتهجد من الليل، فقام تلك الليلة يصلي، فلما طلع الفجر ركع ركعتي الفجر، وأذن بلال وأقام فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس، ثم انصرف إلى فناء قبته، فجلس وجلسنا حوله فقرأ من " المؤمنين " عشراً، فقال: هل لكم في الغداء؟ قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي: أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر، فوضع يده عليه في الصفحة ثم قال: كلوا بسم الله! فأكلنا - والذي بعثه بالحق - حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعاً وإذا التمرات كما هي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا أني أستحيي من ربي لأكلنا من هذا التمر حتى نرد المدينة عن آخرنا. وطلع غليم من أهل البلد، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التمرات بيده فدفعها إليه؛ فولى الغلام يلوكهن. فلما أجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسير من تبوك أرمل الناس إرمالاً شديداً، فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فيأكلوها، فأذن لهم؛ فلقيهم عمر بن الخطاب ، وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن محرها، ثم دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خيمةٍ له فقال: أذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): شكوا إلى ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم، ينحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم، وهم قافلون الى أهليهم. فقال: يا رسول الله، لا تفعل؟ فإن يكن للناس فضل من ظهرهم يكن خيراً، فالظهر اليوم رقاق، ولكن ادع بفضل أزوادهم ثم اجمعها فادع الله فيها بالبركة كما فعلت في منصرفنا من الحديبية حيث أرملنا، فإن الله عز وجل يستجيب لك؟! فنادى منادي رسول الله: منكان عنده فضل من زاد فليأت به؟! وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمد الدقيق والسويق والتمر، والقبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر. فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق حزراً. ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين، ثم دعا الله عز وجل أن .
يبارك فيه.
فكان أربعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدثون جميعاً حديثاً واحداً، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو زرعة الجهني معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، قالوا: ثم انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونادى منادية: هلموا الى الطعام، خذوا منه حاجتكم! وأقبل الناس، فجعل كل من جاء بوعاء ملأه. فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرةً من خبز وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت إحداهما سويقاً والآخر خبزاً، وأخذت في ثوبي دقيقاً، ما كفانا الى المدينة. فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم، حتى كان آخر ذلك أن أخذت الأنطاع ونثر ما عليها.
فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول وهو واقف: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني عبده ورسوله، وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وفاه الله حر النار.
وأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قافلاً حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له وادي الناقة - وكان فيه وشل يخرج منه في أسفله قدر ما يروى الراكبين أو الثلاثة فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من سبقنا الى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتي! فسبق إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائي، حليف في بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألم أنهكم؟ ولعنهم ودعا عليهم، ثم نزل فوضع يده في الوشل، ثم مسحه بإصبعه حتى اجتمع في كفه منه ماء قليل، ثم نضحه، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، فانخرق الماء. قال معاذ ابن جبل: والذي نفسي بيده، لقد سمعت له شدةً في انحرافه مثل الصواعق! فشرب الناس ما شاءوا، وسقوا ما شاءوا، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لئن بقيتم أو بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب مما بين يديه ومما خلفه! قال: واستقى الناس وشربوا. قال سلمة بن سلامة ابن وقش: قلت لوديعة بن ثابت: ويلك، أبعد ما ترى شئ؟ أما تعتبر؟ قال: قد كان يفعل مثل هذا قبل هذا! ثم سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: حدثني عبيد الله بن عبد العزيز، أخو عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة المازني، عن خلاد ابن سويد، عن أبي قتادة، قال: بينما نحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نسير في الجيش ليلاً، وهو قافل وأنا معه، إذ خفق خفقةً وهو على راحلته، فعال على شقه، فدنوت منه فدعمته فانتبه، فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة يا رسول الله، خفت أن تسقط. فدعمتك. فقال: حفظك الله كما حفظت رسول الله! ثم سار غير كثير، ثم فعل مثلها، فدعمته فانتبه فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس؟ فقلت: ما شئت يا رسول الله! فقال: انظر من خلفك! فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال: ادعهم! فقلت: أجيبوا رسول الله! فجاءوا فعرسنا ونحن خمسة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعي إداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها؛ فنمنا فما انتبهنا إلا بحر الشمس، فقلنا: إنا لله! فاتنا الصبح! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لنغيظن الشيطان كما أغاظنا. فتوضأ من ماء الإداوة ففضل فضلة فقال: يا أبا قتادة، احتفظ بما في الإداوة والركوة فإن لها شأناً، ثم صلى بنا الفجر بعد طلوع الشمس فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر لرشدوا. وذلك أن أبا بكر وعمر أراد أن ينزلا بالجيش على الماء، فأبوا ذلك عليهما، فنزلوا على غير ماء بفلاةٍ من الأرض. فركب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والخيل عطشأ، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالركوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه. وأقبل الناس فاستقوا، وفاض الماء حتى ترووا، وأرووا خيلهم وركابهم، فإن كان في العسكر اثنا عشر ألف بعير ويقال: خمسة عشر ألف بعير والناس ثلاثون ألفاً، والخيل عشرة آلاف. وذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي قتادة: احتفظ بالركوة والإداوة!
وكان في تبوك أربعة أشياء: فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسير منحدراً الى المدينة وهو في قيظ شديد عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشاً شديداً حتى لا يوجد للشفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسل أسيد بن حضير، في يومٍ صائفٍ وهو متلثم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عسى أن تجد لنا ماء. فخرج وهو فيما بين الحجر وتبوك فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء مع امرأةٍ من بلى، وكلمها أسيد فخبرها بخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت: هذا الماء، فانطلق به الى رسول الله! وقد وضعت لهم الماء وبينهم وبين الطريق هنية، فلما جاء أسيد بالماء دعا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبركة، ثم قال: هلموا أسقيتكم! فلم يبق معهم سقاء إلا ملأوه، ثم دعا بر كابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت. ويقال: إنما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما جاء به أسيد وصبه في قعبٍ عظيمٍ من عساس أهل البادية، فإدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه يده، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى ركعتين، ثم رفع مدا، ثم انصرف وإن القعب ليفور. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس: زودوا! فاتسع الماء، وانبسط. الناس حتى يصف عليه المائة والمائتان، فأرووا، وإن القعب ليجيش بالرواء، ثم راح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبرداً متروياً من الماء.
قال: وحدثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبي سهل، عن عكرمة، قال: خرجت الخيل في كل وجهٍ يطلبون الماء، وكان أول من طلع به وبخبره صاحب فرسٍ أشقر، ثم الثاني أشقر، ثم الثالث أشقر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم، بارك في الشقر! قال: حدثني عبد الله بن أبي عبيدة وسعد بن راشد، عن صالح بن كيسان، عن أبي مرة مولى عقيل، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير الخيل الشقر.
قالوا: لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين وائتمروا أن يطرحوه من عقبةً في الطريق. فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي، فإنه أسهل لكم وأوسع! فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق من خلفه. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسير في العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة رواحلهم بمحجن في يده. وظن القوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فساق به. فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من العقبة نزل الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا حذيفة، هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمه الليل.
وكانوا قد أنفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسقط. بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنور لي في أصابعي الخمس فأضئن حتى كنا نجمع ما سقط. من السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شئ إلا جمعناه. وكان لحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العقبة.
فلما أصبح قال له أسيد بن الحضير: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فقد كان أسهل من العقبة؟ قال: يا أبا يحيى، أتدري ما أراد البارحة المنافقون وما اهتموا به؟ قالوا: نتبعه في العقبة، فإذا أظلم الليل عليه قطعوا أنساع راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني من راحلتي. فقال أسيد: يا رسول الله، فقد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كل بطنٍ أن يقتل الرجل الذي هم بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وإن أحببت، والذي بعثك بالحق، فنبئني بهم، فلا تبرح حتى آتيكم برؤسهم، وإن كانوا في النبيت فكفيتكهم، وأمرت سيد الخزرج فكفال من في ناحيته، فإن مثل هؤلاء يتركون يا رسول الله؟ حتى متى نداهنهم وقد صاروا اليوم في القلة والذله، وضرب الإسلام بجرابه! فما يستبقي من هؤلاء؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأسيد: إني أكره أن يقول الناس إن محمداً لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه! فقال: يا رسول الله، فهولاء ليسوا بأصحاب! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولا شهادة لهم! قال: أليس يظهرون أني رسول الله؟ قال: بلىن ولا شهادة لهم! قال: فقد نهيت عن قتل أولئك.
قال: حدثني يعقوب بن محمد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده، قال: كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة عشر رجلاً، قد سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحذيفة وعمار رحمهما الله.
قال: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عبد الرحمن ابن جابر بن عبد الله، عن أبيه، قال: تنازع عمار بن ياسر ورجل من المسلمين في شئ فاستبا، فلما كاد الرجل يعلو عماراً في السباب قال عمار: كم كان أصحاب العقبة؟ قال: الله أعلم. قال: أخبرني عن علمكم بهم! فسكت الرجل، فقال من حضر: بين لصاحبك ما سألك عنه! وإنما يريد عمار شيئاً قد خفي عليهم، فكره الرجل أن يحدثه، وأقبل القوم على الرجل فقال الرجل: كنا نتحدث أنهم كانوا أربعة عشر رجلاً.
قال عمار: فإنك إن كنت منهم فهم خمسة عشر رجلاً! فقال الرجل: مهلاً، أذكرك الله أن تفضحني! فقال عمار: والله ما سميت أحداً، ولكني أشهد أن الخمسة عشر رجلاً، اثنا عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا؛ ويوم يقوم الأشهاد، " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " قال: حدثني معمر بن راشد، عن الزهري، قال: نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن راحلته، فأوحى إليه وراحلته باركة، فقامت راحلته تجر زمامها حتى لقيها حذيفة بن اليمان فأخذ بزمامها فاقتادها حين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً، فأناخها ثم جلس عندها حتى قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتاه فقال: من هذا؟ قال: أنا حذيفة. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فإني مسر إليك أمراً فلا تذكرنه، إني نهيت أن أصلى على فلان، وفلان رهط عدة من المنافقين ولا يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرهم لأحدٍ غير حذيفة. فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان عمر بن الخطاب ، في خلافته إذا مات رجل ممن يظن أنه من أولئك الرهط. أخذ بيد حذيفة فقاده الى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلى عيه عمر، وإن انتزع يده وأبي أن يمشي انصرف معه.
قال: حدثني ابن أبي سبرةن عن سليمان بن سحيم، عن نافع بن جبير، قال: لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً إلا حذيفة، وخم اثنا عشر رجلاً ليس فيهم قرشي. وهذا الأمر المجتمع عليه عندنا.
قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن رومان، قال: أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نزل بذي أوان، وقد كان جاءه أصحاب مسجد الضرار، جاءوا خمسة نفر منهم: معتب بن قشير، وثعلبة ابن حاطب، وخذام بن خالد، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبد الله بن نبتل ابن الحارث. فقالوا: يا رسول الله، إنا رسل من خلفنا من أصحابنا، إنا قد بنينا مسجداً لذي القلة والحاجة، والليلة المطيرة، والليلة الشاتية، ونحن نحب أن تأتينا فتصلى بنا فيه! ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتجهز الى تبوك. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا بكم فيه. فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذي أوانٍ راجعاً من تبوك أناه خبره وخبر أهله من السماء، وكانوا إنما بنوه؛ قالوا بينهم: يأتينا أبو عامرٍ فيتحدث عندنا فيه، فإنه يقول: لا أستطيع آتي مسجد بني عمرو بن عوف، إنما أصحاب رسول الله يلحقوننا بأبصارهم. يقول الله تعالى: " وإرصادا لمن حارب الله ورسوله " يعني أبا عامر. فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عاصم بن عدي العجلاني، ومالك بن الدخشم السالمي، فقال: انطلقا الى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم حرقاه! فخرجا سريعين على أقدامهما حتى أتيا مسجد بني سالم، فقال مالك بن الدخشم لعاصم بن عدي: أنظرني حين أخرج إليك بنارٍ من أهلي. فدخل الى أهله فأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه النار. ثم خرجا سريعين يعدوان حتى انتهيا إليه بين المغرب والعشاء وهم فيه، وإمامهم يومئذ مجمع بن جارية، فقال عاصم: ما أنسى تشرفهم إلينا كأن آذانهم آذان السرحان. فأحرقناه حتى احترق، وكان الذي ثبت فيه من بينهم زيد بن جارية بن عامر حتى احترقت أليته، فهدمناه حتى وضعناه بالأرض. وتفرقوا.
فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة عرض على عاصم بن عدي السمجد يتخذه داراً وكان من دار وديعة بن ثابت ودار أبي عامر الى جنبهما فاحرقوهما معه فقال: ما كنت لأتخذ مسجداً قد نزل فيه ما نزل داراً؛ وإن بي عنه لغني يا رسول الله! ولكن أعطه ثابت بن أقرم فإنه لا منزل له. فأعطاه ثابتاً. وكان أبو لبابة بن عبد المنذر قد أعانهم فيه بخشب، وكان غير مفموص عليه في النفاق، ولكنه قد كان يفعل أموراً تكره له. فلما هدم المسجد أخذ أبو لبابة خشبة ذلك فبني به منزلاً، وكان بيته الذي بناه الىجنبه. قال: فلم يولد في ذلك البيت مولود قط، ولم يقف فيه حمام قط، ولم تحضن فيه دجاجة قط. وكان الذين بنوا مسجد الضرار خمسة عشر رجلاً: جارية بن عامر بن العطاف وهو حمار الدار وابنه مجمع بن جارية وهو إمامهم، وابنه زيد بن جارية وهو الذي احترقت أليته فأبى أن يخرج وابنه يزيد بن جارية، ووديعة بن ثابت، وخذام بن خالد ومن داره أخرج، وعبد الله بن نبتل، وبجاد بن عثمان، وأبو حبيبة بن الأزعر، ومعتب بن قشير، وعباد بن حنيف، وثعلبة بن حاطب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): زمام خير من خذام، وسوط خير من بجاد! وكان عبد الله بن نبتل وهو المخبر بخبره يأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسمع حديثه ثم يأتي به المنافقين، فقال جبريل عليه السلام: يا محمد، إن رجلاً من المنافقين يأتيك فيسمع حديثك، ثم يذهب به الى المنافقين. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أيهم هو؟ قال: الرجل الأسود ذو الشعر الكثير، الأحمر العينين كأنهما قدران من صفر، كبده كبد حمارٍ فينظر بعين شيطان.
وكان عاصم بن عدي يخبر يقول: كنا نتجهز الى تبوك مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأيت عبد الله بن نبتل، وثعلبة بن حاطب قائمين على مسجد الضرار، وهما يصلحان ميزاباً قد فرغا منه، فقالا: يا عاصم، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وعدنا أن يصلى فيه إذا رجع. فقلت في نفسي: والله، ما نبى هذا المسجد إلا منافق معروف بالنفاق، أسسه أبو حبيبة بن الأزعر، وأخرج من دار خذام بن خالد، ووديعة بن ثابت في هؤلاء النفر والمسجد الذي بنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده يوسسه جبريل عليه السلام يؤم به البيت فوالله ما رجعنا من سفرنا حتى نزل القرآن بذمه، وذم أهله الذين جمعوا في بنائه وأعانوا فيه: " الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً " الى قوله " يحب المطهرين " . قالوا: كانوا يستنجون بالماء. " لمسجد أسس على التقوى " ؛ قال: يعني مسجد بني عمرو بن عوف بقباء، ويقال: عني مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة. قال وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم الرجل منهم عويم بن ساعدة! وقيل لعاصم بن عدي: ولم أرادوا بناءه؟ قال: كانوا يجتمعون في مسجدنا، فإنما هم يتناجون فيما بينهم ويلتفت بعضهم الى بعض، فيلحظهم المسلمون بأبصارهم، فشق ذلك عليهم وأرادوا مسجداً يكونون فيه لا يغشاهم فيه إلا من يريدون ممن هو على مثل رأيهم. فكان أبو عامر يقول: لا أقدر أن أدخل مربدكم هذا! وذاك أن أصحاب محمد يلحظونني وينالون مني ما أكره. قالوا: نحن نبني مسجداً تتحدث فيه عندنا.
قالوا: قال كعب بن مالك: لما بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي فجعلت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غداً؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأىٍ من أهلي، حتى ربما ذكرته للخادم رجاء أن يأتيني شئ أستريح إليه، فلما قيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أظل قادماً، زاح عني الباطل، وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق، فأجمعت أن أصدقه. وصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة، وكان إذا قدم من سفرٍ بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علانيتهم وأيمانهم، ويكل سرائرهم الى الله تعالى.
ويقال من غير حديث كعب: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزل بذي أوان خرج عامة المنافقين الذين كانوا تخلفوا عنه، فقال رسول اله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تكلموا أحداً منهم تخلف عنا ولا تجالسوه حتى آذن لكم. فلم يكلموهم، فلما قدم المدينة جاءه المعذون يحلفون له، وأعرض عنهم، وأعرض المؤمنون عنهم حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه وعمه. فجعلوا يأتون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعتذرون إليه بالحمى والأسقام، فيرحمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقبل منهم علانيتهم وأيمانهم، وحلفوا فصدقهم واستغفر لهم، ويكل سرائرهم الى الله عز وجل.
قالوا: وقال كعب بن مالك: فجئت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس في المسجد، فسلمت عليه، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: تعال! فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟ فقلت: يا رسول الله، لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثاً كاذباً لترضى عني ليوشكن الله عز وجل أن يسخط. على، ولئن حدثتك اليوم حديثاً صادقاً تجد على فيه، إني لأرجو عقبي الله فيه. ولا والله ما كان لي عذر؛ والله ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما أنت فقد صدقت، فقم حتى يقض الله عز وجل فيك! فقمت وقام معي رجال من بني سلمة، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا! وقد عجزت ألا تكون اعتذرت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما اعتذر إليه المخلفون؛ قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لك. فو الله ما زالوا بي ينوبونني حتى أردت أن أرجع الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكذب نفسي. فلقيت معاذ بن جبل وأبا قتادة فقالا لي: لا تطع أصحابك وأقم على الصدق، فإن الله سيجعل لك فرجاً ومخرجاً إن شاء الله! فأما هؤلاء المعذرون، فإن يكونوا صادقين فسيرضى الله ذلك ويعلمه نبيه، وإن كانوا على غير ذلك يذمهم أقبح الذم ويكذب حديثهم. فقلت لهم: هل لقى هذا غيري؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل مقالتك، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا لي رجلين صالحين فيهما أسوة وقدوة، ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي نفسي، والأرض فما هي الأرض التي كنت أعرف؛ فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا فقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، وكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين وأطوف بالأسواق، فلا يكلمني أحد، حى آتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام على أم لا، ثم أصلى قريباً منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك على من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فو الله ما رد على السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله! هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت فنشدته الثالثة فقال: الله ورسوله أعلم! ففاضت عيناي، فوثبت فتسورت الجدار، ثم غدوت الى السوق، فبينا أنا أمشي بالسوق فإذا نبطي من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالسوق، يسأل عني يقول: من يدلني على كعب ابن مالك؟ فجعل الناس يشيرون له، فدفع الى كتاباً من الحارث بن أبي شمر ملك غسان أو قال من جبلة بن الأيهم في سرقةٍ من حرير؛ فإذا في كتابه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوانٍ ولا مضيعةٍ، فالحق بنا نواسك. قال كعب: فقلت حين قرأته: وهذا من البلاء أيضاً، قد بلغ مني ما وقعت فيه أن طمع في رجال من أهل الشرك. فذهبت بها الى تنور فسجرته بها، وأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتين فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا؟ قال: بل اعتزلها فلا تقربها. وكان الرسول إلي، وإلى هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، خزيمة بن ثابت. قال كعب: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ماهو قاض. وأما هلال بن أمية فكان رجلاً صالحاً، فبكى حتى إن كان يرى أنه هالك من البكاء، وامتنع من الطعام، فإن كان يواصل اليومين ولثلاثة من الصوم ما يذوق طعاماً، إلا أن يشرب الشربة من الماء أو من اللبن، ويصلى الليل ويجلس في بيته لا يخرج؛ لأن أحداً لا يكلمه، حتى إن كان الولدان ليهجرونه لطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع، لا خادم له، وأنا أرفق به من غيري، فإن رأيت أن تدعني أن أخدمه فعلت. قال: نعم، ولكن لا تدعيه يصل إليك. فقالت: يا رسول الله
ما به من حركةٍ إلي! والله، ما زال يبكي منذ يوم كان من أمره ما كان الى يومه هذا، وإن لحيته لتقطر دموعاً الليل والنهار، ولقد ظهر البياض على عينيه حتى تخوفت أن يذهب بصره. قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لامرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. فقلت: والله، لا أستأذنه فيها، ما يدريني ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك إذا استأذنه، وأنا رجل شاب، فو الله لا أستأذنه. ثم لبثنا بعد ذلك عشر ليال، وكملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين عن كلامنا، ثم صليت الصبح على ظهر بيتٍ من بيوتنا على الحال التي ذكر الله عز وجل، وقد ضاقت على الأرض بما رحبت، وضاقت على نفسي، وقد كنت ابتنيت خيمةً في ظهر سلع فكنت فيه، إذ سمعت صارخاً أوفني على سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر! قال: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء الفرج. فآذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتوبة الله علينا حين صلى الصبح. ا به من حركةٍ إلي! والله، ما زال يبكي منذ يوم كان من أمره ما كان الى يومه هذا، وإن لحيته لتقطر دموعاً الليل والنهار، ولقد ظهر البياض على عينيه حتى تخوفت أن يذهب بصره. قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لامرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. فقلت: والله، لا أستأذنه فيها، ما يدريني ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك إذا استأذنه، وأنا رجل شاب، فو الله لا أستأذنه. ثم لبثنا بعد ذلك عشر ليال، وكملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين عن كلامنا، ثم صليت الصبح على ظهر بيتٍ من بيوتنا على الحال التي ذكر الله عز وجل، وقد ضاقت على الأرض بما رحبت، وضاقت على نفسي، وقد كنت ابتنيت خيمةً في ظهر سلع فكنت فيه، إذ سمعت صارخاً أوفني على سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر! قال: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء الفرج. فآذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتوبة الله علينا حين صلى الصبح.
فكانت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الليل: يا أم سلمة، قد نزلت توبة كعب بن مالك وصاحبيه. فقلت: يا رسول الله، ألا أرسلت إليهم فأبشرهم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يمنعونك النوم آخر الليل، ولكن لا يرون حتى يصبحوا. قال: فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصبح أخبر الناس بما تاب الله على هؤلاء النفر: كعب بن مالك، ومراراة بن الربيع، وهلال بن أمية. فخرج أبو بكر ، فوافى على سلع فصاح: قد تاب الله على كعب! يبشره بذلك. وخرج الزبير على فرسه في بطن الوادي، فسمع صوت أبي بكر ، قبل أن يأتي الزبير. وخرج أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الى هلال يبشره ببني واقف، فلما أخبره سجد. قال سعيد: فظننت أنه لا يرفع رأسه حتى تخرج نفسه، وكان بالسرور أكثر بكاءً منه بالحزن حتى خيف عليه؛ ولقيه الناس يهنئونه، فما استطاع المشي الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما ناله من الضعف والحزن والبكاء، حتى ركب حماراً. وكان الذي بشر مرارة بن الربيع سلكان بن سلامة أبو نائلة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ووافيا الصبح مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بني عبد الأشهل، ثم انطلقا الى مرار فأخبراه، فأقبل مرارة حتى توافوا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال كعب: وكان الصوت الذي سمعت على سلع أسرع من الفارس الذي يركض في الوادي وهو الزبير بن العوام والذي صاح على سلع، يقول كعب: كان رجلاً من أسلم يقال له حمزة بن عمرو، وهو الذي يشرني. قال: فلما سمعت صوته نزعت ثوبي فكسوتهما إياه لبشارته؛ والله ما أملك يومئذ غيرهما! ثم استعرت ثوبين من أبي قتادة فلبستهما، ثم انطلقت أتيمم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتلقاني الناس يهنئونني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك! حتى دخلت المسجد ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس حوله الناس، فقام غالى طلحة بن أبي طلحة فحياني وهنأني، ما قام الى من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي، ووجهه يبرق من السرور: أبشر بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك! ويقال: قال له: تعال الى خير يومٍ ما طلع عليك شرقه قط. قال كعب: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أو من عند الله؟ فقال: من عند الله عز وجل! قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سر يستنير حتى كأن وجهه فلقة القمر، وكان يعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه، قلت : يا رسول الله، إن من توبتي الى الله وإلي رسوله أن أنخلع من مالي الى الله ورسوله! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أمسك عليك بعض مالك، هو خير لك!قال قلت: إني ممسك بسهمي الذي بخيبر! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا ! قلت: النصف! قال: لا! قلت: فالثلث! قال: نعم! قال: إني يا رسول الله أحبس سهمي الذي بخيبر. قال كعب: قلت: يا رسول الله إن الله عز وجل أنجاني بالصدق، فإن توبتي الى الله ألا أحدث إلا صدقاً ما حييت. قال كعب: والله، ما أعلم أحداً من الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل مما أبلاني، والله ما تعمدت من كذبةٍ منذ ذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل مما أبلاني، والله ما تعمدت من كذبةٍ منذ ذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقي. وقال كعب: قال الواقدي: أنشدنيه أيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب: سبحان ربي إن لم يعف عن زللي فقد خسرت وتب القول والعمل قال: وأنزل الله عز وجل: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة " الى قوله: " وكونوا مع الصادقين " . قال كعب: فو الله ما أنعم الله على من نعمه قط. إذ هداني للإسلام كانت أعظم في نفسي من صدقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ألا أكون كذبته يومئذ، فأهلك كما هلك الذين كذبوه. قال الله في الذين كذبوه حين أنزل عليه الوحي شر ما قال: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم " الى قوله " الفاسقين " . قال كعب: وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبل منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين حلفوا فعذرهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرنا حتى قضي الله فيه ما قضي. فبذلك قال الله عز وجل: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا " . قال: ليس عن الغزوة، ولكن بتخليفه إيانا، وإرجائه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه.
قال كعب حين بنى الخيمة على سلع، فيما حدثني أيوب من النعمان ابن عبد الله بن كعب بن أبي القين:
أبعد دور بني القين الكرام وما ... شادوا على تبتيت البيت من سعف
قالوا: وقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة في رمضان سنة تسع، فقال: الحمد لله على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجرٍ وحسنةٍ ومن بعدنا شركاؤنا فيه. فقالت عائشة ،ا: يا رسول الله، أصابكم السفر وشدة السفر ومن بعدكم شركاؤكم فيه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن بالمدينة لأقواماً سرنا من مسيرٍ ولا هبطنا وادياً إلا كانوا معنا، حبسهم المرض، أوليس الله تعالى يقول في كتابه: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " ؛ فنحن غزاتهم وهم قعدتنا. والذي نفسي بيده، لدعاؤهم أنفذ في عدونا من سلاحنا! وجعل المسلمون يبيعون سلاحهم ويقولون: قد انقطع الجهاد! فجعل القرى منهم يشتريها لفضل قوته، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهاهم عن ذلك وقال: لا تزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال!
قالوا: ومرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعوده فيها، فلما كان اليوم الذي مات فيه دخل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يجود بنفسه، فقال: قد نهيتك عن حب اليهود. فقال عبد الله بن أبي: أبغضهم سعد بن زرارة فما نفعه. ثم قال ابن أبي: يا رسول الله، أصابكم السفر وشدة السفر ومن بعدكم شركاؤكم فيه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن بالمدينة لأقواماً ما سرنا من مسير ولا هبطنا وادياً إلا كانوا معنا، حبسهم المرض، أو ليس الله تعالى يقول في كتابه: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " ؛ فنحن غزاتهم وهم قعدتنا. والذي نفسي بيده، لدعاؤهم أنفذ في عدونا من سلاحنا! وجعل المسلمون يبيعون سلاحهم ويقولون: قد انقطع الجهاد! فجعل القوى منهم يشتريها لفضل قوته، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهاهم عن ذلك وقال: لا تزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال! قالوا: ومرض عبد الله بن أبي في ليالٍ بقين من شوال، ومات في ذي القعدة وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعوده فيها، فلما كان اليوم الذي مات فيه دخل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يجود بنفسه، فقال: قد نهيتك عن حب اليهود. فقال عبد الله بن أبي: أبغضهم سعد بن زرارة فما نفعه. ثم قال ابن أبي: يا رسول الله، ليس بحين عتاب! هو الموت، فإن مت فاحضر غسلي وأعطني قميصك أكفن فيه. فإعطاه الأعلى وكان عليه قميصان فقال: الذي يلي جلدك. فنزع قميصه الذي يلي جلده فأعطاه، ثم قال: صل علي واستغفر لي! قال: وكان جابر بن عبد الله يقول خلاف هذا، يقول: جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موت ابن أبي إلى قبره، فأمر به فأخرج، فكشف من وجهه ونفث عليه من ريقه؛ وأسنده الى ركبتيه وألبسه قميصه وكان عليه قميصان وألبسه الذي يلي جلده. والأول أثبت عندنا، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضر غسله وحضر كفنه، ثم حمل الى موضع الجنائز فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصلي عليه، فلما قام وثب إليه عمر بن الخطاب ، فقال: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا ويوم كذا كذا؟ فعد عليه قوله. فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أخر عني يا عمر! فلما أكثر عليه عمر قال: إني قد خيرت فاخترت، ولو أعلم أني إذا زدت على السبعين غفر له زدت عليها، وهو قوله عز وجل: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " . فيقال إنه قال: سأزيد على السبعين. فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم انصرف، فلم يكن إلا يسيراً حتى نزلت هذه الآيات من براءة: " ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره " . ويقال إنه لم تزل قدماه بعد دفنه حتى نزلت عليه هذه الآية، فعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآية المنافقين، فكان من مات لم يصل عليه.
وكان مجمع بن جارية يحدث يقول: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أطال على جنازةٍ قط. ما أطال عليها من الوقت، ثم خرجوا حتى انتهوا الى قبره، وقد حمل على سرير يحمل عليه موتاهم عند آل نبيط. وكان أنس بن مالك يحدث يقول: رأيت ابن أبي على السرير وإن رجليه لخارجتان من السرير من طوله.
وكانت أم عمارة تحدث قالت: شهدنا مأتم ابن أبي، فلم تتخلف امرأة من الأوس والخزرج إلا أتت ابنته جميلة بنت عبد الله بن أبين وهي تقول: واجبلاه! ما ينهاها أحد ولا يعيب عليها واجبلاه! واركناه! قالوا: ولقد انتهى به الى قبره.
فكان عمرو بن أمية الضمري يحدث يقول: لقد جهدنا أن ندنو من سريره فما نقدر عليه، قد غلب عليه هؤلاء المنافقون وكانوا قد أظهروا الإسلام، وهم على النفاق، من بني قينقاع وغيرهم: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، وسلامة بن الحمام، ونعمان بن أبي عامر، ورافع بن حرملة، ومالك بن أبي نوفل، وداعس، وسويد. وكانوا أخابث المنافقين، وكانوا هم الذين يعرضونه. وكان ابنه عبد الله ليس شئ أثقل عليه ولا أعظم من رؤيتهم، وكان به بطن، فكان ابنه يغلق دونهم الباب، فكان ابن أبي يقول: لا يلبني غيرهم. ويقول: أنت والله أحب إلي من الماء على الظمأ. ويقولون: ليت أنا نفديك بالأنفس، والأولاد، والأموال! فلما وقفوا على حفرته، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واقف يلحظهم، ازدحموا على النزول في حفرته وارتفعت الأصوات حتى أصيب أنف داعس، وجعل عبادة بن الصامت يذبهم ويقول: اخفضوا أصواتكم عند رسول الله! حتى أصيب أنف داعس فسال الدم، وكان يريد أن ينزل في حفرته، فنحى ونزل رجال من قومه، أهل فضلٍ وإسلام؛ وكان لما رأوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصلاة عليه وحضوره، ومن القيام عليه. فنزل في حفرته ابنه عبد الله، وسعد بن عبادة بن الصامت، وأوس بن خولي حتى سوى عليه، وإن علية أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأكابر من الأوس والخزرج يدلونه في اللحد، وهم قيام مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وزعم مجمع بن جارية أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدليه بيديه إليهم، ثم قام على القبر حتى دفن، وعزى ابنه وانصرف. فكان عمرو بن أمية يقول: مالقي عليه أصحابه هؤلاء المنافقون، إنهم هم الذين كانوا يحثون في القبر التراب ويقولون: ياليت أنا فديناك بالأنفس وكنا قبلك! وهم يحثوب التراب على رؤوسهم. فكان الذي يحسن أمره يقول: قوم أهل فقر، وكان يحسن إليهم!
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|