أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-6-2019
1886
التاريخ: 17-3-2016
3656
التاريخ: 2024-08-17
314
التاريخ: 5-7-2022
4587
|
من الشبهات القويّة حول قيام الحسين (عليه السّلام) بثورته المباركة هي شبهة : أنّ قيامه بها هل كان طلباً للملك والسلطان والاستيلاء على الحكم أم لا ؟
وقد تعرّض الكثيرون ممن كتبوا عن الحسين (عليه السّلام) لهذه الشبهة فنفوها نفياًً كليّاً مؤكّدين أنّ الحسين (عليه السّلام) لم ينهض طلباً للحكم ولا كان من أهدافه انتزاع السلطة من الاُمويِّين ولم يكن يفكّر في ذلك أبداً فكأنّ هؤلاء يرون طعناً في كرامة الحسين (عليه السّلام) ونقصاً في قدسية ثورته أن ينسبوا إليه الرغبة في الحكم والميل إلى تسلّم السلطة والعمل من أجل انتزاع الخلافة من أيدي الاُمويِّين .
ويزعمون أنّ الحسين (عليه السّلام) أجلّ وأرفع من أن يطلب الإمرة والحكم بتلك المحاولة بل كان غرضه الأوحد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق التضحية والشهادة فقط .
وهؤلاء يُشكرون على كلّ حال على نواياهم الطيّبة تجاه الحسين (عليه السّلام) ولكنّ الحقيقة والواقع هو خلاف ما يرون ويزعمون ؛ وذلك لأنّ طلب الحكم والسلطة والإمرة ليس قبيحاً دائماً ولا هو مذموم مطلقاً ؛ بل إذا كان طلب الحكم والسلطان صادراً من أهله الأكفّاء ولغرض الإصلاح وإحقاق الحقّ ومكافحة الباطل فإنّه حينئذ يكون محبوباًَ عقلاً وقد يكون واجباً شرعيّاً يفرضه الله تعالى على الإنسان الصالح اللائق للحكم والإمارة مثله تماماً كمثل طلب أي شيء آخر من وسائل الحياة الاُخرى ؛ كطلب المال والجاه مثلاً كما قال (عليه السّلام) : اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك . . . .
وكيف يكون طلب الحكم نقصاً أو عيباً وقد طلبه من قبل أبوه أمير المؤمنين (عليه السّلام) طيلة خمس وعشرين سنة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى أن وصل إليه بعد مقتل عثمان ؟! ولكنّه (عليه السّلام) أوضح لنا غاياته من وراء ذلك الطلب فقال : أما والله إنّ إمرتكم لأهون عليّ من هذا النعل ؛ إلاّ أن اُقيم حقّاً وأدفع باطلاً .
وقال (عليه السّلام) أيضاً في خطبة له : اللّهمَّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ؛ فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك .
فإذاً لو كان طلب الحكم والسلطان لا لغرض المنافسة والتفاخر ولا للحصول على الشهوات واللذّة الحقيرة ولا لخدمة مصلحة شخصية بل كان لغرض إعادة معالم الدين والإصلاح في البلاد ونشر العدل والأمن بين العباد وإنصاف المظلوم من الظالم وأمثالها فالطلب حينئذ أمر حسن ومحبوب ومرغوب فيه شرعاً ومنطقاً فأيّ ضير على الحسين (عليه السّلام) إذا كان يطلب السلطة والحكم بتلك الثورة المقدّسة لنفس هذه الأهداف ؟!
أوَليس الحكم والسلطان حقّه الشرعي والعقلي بعد أبيه وأخيه (عليهما السّلام) ؟! أوَليس هو (عليه السّلام) أحد اُولي الأمر الذين فرض الله طاعتهم على عباده في محكم كتابه فقال : {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ؟! أوَليس هو (عليه السّلام) أحد أئمّة المسلمين الذين نصّ عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جملة وتفصيلاً ؟! أوَليس هو (عليه السّلام) أحد الإمامين اللذين نصّ الرسول على ثبوت الإمامة لهما سواء قاما أم قعدا كما في الحديث المتواتر : الحسن والحسين إمامان . . . ؟!
ثمّ هل كان في عصر الحسين (عليه السّلام) مَنْ هو أجدر بالإمرة والخلافة من سيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ؟! ومن الجهة الثانية نسأل : يا ترى ! ما الذي كان يفعله الحسين (عليه السّلام) لو استلم السلطة ؟ أوَليس كان يفعل ما فعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) وكلّ الأنبياء والمرسلين والأوصياء الحاكمين ؟
فإذاً أيّ نقص يرد على ثورة الحسين (عليه السّلام) لو كانت بقصد الاستيلاء على الحكم وطلب السلطان ؟!
إنّ الذين يهاجمون ثورة الحسين (عليه السّلام) من طريق اتّهامها بأنّها كانت طلباً للملك وصراعاً على السلطة هؤلاء لم يعرفوا شيئاً عن شخصية الحسين (عليه السّلام) بل نظروا إليه كزعيم سياسي قام طلباً للسلطة ولأجل السلطة ككلّ الزعماء السياسيين الدنيويين الماديين في العالم .
أمّا لو كانوا قد عرفوا حقيقة الحسين (عليه السّلام) وأهدافه البعيدة وغاياته الرئيسة من تلك الثورة وإنّ طلبه للسلطة كان لأجل التوصّل بها إلى تلك الغايات الإنسانية العليا وإنّ الطريق الذي سلكه طلباً للسلطة هو طريق المثالية والشرف والنبل والشهامة والكرم وعدل عن الطريق التقليدي الذي يسلكه عادة الزعماء السياسيون وهو طريق الغاية تبرر الواسطة وإنّ الملك عقيم .
أقول : لو عرف اُولئك المهاجمون هذه الاُمور عن الحسين (عليه السّلام) لعدلوا عن مسلك الاتّهام . وهذا هو الاُستاذ العقّاد يردّ عليهم في كتاب أبي الشهداء فيقول بالحرف : وأيسر شيء على الضعفاء الهازلين أن يذكروا هنا طلب الملك ؛ ليغمروا به شهادة الحسين وذويه فهؤلاء واهمون ضالون مغرقون في الوهم والظلال ؛ لأنّ طلب الملك لا يمنع الشهادة وقد يطلب الرجل الملك شهيداً قدّيساً وقد يطلبه وهو مجرم بريء من القداسة . وإنّما هو طلب وطلب وإنّما هي غاية وغاية وإنّما المعوّل في هذا الأمر على الطلب لا على المطلوب ؛ فمَنْ طلب الملك بكلّ ثمن وتوسّل له بكلّ وسيلة وسوّى فيه بين الغصب والحقّ وبين الخداع والصدق وبين مصلحة الرعية ومفسدتها ففي سبيل الدنيا يعمل لا في سبيل الشهادة .
ومَنْ طلب الملك وأباه بالثمن المعيب وطلب الملك حقّاً ولم يطلبه لأنّه شهوة وكفى وطلب وهو يعلم أنّه سيموت دونه لا محالة وطلب الملك وهو يعتزّ بنصر الإيمان ولا يعتزّ بنصر الجند والسلاح وطلب الملك رفعاً للمظلمة وجلباً للمصلحة كما وضحت له بنور إيمانه وتقواه فليس ذلك بالعامل الذي يخدم نفسه بعمله ولكنّه الشهيد الذي يلبّي داعي المروءة والأريحية ويطيع وحي الإيمان والعقيدة ويضرب للناس مثلاً يتجاوز حياة الفرد الواحد وحياة الأجيال الكثيرة . انتهت كلمة العقاد .
ويقول هو أيضاً في نفس الكتاب : إنّ الحسين (عليه السّلام) طلب الخلافة بشروطها التي يرضاها ولم يطلبها غنيمة يحرص عليها مهما تكلّفه من ثمن ومهما تطلب من وسيلة فكانت عنايته بالدعوة والإقناع أعظم جداً من عنايته بالتنظيم والإلزام .
أعود فأقول : ما المانع من أن يطلب الحسين (عليه السّلام) الملك والسلطة بعد أن طلبها نبي الله سليمان بن داود (عليه السّلام) من ربّه صراحة فقال : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] وطلبها إبراهيم الخليل (عليه السّلام) لذرّيّته بعد أن حصل عليها هو لنفسه فقال : {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] وإلى غير ذلك من الشواهد والأمثال .
ونوجّه الخطاب ثانياً إلى هؤلاء المدافعين عن الحسين (عليه السّلام) بأنّه لم ينهض طلباً للملك فنقول لهم : ها هو الحسين (عليه السّلام) بالذات يصرّح بأنّه يطلب الإمرة والسلطان ؛ لأنّه أولى بهما وأحقّ من يزيد بن معاوية وغيره .
نعم انظر إلى كلماته التي قالها في مجلس الوليد حاكم المدينة وبمحضر من مروان بن الحكم فقال (عليه السّلام) : نحن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل . ويزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ؛ ومثلي لا يبايع مثله . ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أولى بالخلافة والأمر .
فالحسين (عليه السّلام) يطلب الخلافة والأمر ولكن من طريق المنطق والموازين العادلة والتحكيم الحرّ والانتخاب الشعبي الصحيح . وعلمه بالشهادة والقتل دون الوصول إليها لا ينافي طلبه لها ولا يتعارض مع سعيه للحصول عليها ؛ لأنّ في الطلب والسعي إتمام للحجّة على الناس وإفراغ للذمّة من المسؤوليّة أمام الله والتاريخ حتّى لا يُقال أنّه قصر أو تكاسل ولو رشّح نفسه وسعى لها لحصل عليها .
ومن قبله أخوه الحسن (عليه السّلام) كان يعلم بكلّ ذلك المصير الذي وصل إليه علماً كاملاً ومع ذلك لم يمنعه ذلك العلم من التهيّؤ وتجهيز الجيش والمسير نحو الحرب مع العدو واتّخاذ كافة اللوازم المطلوبة .
وهذا أبوهما أمير المؤمنين (عليه السّلام) فإنّه طلب الخلافة والإمرة التي هي حقّه الشرعي والطبيعي بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) طلبها بكلّ الوسائل ما عدا السيف ؛ إذ رأى أنّ في استعمال السيف يومئذ خطراً على مصلحة الإسلام العُليا ولكن استعمل الوسائل السلمية حتّى إنّه صار يحمل زوجته فاطمة وابنيه الحسن والحسين (عليهم السّلام) ويطوف بهم على زعماء المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة ؛ مطالباً بحقّه وحقوق هؤلاء مذكّراً لهم بالنصوص النبويّة الشريفة التي سمعوها من الرسول (صلّى الله عليه وآله) في حقّه وحقّ هؤلاء .
واستمر على ذلك أربعين يوماً وهو يعلم علم اليقين أنّه لا يحصل على حقّه من الخلافة ولا هؤلاء يحصلون على حقوقهم من الخمس ومن الميراث ومن فدك ؛ ولكن : {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42] .
كما أنّه (عليه السّلام) حضر مجلس الشورى مع الخمسة الآخرين الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة حضر معهم الإمام وطالب بالخلافة وحاجج القوم وبذل كلّ ما في وسعه من الجهد للوصول إلى الحكم فلم يصل وكان يعلم علم اليقين أنّه لا يصل ؛ ولكن لإتمام الحجّة وإبراء الذمّة كما سبق .
وذكرنا في موضوع تعليل خروج الحسين (عليه السّلام) إلى العراق أنّ الظواهر هي الحجّة في العلائق والنظم الاجتماعية الإسلاميّة وواجب النبي والإمام أن يسيرا مع الناس حسب ظاهرهم ومقتضى الأسباب والعوامل الطبيعية العادية ولا يرتّبا الآثار عليهم حسب المعلومات الغيبية والتنبؤات التي ليس عليها دليل قائم أو أثر ملموس .
وبكلمة موجزة نقول : إنّ لأهل البيت (عليهم السّلام) حقّاً وإنّ عليهم لواجباً ؛ أمّا حقّهم فالقيادة والإمرة وأمّا واجبهم فإظهار الحقّ وبيانه .
وظلامتهم الكبرى في الحياة أنْ قاموا بواجبهم أحسن قيام ولكن حرموا من كافة حقوقهم . وإنّ غصب حقّهم عنهم لم يمنعهم من القيام بواجبهم على أنّ ذلك الحقّ لو وصل إليهم كاملاً لاستطاعوا من أداء مسؤوليتهم على وجه أكمل وأنفع للأمّة كما قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) : والله لو ثُنيت لي الوسادة وجلستُ عليها لأفتيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتّى ينطقوا جميعاً ويقولوا : صدق عليّ بما حكم .
وكما قال سلمان الفارسي (رحمه الله) في خطبة له بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) : والله لو وليتموها علياً لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ولو دعوتم الطير في السماء لأتتكم والحيتان في البحار لأجابتكم ولما طاش سهم من سهام الله ولا تعطّل حكم من أحكام الله ؛ ولكن حظّكم أخطأتم ونصبيكم ضيعتم .
وقالت فاطمة (عليها السّلام) : والله لو مالوا عن الحجّة اللائحة وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة , لردّهم إليها ولحملهم عليها ولسار بهم سيراً سجحاً ؛ لا يكلح خشاشه ولا يكلّ سائره ولا يملّ راكبه . ولأوردهم منهلاً نميراً صافياًَ ؛ تطفح ضفتاه ولا يترنّق جانباه ولأصدرهم بطاناً ونصح لهم سرّاً وإعلاناً ولم يكن يتحلّى من الدنيا بطائل . . . .
وفي ختام هذا الموضوع نستمع إلى مقطوعة شعرية رائعة من المرحوم الحاج هاشم الكعبي (رحمه الله) :
أوَ مـا عـلمتَ الماجدين غـداة جـدّوا بـالرحيلِ
عـقدوا على البينِ النكاحَ وطـلّـقـوا سننَ القفولِ
عـشـقوا العُلا ففنوا بها والـغصنُ يُرمى بالذبولِ
أوَمـا سمعت ابن البتولةِ لـو دريـت ابنَ البتولِ
إذ قـادها شعث النواصي عــاقـدات لـلـذيولِ
مـتـنـكب الوردَ الذميمَ مـجانب المرعى الوبيلِ
طـلاّب مجد بالحسام ال عـضبِ والرمحِ الطويلِ
مـتطلّباً أقصى المطالب خـاطبَ الخطب الجليلِ
ظـلّت اُمـيّة مـا تريد غـداة مـقترع النصولِ
رامت تسوق المصعب ال هــدّار مـستاق الذلولِ
و يـروح طـوعَ يمينها قـود الجنيب أبو الشبولِ
رامت لعمر ابن النبي الطْ طُـهر مـمتنع الحصولِ
وغـوى بـها جهل بها والبغي من خُلق الجهولِ
لــفّ الـرجال بمثلها وثنا الخيولَ على الخيول
و أبـاحها عضب الشبا لا بـالـكهام و لا الكليلِ
لـسـنـانِهِ ولـسـانهِ صـدقان من طعن وقيلِ
ذات الـفـقـارِ بـكفّه و بـكتفه ذات الفضولِ
وأبـو الـمـنـيّة سيفُهُ وكذا السحاب أبو السيولِ
يـابن الذين توارثوا ال عـليا قـبيلاً عن قبيلِ
والـسـابقين بـمجدهم فـي كلّ جيل كلَّ جيلِ
إنْ تـمس منكسر اللوى ملقىً على وجه الرمولِ
فـلـقد قـتـلتَ مهذّباً عن كلِّ عيب في القتيلِ
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|