أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-03-2015
6213
التاريخ: 2-03-2015
11128
التاريخ: 12-08-2015
1459
التاريخ: 12-08-2015
3998
|
ذهب الكوفيون الى أن " إن " وأخواتها لا ترفع الخبر نحو " إن زيداً قائم . " وما أشبه ذلك . وذهب البصريون الى أنها ترفع الخبر .
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : أجمعنا على أن الأصل في هذه الأحرف ألا تنصب الاسم ، وإنما نصبته لأنها اشبهت الفعل ، فإذا كانت إنما عملت لأنها اشبهت الفعل فهي فرع عليه ، وإذا كانت فرعاً عليه فهي أضعف منه ؛ لأن الفرع أبداً يكون أضعف من الأصل ؛ فينبغي ألا يعمل في الخبر جريا على القياس في حطّ الفروع عن الأصول ؛ لأنا لو أعملناه عمله لأدى ذلك الى التسوية بينهما ، وذلك لا يجوز ؛ فوجب أن يكون باقياً على رفعه قبل دخولها . والذي يدل على ضعف عملها أنه يدخل على الخبر ما يدخل على الفعل لو ابتدىء به، قال الشاعر:(1)
لا تتركني فيهم شطيرا إني إذن أهلك أو أطيرا
ص130
فنصب بـ (إذن) ن والذي يدل على ذلك أنه إذا اعترض عليها بأدنى شيء بطل عملها واكتفي به ، كقولهم " إن بك يكفل زيدٌ." كأنها رضيت بالصفة(2) لضعفها ، وقد روي ان ناساً قالوا : " إن بك زيدٌ مأخوذ. " فلم تعمل " إن " لضعفها ، فدل على ما قلناه .
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إن هذه الأحرف تعمل في الخبر وذلك لأنها قويت مشابهتها للفعل ؛ لأنها أشبهته لفظا ومعنى . ووجه المشابهة بينهما من خمسة أوجه : الوجه الأول : أنها على وزن الفعل ، والثاني : أنها مبنية على الفتح كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح ، والثالث : أنها تقتضي الاسم كما أن الفعل يقتضي الاسم والرابع ، انها تدخلها نون الوقاية نحو " إنني و كأنني " كما تدخل على الفعل نحو " أعطاني وأكرمني " وما أشبه ذلك ، والخامس أن فيها معنى الفعل؛ فمعنى " إن وأن " حققت ، ومعنى " كأن " شبهتُ ومعنى " لكن " استدركت ، ومعنى " ليت " تمنيت ، ومعنى " لعل " ترجيتُ . فلما أشبهت الفعل من هذه الأوجه وجب أن تعمل عمل الفعل ، والفعل يكون له مرفوع ومنصوب . فكذلك هذه الأحرف ينبغي أن يكون لها مرفوع ومنصوب ليكون المرفوع مشبها بالفاعل والمنصوب مشبها بالمفعول ، إلا ان المنصوب ها هنا قدم على المرفوع لأن عمل " إن " فرع وتقديم المنصوب على المرفوع فرع ، فألزموا
ص131
الفرع الفرع(3) ، أو لأن هذه الحروف لما أشبهت الفعل لفظا ومعنى ألزموا فيها تقديم المنصوب على المرفوع ليعلم أنها حروفٌ أشبهت الأفعال ، وليست أفعالا ، وعدم التصرف فيها لا يدل على الحرفية ؛ لأن لنا أفعالا لا تتصرف نحو نعم وبئس وعسى وليس وفعل التعجب وحبذا .
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم : " إن هذه الأحرف إنما نصبت لشبه الفعل ؛ فينبغي ألا تعمل في الخبر ؛ لأنه يؤدي الى التسوية بين الاصل والفرع " قلنا : هذا يبطل باسم الفاعل ؛ فإنه إنما عمل لشبه الفعل ومع هذا فإنه يعمل عمله ، ويكون له مرفوع ومنصوب كالفعل ، تقول : زيدٌ ضارب أبوه عمراً ، كما تقول : يضرب أبوه عمرا .
والذي يدل على فساد ما ادعيتموه من ضعف عملها أنها تعمل في الاسم إذا فصلت بينها وبينه بظرف أو حرف جر ، نحو قوله تعالى (إن لدينا أنكالا)(4) و (إن في ذلك لآية)(5) وما أشبه ذلك . على أنا قد عملنا بمقتضى كونها فرعا ؛ فإنا ألزمناها طريقة واحدة، واوجبنا فيها المنصوب على المرفوع ، ولم نجوز فيها الوجهين
ص132
كما جوزنا مع الفعل لئلا يجري مجرى الفعل فيسوى بين الأصل والفرع ، وكان تقديم المنصوب أولى ليفرق بينها وبين الفعل ؛ لأن الأصل أن يذكر الفاعل عقيب الفعل قبل ذكر المفعول ، فلما قُدّم ها هنا المنصوب وأخر المرفوع حصلت مخالفة هذه الأحرف للفعل وانحطاطها عن رتبته .
وقولهم " إن الخبر يكون باقيا على رفعه قبل دخولها " فاسدٌ ؛ وذلك لأن الخبر على قولهم مرفوع بالمبتدأ ، كما أن المبتدأ مرفوع به ، فهما يترافعان،(6) ولا خلاف أن الترافع قد زال بدخول هذه الأحرف على المبتدأ بنصبها إياه ، فلو قلنا " إنه مرفوع بما كان يرتفع به قبل دخولها مع زواله " لكان ذلك يؤدي الى ان يرتفع الخبر بغير عامل ، وذلك محال .
وأما قولهم " الدليل على ضعف عملها أنه يدخل على الخبر ما يدخل على الفعل لو ابتدئ به كقول الشاعر :
إني إذن أهلك أو أطيرا
قلنا : الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذا شاذ ؛ فلا يكون فيه حجة .
والثاني : ان الخبر ها هنا محذوف ، كأنه قال : لا تتركني فيهم غريبا بعيدا إني أذل أهلك أو أطيرا ، وحذف الفعل الذي هو الخبر ؛ لأن الثاني دلالة على الأول المحذوف ، (فإذن) ما دخلت على الخبر .
ص133
والثالث : أن يكون جعل " إذن أهلك أو أطيرا " في موضع الخبر ، كقولك : إني لن أذهب ، فشبه إذن بلن ، وإن كانت لن لا تلغى (7) في حال بخلاف إذن .
وأما قولهم " إن بك يكفل زيدٌ ، وإن بك زيدٌ مأخوذ " فالتقدير فيه : إنه بك يكفل زيد ، وإنه بك زيدٌ مأخوذ(8) ، كما قال الراعي(9) :
فلو أن حق اليوم منكم إقامة وإن كان سرحٌ قد مضى فتسرعا
أراد فلو أنه حُق ، ولو لم يرد الهاء لكان الكلام محالا . وقال الأعشى:(10)
إن من لام في بني بنت حسان ألمه وأعصه في الخطوب وقال أمية بن أبي الصلت :
ولكن من لا يلق أمرا ينوبه بعدته ينزل به وهو أعزل
وقال الآخر:(11)
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ولكن زنجي عظيم المشافر
ص134
وقال الآخر :
فليت دفعت الهم عن ساعة فبتنا على ما خيلت ناعمي بال
وقال الآخر :
فليت كفافاً كان خيرك كله وشرك عني ما ارتوى الماء مرتوي
أراد " ليته " إن جعلت " كفافا" خبر " كان " مقدما عليها ، والتقدير فيه :
ليته كان خيرك وشرك كفافا عني أو مكفوفين عني ، لان الكفاف مصدر يقع على الواحد والاثنين والجميع ، كفولهم : رجلٌ عدل ورضاً ، ورجلان عدل ورضاً ، وقوم عدل ورضاً ، وما أشبه ذلك .
وإن جعلت " كفافا " منصوباً (بليت) لم يكن من هذا الباب ، والأول اجود .
والذي يدل على فساد ما ذهبوا إليه انه ليس في كلام العرب عامل في الأسماء النصب إلا ويعمل الرفع ؛ فما ذهبوا إليه يؤدي الى ترك القياس ومخالفة الأصول لغير فائدة ، وذلك لا يجوز ، فوجب أن تعمل في الخبر الرفع كما عملت في الاسم النصب على بينا، والله اعلم .
(2) الصفة أي الجار والمجرور كما سلف . ورأيهم أن وجود شبه الجملة بعد (إن) في هذه الأمثلة أدي الى إهمالها .
(3) البصريون يرتبون مناقشتهم على النحو التالي :
ـ الفعل هو الاصل في العمل ، وهو يرفع اسما وينصب اسما .
ـ إن واخواتها تشبه الفعل ، لكنها فرع عليه ، والفرع أقل من الأصل .
ـ تقديم المرفوع هو الاصل وتقديم المنصوب فرع .
ـ الفعل يليه الفاعل المرفوع ويتأخر المفعول المنصوب لأن الفعل أصل العوامل .
ـ اسم إن منصوب وهو متقدم على خبرها المرفوع وذلك فرع أعطي لأن التي هي فرع على الفعل .
(4) المزمل : 12 .
(5) البقرة : 248 .
(6) ارجع الى رأي الكوفيين هذا في مسألة العامل في المبتدأ والخبر .
(7) أي ان (لن) يلغى عملها سواء كانت في صدر الكلام أم لا .
(8) البصريون كما ترى يؤولون هذه الأمثلة بتقدير ضمير محذوف يعرب اسما لإن
(9) عندنا هنا حرف ناسخ هو (أن) ، وبعده فعل هو (حق) ، وهذا الحرف يقتضي اسما لا فعلا ، ولذلك يقدره البصريون ضمير شأن محذوفا .
(10) في البيت حرف ناسخ هو (إن) بعده اسم شرط ، والشرط له الصدارة لا تسبقه العوامل ، ولذلك يقدر البصريون ضمير شأن محذوفا اسما لإن .
(11) الحرف الناسخ (لكن) وقع بعده اسم مرفوع يراه البصريون خبرا له ويقدرون الاسم ضمير شأن محذوفا .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|