أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-2-2020
2230
التاريخ: 27-6-2021
2566
التاريخ: 28-1-2020
1282
التاريخ: 1-12-2016
2597
|
كلمتنا عن عليٍّ عليه السلام
كان علي إمامًا دينيًّا، كان موئلًا للشريعة، ومثالًا للورع والاستمساك بأحكام الكتاب، كان مصدرًا خصيبًا من مصادر الفقه والتشريع، وكان في حكومته وحروبه على السواء مؤثرًا رضا الله، ومُغضبًا شهوات الناس، وقادِعًا أطماعها، وكان عنوانًا كاملًا لأسمى صفات الخلق الإسلامي من حيث: النجدة والشجاعة لا الحذق والسياسة؛ كان مصلحًا دينيًّا على أتم ما يكون عليه مصلح ديني، يتفانى في هذا الإصلاح ويؤثر الآخرة على الأولى، فيعمل لإرضاء الله لا إرضاء الناس، وكان كما وصفه عدي بن حاتم لمعاوية: «يقول عدلًا، ويحكم فصلًا، تتفجر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى، يعجبه من اللباسِ القصيرُ، ومن المعاشِ الخشنُ، وكان فينا كأحدنا … كان يعظم أهل الدين ويتحبب إلى المساكين، لا يخاف القويُّ ظلمه، ولا ييأس الضعيف من عدله؛ فأُقسم لقد رأيته ليلة وقد مثَل في محرابه وأرخى الليل سربالَه وغارت نجومه، ودموعه تتحادَر على لحيته وهو يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا أإليَّ تعرضتِ أم إليَّ أقبلتِ! غُرِّي غيري لا حانَ حينُك، قد طلقتُك ثلاثًا لا رجعة فيها.»
هذا هو علي حقًّا، علي الذي بالغ في التدقيق في محاسبة عُمَّاله حتى أغضب أكثرهم، وحتى خسِر نصرتهم، وفي جملتهم مصقلةُ بن هبيرة الشيباني، وابنُ عمه عبد الله بن عباس بعد أن كان أكبر نصير له، والذي أغضب الزبير وطلحة وكان في مقدوره أن يضمَّهما إليه، والذي لم يكتسب إلى جانبه عمرو بن العاص، ولم يقبل نصيحة ابن العباس ولا المغيرة بن شعبة في إقرار معاوية وابن عامر وعُمال عثمان على أعمالهم حتى تأتيه بيعتهم ويسكن الناس، ثم يعزل منهم من يشاء، وقال: «لا أداهن في ديني، ولا أُعطي الدنية في أمري»، فقيل له: انزع من شئت واترك معاوية؛ فإن في معاوية جرأة، وهو في أهل الشام يُستمع منه، وله حجة في إثباته بما كان من عمر بن الخطاب إذ قد ولاه الشام. فأبَى وقال: لا والله لا أستعمل معاوية يومين، فلم تكن الحيل والخدع من مذهبه، ولم يكن عنده غير مُرِّ الحق؛ والذي يقول لأصحابه بعد أن أثخنوا في أعدائه: «لا تتبعوا موليًّا، ولا تُجهزوا على جريح، ولا تنهبوا مالًا»، فجعلوا يمرون بالذهب والفضة في معسكرهم فلا يعرِض له أحد، إلا ما كان من السلاح الذي قاتلوا به والدواب التي حاربوا عليها، فقال بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين، كيف حلَّ لنا قتالهم ولم يحل لنا سبيهم وأموالهم؟!
فقال عليه السلام: «ليس على الموحدين سبيٌ، ولا يُغنم من أموالهم إلا ما قاتلوا به وعليه، فدعوا ما لا تعرفون وألزموا ما تُؤمرون.»
أجل! هذا هو علي حقًّا، الذي أبت رأفته وأبي دينه أن يمنع أهل الشام من الماء كما منعوه أثناء منازلتهم حتى كاد يهلكُ جندُه عطشًا، والذي منع شيعته وأنصاره من شتم معاوية ضاربًا صَفحًا عن آثار استغلال ذلك في الدعوة السياسية لتأييد خلافته، والحطِّ من ملك منافسه؛ فإنه لما بلغه أن حُجر بن عدي وعمرو بن الحَمِق يُظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام أرسل إليهما: أن كُفَّا عما بلغني عنكما، فأتياه فقالا: «يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟! قال: كرهت لكم أن تكونوا شتَّامين لعَّانين، ولكن قولوا: اللهم احقِن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذاتَ بينِنا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرِف الحق مَن جهله، ويرعوى عن الغيِّ من لهج به.»
هذا هو علي حقًّا، الشديد في محاسبة نفسه وعماله، أما محاسبة نفسه فظاهرة خلقية واضحة الوضوح كله، وأما محاسبته عماله؛ فإن تاريخه مُفْعم بمئات الأدلة والشواهد مما أفاد منه معاوية أيما فائدة.
وكان من آثار هذه المحاسبة هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني من علي عليه السلام وانضمامه إلى معاوية، وكذلك يزيد بن حجبة التيمي الذي كان قد استعمله عليٌّ عليه السلام على الري فكسر من خراجها ثلاثين ألفًا، فكتب إليه عليٌّ يستدعيه فحضر، فسأله عن المال قال: أين ما غللته من المال؟ قال: ما أخذت شيئًا. فخفقه بالدِّرة خفقات وحبسه، ووكل به سعدًا مولاه، فهرب منه يزيد إلى الشام، فسوَّغه معاوية المال، فكان ينال من علي، وبقي بالشام إلى أن اجتمع الأمر لمعاوية، فسار معه إلى العراق، فولَّاه العراق.
فهذه الشواهد وأمثالها فيها أقطع الدلالات على شدة محاسبته لعماله وإغضابه آل بيته تدينًا وورعًا وعملًا للآخرة، لا لبناء ملك في الدار الأولى.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|