المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الرطوبة النسبية في الوطن العربي
2024-11-02
الجبال الالتوائية الحديثة
2024-11-02
الامطار في الوطن العربي
2024-11-02
الاقليم المناخي الموسمي
2024-11-02
اقليم المناخ المتوسطي (مناخ البحر المتوسط)
2024-11-02
اقليم المناخ الصحراوي
2024-11-02

الستيرويدات Steroids
23-6-2021
لا يوجد في الصحابة الا العدول
19-11-2016
Differentiation in Plants
15-10-2015
تفاعل "لمبة علاء الدين" The "Aladdin Reaction :
13-2-2017
The critical period
26-2-2022
حرف المبنى
2023-04-04


التعريفات والعوامل والمعمولات  
  
3555   06:51 مساءاً   التاريخ: 27-02-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : المدارس النحوية
الجزء والصفحة : ص63- 80
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة البصرية / جهود علماء المدرسة البصرية / كتاب سيبويه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-02-2015 2248
التاريخ: 27-02-2015 3556
التاريخ: 27-03-2015 6096
التاريخ: 27-02-2015 4358

يغلب على سيبويه أن يعنى في توضيح الباب الذي يتحدث عنه بذكر أمثلته التي تكشفه ، يقول مثلا في باب التنازع بعد ذكر عنوانه السالف : " وهو قولك ضربت وضربني زيد ، وضربني وضربت زيداً تحمل الاسم على الفعل الذي يليه فالعامل في اللفظ أحد الفعلين وأما في المعنى فقد يعلم أن الاول قد وقع إلا أنه لا يعمل في اسم واحد رفع ونصب ، وإنما كان الذي يليه اولى لقرب جواره " ويقول في باب الإمالة : " هذا باب ما تمال فيه الألفات ، فالألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور ، وذلك قولك عابد وعالم ومساجد مفاتيح وعذافر وهابيل "(1) . والكثرة الغالبة في ابواب الكتاب تجرى على هذا النحو من تصويرها عن طريق التمثيل وذكر الشواهد، قد يعمد الى ذكر الأقسام المنطوي عليها الباب ، كقوله في فاتحة كتابه : " الكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل " وقوله مقسماً المنادى الى المنصوب ومرفوع : " هذا باب النداء ، اعلم ان النداء كل اسم مضاف فيه فهو نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ،

ص63

والمفرد رفع وهو في موضع اسم منصوب(2) " وقوله في باب التصغير مصوراً له في أمثلته او صيغة : " هذا باب التصغير ، اعلم التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة على فعيل وفعيعل وفعيعيل"(3) ثم يذكر الأمثلة مثل جبيل وجعيفر ومصيبيح . وكأنه في كل ذلك المنهج التحليل الذي يعنى في تصوير الموضوع ببيان أقسامه وتفريعاته مباشرة . وقد يعمد الى المنهج العقلي المجرد ، فيحاول ان يحد بعض ما يتحدث عنه من ابواب عن طريق التعريف الكلي الجامع ، من ذلك تعريفه للفعل في السطور الأولى من الكتاب إذ يقول : " وأما الفعل فأمثله أخذت من لفظ أحداث (مصادر) الأسماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع " وهو تعريف دقيق إذ جمع فيه بين دلالة الفعل على الحدث أي المصدر ودلالته على الزمان الماضي والمستقبل والحاضر ، وبذلك شمل التعريف أقسام الفعل الثلاثة : الماضي والأمر والمضارع . وتضمن التعريف مسألة دقيقة طال الجدل بعده فيها بين خالفيه من البصريين وبين الكوفيين ، وهي مسألة أيهما هو الأصل المصدر أو الفعل ؟ أو بعبارة أخرى أيهما اشتق من صاحبه ؟ وواضح من قول سيبويه : " أما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء " أن المصدر ـ في رأيه ـ هو الأصل وأن الفعل مشتق منه . ورأى الكوفيون أن الفعل هو الأصل واشتق منه المصدر . ومن تعريفاته الجامعة تعريفه للمبتدأ بأنه " كل اسم ابتدئ به ليبنى عليه كلام " ويعرف الترخيم بأنه " حذف أواخر الأسماء المفردة تخفيفاً " ويقول إنه لا يكون إلا في النداء . وكأنه هو الذي وضع في النحو فكرة التعريف للأبواب تعريفاً جامعاً يجمع قضاياها وجزئياتها المختلفة ، وإن كان لم يتسع بذلك كما اتسع النحاة بعده .

وتتداخل نظرية العوامل في كل أبواب الكتاب وفصوله النحوية ، بل لا نغلو إذا قلنا إنها دائماً الأساس الذي يبنى عليه حديثه في مباحث النحو ، وهي تلقانا منذ السطور الأولى في الكتاب ، فقد عقب على حديثه عن مجاري أواخر الكلم الثمانية ، أو بعبارة أخرى عن انواع الإعراب والبناء للكلمات بقوله : " وإنما

ص64

ذكرت لك ثمانية مجار لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة ، لما يحدث فيه العامل وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه ، وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه شيء لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكل عامل منها ضرب من اللفظ في وعلاماته من الرفع والنصب والجر والسكون . وقد مضى يوزع الأبواب باعتبار العوامل ، وبدأ بالفعل ، ووزع الأبواب الأولى على لزومه وتعديه الى مفعول واحد ومفعولين وثلاثة مفاعيل . ثم تحدث عما يعمل عمله من اسماء الفاعل والمفعول والمصادر ونراه في الفعل المتعدي الى مفعول واحد لايقف عند المفعول به ، بل يضيف الى ذلك عمله في المصادر أو بعبارة اخرى المفاعيل المطلقة مثل ذهب الذهاب الشديد وقعد القرفصاء ورجع القهقري ، كما يضيف عمله في المفعول فيه أو بعبارة أدق في ظرفي الزمان والمكان(4) . ويذكر عمله في المجرور عن طريق الجار(5)، ويلاحظ هنا أن حرف الجر الأصلي قد يحذف، وينصب المجرور على نزع الخافض مثل نبئت زيداً يقول كذا أي عن زيد . ويفرق بين مثل هذا الحرف المنوي تقديره وحرف الجر الزائد فإنه إذا حذف من مثل (كفى بالله شهيداً ) أصبح لفظ الجلالة فاعلاً . ولم تقدر باء محذوفة . ويعرض لصيغ المبني للمجهول إذا كان متعدياً لمفعولين ، ويقول إن أولهما هو الذي ينوب عن الفاعل ، مثل كسى عبد الله الثوب(6) . ويتحدث عن عمل الفعل في الحال مفرقاً بينه وبين المفعول(7) ، إذ الحال صفة للفاعل أو المفعول ، ويقف عند كان وأخواتها : صار وما كان نحوهن من الفعل ، ويقول إن المنصوب بعدها ليس مفعولاً ، وإنما هو خبر لما ، وهي بذلك أفعال ناقصة ، وقد تأتي تامة فتكتفي بفاعل كغيرها من الأفعال مثل كان الأمر أي وقع وأصبح محمد أي دخل في الصباح ، ويقول إن ليس لا تأتي إلا ناقصة(8) . ويتحدث عن عمل ما النافية عند الحجازيين عمل ليس مثل : (ما هذا بشراً ) ويذكر لات

ص65

وأنها تعمل أيضا عمل ليس ، غير أنها لا تعمل إلا في الحين مع أضمار مرفوعها وقد يرفع ما بعدها مع إضمار خبرها ، ولكن الأول هو الذائع الشائع كما في الذكر الحكيم : (ولات حين مناص) في قراءة الجمهور ينصب (حين مناص)(9) .

ويمنع هنا أن تعطف جملة على معمولين لعاملين مختلفين ، فلا يقال مثلا : " ما زيد بمنطلق ولا قائم عمرو " بحر قائم عطفاً على منطلق روفع عمرو عطفاً على زيد(10) ، وهي صورة بينة الفساد . ويفتح بابا لبحث صورة التنازع المعروفة في مثل "قام ومضى المحمدون " . وهنا تصل نظرية الفعل العامل الذروة ، إذ يرفض سيبويه مثل هذا التعبير ، ويحتم إعمال الفعل الثاني في كلمة " المحمدون " لقربه ، ويضمر في الأول بحيث يقال : " قاموا ومضى المحمدون " حت لايكون الفاعل الواحد فاعلا لفعلين ، فيجتمع بذلك مؤثران على أثر واحد . وكأنما العوامل النحوية تدخل في المؤثرات الحقيقية ، وهو بعد في تصور خطر العامل النحوي ، وقد جره كما جر النحاة بعده الى أن يرفضوا الصورة الأولى التي جاءت فعلا عن العرب ، ويضعوا مكانها هذه الصورة المقترحة (11) .

ويعقد باباً يصور فيه عمل اسم الفاعل واسم المفعول عمل الفعل ، ويتحدث عن عمل صيغ المبالغة وأنها في ذلك تشاكل اسم الفاعل ، وهي صيغ فعول ومفعال وفعال وفعل وفعيل(12) ، ويقول إن مفعولها قد يتقدم عليها كما يتقدم على اسم الفاعل والفعل  ، قد يفصل بينه وبينها الظرف والجار والمجرور . ثم يتحدث عن المصادر وأنها تعمل عمل أفعالها مثل " ضرباً زيداً " أي اضرب زيداً(13) .

ويفرد باباً لبيان الإعمال والإلغاء للأفعال في باب ظن وأخواتها ، أما الإعمال فيتحتم إذا تقدم الفعل في مثل " ظننت محمداً منطلقاً " ، وأما الإلغاء فيجوز إذا تأخر الفعل عن مفعوليه أو توسط مثل " محمداً منطلقاً ظننت " . ومحمداً يلغى عمل ظن(14) . وينص على أن الفعل يعمل في البدل كما يعمل في المبدل منه مثل

ص66

رأيت قومك أكثرهم ، ويشبه عمله فيه بعمله في التوكيد مثل (فسجد الملائكة كلهم أجمعون)(15) . ويفتح فصلا لاسم الفاعل الذي يجرى مجرى المضارع ويعمل عمله ، لدلالته على الاستقبال مثل : " هذا ضارب زيداً غداً " فمعناه وعمله مثل " هذا يضرب زيداً غداً " ، ويذكر أن اسم الفاعل قد يضاف الى ما بعده ، وحينئذ تحذف نونه إذا كان مثنى أو مجموعاً مثل : (ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم ) ويشير هنا الى أنه قد يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف والجار والمجرور في الشعر(16) . ويتحدث عن اسم الفاعل المعرف بالألف واللام وأن ما بعده ينصب مثل " هذا الضارب زيداً " وقد يضاف مثل هذا الضارب الرجل بكسر الرجل وجره بالإضافة ، وكأن الألف واللام فيه على نية الانفصال(17) . ويعقد باباً للمصادر التي تعمل عمل المضارع وتؤدي معناه مثل عجبت من ضرب زيدٌ عمراً(18) . ويتحدث عن عمل الصفة المشبهة وأفعل التفضيل ويجعل المنصوب بعدهما في مثل محمد حسن وجها و (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً) مشبهاً بالمفعول به(19) . ويفرد باباً لتعليق ظن وأخواتها عن العمل ، إما لكون المفعول الأول اسم استفهام أو لأن المفعولين دخلت عليهما أداة الاستفهام أو لام الابتداء مثل : (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ) ومثل : (ولنعلم أي الحزبين أحصى) (20) . ويعقد باباً لأسماء الفعل الدالة على الأمر والنهى مثل "هلم ورويداً " ويتبعها بأسماء الفعل المحولة عن أسماء المكان والزمان والجار والمجرور مثل " مكانك وبعدك " إذا حذرت المخاطب شيئاً خلفه ومثل " عندك " بمعنى قف " ووراءك " بمعنى تأخر و " إليك " بمعنى تنح . ويقول إنها لا تتصرف تصرف الأفعال وكذلك لا تتصرف تصرف الأسماء فتكون مبتدأ أو فاعلاً ، وحكمها في العمل كحكم أفعالنا فمثل " رويد" بمعنى أمهل تتعدى فيقال رويد زيداً ، بخلاف " صه " بمعنى اسكت. ويقول أيضاً إن الكاف في مثل رويدك زيداً حرف الخطاب ، وهي مجرورة في مثل هلم لك(21) . ويذهب

ص67

الى ان الفعل يعمل في المفعول معه بواسطة الواو مثل استوى الماء والخشبة (22)، اما المفعول له فيعمل فيه الفعل مباشرة مثل فعلت ذاك حذار الشر(23) . وعنده أن العامل في الجر المضاف او حرف الجر الذي يصل به الفعل أو يوصله إليه(24) .

أما العامل في المبتدأ فالابتداء ، وهو العامل المعنوي الوحيد الذي أثبته سيبويه(25). ويعمل المبتدأ فيما بعده عمل الفعل ، أي انه هو العامل في الخبر وكل ما يكون بعده(26) من مثل الحال . ويفتح فصولا لإن وأخواتها ذاكراً انها عملت فيما بعدها النصب والرفع تشبهاً بالفعل ، وكأنها بمنزلة كان للزوم المبتدأ والخبر لها ، مما جعلها تعمل عمل كان معكوساً (27) . ويتابع الخليل في الوقوف عند دخول ما عليها وجواز إلغاء عملها ويقول إن إنّ حين تخفف تلغى وتدخلها اللام الفارقة ينها وبين إن العاملة مثل : (وإن كل لما جميعٌ لدينا محضرون). ويذكر أن بعض العرب يعملها وهي مخففة فيقول:" إن عمرا لمنطلق"(28) . ويقف عند صور التمييز مثل : " ما في السماء موضع كف سحاباً " و " لله دره رجلا " ورجلاً في مثل " نعم رجلاً عبد الله " وعنده أن نعم وبئس فعلان وأن التمييز يعمل فيه ما قبله(29) . وليست يا هي العاملة في النداء والندبة وما إليهما وإنما العامل الفعل المحذوف إذ التقدير في مثل يا عبد الله أدعو عبد الله(30) ، وكأن المنادى عنده بمنزلة المفعول به . وتعمل لا النافية للجنس عمل إن ويحذف التنوين من اسمها فيكون مبنياً على الفتح(31) . ويتحدث عن الاستثناء وأدواته ، ويفهم من كلامه ان إلا هي العاملة في المستثنى بعدها ، وقد يحمل كلامه على أنها توصل الفعل السابق للعمل فيما بعدها مثل واو المعية في باب المفعول معه(32). وعنده ان عدا في الاستثناء فعل دائماً ، أما حاشا فحرف يجر ما بعده دائماً(33) . وكان يذهب الى ان لولا إذا وليها ضمير مثل لولاك كانت حرف جر وما بعدها

ص68 

مجرور بها (34) . ويتحدث عن نواصب المضارع وجوازمه(35) ، و كان يرى أن إذن تنصب المضارع بنفسها لا بأن مضمرة كما ذهب الخليل (36) . ويتحدث عن أدوات الشرط وجزمها للفعلين ويفيض في صور الجزم ورفع الجواب أحياناً(37) ، ويتحدث عن جزم المضارع في جواب الأمر والنهي ، ويعود الى إن وأن ومواضعهما والشرط وأن الجار والمجرور والظرف إذا ولياها في مثل " أما في الدار فإن زيداً جالس " و " أما اليوم فإني ذاهب " علمت فيهما لما فيها من معنى الفعل، ومنع أن يكون العامل فيهما خبر . إن لأن معموله لا يتقدم بحال عليها (38) .

والعوامل تعمل مذكورة ومحذوفة ، ويكثر حذف الفعل وبقاء عمله مما جعل سيبويه يفرد لذلك صحفاً ، حاول فيها أن يستقصى صور حذفه استقصاء دقيقاً ، وهداه ذلك منذ بادئ الأمر الى اكتشاف باب الاشتغال الذي يشغل فيه الفعل أو شبهه بضمير أو بملابسه عن العمل في الاسم مثل " زيداً كلمته وزيداً مررت به وزيداً قرأت كتابه " . وقد جعل زيداً في ذلك كله مفعولاً به الفعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور . ومضى يستقصى صور الباب موزعاً الكلام فيها على ما يجب نصبه وما يختار فيه النصب وما يستوى فيه النصب والرفع وما يختار فيه الرفع وما يجب رفعه ، أما وجوب النصب فبعد حروف التحضيض وحرف الشرط ، لأنه لا يليها جميعاً إلا الأفعال ، لذلك يجب نصب ما بعدها على أنه مفعول لفعل محذوف مثل " هلا زيداً كلمته " ، و " إن زيداً كلمته كلمك "(39) . ويختار النصب مع النهي والأمر اما قوله تعالى : (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فالخبر فيه مبني على الإضمار ، لأن الأصل في خبر المبتدأ أن يكون خبرياً لا طلبيا ولذلك لم يجعل سيبويه فعل الأمر خبراً عن السارق ، بل جعل محذوفاً تقديره في الفرائض أو فيما فُرض عليكم(40) . ويختار النصب أيضاً إذا تلا الاسم همزة الاستفهام (41)

ص69

أو ما ولا النافيتين (42) مثل " أزيداً لقيته " و " ما زيداً كلمته " وكذلك إذا عطفت الجملة التي فيها الاسم الذي شُغل عنه الفعل على جملة فعلية مثل " ضربت زيدا ، وعمراً أكرمته " ومنه قوله جل وعز : (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً) (43) . ويستوي النصب والرفع إذا عطفت جملة الاشتغال على جملة مصدرة بمبتدأ وخبرها فعل أو جملة فعلية مثل : " زيد أكرمته ، وعبد الله لقيته " فعبد الله يرفع إن عطفت جملته على جملة المبتدأ والخبر وينصب إن عطفت على جملة الخبر لتناسب المعطوف والمعطوف عليه في الوجهين (44) . ويختار الرفع إذا تلا الاسم جملة خبرية موجبة مثل " زيد لقيته ط لأننا لا نتحاج حينئذ الى تقدير فعل محذوف (45) ، غير أن النصب جائز ومنه قوله تعالى : (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وكذلك إذا فصل بين حرف الاستفهام والاسم المشغول عنه الفعل بفاصل مثل : " أأنت عبد الله ضربته" (46) . ويجب الرفع إذا توسط بين الاسم المشغول عنه الفعل وبين الفعل أداة شرط أو استفهام مثل " زيد إن تكرمه يكرمك " و " زيدكم مرةً لقيته " و " عمرو هل رأيته " وكذلك إذا كان الفعل في موضع الصفة مثل  " ما شيء حميته بمستباح " لأن جملة " حميته " صفة لشيء وبمستباح خبرها . ومما يجب رفعه أيضاً أن يكون الفعل معه صلة لموصول مثل " زيد الذي رأيته سأل عنك " وكذلك إن أبدلت منه أو وكدته مثل " زيد أن تكرمه خير من أن تهينه " لأن بعد أن الناصبة للفعل يُعد من صلتها (47) .

والرفع في كل ذلك إنما هو على الابتداء . وقال سيبويه إن الاشتغال يكون في الأفعال الناقصة على نحو ما يكون في الأفعال التامة مثل : " أعبد الله كنت مثله ، وزيداً لست مثله "(48) . وذكر أن اسم الفاعل والمفعول واسماء المبالغة تجري في هذا الباب مجرى الأفعال مثل " ازيداً أنت ضاربه " و " أزيداً أنت ضرابه "(49) . وحتم الرفع في مثل " زيد أنت الضاربة " لأن الألف واللام بمعنى

ص70

الذي فضاربه من صلتها ، فحكمها مع الاسم الذي شغلت عنه حكم الفعل السالف في الصلة ، ولذلك يجب الرفع(50) على الابتداء .

ولم نعرض لكل صور الاشتغال عند سيبويه إنما عرضنا لصوره المشهورة ، وكأنما نثر كنانة اللغة بين يديه وجمع منها كل ما أراد من صور لا في هذا الباب وحده ، بل أيضاً في كل الأبواب التي يحذف معها الفعل . وقد استكمل صور حذفه مع المفعول به فيما وراء باب الاشتغال ، من ذلك تصويره لحذفه في باب التحذير مثل الأسد الأسد (51) ، وإياك ، وإياك والأسد(52) ، وفي باب الاختصاص مثل " إنا معشر العرب كرامٌ " وهو على تقدير أعني (53) . ويصور حذفه جوازاً إذا قامت قرينة مثل " مكة " لمن رأيته قاصداً الحج أي تريد مكة (54) .

ويعرض لكثير من الصور السماعية التي يحذف فيها وجوباً مثل " هذا ولا زعماتِك " أي ولا أتوهم زعماتك (55) ، ومن ذلك قول العرب في بعض أمثالهم : " كليهما وتمراً " أي أعطني كليهما وتمراً (56) ، وقول الله جل وعز : (انتهوا خيراً لكم) أي ائتوا خيرا الكم (57) ، وقولهم : " مرحباً وأهلاً وسهلاً " أي ادركت مرحباً وأصيت أهلاً ونزلت سهلاً ،(58) وقولهم : " امرأ ونفسه " (59) أي دع امرأ ونفسه ، وقولهم : " مالك وزيداً " أي وتناولك زيداً(60) ، وقولهم " ترباً وجندلاً " أي ألزمك الله أو أطعمك (61) .

وقد أكثر سيبويه من عقد الأبواب التي تصور حذف الفعل مع المفعول المطلق جوازاً ووجوباً ، وهو إنما يجب إذا جاء بدلا من فعله كقولهم في الدعاء له " سقياً ورعياً " أي سقاك الله ورعاك (62) و " هنيئاً " أي لتهنأ (63) وقولهم في الدعاء عليه " ويلك وويحك " (64) ، وقولهم : " حمداً وشكراً "(65) ، وقولهم " سبحان الله ومعاذ الله

ص71

وعمرك الله " (66) . ومما اطرد فيه حذف الفعل قولهم : " ما أنت إلا سيراً " و " ما أنت إلا السير " بالنصب و " ما أنت إلا السير السير " (67) ، وزعم سيبويه أنهم استخدموا في هذا الباب صفات مثل اقائما وقد قعد الناس (68) وأتميمياً مرة قيسياً أخرى أي أتتحول تميمياً مرة وقيسياً أخرى (69) . ومما حذف معه الفعل المصادر المثناة مثل لبيك وسعديك (70) . وحقاً في قولهم " هذا عبد الله حقاً " (71) وعرفا في قولهم : " على ألف درهم عرفاً " (72) . ويحذف الفعل مع قطع النعت ونصبه في مثل " الحمد لله الحميد " بالنصب (73) ، كما يحذف في باب النداء على نحو ما ذكرنا ذلك آنفاً .

وليس الفعل التام وحده الذي يحذف ، فكان الناقصة تحذف في مواضع منها قولهم : " الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشر " اي إن كان الجزاء خيراً فخير ، وإن كان شراً فشر . وأجاز أن يقال إن خير فخيرٌ أي إن كان في اعمالهم خير يُجزون به خير. هكذا قدر العبارة(74). ومن مواضع حذف كان قولهم كيف أنت وزيداً وما أنت وزيداً على تقدير كيف تكون أنت وزيداً وما كنت وزيداً (75) ، وإنما قدر كان في المثالين ليسبق المفعول معه فعل يعمل فيه النصب . ومن تلك " المواضع قولهم : " أما أنت منطلقاً انطلقت معك " ، على تقدير أن كنت منطلقاً انطلقت (76) ، فحذفت كان وانفصل اسمها وعوض عنهما بلفظة ما .

ومما يطرد معه حذف العامل الجار والمجرور إذا كانا في موضع الحال أو الصفة أو الخبر ، إذ يقدرنا متعلقين بفعل استقر محذوفاً ، فإذا قلت " في الدار زيد " كان ذلك على تقدير استقر في الدار زيد (77) . ومثلها الظرف . ويطرد مع لام التعليل التي ينصب بعدها المضارع وأخواتها مثل أو والواو والفاء حذف أن الناصبة له ، والخليل كما مر بنا هو الذي نبه على هذا الحذف ، وتُضمر رُبّ

ص72

بعد الواو مثل قول القائل : " وبلدة ليس بها أنيس " (78) . ويحذف المضاف ويظل عمله أو أثره كقولهم : " ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمةً " فبيضاء في موضع جر على تقدير إضمار كل ، كأنك قلت ولا كل بيضاء شحمةً ، ومن ذلك قول أبي داود :

أكل امرئٍ تحسبين امرءًا          ونارٍ توقد بالليل نارا

فقد أراد وكل نار ، ومن هنا قال إن لفظة نار مجرورة بكل أخرى مقدرة وليست معطوفة على امرئ ، حتى لا تكون الجملة الثانية في البيت والمثل السالف معطوفة على عاملين مختلفين ، فتكون شحمة معطوفة على " تمرة " وناراً معطوفة على " امرءاً " (79) . ويكثر حذف المبتدأ العامل في الخبر ما دامت هنا قرينة تدل عليه .

وهو يضع في تضاعيف كلامه قاعدة عامة لعمل العوامل مضمرة ، إذ يقول : " وإذا عملت العرب شيئاً مضمراً لم يخرج عن عمله مظهراً في الجر والنصب والرفع " (80) ويمثل للرفع بحذف المبتدأ في قولك " الهلال " تريد هذا الهلال . ومما يصح أن يدخل في حذف المبتدأ قول الله تعالى : (طاعة وقولٌ معروف ) على تقدير امري طاعة وقول معروف(81) ، وقول العرب : " الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر " فقد قدر ـ كما مربنا آنفاً ـ في لفظة خير المرفوعة ومثلها شر المرفوعة أن يكونا خبرين لمبتدأين محذوفين على تقدير فالذي يجزون به خير، وكذلك فالذي يجزون به شر(82) . ومن حذف المبتدأ قولك : " إن جزع وإن إجمال صبر " أي فإما أمري جزع وإما أمري إجمال صبر(83) ، وقولهم في الخطاب : " مصاحب معان ومبرور مأجور  " على تقدير أنت مصاحب معان وأنت مبرور مأجور(84) . وواضح من هذا التقدير أن سيبويه لم يكن يعدد الخبر ، بل يجعل لكل خبر مبتدأ خاصاً به . ومن حذف المبتدأ أيضاً قول الله تعالى: (فصبر جميل والله المستعان ) على تقدير الأمر صبر جميل ، ومثله قول بعض العرب : " من أنت

ص73

زيد " أي " من أنت كلامك زيدٌ " ، فتركوا إظهار الرافع(85) ، يريد إظهار المبتدأ ، وقول الله جل وعز : (كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) أي ذاك بلاغ (86) .

ومما يطرد فيه حذف المبتدأ النعت المقطوع لمدح أو ذم أو ترحم مثل مررت بمحمد الفاضل أو اللئيم أو المسكين(87) . وكذلك أي الموصولة إذا أضيفت وحذف عائدها أو بعبارة أخرى المبتدأ بعدها مثل : (لننزعن من كل شيعةٍ أيهم أشد) على تقدير هو أشد(88) .

وعلى نحو ما اتسع سيبويه في الحديث عن حذف العوامل على هدى ما قاله أستاذه الخليل في ذلك اتسع في الحديث عن حذف المعمولات ، فمن ذلك الخبر بعد مرفوع لولا في مثل " لولا عبد الله للقيتك " ، ويفهم من كلامه فيها أن جوابها أغنى عن الخبر (89). وكذلك الخبر بعد لو في مثل (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم ) فقد جعل أن وما بعدها في محل رفع بالابتداء ، وقال إن المبتدأ هنا لا يحتاج الى خبر لاشتمال صلة لولا على المسند إليه والمسند (90) . ويحذف الخبر في مثل " كل رجل وضيعته " و " انت وشأنك" أي مقرونان (91) . وهو يحذف جوازاً كلما وجدت قرينة ، وجعل من ذلك (طاعة وقول معروف) في أحد توجيهيه، إذ قال من الممكن أن يكون الخبر هو المحذوف على تقدير طاعة وقول معروف أمثل (92) ، وكان الخليل يقول بذلك كما مر بنا في غير هذا الموضع .

ومن مواضع حذفه قولهم " ما أنت إلا سيراً " أي تسير سيراً ، وخرج عليه كما أسلفنا الآية الكريمة : (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) أي فيما فرض عليكم حتى لا يكون الخبر طلبياً (93) . ويُحذف خبر إن مثل إن ولدا أي إن لنا ولدا ، وخبر ليت مثل : " يا ليت أيام الصبا رواجعا " ، اي يا ليت لنا ، وكذلك خبر لا النافية للجنس ، وجعل منه " الأماء بارداً (94) ، وكذلك خبر لا العاملة عمل ليس مثل :

ص74

من صدّ عن نيرانها             فأنا ابن قيسٍ لا براح (95)

وتابع الخليل في أن اسم إن وأخواتها إذا كان ضمير شان حذف كثيراً ، وسبق ان صورنا ذلك في حديثنا عن الخليل . ولاحظ ان اسم " كان وليس " المضمر يكثر حذفه وعقد لذلك باباً (96) مثل " كان الناس صنفان : صالح وطالح " ، و " ليس كل وقت تلقى صاحبك " ، وجعل إضمار اسمهما واجباً في باب الاستثناء مثل جاء القوم لا يكون محمداً ، وليس محمداً (97) . ويحذف المفعول به ضرورة في مثل " زيد رأيت " وقياساً في باب ظن حين يُلغى الفعل كما مر بنا في غير هذا الموضع . ويحذف التمييز في مثل كم صمت ؟ أي كم يوماً ، وكثيراً ما يحذف عائد الصلة ، وحتى المؤكد قد يحذف عنده وعند أستاذه الخليل ، يقول : " سألته عن مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما " ما موضع أنفسهما ؟ فقال الرفع على تقدير هما صاحباي أنفسهما ، ويجوز النصب على تقدير أعنيهما أنفسهما " (98) ويحذف البدل في مثل ظننت ذاك ، فقد جعل ذاك مفعولا مطلقاً على تقدير ظننت ذاك الظن (99) . ويحذف المضاف ويحل المضاف إليه محله في مثل (واسأل القرية) أي أهل القرية. ويخيل لمن يتابع سيبويه أن ليس في اللغة معمول لا يحذف ، وحتى الجملة تحذف، ويطرد ذلك إذا اجتمع الجزاء والقسم في مثل لئن فعلت ذلك لأكافئنك ، فقد حذف جواب إن لدلالة جواب القسم عليه (100) . وكان يقدر جواب الشرط محذوفاً في مثل إن قام زيد أقوم ويقول إن الفعل المضارع مؤخر في هذا المثال من تقديم وأن الأصل أقوم إن قام زيد ، وحذف الجواب لدلالة أقوم عليه (101) .

وأكثر سيبويه من تحليله للعبارات حتى تتجه مع مايراه لألفاظها من إعراب ، من ذلك أن نراه يعرب المصدر حالا إذا اتجه ذلك في مثل " ذهب به مشياً " أي ماشياً، واشترط لذلك أن لا تدخله الألف واللام إلا ما جاء سماعاً مثل أرسلها

ص75

العراك أي معتركة (102) ، ويمثل له في موضع آخر بقولهم : " لقيته فجاءة ومفاجأة وعياناً " و " كلمته مشافهة وأتيته ركضاً وعدواً ومشياً " و " أخذت ذلك عنه سمعاً وسماعاً " ثم يقول : " وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأن المصدر ههنا في موضع فاعل إذا كان حالا ، ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا أتانا رجلة " إذ المصدر في المثالين ليس في موضع فاعل (103) . وجعله إحساسه الدقيق بأن الحال يقع فيها الفعل أو بعبارة أخرى تقيد بزمنه ، فإنك إذا قلت جاء محمد ضاحكاً ، كانت " ضاحكاً " صفة له مقيدة بالفعل وزمنه ، وجعله ذلك يقول إنها حال مفعول فيها (104) ، وكأنها بين النعت وظرف الزمان . وهذا نفسه هو الذي لفته الى أن يقول إن واو الجملة الحالية في مثل " جاء زيد والشمس طالعة " قيد بمعنى إذ ، أي انها تدل على الزمان (105) . ومن تحليلاته الطريفة في باب الحال وقد تصوره مفعولاً فيه ما عرض له في باب الذي عنونه بقوله: " هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر لأنه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول فيه " يقول (106) : " وذلك قولك كلمته فاهُ الى فيَّ وبايعته يداً بيد كأنه قال كلمته مشافهة وبايعته نقدا ، اي كلمته في هذه الحال . وبعض العرب يقول كلمته فوه الى في كأنه يقول كلمته وفوه الى في أي كلمته وهذه حاله ، فالرفع على قوله كلمته وهذه حاله ، والنصب على قوله كلمته في هذه الحال ، فانتصب لأنه حال وقع فيه الفعل ، وأما يداً بيد فليس فيه إلا النصب لأنه لا يحسن أن تقول بايعته ويد بيد ولم يرد أن يخبر أنه بايعه ويده في يده ، ولكنه أراد أن يقول بايعته بالتعجيل ولا يبالي أقريباً كان أم بعيداً . وإذا قال كلمته فوه الى فيَّ فإنما يريد أن يخبر عن قربه منه وأنه شافهه ولم يكن بينهما احد . ومثله من المصادر في أن تلزمه الإضافة وما بعده مما يجوز فيه الابتداء ويكون حالا قولهم : رجع فلان عوده على بدئه وانثى فلان عوده على بدئه كأنه قال انثى عوداً على بدء . ولا يستعمل في الكلام رجع

ص76

عودا على بدء ، ولكنه مثل به . ومن رفع فوه الى في اجاز الرفع في قوله : رجع فلان عوده على بدئه . ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه الفعل قولك : بعت الشاء شاة ودرهماً، وقامرته درهماً ، وبعته داري ذراعاً بدرهم ، وبعت البُر قفيزين بدرهم ، وأخذت زكاة ماله درهماً لكل أربعين درهماً ، وبينت له حسابه بابا بابا ، وتصدقت بمالي درهماً درهماً . واعلم أن هذه الأشياء لا ينفرد منها شيء دون ما بعده ، وذلك أنه لا يجوز أن تقول كلمته فاه حتى تقول الى في لأنك إنما تريد مشافهة ، والمشافهة لا تكون إلا من اثنين ، فإنما يصح المعنى إذا قلت الى فيَّ . ولا يجوز أن تقول بايعته يداً لأنك إنما تريد أن تقول أخذ منى واعطاني ، فإنما يصح المعنى " بيد " لأنهما عملان . ولا يجوز أن تقول: انثنى عوده؛ لأنك لا تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوع، وإنما أردت أنه رجع في حافرته أي: نقض مجيئه برجوع. وقد يكون أن ينقطع مجيئه ثم يرجع، فيقول: رجعت عودي على بدئي, أي: رجعت كما جئت، والمجيء موصول به الرجوع، فهو بدء والرجوع عود. ولا يجوز أن تقول: بعت داري ذراعا وأنت تريد بدرهم، فيرى المخاطب أن الدار كلها ذراع. ولا يجوز أن تقول: بعت شائي شاة شاة وأنت تريد بدرهم, فيرى المخاطب أنك بعتها الأول فالأول على الولاء. ولا يجوز أن تقول: بينت له حسابه بابا, فيرى المخاطب أنك إنما جعلت له حسابه بابا واحدا غير مفسر. ولا يجوز: تصدقت بمالي درهما فيرى المخاطب أنك تصدقت بدرهم واحد. وكذلك هذا وما أشبهه".

وواضح ما يحمله هذا التحليل من دقة الحس ودقة الفقه بأساليب العربية واستعمالاتها ودلالاتها، ومن هنا كان كتاب سيبويه لا يعلم العربية وقواعدها فحسب, بل يعلم أيضا أساليبها ودقائقها التعبيرية. وعلى نحو ما نراه في هذه الفقرة يتوقف في الكتاب مرارا لينص على ما لم يستعمله العرب ولا جرى على ألسنتهم. ودائما تلقانا في الكتاب مثل هذه التحليلات الرائعة، فهو لا يسجل القواعد فقط، وإنما يفكر في العبارات ويلاحظ ويتأمل ويستنبط خواصها ومعانيها بحسه الدقيق المرهف، ويكفي أن نقف عند أمثلة أخرى من باب فاء

ص77

السببية التي ينصب بعدها المضارع، وقد يأتي مرفوعا، يقول (107) :

"اعلم أن ما ينتصب في باب الفاء قد ينتصب على غير معنى واحد، وكل ذلك على إضمار أن، إلا أن المعاني مختلفة، كما أن "يعلم الله" يرتفع كما يرتفع يذهب زيد، و"علم الله" ينتصب كما ينتصب ذهب زيد، وفيهما معنى اليمين ...

 تقول : ما تأتيني فتحدثَني، فالنصب على وجهين من المعاني, أحدهما ما تأتيني فكيف تحدثني أي لو أتيتني لحدثتني، وأما الآخر فما تأتيني أبدا إلا لم تحدثني، أي منك إتيان كثير ولا حديث منك، وإن شئت أشركت بين الأول والآخر فدخل الآخر فيما دخل فيه الأول، فتقول: ما تأتيني فتحدثني "بالرفع" كأنك قلت : ما تأتيني وما تحدثني، ومثل النصب قوله عز وجل: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} , ومثل الرفع قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ, وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} , وإن شئت رفعت "تحدثني" على وجه آخر, كأنك قلت: فأنت تحدثنا، ومثل ذلك قول بعض الحارثيين:

غير أنا لم تأتنا بيقين          فنرجي ونكثر التأميلا

كأنه قال : فنحن نرجي، فهذا في موضع مبني على المبتدأ "المحذوف" ... وتقول: حسبته شتمني فأثبَ عليه، إذا لم يكن الوثوب واقعا، ومعناه: أن لو شتمني لوثبت عليه. وإن كان الوثوب قد وقع فليس إلا الرفع؛ لأن هذا بمنزلة قوله: ألست قد فعلت فأفعلُ".

ويدخل في هذا التحليل للعبارات وفرة الاحتمالات في إعرابها، من ذلك: "دخلوا الأولَ فالأولَ" جعله حالا مثل: دخلوا واحدا فواحدا، وجوز أن يقال: دخلوا الأولُ فالأول بالرفع, على أن الأول بدل من الضمير(108). ومن ذلك قولك: "إن زيدا منطلق العاقلَ اللبيب" فقد جوز فيه النصب نعتا لزيد، كما جوز الرفع على وجهين : أن يكون العاقل بدلا من الضمير العائد على زيد في منطلق، أو يكون خبرا لمبتدأ محذوف، وكأنه جواب على سؤال مقدر، كأنه قيل: من هو؟ فأجيب بأنه العاقل اللبيب(109). ومن ذلك نعت اسم لا النافية للجنس

ص78

مثل: لا رجل ظريفَ عندك، فقد جوز في النعت أن يكون مبنيا على الفتح غير منون مثل الاسم، وقال: لأنهم جعلوا الموصوف والوصف بمنزلة اسم واحد، وجوز أن يكون منصوبا منونا أي: لا رجل ظريفًا عندك، يقول: كأنهم جعلوا الاسم ولا بمنزلة اسم واحد(110) ،

وهدتْه هذه التحليلات وما يماثلها إلى تبين حروف الجر الزائدة، وكلما التقى بها في تعبير نص عليها، من ذلك "من" الزائدة مع الاستفهام والنفي في المبتدأ أو الفاعل مثل: هل من طعام؟ أي: هل طعام؟ وما من طعام أي: وما طعام، ومثل: ما أتاني من رجل أي: ما أتاني رجل (111). ومن ذلك الباء الزائدة في حسبك مثل قولهم: بحسبك قولُ السوء، يقول: كأنهم قالوا : حسبُك قول السوء (112) . وكما تدخل الباء على حسبك, تدخل على المبتدأ بعدها إن قدرت خبرا مقدما مثل : مررت برجل حسبك به من رجل، فبه هنا بمنزلة هو في رأيه ورأى أستاذه الخليل (113) . ومن توجيهاته الطريفة أنه كان يقول: إن الواو في لغة "أكلوني البراغيث" حرف دال على الجماعة , كما أن التاء في قالتْ حرف دال على التأنيث (114) . وكان يذهب مع أستاذه الخليل إلى أن كان قد تأتي زائدة, أي : ملغاة في مثل قول الشاعر :

فكيف إذا رأيت ديار قوم                وجيران لنا كانوا كرام

فقد زادت تبيينا لمعنى المضي(115). وكان يرى كذلك أنه تزاد أنْ توكيدا للقسم بين اليمين وفعل القسم وما بعدهما مثل : والله أنْ لو فعلتَ لفعلتُ، وأقسم أن لو جئتَ لجئتُ (116) . وكان يسمي حروف الجر حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال إلى الأسماء(117) ، وعنده أن "إما" المكسورة المشددة مركبة من إنْ وما(118)، وأن التنوين في جوار وغواش عوض عن الياء المحذوفة (119).

ص79

وعلى هذا النحو لا تزال سيول من التحليلات حتى للحركات والحروف, تلقانا عند سيبويه. وفي كل مكان نراه يتوقف ليوجه النصب والرفع في تعبير جاءت كلمةٌ فيه على لسان العرب مرفوعة ومنصوبة، أو جاءت مرفوعة فحسب أو منصوبة.

ص80

____________________

(1) الكتاب 2 / 259 .

(2) الكتاب 1 / 203 .

(3) الكتاب 2 / 105 .

(4)  الكتاب 1 / 15 .

(5) الكتاب 1 / 17 . ويسمى سيبويه هنا حر الجر باسم حرف الإضافة .

(6) الكتاب 1 / 19 .

(7)  الكتاب 1 / 20  .

(8) انظر في هذا كله الكتاب 1 / 21 .

(9)  الكتاب 1 / 39 وما بعدها .

(10) هامش الكتاب 1 / 31 .

(11) راجع كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي (طبع دار الفكر العربي) ص 27 .

(12)  الكتاب 1 / 57 .

(13)  الكتاب 1 / 59 .

(14)  الكتاب 1 / 61 .

(15)  الكتاب 1 / 75 .

(16) الكتاب 1 / 82 ـ 91 .

(17) الكتاب 1 / 93 وما بعدها .

(18)  الكتاب 1 / 97 .

(19)  الكتاب 1 / 99 وما بعدها .

(20) الكتاب 1 / 120  .

(21)  الكتاب 1 / 123 .

(22)  الكتاب 1 / 150  .

(23) الكتاب 1 / 185 .

(24) الكتاب 1 / 20 9 .

(25) الكتاب 1 / 278 .

(26)  الكتاب 1 / 260  .

(27)  الكتاب 1 / 279 وما بعدها .

(28)  الكتاب 1 / 283 .

(29)  الكتاب 1 / 198 وما بعدها .

(30)  الكتاب 1 / 30 3 .

(31)  الكتاب 1 / 345 .

(32) الكتاب 1 / 359 وما بعدها .

(33) الكتاب 1 / 377 .

(34) الكتاب 1 / 388 .

(35) الكتاب 1/ 407 .

(36) الكتاب 1/ 412 .

(37)  الكتاب 1/ 431 .

(38)  المغني ص 59 وما بعدها .

(39)  الكتاب 1/ 51 ، 67 .

(40)  الكتاب 1/ 71 .

(41)  الكتاب 1/ 47 وما بعدها .

(42)  الكتاب 1/ 72 .

(43) الكتاب 1/ 46 .

(44) الكتاب 1/ 47 .

(45) الكتاب 1/ 42 .

(46)  الكتاب 1/ 54 .

(47)  الكتاب 1/ 65 وانظر 45 .

(48)  الكتاب 1/ 52 .

(49)  الكتاب 1/ 55 وما بعدها .

(50)  الكتاب 1 / 66 .

(51) الكتاب 1 / 128 .

(52) الكتاب 1 / 138 .

(53) الكتاب 1 / 327 .

(54) الكتاب 1 / 129 .

(55) الكتاب 1 / 141 .

(56) الكتاب 1 / 142 .

(57)  الكتاب 1 / 143 .

(58)  الكتاب 1 / 149 .

(59) الكتاب 1 / 150  .

(60) الكتاب 1 / 155 .

(61) الكتاب 1 / 158 .

(62) الكتاب 1 / 157 .

(63)  الكتاب 1 / 159 .

(64)  الكتاب 1 / 160  .

(65) الكتاب 1 / 160  .

(66) الكتاب 1 / 163 .

(67) الكتاب 1 / 168 .

(68) الكتاب 1 / 171 .

(69) الكتاب 1 / 172 .

(70) الكتاب 1 / 174 .

(71)  الكتاب 1 / 189 .

(72)  الكتاب 1 / 190  .

(73)  الكتاب 1 / 248 .

(74)  الكتاب 1 / 130  وما بعدها .

(75)  الكتاب 1 / 152 وما بعدها .

(76)   الكتاب 1 / 148 .

(77) الكتاب 1 / 260  .

(78)  الكتاب 1 / 133 .

(79) الكتاب 1 / 33 .

(80) الكتاب 1 / 54 .

(81) الكتاب 1 / 71 .

(82)  الكتاب 1 / 131 .

(83) الكتاب 1 / 135 .

(84)  الكتاب 1 / 137 .

(85)  الكتاب 1 / 162 .

(86) الكتاب 1 / 191 .

(87) الكتاب 1 / 253 وما بعدها .

(88)  الكتاب 1 / 398 وما بعدها .

(89)  الكتاب 1 / 279 .

(90)  المغني ص 298 .

(91)  الكتاب 1 / 151 .

(92)  الكتاب 1 / 71 .

(93)  انظر الكتاب 1 / 72 .

(94) انظر في الأمثلة المذكورة الكتاب 1/284 .

(95)  الكتاب 1 / 354 .

(96) الكتاب 1 / 35 .

(97) الكتاب 1 / 376 .

(98) الكتاب 1 / 247 .

(99)  الكتاب 1 / 18 .

(100) الكتاب 1 / 444 .

(101)  الكتاب 1 /436 .

(102)  الكتاب 1 / 118 .

(103) الكتاب 1 / 186 .

(104) الكتاب 1 / 194 وانظر 1 / 260  .

(105)  المغني ص 398 .

(106) الكتاب 1 / 195 وما بعدها .

(107) الكتاب 1/ 419 وما بعدها.

(108) الكتاب 1/ 198.

(109) الكتاب 1/ 286.

(110)  الكتاب 1/ 351.

(111) الكتاب 1/ 279.

(112) الكتاب 1/ 353.

(113)  الكتاب 1/ 230 .

(114)  الكتاب 1/ 236.

(115)  الكتاب 1/ 289 .

(116)  الكتاب 1/ 455.

(117)  الكتاب 1/ 209.

(118)  المغني ص61 .

(119)  الكتاب 2/ 57، وانظر تعليق السيرافي في الهامش.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.