أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-2-2016
2970
التاريخ: 7-2-2016
2997
التاريخ: 8-4-2021
2569
التاريخ: 2-2-2016
2686
|
حفاظا على حقوق الورثة المحتملين - الذين ستؤول إليهم التركة - من الوصايا التي قد تؤثر عليها، فإن الشريعة الإسلامية و المشرع الوضعي (عملا بأحكام هذه الأخيرة) قد قيدت حرية الإيصاء بالرجوع إلى أسس شرعية حاولنا إجمالها في نقطتين أساسيتين هما منع الإضرار بالورثة و تنظيم أحكام الوصية باعتبار إضافتها إلى ما بعد الموت موازاة مع تنظيم الشارع الحكيم لأحكام الميراث .
الفرع الأول :منـع الإضـرار بالورثـة
إن الأصل أن الوصية في مفهوم الإسلام هي باب من أبواب الإنفاق على الأقرباء الذين لا يرثون، و على أصحاب الخير، وعموما على وجوه الخير كالوصية للفقراء أو لدور العلم و المستشفيات، أي أن الهدف منها هو تحقيق التكافل الإجتماعي، إلى درجة تقرير وجوب الوصية في بعض الحالات بحكم الشرع و القانون وهو ما يسمى بالوصية الواجبة أي التنزيل طبقا للمواد 169 إلى 172 من قانون الأسرة، واعتبار الوصية مكروهة في حالات أخرى كوصية صاحب المال القليل للغير مع أن ورثته كثيرون ومحتاجون مصداقا لقوله - صلى الله عليه واله و سلم - : "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" . و عليه فتحقيقا لهذا الغرض النبيل للوصية، إعتبرت الشريعة الإسلامية الوصية باطلة إذا كان القصد منها هو الإضرار بالورثة وحقوقهم، و هذا مصداقا لقوله تعالى :"من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله و الله عليم حليم" (1) . و لذا حقق بعض العلماء بطلان ما يسمى بوصية الضرار؛ وهي التي يقصد بها الإضرار بالورثة كأن يوصي الشخص بثلث ماله لبعض جهات البر إن تزوج إبنه من فلانة و يصرح بأنه كان يود أن يوصي بكل ماله في هذه الحال لو لم يكن القانون يمنعه من ذلك، فالقصد هنا مضارة الوارث، وهذا الباعث مناف لمقاصد الشارع فالوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى وما كان كذلك فهو معصية (2) . و عن ابن عباس - بإسناد صحيح - أن وصية الضرار من الكبائر، فما أحق وصية الضرار بالإبطال من غير فرق بين الثلث وما دونه و ما فوقه، وهذا تطبيقا لقوله - صلى الله عليه و سلم - : "الإضرار في الوصية مـن الكبائر" (3) ، و لا يجب أن يفهم من عدم جواز وصية الضرار بطلانها عندما تكون نية أو قصد المورث الإضرار بالورثة فقط؛ بل أن عنصر الإضرار يتحقق في الحالتين التاليتين :
1- إذا اتجهت نية الموصي إلى الإضرار، أي إذا قصد حرمان ورثته من بعض ماله، كأن يقر بذلك صراحة في الوصية أو أن يستخلص ذلك من اشتمال الوصية على شرط يتوقف تنفيذها على تحققه بأن يوصي الشخص بجزء من ماله إذا تصرف وارثه تصرفا معينا، بينما يرى الإمام مالك أن الوصية إذا كانت مشروعة و في حدود الثلث وكانت لغير وارث فيقتضي العمل بها .
2- كما يتحقق عنصر الإضرار بالرغم من عدم وجود نية الإضرار إذا أوصي بأكثر من ثلث التركة، أو إذا أوصي لأحد الورثة دون باقي الورثة أو أوصي لجهة معصية، فقد فسر القرطبي"غير مضار"من آية المواريث السالفة الذكر أن مدخل الضرر على الورثة بأن تزيد الوصية على الثلث أو بأن يوصى للوارث، ومن ثم جاء تقييد الإيصاء بهذه القواعد.
فلا يشترط الفقه توفر نية الإضرار، بل يكفي تحقق الضرر الأكيد بالنسبة لحقوق الورثة لقوله - صلى الله عليه و سلم -: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ".
و عليه فقانون الأسرة بتقييده الوصية خصوصا في عدم إجازته الوصية لوارث يكون قد تماشى مع بعض القواعد الفقهية المشهورة منها "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" و "الحكم يتبع المصلحة الراجحة" فهو يحقق المصلحة الراجحة المتمثلة في الإبقاء على كيان الأسرة ووحدتها، و الحفاظ على صلات الرحم بين أفرادها، فهذا يتحقق بعدم جواز الوصية لوارث ؛ حتى لا تنحصر ثروة المـوصي كلـها في وارث واحد على حسـاب مبادئ التكافل الإجتماعي و النظام العام الإسلامي في تنظيم تداول الأموال، وتوزيعها بين أكبر عدد ممكن ممن هو أقرب صلة بالميت من ذوي قرابته، و بذلك كان المشرع الجزائري متماشيا مع الآراء الإجتهادية، ومع روح نظام الوصية ، ونظام الإرث الإسلاميين .
الفرع الثاني :تـولي الشرع الخلافـة في المـال بالتنظيـم
من أسباب الملكية الملكية بالخلافة عن المالك، و التي تؤول فيها الملكية من شخص له صلة بالمالك الهالك، وذلك لضرورة انتقال ما كان له من أموال وحقوق إلى آخر يعد خليفة له . وهذه الخلافة تثبت بسببين :
1- إما بحكم الشارع؛ وهذا في المواريث أين تكون الخلافة بحكم من الشارع، لا بإرادة المورث، بل و حتى من غير إرادة الوارث، لذا قيل أنه لا يدخل شيء في ملك الإنسان جبرا عنه سوى الميراث (4).
2- و قد تثبت هذه الخلافة بإرادة المتوفي؛ وهذا في الوصية فالموصى له يملك ما يوصى به بمقتضى ما صدر عن الموصي، و تسمى بالخلافة الإختيارية ، و الموصى له يبقى دائما قبل هذه الخلافة مختارا .
و الأصل أن الشارع هو الذي يتولى أمر الخلافة في مال الميت، و ينظمها حيث جعل الميراث في نطاق الأسرة لا يعدوها؛ و هذه لحماية لهذه الأخيرة، و إقامة بنيانها، وتوثيق العلاقة بين آحادها مما يقوي دعائمها و يوثق الصلات و ينمي التعاون بين أفرادها .
و لذا فإن الشريعة الإسلامية سلبت من المورث أمر الخلافة في ثلثي ماله، وهذا لتقسيم المال للأسرة بالقسطاس المستقيم .
والتوزيع العادل الذي تولاه الله سبحانه و تعالى يقوم على أسس ثلاثة هي :
1- أنه يمنح الميراث للأقرب إلى المتوفي، ولذا كان أكثر الأسرة حظا في الميراث الأولاد، ومع ذلك يشاركهم فيه غيرهم كالأبوين مثلا؛ و هذا لمنع تركيز المال في ورثة معينين، فيكون الإشتراك في المال بدل الإنفراد و الإستئثار .
2- مراعاة الحاجة، فكلما كانت الحاجة أشد كان العطاء أكثر، وهذا هو السبب في أن نصيب الأولاد كان أكثر من نصيب الأبوين مع قوله - صلى الله عليه و سلم - :"أنت ومالك لأبيك" باعتبار أن حاجة الأولاد إلى المال أشد لضعفهم و استقبالهم للحياة . كما أن هذا هو سبب جعل نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى باعتبار أن التكاليف المالية التي تطالب بها المرأة دون التكاليف التي يطالب بها الرجل كالعمل لتوفير القوت أو نفقة الأولاد، و إن الإعطاء على مقدار الحاجة هو العدل، والمساواة عند تفاوت الحاجات هي الظلم (5).
3- إن الشريعة الإسلامية تتجه في تقسيم التركة إلى التوزيع دون التجميع، فلم تجعل وارثا ينفرد بها دون سواه، ولم تطلق يد المورث يختص بها من يشاء، بل وزعتها على عدد من الورثة، وهذا ما يتبين من التوزيع العادل و القائم على أسس منصفة من أمثلتها أن الوارث الذي أدلى إلى الميت بوارث يحجب عند وجود ذلك الوارث تفاديا لجمع التركة في حيز واحد، و غيرها من الأحكام التي تعكس ذلك .
إن قسمة الله العادلة وتوزيعه الحكيم لا يحتم أن يساوي الغني و الفقير، و القادر على الكسب من يعجز عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنهم سواسية في الحاجة، فإنه بالمقابل منح حق الوصية لكي يتدارك الشخص ما عساه قد يكون فاتـه في حياته من واجبات مصداقا لقولـه - صلى الله عليه واله و سلم - : "إن الله تبارك و تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم فضعوه حيث شئتم". لكنه حد حدود الوصية في القدر الذي تجوز فيه و في صفة الموصى له و في الباعث عليها، ولم يترك الأمر فيها لإرادة الموصي المطلقة؛ فإذا جاء المورث فأعطى هذا و منع ذلك فقد غاير قسمة الشارع الحكيم و زاد بعض الأنصبة و أنقص أخرى .
لذا تم رسم حدود الوصية على الوجه الذي لا يسمح بالمساس بحقوق الورثة ، و ترك المجال للإيصاء في حدود الثلث فقط و لغير الورثة، إبتغاء عدم المساس بما جاءت به أحكام الشريعة الغراء على الشكل الذي يمس بعدالة الخلافة في المال (6) على إعتبار تولي الشارع الحكيم قسمة التركات و بيان أنصبة الورثة و منح لكل ذي حق حقه في ثلثي التركة لقوله تعالى : "يبين الله لكم أن تضلوا و الله بكل شيء عليم" (7) .
و في الأخير و بعد توضيح الأسس السابقة الذكر يستخلص أن الشريعة الإسلامية حافظت بذلك على كيان الأسرة باعتبارها وحدة البناء الإجتماعي، إذ انه منذ بداية انحلال الروابط بين أفراد الأسرة يبدأ انحلال المجتمع في الأمة الواحدة، فسلب إرادة المورث في الإيصاء لوارث و كذا في ثلثي التركة لم يكن إلا لحماية الأقربين له، فهي لم تسلب منه إلا ليعطى المال للأسرة بالقسطاس المستقيم، و لكيلا يكون في النفس جفوة المنع والإعطاء إن تولى ذلك المورث .
___________________
1- سورة النساء. من الآية 12 .
2- لم يشتمل قانون الأسرة على نص يتعلق بوصية الإضرار مما يتعين معه تطبيق ما جاءت به الشريعة الإسلامية طبقا للمادة 222 منه .
3- رواه الدارقطني في سننه .
4- محمد أبو زهرة. أحكام التركات و المواريث. دار الفكر العربي. مصر. ص 5 .
5- محمد أبو زهرة. أحكام التركات و المواريث. المرجع السابق. ص 210 .
6- فنظام المواريث من النظام العام لا يملك الإنسان الحق في تغييره و تبديله .
7- سورة النساء . الآية 176.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|