أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-12-2016
5780
التاريخ: 10-9-2016
5204
التاريخ: 21-4-2019
2669
التاريخ: 24-4-2019
17041
|
المادّيون وحركة التاريخ
والمادّيون ينقسمون في آرائهم إلى نظريتين:
النظرية الأولى: النظرية الهيجلية (1)، وتقوم على وجود (فكرة( هي سرّ هذا العالم، فالفكر المطلق المتعالي الحر، ينبع من الخالق، وينال في الخارج هويّته، ومشروعيته، ومحدوديته، ولا ينافي ذلك كونه مادّياً، لأنّهم يعتبرون الإله أيضاً مادّياً، فهذا العالم عندهم هو ذهن الله، وبمجرّد أن تتحقق هذه الفكرة في الخارج، وتنفصل عن صاحبها فإنّها تبتلى بالفراق والغربة عن الذّات، وهي في حالة مستمرة للتغلّب على هذا الانفصال، والعودة من جديد للارتباط بأصلها، وعلى هذا، فالتاريخ هو قصّة الناي الذي ينوح باستمرار، والذي أشار إليه المثنوي(2):
أسمع من الناي وهو يحكي الحكايات***وهو يشتكي من ألوان الفراق
فحركة التاريخ عندهم تجلّيات متعاقبة ومتتالية للفكرة المتعالية، التي هي في نشاط مستمر لفكّ القيود عن قدميها، وفكّ الأغلال عن عنقها وأيديها، وهي تبحث عن يوم الوصال ورجوع الإنسان إلى معدنه، ويمثلون لذلك بانفصال قطرات البحر عن البحر بارتفاعها نحو السماء في عملية تبخير ثمّ إنّها تحاول الرجوع إلى البحر، فالأمر ـ إذاً ـ دوريٌّ. فجوهر الفكرة المتعالية عند هؤلاء تركيبية، وأساسها هي الحرّية وتحطيم القيود، إلاّ أنّ دخولها إلى أجواء العالم، قيّدها، وللتحرّر من هذا القيد والعودة إلى عالم الحرّية؛ تحتاج إلى العزم الرّاسخ للفكرة المجهولة السجّينة. فالفكرة المتعالية؛ تعيش حالة صراع مستمرّ مع ذاتها، فتذبّ عـن نفسها درجـة مـن الغربة عـن الذات لتقترب خطـوة خطـوة نحـو التحرّر النهائـي. فالحـوادث سـواء كانـت فـِراقاً أو وصـالاً، بُعـداً أو قـربـاً، اشتياقـاً أو هجراناً، تشكّل مهد الحركة التاريخية العالمية.
والنظرية الثانية: النظرية الماركسية(3)، وتعتبر (المادّة( أساس العالم وليست (الفكرة( كما تقول النظرية الأولى، ولذا قال ماركس: إنّ هرم التفكير الهيجلي كان مقلوباً حيث كان واقفاً على رأسه فأجلسته أنا على قاعدته، بمعنى أنّ المادّة هي كلّ شيء وليس الفكر، فالمادّة هي التي تنتج الفكر، وليس الفكر ينتج المادّة كما يقول هيجل، ومحرّك الحركة التاريخية والفلسفة العامّة للتاريخ عند ماركس ليس هو عشق الفكرة المطلقة للتحرّر من الفراق، وإنّما هو نمو وسائل الإنتاج ونجاح الطبقة الجديدة الناشئة مع الطبقة القديمة، وهو لا يرى مسيرة التاريخ بعنوان أنّها تجلِّيات متنوّعة ومتعاقبة للفكرة المطلّقة تحت غطاء الأمم والناس، وإنّما اعتقاده أنّها مراحل مختلفة لنمو وسائل الإنتاج والأبنية الفوقية المترتّبة عليها والمناسبة لها.
وعلى أساس هذه الفكرة، يؤمن ماركس بمرحلة الاشتراكية البدائية، ثمّ مرحلة العبودية، ثمّ مرحلة الإقطاع، ثمّ مرحلة الرأسمالية، ثمّ مرحلة الاشتراكية المنتهية إلى الشيوعية، فكلّ مرحلة من هذه المراحل تسود وتعم مقطعاً زمنياً معيناً، يتناسب مع مستوى نضج ونمو وسائل الإنتاج، فماركس يصرِّح بأنّ هدفه هو التحرّر من الطبقات الاقتصادية. وقد أشرنا إلى مثل ذلك وإلى نقده في جملة من كتبنا الاقتصادية(4)، وقد تنبأنا بسقوط الماركسية قبل سقوطها بعدّة سنوات (5)؛ لأنّها منحرفة أوّلاً، وقسرية ثانياً، والقسر لا يدوم كما أنّ الانحراف لا يلائم الحياة، فإنّ الحياة بنيت على الصحّة والاستقامة، كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] (6)، وليس معناه أنّ الله جسم على صراط مستقيم بل معناه أنّ الله سبحانه وتعالى جعل كلّ شيء على نحو الاستقامة، ولذا ورد في الحديث: (بالعدل قامت السماوات والأرض)(7).
تكاملية حركة التأريخ
والنظريتان (8) اللتان ذكرناهما، وإن كانت إحداهما مثالية، والأخرى مادّية، لكن كلتيهما منحرفتان عن الواقع، وإن كانتا تشتركان في أمور:
1. أنّهما تعدان حركة التاريخ معلولة للتضاد الداخلي في أعماق التاريخ نفسه، وليست معلولة بعامل، أو عوامل خارجية عنه، فإنّهما تتصوّران حركة التاريخ حركة جدليّة ديالكتيكية، وليست قسريّة ميكانيكية، وقد ذكرنا في بعض كتبنا بطلان الحركة الجدلية الديالكتيكية، وإنّما الصحيح هو المنطق الذي يقوم عليه الإسلام، وقبل ذلك قام عليه العقل.
2. وأنّهما لا تنسبان دوراً لإرادة الإنسان في مجال التأثير على إرادة التاريخ، وعزمه، وحركته، ومبدئه، ومسيره، فإنّهما لا تعدان الناس قادرين على إلغاء، أو تغيير جهة الحركة التاريخية، وإنّهما تصرّحان بكون هذه الحركة تقدّميّة، تكامليّة، وليست رجعيّة داعية إلى التأخّر.
يقول فولتير: (إنّ بعض المؤرّخين اهتمّوا بالحروب والمعاهدات، ولكنّي بعد الاطّلاع على ثلاثة أو أربعة آلاف معركة، وبضع مئات من المعاهدات، لم أجد نفسي أكثر حكمة من قبلها؛ حيث لم أتعرّف إلاّ على مجرّد حوادث لا تستحقّ عناء المعرفة، وأيّ حكمة تكتسب من العلم بسيادة حاكم طاغية على شعب بريء لا هم له إلاّ أن يغزو ويدمّر؟!. إنّ مجال التاريخ يجب أن يتّسع لما هو أهمّ من ذلك، ليتتبع سير العقل البشري في الفلسفة، والبلاغة، وفي الشعر، والنقد وفي التصوير، والنحت والرسم، وحتّى في النسيج، وصناعة الساعات، وكلّ ما يُمثِّل شخصية الشعب، إنّها أجدر اهتماماً من معرفة جزئية بأخبار الملوك، وحوادث البلاد. إنّ التقدّم الحقيقي للإنسانية ليس في قادتها العسكريين، ولكن في فلاسفتها، وعلمائها، وشعرائها، وإن سألت أيّ هؤلاء الرجال أعظم، الإسكندر، أم قيصر، أم تيمورلنك(9)، أم كرومويل(10)؟ لأجابوك أنّ إسحاق نيوتن(11) هو أعظمهم جميعاً بلا شك! ذلك لأنّ العظمة الحقّة هـي التي تتجلّى فـي العبقرية التي تجود بها السماء لإنسان مـا، فتمهد الطريق له ولغيره من أبناء المجتمع. ومن ثمّ فإنّ رجلاً مثل نيوتن الذي لا يجود الزمان بمثله إلاّ في كلّ عشرة قرون مرّة واحدة، أصبح عظيماً بخدماته التي قدّمها للبشرية، وهي سرّ عبقريته. أمّا هؤلاء الساسة، والقوّاد العسكريون، فلا يكاد يخلو منهم قرن بل ليسوا في الحقيقة إلاّ أشراراً، ومن ثمّ نجد أنفسنا ملزمين أن نحني رؤوسنا إجلالاً إلى ذلك الذي فسّر الكون، لا أولئك الذين يشوّهونه.
أقول: ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أشجع الناس من غلب هواه)(12)؛ هذا بالنسبة إلى الإنسان نفسه، حيث إنّ من يكون تحت تأثير الهوى لا قيمة له، وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عَمل بها إلى يوم القيامة من غير أن يمحق من أجورهم شيء، وإنّ من سنّ سنّة سيّئة فله وزرها ووزر مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزاره شيء)(13)، فالمعيار؛ إنسانية الإنسان أوّلاً، ثمّ خدمته للمجتمع وتقديمه للأمام ثانياً.
وهنا سؤال يُطرح علينا: هل يثاب ويؤجر العظماء حتّى لو كانوا كافرين؟ وهل من المعقول ألاّ يثاب من نفع الناس بعلمه، بينما هناك أناسٌ يثابون في الآخرة بالرغم من أنّهم لم يقدّموا شيئاً للبشرية بل كلّ ما عندهم لا يتجاوز الصلاة، والصيام، والحج.
والجواب واضح: فإنّ ذلك المؤمن العامي إذا عَمِل لله سبحانه وتعالى فله أجر عند الله، أمّا إذا بنى إنسان قصراً شامخاً، ولم يفعل ذلك لأجل الله، فلا حقّ له في أن يأخذ أجره من الله، مثال ذلك مثال إنسان يأتي بكنّاس في بيته ليكنس بيته بما قيمته عشرة فلوس، فإنّ أجر هذا الكنّاس على ذلك الآمر بكنس بيته، بينما إذا شاهد عند جيرانه إنساناً يبني قصراً شامخاً قيمته مليارات من الدولارات، فإنّه ليس أجر ذلك البنّاء على هذا الإنسان الذي لا يرتبط البناء به، أمّا أشخاص من أمثال أديسون(14)؛ فمن كان عمله لله سبحانه وتعالى، فالله يؤجّره أيضاً، أمّا إذا كان عاملاً لهوى نفسه، أو لشهرته، أو لزيادة ماله، فلا أجر له عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة، وإنما يأخذ أجره في الدنيا، قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195] (15)، لذا ورد في الحديث أنّ حاتماً(16) لا يُحرق في النار؛ لأنّه كان كريماً، والكرم صفة يحبّها الله سبحانه وتعالى، وإن مات كافراً، وكـذلك ورد أنّ كسرى(17) لا يحتـرق في النار؛ لأنّـه كـان عـادلاً، وإن لـم يكـن عدلـه لله سبحانه وتعالى، وهكذا بالنسبة إلى أبي لهب(18)؛ حيث أعتق عبده بشارة بولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنّه في مثل ذلك اليوم من كلّ سنة يخفّف عنه العذاب، وهكذا ورد في راحي اليهودي ـ بندارـ الذي لم يسلم حتّى مات؛ لأنّه كان يحبّ علياً (عليه السلام)(19)، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة على نحو الكلّية، أو على نحو الجزئية الشخصيّة.
هذا كلُّه إضافة إلى أن الجاهل منهم بالحقيقة يعاد امتحانه ـ إن كان قاصراً ـ يوم القيامة، فإنْ نجح فإلى الجنّة، وإنْ عاند فله ما أراد.
والحاصل: أنّ التاريخ يصنعه الإنسان، وأعلى مراتبه هم الأنبياء، الذين جعلوا من التاريخ حضارة، وسمواً، عبر القيم الإلهية التي حملوها، فنشروا الأخلاق، والفضيلة، والحرية، وعبر هذا كتب التاريخ النقي. والتاريخ الأسود كتبه الطغاة، والمستبدّون، الذين نشروا الفساد، والرذيلة، والاستعباد، والدمار.
_______________
(1) نسبة إلى الفيلسوف الألماني جورج ولهام فردريك المشهور ب(هيجل).
(2) بشنو از ني جون حكايت ميكند واز جدائيها شكايت ميكند
(3) نسبة إلى كارل ماركس، مؤسس العقيدة الماركسية، التي تحددت في (البيان الشيوعي ( الذي كتبه ماركس، وفريد ريك إنجلس في بروكسل، وأصدرا معاً كذلك كتاب : (العائلة المقدسة(، وبمساعدة الأخير، أصدر ماركس الكثير من النظريات الشيوعية والاشتراكية.
(4) راجع موسوعة الفقه : ج 107و108 كتاب (الاقتصاد( وكتاب (الاقتصاد بين المشاكل والحلول( وكتاب (ماركس ينهزم( للإمام المؤلف.
(5) (ماركس ينهزم(، وقد طبع سنة 1410ه (1990م)، وكان تنبؤ الإمام المؤلف بسقوطها قبل عشر سنوات من تحقق ذلك، والجدير بالذكر أنه حددّ زمانها بعشر سنوات وبالفعل حصل ذلك التنبؤ.
(6) سورة هود : الآية 56.
(7) غوالي اللآلي : ج4 ص102 ح151.
(8) النظرية الهيجلية والنظرية الماركسية.
(9) تيمورلنك أحد أحفاد جنكيز خان، ولد في سمرقند سنة 737ه (1336م)، ومات سنة 807ه (1405م)، ولقب ب(لنك( وهي كلمة فارسية بمعنى الأعرج ؛ لأنه أصيب بسهم في ساقه، عرف بقسوته وبطشه وظلمه، اعتلى العرش واتخذ (سمرقند( عاصمة له، وفتح بلاد فارس وسوريا ومصر، وامتد سلطانه من الأناضول غرباً إلى نهر الكنج شرقاً وإلى ما يعرف بتركستان الصينية شمالاً بما فيه خوارزم وكشفر، دخل في صراع مع العثمانيين في عهد(بايزيد الثاني( في معركة أنقرة سنة 804ه (1402م)، وانتصر عليهم، ومات تيمور وهو يستعد لإكمال احتلال الصين.
(10) أوليفر كرومويل، ولد سنة 1007ه (1599م)، ومات سنة 1069ه (1658م)، سياسي إنجليزي وعضو برلماني، تزعم حركة المعارضة للملك شارلس الأول وحكم عليه بالإعدام سنة 1059ه (1649م)، تولّى الحكم سنة 1063ه (1653م).
(11) ولد سنة 1643م، وتوفي سنة 1727م، عالم إنجليزي في الرياضيات والفيزياء والفلك والفلسفة والطبيعة، اكتشف مبدأ الجاذبية العام بتحليل النور، واكتشف قوانين الحركة واخترع التلسكوب العاكس، وله نظرية التفاضل والتكامل، من مؤلفاته : (علم البصريات(، (قوانين الحركة(، (المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية(.
(12) من لا يحضره الفقيه : ج4 ص395 ب2 ح5840، بحار الأنوار : ج70 ص76 ب 46ح5.
(13) الكافي (فروع) : ج5 ص9 ح1، تهذيب الأحكام : ج6 ص124 ب22 ح155 (بالمعنى).
(14) توما أديسون، ولد سنة 1847م، وتوفي سنة 1931م، عالم فيزيائي إمريكي، مخترع الآلات الكهربائية ومنها المصباح الكهربائي، وقد سجل له مئتا اختراع.
(15) سورة آل عمران : الآية 195.
(16) حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي، شاعر جاهلي، اشتهر بشجاعته وسخائه وكرمه وضرب به المثل، له ديوان شعري، توفي سنة 605م، وقيل : 607م.
(17) كسرى الأول : ويعرف ب(خسرو أنو شيروان(، من ملوك الساسانيين، حكم من سنة 531م إلى 579م، حارب (يوستينيانس( واحتل (أنطاكيا( و(لاذق(، أجبر على عقد هدنة مع البيزنطينيين سنة 555م، استولى على اليمن سنة 570م، امتدت إمبراطوريته حتى البحر الأسود وجبال القوقاز، اشتهر بعدله، أهم مشاريعه : مسح الأراضي وإصلاح نظام الضرائب، توفي سنة 579م. راجع موسوعة المورد : ج6 ص 51، المنجد في الأعلام : ص588 ـ 589.
(18) عبد العزى بن عبد المطلب، عم الرسول الأكرم(ص) ، كان هو وامرأته أشد الكفار بغضاً وكراهية للرسول(ص)، نزلت بحقهما (سورة المسد(، ومن شدة عدائه للرسول الأكرم(ص) ?؛ عندما كان الرسول(ص) يعرض دعوته في المواسم على قبائل العرب، كان أبو لهب يسير خلفه ؛ ليصد الناس عنه وكان يقول : ( إن هذا ابن أخي وهو كذّاب فاحذروه( ؛ كما ذكر ابن هشام في سيرته واليعقوبي في تاريخه، توفي سنة 2ه بعد واقعة بدر بأيام.
(19) راجع زبدة المنهاج : ص 293، وأسرار الشهادة : ص 419، طبعة قديمة.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تحتفي بذكرى ولادة السيدة الزهراء (عليها السلام) في محافظة واسط
|
|
|