أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-4-2019
![]()
التاريخ: 15-4-2019
![]()
التاريخ: 9-4-2019
![]()
التاريخ: 19-3-2019
![]() |
الحديث النبوي:
المشهور بين الباحثين أن قدامى اللغويين والنحاة كانوا يرفضون الاستشهاد بالحديث في اللغة، فلا يستندون إليه في إثبات ألفاظها أو
ص34
وضع قواعدها، يقول الشيخ أحمد الإسكندري: "مضت ثمانية قرون والعلماء من أول أبي الأسود الدؤلي إلى ابن مالك لا يحتجون بلفظ الحديث في اللغة إلا الأحاديث المتواترة"(1). ويقول أبو حيان معترضًا على ابن مالك لاستشهاده بالحديث: "على أن الواضعين الأولين لعلم النحو و المستقرئين للأحكام من لسان العرب، والمستبطين المقاييس كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمة البصريين، وكمعاذ والكسائي والفراء وعلي بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك"(2).
وقد حاول المتأخرون أن يعللوا هذا الرفض المزعوم وانتهوا إلى أنه يرجع لسببين: أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى والثاني أنه وقع اللحن كثيرًا فيما روي من الحديث لأن كثيرًا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع(3).
والذي نحب أن نلفت النظر إليه أن هؤلاء القدماء الذين نسب إليهم رفضهم الاستشهاد بالحديث لم يثيروا هذه المسألة، ولم يناقشوا مبدأ الاحتجاج بالحديث، وبالتالي لم يصرحوا برفض الاستشهاد به. وإنما هو استنتاج من المتأخرين الذين لاحظوا -خطأ- أن القدامى لم يستشهدوا بالحديث، فبنوا عليه أنهم يرفضون الاستشهاد به، ثم حاولوا تعليل ذلك.
وهناك أسباب كثيرة تحمل على الشك في صحة ما نسب إلى الأقدمين من رفضهم الاستشهاد بالحديث، بل هناك من الدلائل ما يكاد يقطع -إن لم يكن يقطع فعلًا- أنهم كانوا يستشهدون به ويبنون عليه قواعدهم، سواء منهم من اشتغل باللغة أو النحو أو بهما معا.
ص35
ولهذا لا يسع الباحث المدقق أن يسلم بما ادعاه المتأخرون وسنده في ذلك ما يأتي:
1- أن الأحاديث أصح سندًا من كثير مما ينقل من أشعار العرب.
ولهذا قال صاحب "المصباح المنير" بعد أن استشهد بحديث: "فأثنوا عليه شرًّا" على صحة إطلاق الثناء على الذكر بشر - قال: "قد نقل هذا العدل الضابط عن العدل الضابط عن العرب الفصحاء عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل أهل اللغة، فإنهم يكتفون بالنقل عن واحد ولا يعرف حاله"(4).
2- أن من المحدثين من ذهب إلى "أنه لا تجوز الرواية بالمعنى إلا لمن أحاط بجميع دقائق اللغة، وكانت جميع المحسنات الفائقة بأقسامها على ذكر منه فيراعيها في نظم كلامه. وإلا فلا يجوز له روايته بالمعنى"(5). على أن المجوزين للرواية بالمعنى معترفون بأن الرواية باللفظ هي الأولى، ولم يجيزوا النقل بالمعنى إلا فيما لم يدون في الكتب، وفي حالة الضرورة فقط(6). وقد ثبت أن كثيرًا من الرواة في الصدر الأول كانت لهم كتب يرجعون إليها عند الرواية. ولا شك أن كتابة الحديث تساعد على روايته بلفظه وحفظه عن ظهر قلب مما يبعده عن أن يدخله غلط أو تصحيف(7).
3- أن كثيرًا من الأحاديث دون في الصدر الأول قبل فساد اللغة على أيدي رجال يحتج بأقوالهم في العربية. فالتبديل على فرض ثبوته إنما كان ممن يسوغ الاحتجاج بكلامه، فغايته تبديل لفظ يصح الاحتجاج به بلفظ كذلك(8).
ص36
4- أن هناك أحاديث عرف اعتناء ناقلها بلفظها لمقصود خاص، كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته -صلى الله عليه وسلم- ككتابه لهمدان، وكتابه لوائل ابن حجر، والأمثال النبوية (9).
5- وإذا كان قد وقع في رواية بعض الأحاديث غلط أو تصحيف؛ فإن هذا لا يقتضي ترك الاحتجاج به جملة، وإنما غايته ترك الاحتجاج بهذه الأحاديث فقط، وحمله على قلة ضبط أحد الرواة في هذه الألفاظ خاصة(10)، وقد وقع في الأشعار غلط وتصحيف، ومع ذلك فهي حجة من غير خلاف، وإذا كان العسكري قد ألف كتابًا في تصحيف رواة الحديث، فقد ألف كتابًا فيما وقع من أصحاب اللغة والشعر من التصحيف(11).
6 لو صح أن القدماء لم يستشهدوا بالحديث فليس معناه أنهم كانوا لا يجيزون الاستشهاد به، إذ لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث عدم صحة الاستدلال به"(12)، فقد تكون العلة لتركه "عدم تعاطيهم إياه". وقد ثبت فعلًا أن أوائل النحاة من شيوخ سيبويه حتى زمن تدوين صحيح البخاري لم يكثروا من الاستشهاد بالحديث لأنه لم يكن مدونًا في زمانهم(13).
7- على أني وجدت من قدامى اللغويين من استشهد بالحديث في مسائل اللغة كأبي عمرو بن العلاء(14) والخليل(15) والكسائي(16).
ص37
والفراء "(17)" والأصمعي "(18)" وأبي عبيد "(19)" وابن الأعرابي "(20)" وابن السكيت "(21)" وأبي حاتم "(22)" وابن قتيبة (23) والمبرد (24) وابن دريد (25) وأبي جعفر النحاس(26) وابن خالويه(27) والأزهري (28) والفارابي (29) والصاحب بن عباد (30) وابن فارس (31) والجوهري (32) وابن سيده (33) وابن منظور والفيروز آبادي وغيرهم. ولا يختلف موقف النحاة عن هذا، إذ لا يعقل أن يستشهد الخليل مثلًا بالحديث في اللغة، ثم لا يستشهد به
ص38
في النحو، وهما صنوان يخرجان من أصل واحد، وممن استشهد بالحديث من النحاة: أبو عمرو بن العلاء والخليل وسيبويه (34) والفراء (35) والكوفيون (36) والمبرد(37) والزجاجي والزمخشري(38) وابن خروف(39) وابن الخباز(40) وابن مالك(41) وابن عقيل(42) وابن الدماميني (43) والأشموني(44) والسيوطي وغيرهم و غيرهم (45) وفاقهم في ذلك كل ابن مالك وبلغ الذروة في كتابه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" حيث عقده للأحاديث التي يشكل إعرابها، وذكر لها وجوهًا يستبين بها أنها من قبيل العربي الصحيح. بل إن ابن الضائع "(46)" وأبا حيان(47) وهما على رأس من رفض الاستشهاد بالحديث لم تخل كتبهما من
ص39
بعض الحديث. وقد فطن إلى هذا ابن الطيب الفاسي فقال: "بل رأيت الاستشهاد بالحديث في كلام أبي حيان نفسه مرات ولا سيما في مسائل الصرف"(48). ولكن إحقاقًا للحق أقول: إن شواهد النحاة من الحديث ليست في غزارة شواهد اللغويين وكثرتها. فهي قليلة بالنسبة إليها وبخاصة عند قدامى النحاة. وقد رأينا كيف أن سيبويه لم يستشهد إلا بثلاثة عشر حديثًا فقط.
8- وقد وجدت في "المزهر" للسيوطي نصًّا يؤيد ما ذهبت إليه، فهو يقول: "قال أبو الحسن الشاري: ومذهبي ومذهب شيخي أبي ذر الخشني وأبي الحسن بن خروف أن الزبيدي أخل بكتاب العين كثيرًا لحذفه شواهد القرآن والحديث وصحيح أشعار العرب منه ... ولما علم بذلك الإمام ابن التياني عمل كتابه "فتح العين" وأتى فيه بما في العين من صحيح اللغة ... دون إخلال بشيء من شواهد القرآن والحديث ... "(49).
فهذا صريح في أن الخليل كان يستشهد بالحديث في كتابه "العين". ولم يكن الخليل بدعًا من اللغويين، فما صنعه الخليل صنعه غيره من أئمة اللغة.
9- وقد انتهى ابن الطيب الفاسي إلى نفس النتيجة التي انتهيت إليها إذ قال: "ذهب إلى الاحتجاج بالحديث الشريف جمع من أئمة اللغة منهم ابن مالك وابن هشام والجوهري وصاحب البديع والحريري وابن سيده وابن فارس وابن خروف وابن جني وابن بري والسهيلي....
ص40
وغيرهم ممن يطول ذكره. وهو الذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه. على أنا لا نعلم أحدًا من علماء العربية خالف في هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان في "شرح التسهيل"، وأبو الحسن بن الضائع في "شرح الجمل" وتابعهما ... السيوطي"(50).
10- كذلك انتهت الدكتورة خديجة الحديثي إلى ما انتهيت إليه وأرخت بداية الاحتجاج بالحديث النبوي بأبي عمرو بن العلاء والخليل وسيبويه(51).
وإذن فقد كان المتأخرون مخطئين فيما ادعوه من رفض القدماء الاستشهاد بالحديث، وكانوا واهمين حينما ظنوا أنهم هم أيضًا برفضهم الاستشهاد بالحديث إنما يتأثرون خطاهم وينهجون نهجهم. ونحن نحمل ابن الضائع وأبا حيان تبعة شيوع هذه القضية الخاطئة، فهما أول من روج لها ونادى بها(52)، وعنهما أخذها العلماء دون تمحيص أو تحقيق، ثقة في حكمها أو تخففًا من البحث وركونًا إلى الراحة والتماسًا لأيسر السبل.
ولعل منشأ تلك الفكرة الخاطئة ما يأتي:
1- أن القدماء لم ينصوا على الاستشهاد بالحديث واكتفوا بدخوله تحت المعنى العام لكلمة "النصوص الأدبية القديمة" ثم حين جاء من تلوهم ودونوا هذه الفكرة كانوا يفهمون ذلك فلم يخصوا الحديث بنص مستقل، فلما جاء ابن الضائع وأبو حيان وغيرهما، ولم يجدوا نصًّا مستقلًّا يعد الحديث من مصادر اللغة ظنوا أن القدماء لم يكونوا
ص41
يستشهدون به وسجلوا هذا الظن على أنه حقيقة واقعة. وجاء من بعدهم فنقلوا عنهم دون تمحيص وتابعوهم من غير بحث.
ويؤيد هذا الافتراض أن السيوطي(53)استنبط من قول بعضهم:
"النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله تعالى وكلام فصحاء العرب" أن اللغويين لم يكونوا يستشهدون بالحديث، فعقب على ذلك بقوله: "فقصره عليهما ولم يذكر الحديث".
2- أن سيبويه في احتجاجه بالحديث لم يكن يقدم له بما يوضح أنه من الحديث، فالتبس الحديث بغيره على الباحثين حتى نسب إليه أبو حيان وغيره عدم الاحتجاج بالحديث. وربما كان السبب في إغفال سيبويه للنسبة أنه كان يحتج بالحديث بأي عبارة منثورة من كلام العرب الفصحاء ... ولم يكن إغفاله النسبة إلى النبي خارجًا عما فعله مع معظم الشواهد الشعرية والنثرية التي لم يهتم بنسبتها إلى شخص معين(54).
ص42
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
)1) مجلة المجمع 1/ 299.
(2) التذييل والتكميل 5/ 168.
(3) خزانة الأدب 1/ 5، 6، والتذييل والتكميل 5/ 168، 169.
(4) المصباح المنير مادة "ثني". وانظر مجلة المجمع 3/ 201.
(5) ابن علان في "شرح الاقتراح" ص 94.
(6) مجلة المجمع اللغوي 3/ 204.
(7) تعليق الفرائد للدماميني- باب الفاعل "غير مرقم الصفحات".
(8) ابن علان ص 94، تعليق الفرائد- باب الفاعل.
(9) خزانة الأدب 1/ 6 عن الشاطبي.
(10) مجلة المجمع اللغوي 3/ 207.
(11) المرجع والصفحة.
(12) خزانة الأدب 1/ 5.
(13) شرح كافية المتحفظ ورقة 16، وانظر خديجة الحديثي ص 412
(14) إعراب القرآن للنحاس ورقة 138.
(15) العين 1/ 70- 72 وغير ذلك كثير.
)16)إعراب القرآن للنحاس ورقة 72.
(17) معاني القرآن للفراء ورقة 40، 85.
)18) الأضداد للأصمعي ص 12، 23، 27.
)19) إعراب القرآن للنحاس ورقة 173، والغريب المصنف لأبي عبيد ص 118، 478.
)20) إعراب القرآن للنحاس ورقة 167.
(21)الأضداد لابن السكيت ص 167، 172، والقلب والإبدال له 31.
(22)الأضداد لأبي حاتم ص 36، 136، والمخصص لابن سيده ص 40.
(23)المسائل والأجوبة لابن قتيبة ص 8.
(24) إعراب القرآن للنحاس ورقة 200.
(25) الجمهرة 1/ 16، 18، 21، 25، 26، 27، 31، 33، 34، 43، 44، 45، 48، 50،.... إلخ.
(26) شرح المعلقات للنحاس ورقة 72، ومعاني القرآن له ورقة 44.
)27) كتاب ليس" لابن خالويه ص 5، 6، 11، 24، 40، 41، 50، 67، 74، 77، 83، 157، 163 ... إلخ.
(28)1/30 ،33، 38، 42، 57، 68، 86، 88، 94،
)29) انظر ديوان الأدب 1/ 73، 138، 139، 153، 201، 211.
(30) المحيط للصاحب بن عباد 3/ 9، 17، 21، 66، 69، 89، 92، 123، 125، 127، 151، 178.... إلخ.
(31) مقاييس اللغة 1/ 14، 16، 24، 41، 43، 44، 54، 55، 63، 65 ... إلخ.
(32) الصحاح 1/35 ،37، 39، 41، 44، 48، 50، 51، 53، 54، 64، 66 الخ الخ .
(33) المخصص 1/ 18، 22، 40، 48، 50، 60، 77، 108، 160 ... إلخ.
(34) وقد استشهد بثلاثة عشر حديثًا في الكتاب "انظرها في موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث لخديجة الحديثي ص 53 وما بعدها و ص 67".
وانظر خديجة الحديثي ص 42، 43، 46، 50.
(35) شرح المفصل لابن يعيش 4/ 103، والإنصاف 2/ 300.
(36) الإنصاف 2/ 300، 303، 367،368.
(37) احتج المبرد في المقتضب بالحديث في ثلاثة عشر موضعًا "انظر خديجة الحديثي ص 97".
(38) شرح الجمل لابن عصفور ورقة 65، وشرح المفصل لابن يعيش 3/ 7، 31، 4/ 6، 153، وخديجة الحديثي ص 111.
(39) تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب لابن خروف ص 38.
(40) شرح ألفية ابن معطي لابن الخباز ورقة 30، 71، 79، 100.
(41) انظر كتابه شواهد التوضيح، في أماكن كثيرة.
(42) شرحه على الألفية 1/ 58، 293، 538، 547.
(43) حاشية على المغني ورقة 22، 23.
(44) شرح الأشموني 1/ 82، 85، 96، 119، 183، 204، 225، 266، 292، 322، 400.
(45) همع الهوامع 1/ 40، 171، 223، 2/ 25. وانظر استشهادات الزجاج وابن السراج وابن الأنباري وابن النحاس وابن درستويه وابن خالويه وابن علي الفارسي والرماني وابن حني. ... في خديجة الحديثي ص 98 وما بعدها.
(46) شرح الجمل لابن الضائع "غير مرقم الصفحات" باب الاستثناء، باب الاختصاص، باب لولا.
(47) التذييل والتكميل في شرح التسهيل لأبي حيان 1/ 4، 139.
(48) شرح كفاية المتحفظ ورقة 16. وقد حصرت الدكتورة خديجة الحديثي لأبي حيان في كتابيه ارتشاف الضرب، ومنهج المسالك ثمانية وعشرين حديثًا انفرد في الاحتجاج بها، وبنى عليها حكمًا جديدًا أو معنى جديدًا أو استعمالًا جديدًا "ص 339، 363".
(49) المزهر 1/ 88.
(50) شرح كفاية المتحفظ ورقة 15.
(51) موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث ص 78. وقد جمعت المؤلفة لمن يسمون بنحاة ما قبل الاحتجاج سبعة وثمانين حديثًا نبويًّا، وتسعة وعشرين حديثًا مرويًّا عن آل البيت والصحابة1 ص 189".
(52)المرجع والصفحة، والتذييل والتكميل 5/ 168، 169، وخزنة الأدب 1/ 5.
)53) الاقتراح ص 18.
(54) خديجة الحديثي ص 78، 412.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|