ينقسم الفعل إلى مؤكَّد، وغير مؤكد.
فالمؤكَّد: ما لحقته نون التوكيد. ثقيلة كانت أو خفيفة، نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوننْ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وغير المؤكد: ما لم تلحقه، نحو: يُسْجَنُ، ويكون.
فالماضي لا يؤكَّد مطلقًا، وأما قوله:
دامَنَّ سَعْدُكِ لو رحمْتِ مُتَيَّما لولاكِ لم يكُ للصَّبابة جَانِحا
فضرورةٌ شاذة، سهَّلَها ما فى الفعل من معنى الطلَب، فعومل معاملة الأمر.
كما شذ توكيد الاسم فى قول رُؤْبة بن العجَّاج:
(أقَائِلنّ أحْضِروا الشُّهُودَا)
والأمر يجوز توكيده مطلقًا، نحو: اكْتُبَنَّ واجْتَهِدَنْ.
وأما المضارع فله ست حالات:
الأولى: أن يكون توكيده واجبًا. الثانية: أن يكون قريبًا من الواجب. الثالثة: أن يكون كثيرًا. الرابعة: أن يكون قليلاً. الخامسة: أن يكون أقلّ. السادسة: أن يكون ممتنعًا.
1- فيجب تأكيده إذا كان مُثْبَتًا، مستقبلاً، فى جواب قسمَ، غيرَ مفصول من لامه بفاصل، نحو: {وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أصْنَامَكُمْ}. وحينئذٍ يجب توكيده باللام والنون عند البصريين، وخُلُوُّه من أحدهما شاذ أو ضرورة.
ص41
2- ويكون قريبًا من الواجب إذا كان شرطًا لإنِ المؤكَّدَة بما الزائدة، نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً}، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ}، {فَإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أحَداً فَقُولِى إنّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً}.
وَمِن تَرْك توكيده قوله:
يا صَاحِ إِمَّا تَجِدْنِي غيرَ ذى جِدَةٍ فمَا التَّخَلِّى عَنِ الخلاّنِ مِنْ شِيَمِي
وهو قليل فى النثر، وقيل يختص بالضرورة.
3- ويكون كثيرًا إذا وقع بعد أداة طلب: أمْرٍ، أَوْ نَهْى، أَوْ دُعَاءٍ، أو عَرْضٍ، أو تمنٍّ، أو استفهام، نحو: لَيَقومن زيد، وقوله تعالى:
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}، وقول خِرْنِق بنت هَفَّان:
لا يَبْعَدَن قومى الَّذِينَ هُمُ سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزُرِ
وقول الشاعر:
هلاَّ تمُنِّنْ بوَعْدٍ غيْرَ مُخْلِفَةٍ كما عهِدْتُكِ فى أيَّامِ ذِى سَلَمِ
وقوله:
فَلَيْتَكِ يَوْمَ المُلْتَقَى ترَيِننَّي لِكَىْ تْعلَمِي أنِّى امْرُؤٌ بِكَ هَائِمُ
وقوله:
أفَبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيلاَ
4- ويكون قليلا إذا كان بعد لا النافية، أو ما الزائدة، التى لم تُسْبق بإنِ الشرطية، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُم خَاصَّةً}. وإنما أُكِّد مع النافى، لأنه يشبه أداة النهى صورةً، وقوله:
إذا ماتَ منهُمْ سيِّدٌ سَرَقَ ابْنُهُ وَمِنْ عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُها
وكقول حاتم:
قليلاً به ما يَحْمَدَنَّكَ وَارِثٌ إَذا نَالَ مما كنْتَ تَجْمَعُ مَغْنَما
وما زائدة فى الجميع، وشَمَل الواقعة بعد "رُبّ" كقول جَذِيمةَ الأبرش:
رُبَّمَا أوْفَيْتُ فى عَلَمٍ ترْفَعَنْ ثوْبى شَمالاتُ
وبعضهم منعها بعدها، لمضىَّ الفعل بعد رُبَّ معنًى، وخصَّه بعضُهم بالضرورة.
5- ويكون أقل إذا كان بعد "لَم" وبعد أداة جزاء غير "إمَّا"، شرطاً كان المؤكد أو
ص42
جزاء، كقوله فى وصف جَبَل:
يَحْسَبُهُ الْجَاهل ما لَم يَعْلَما شيخاً عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّما
أي يعلمن،
وكقوله:
مَنْ تَثْقَفَنْ منهم فليْس بآئبٍ أبدا وقَتْلُ بنى قُتَيْبَةَ شَافى
وقوله:
ومَهْمَا تَشَأْ منه فزارةُ تمْنَعَا
أى تمنعَنْ.
6- ويكون ممتنعًا إذا انتفتْ شروطُ الواجب، ولم يكن مما سبق، بأن كان فى جواب قسم منفىّ، ولو كان النافى مقدرًا، نحو: "تالله لا يذهبُ العُرْف بين الله والناس"، ونحو قوله تعالى: {تَاللهِ تَفْتَأ تَذْكُرُ يُوسُف} (يوسف: 85) أي لا تفتأ. أو كان حالاً: كقراءة ابن كثير: {لأقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (القيامة: 1). وقول الشاعر:
يمينًا لأبغِضُ كلَّ امرِئٍ يزخرفُ قولاً ولا يفْعَلُ
أو كان مفصولا من اللام، نحو: {وَلَئِن مُتُّمْ أوْ قُتِلْتُمْ لإلِى اللهِ تُحْشَرُونَ} (آل عمران: 158)، ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، (الضحى: 5).
حُكْمُ آخِرِ الفعل المؤكَّد بنون التوكيد
إذا لحقت النون بالفعل: 1- فإن كان مسندًا إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير الواحد المذكر، فُتِحَ آخره لمباشرة النون له، ولم يحذف منه شئ، سواء كان صحيحًا أو معتلاً، نحو "لَيَنْصُرَنَّ زيد، وَلَيَقضِيَنَّ، وَلَيَغْزُوَنَّ، وَلَيَسْعَيَنَّ" بردِّ لام الفعل إلى أصلها.
2- وإن كان مسندًا إلى ضمير الاثنين، لم يُحْذَفْ أيضًا من الفعل شئ، وحُذِفت نون الرفع فقط، لتوالى الأمثال، وكُسِرَت نون التوكيد، تشبيهًا لها بنون الرفع، نحو لَتَنْصُرَانِّ يا زيدان، وَلَتَقضِيانِّ، ولَتغزُوَانِّ، وَلَتَسْعَيانِّ.
3- وإن كان مسندًا إلى واو الجمع، فإن كان صحيحًا حذفت نون الرفع لتوالى الأمثال، وواو الجمع لالتقاء الساكنين، نحو: لَتَنصُرنَّ يا قوم. وإن كان ناقصًا وكانت عين الفعل مضمومة أو مكسورة، حذفت أيضًا لام الفعل زيادة على ما تقدم، نحو: لَتَغْزُنّ وَلَتَقضُنَّ يا قوم، بضم ما قبل النون فى الأمثلة الثلاثة، للدلالة على المحذوف، فإن كانت العين مفتوحة، حُذفت لام الفعل فقط، وبقى فتح ما قبلها، وحرِّكت واو
ص43
الجمع بالضمة، نحو: لَتَخْشَوُنَّ وَلَتَسْعَوُنَّ.
وسيأتى الكلام على ذلك فى الحذف لالتقاء الساكنين، إن شاء الله تعالى.
4- وإن كان مسندًا إلى ياء المخاطبة، حذفت الياء والنون، نحو: لتَنْصُرِنّ يا دعدُ، ولتَغْزِنّ ولتَرْمِنَّ، بكسر ما قبل النون، إلا إذا كان الفعل ناقصًا، وكانت عينه مفتوحة، فتبقى ياء المخاطبة محركة بالكسر، مع فتح ما قبلها، نحو: لتَسْعَيِنَّ ولتَخْشَيِنَّ يا دَعدُ.
5- وإن كان مسندًا إلى نون الإناث، زيدت ألف بينها وبين نون التوكيد، وكسرت نون التوكيد، لوقوعها بعد الألف، نحو: لتَنصُرْنانِّ يا نسوة ولتَسْعَيْنَانِّ، ولتَغْزُونَانِّ، ولَترْمِينَانِّ.
والأمر مثل المضارع فى جميع ذلك، نحو: اضربَنّ يا زيد، واغزُوَنَّ وارْمِيَنَّ واسْعَيَنّ. ونحو: اضْرِبانِّ يا زيدانِ واغزِوانِّ وارمِيانِّ واسعِيانِّ. ونحو: اضرُبنَّ يا زيدون واغْزُنّ واقضُنّ، ونحو: اخْشَوُنَّ واسْعَوُنّ... إلخ.
وتختص النون الخفيفة بأحكام أربعة:
الأول: أنها لا تقع بعد الألف الفارقة بينها وبين نون الإناث؛ لالتقاء الساكنين على غير حَدِّه، فلا تقول اخْشَيْنانْ.
الثاني: أنها لا تقع بعد ألف الاثنين، فلا تقول: لا تضْرِبانْ يا زيدان، لما تقدم.
ونقل الفارسيّ عن يونس إجازته فيهما، ونظَّرَ له بقراءة نافع: {ومَحياىْ}، بسكون الياء بعد الألف.
الثالث: أنها تُحذف إذا وليها ساكن، كقول الأضبط بن قُربع السَّعْدِىِّ:
فَصِلْ حِبالَ البَعيدِ إِنْ وَصَلَ الْحَبْلَ وأقصِ القَرِيبَ إِنْ قَطَعَهْ
ولا تُهِينَ الفقيرَ عَلَّكَ أَنْ تَرْكَعَ يَوْمًا والدَّهْرُ قد رَفَعَه
أي لا تهينَنَّ
الرابع: أنها تُعْطَى فى الوقف حكم التنوين، فإِن وقعت بعد فتحة قلبت ألفًا، نحو: {لنسْفَعًا}، و{ليكُونًا}، ونحو:
ص44
وإِيّاكَ وَالميْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا ولا تعبُدِ الشَّيْطانَ والله فاعْبُدَا
وإن وقعت بعد ضمة أو كسرة حُذِفت، ورُدَّ ما حذف فى الوصل لأجلها. تقول فى الوصل اضرُبنَّ يا قوم، واضرِبنَّ يا هند، والأصل: اضْرِبُون واضْرِبِينْ، فإذا وقفتَ عليها حذفت النون، لشبهها بالتنوين، فترجع الواو والياء؛ لزوال الساكنين، فتقول: اضربوا، واضربي.
ص45