أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-23
151
التاريخ: 10-02-2015
17219
التاريخ: 17-2-2019
2155
التاريخ: 10-02-2015
6329
|
يمثّل الطعام وطريقة تحصيله وتناوله اهم اساليب الكفاح في الحياة الدنيوية. فالاسرة الزاهدة قد لا تكترث لالوان الطعام عدا ما يسدّ رمقها ويمدد في مسيرتها اللاحبة نحو العبادة وذكر الله تعالى. وكان جوع العترة الطاهرة جسدياً يقابله امتلاءٌ روحي، وطمأنينة بقضاء الله سبحانه، ورضى بحسن التوجه اليه.
1- معنى الجوع في العائلة:
ان النقص في المواد الغذائية للعائلة يؤدي الى حرمان افرادها من حقهم الطبيعي في التغذي وتناول الطعام. والجوع الطبيعي قد يؤدي الى حالات مرضية تنتهي الى الموت. ولكن جوع العترة الطاهرة (عليهم السلام) كان من نوع آخر. ولنطلق عليه بـ « الجوع التعبدي ». فقد كان جوعاً بالاختيار، او حرماناً من اكل الطعام بالارادة لانشغالهم بقضية اهم وهي العبادة او الجهاد في سبيل الله او الشوق للحياة الآخرة. وتلك الحالة الجسدية النفسية ينبغي ان تُفهم على اساس انها لونٌ من الوان التقوى، وحب التقرب الى الله عزّ وجلّ عبر الزهد من ملذات الدنيا ومطايبها.
وعلى أي حال، فان الجوع يُضعف الانسان ويقعده عن القيام بمهماته، فكيف كانت العترة الطاهرة (عليها السلام) تشدّ الاحجار على بطنها في الوقت الذي كان تجاهد فيه الظواهر الوثنية والجاهلية؟ والمشهور عن رسول الله (لى الله عليه واله) وعلي (عليه السلام) ان الجوع لم يثنهما عن الدخول في ساحات الوغى وقتال المشركين دون ان يدخل في جوفهما قطعة خبز يابس او حفنة تمر زهيدة لايام.
لا شك ان هذا الامر من الامور الخارقة للعادة التي لا نجد لها تفسيراً غير تعلّق العترة بالله سبحانه وتعالى. فهو تحمل ما لا يطاق بالنسبة الى عامة الناس. فلا يستطيع الانسان العادي _ مهما اوتي من قوة الصبر _ ان يصبر على طعام، اختياراً، عدة ايام دون ان يتناول شيئاً. ثم يقتحم جبهات القتال ليقاتل المشركين بضرواة وشجاعة لم يسبق لها مثيل.
ومن زاوية اُخرى، نقول ان الجوع عند الفرد العادي يؤدي الى الخمول والضعف والكسل. بينما كان جوع اهل البيت (عليهم السلام) _ الذي كان اثراً من آثار الزهد _ باعثاً للعبادة والعمل والنشاط والجهاد في سبيل الله وحمل السلاح ومقاتلة اعداء الدين.
ولم يكن الزهد في طعام الاسرة العلوية مؤقتاً أو منحصراً بفترة معينة، بل استمر في جميع مراحل حياته (عليه السلام) وبضمنها فترة الخلافة العصيبة. فكان زهده (عليه السلام) مثار اعجاب الدنيا. فكيف يستطيع امام الحق (عليه السلام) تحقيق العدالة ما لميسحق ذاته بمرارة الجوع والحرمان. وهو الذي قال لاحقاً: «... او بيتَ مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى (جائعة) واكبادٌ حرَّى (عطشى)، او اكونَ كما قالَ القائلُ:
وحسبًكَ داءً أن تبيتَ ببِطنةٍ وحولَكَ اكبادٌ تحِنُّ الى القِدِّ
أأقنعُ من نفسي بأن يقالَ: امير المؤمنين، ولا اُشاركهم في مكاره الدهر، أو اكون اُسوةً لهم في جشوبةِ العيش (أي خشونته)...».
بينما لم نلمس ذلك في بقية حكام المسلمين وامرائهم الذين كانوا يشبعون انفسهم وعوائلهم ومتعلقيهم وذويهم بالطعام على اقل التقادير، خصوصاً اولئك الذين نازعوا علياً (عليه السلام) ولايته وسلبوها منه ظلماً. ولكن امام الحق (عليه السلام) ابى الا ان يساوي نفسه مع افقر فقراء المجتمع الاسلامي. فكان يصنع لهم الطعام، ويمنح لهم العطاء، ويبقى وعائلته يشدّون الاحجار على بطونهم.
2- الطعام وأساليب استهلاكه في العائلة:
ان طريقة استهلاك الطعام ليست طريقة فسلجية او بيولوجية، بل هي سلوك ثقافي ديني بالدرجة الاولى، حيث يلتزم الفرد بممارسته على ضوء احكام الرسالة التي يؤمن بها. فالافراد في مجتمع غير متدين يأكلون كل شيء قابل للاكل، وفي كل مكان، ومع أي فرد، وفي كل موقف. ولكن الدين حدد طبيعة الطعام في الحلية والاستحباب، والمقدار الذي يسمح بتناوله عن طريق الاعتدال، وما يقال قبل تناول الطعام وما يقال بعده من بسملة ودعاء وتمجيد لرازق الطعام عزّ وجلّ.
ومن هنا اصبح الطعام في عوائل الانبياء والاوصياء (عليه السلام) _ نوعيةً وحجماً _ يمثّل لوناً من الوان الزهد والتقوى وقوة الاتصال بالله عزّ وجلّ. ذلك ان السيطرة _ بهذا الشكل الصارخ _ على شهوة البطن تفتح بوابة القلب على الخالق تعالى، فتُستَثْمر بالعبادة وطاعة الله سبحانه. والعائلة التي تأكل الخبز وتأتدم بالملح والخل، وهي ما عليه من منـزلة سماوية واجتماعية رفيعة ، لابد ان تمثّل رمزً دينياً ومثلاً اعلى للمشاعر الانسانية حيث كانت تكتفي غالباً بالغذاء الروحي دون الغذاء الجسدي.
ان علياً (عليه السلام) عندما كان يجوع ليشبع الآخرين، كان ملاك حكمه ان الطعام ينبغي ان يشبع الجميع فلا يبقى فقير يتضور جوعاً وبجنبه غني يئنُّ من التخمة. فالفقر هنا، اذا وُجِد، فانه يعكس الفشل الاخلاقي الذي يتحمل مسؤوليته النظام الاجتماعي والسياسي الحاكم على الناس.
الا ان الاسلام _ الذي كان جوهر نظام دولة امير المؤمنين (عليه السلام) _ لا يرضى ان يبيت القائد مبطاناً وحوله بطون غرثى. فكان دستور حكومته (عليه السلام) يصرّح بان يشبع الناس اولاً عبر توزيع الثروة الاجتماعية بالعدالة والانصاف. وكان شدّ الحجر على البطن من الجوع تمريناً قاسياً في عائلة امير المؤمنين (عليه السلام) من البداية. ونفس المنطوق ينطبق على الحسنين (عليه السلام). ذلك ان تربية الحسنين (عليهما السلام) على الاكتفاء الروحي دون النهم الجسدي هو تهيئتهما لمنصب الامامة الروحية للمسلمين لاحقاً.
ولا شك ان طريقة فاطمة (عليه السلام) في توزيع طبق خبز الشعير لزوجها واولادها يكشف عن العلاقة المثالية بين الزوجة التقية العابدة تجاه اعضاء اُسرتها. فاجتماع الاسرة الطاهرة على طعام بتلك البساطة يعبّر ايضاً عن احترامهم للنعمة التي انعمها الله سبحانه عليهم واشتراكهم جميعاً في تناول ذلك الطعام البسيط. فكانت المائدة تهيأ ويوضع عليها الخبز والملح، وكان (عليه السلام) يفتتح باسم الله ويختتم باسم الله ويحمد الله ويشكره على النعمة. ويمتثل قوله (لى الله عليه واله): «اللهم بارك لنا في الخبز، ولا تفرّق بيننا وبينه، فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا ادينا فرائض ربنا».
ولا يوجد في المجتمعات، كما يقول علماء الانثروبولوجيا والاجتماع، انسانٌ يعطي كل شيء يملكه الى الآخرين دون ان يُبقي لديه شيء. لان غريزة الانسان تدعوه لاشباع نفسه اولاً، او لابقاء شيء من الطعام على الاقل يسدّ به رمقه. ولكن علياً (عليه السلام) اعطى كل طعامه وطعام عائلته ثلاثة ايام متوالية للمسكين والفقير والاسير، ومنح خاتمه وهو راكع للفقير الذي جاء يسأل في مسجد رسول الله (لى الله عليه واله) وهو لا يملك غيره، وأشبع الفقراء ايام خلافته ونام جائعاً يشدّ الحجر على بطنه. فأي مثالية اخلاقية تلك التي مارسها امير المؤمنين (عليه السلام)؟
ان القوة الدينية التي تدفع الانسان وهب طعامٍ لا يملك غيره للآخرين دون ابقاء شيء له او لعائلته هي قوة عظيمة دون شك. والاقوى منها ان الواهب كانت لديه القدرة على اقتناء شتى الوان الطعام، ولكن تعلقه الروحي بالخالق عزّ وجلّ كان اقوى من غريزته في الشبع والامتلاء. فكان (عليه السلام) يفضّل الجوع اختياراً من اجل ان يساوي نفسه بأضعف الرعية، وكان يشدّ الحجر من اجل ان يبقى الرابط بينه وبين ربه متصلاً قوياً لا تزعزعه الرغبات ؛ وهو القائل (عليه السلام): «ولو شِئتُ لاهتديتُ الطريقَ، الى مُصفّى هذا العسلِ، ولُبابِ هذا القمحِ، ونسائجِ هذا القزِّ (الحريرِ). ولكن هيهات ان يغلبني هواي، ويقودني جشعي (حرصي) الى تخيّر الاطعمة، ولعل بالحجاز، أو باليمامةِ من لا طمع له في القرصِ (الرغيف) ولا عهد له بالشبع...» .
ومن هنا كانت طريقته في تناول الطعام والتعفف عن الامتلاء والزهد فيه، تحمل رمزاً دينياً يفصح عن ضرورة اشباع الناس جميعاً في المجتمع الديني، وعن احترام النعمة التي انعمها الله تعالى عليهم، وعن حسن التخفف من ثقل اعباء الحاجات الجسدية، والتوجه بالمقابل نحو اشباع الحاجات الوحية.
3- مشقّة فاطمة الزهراء (عليه السلام):
تعني المشقة المنـزلية: حالة من حالات تحمل ما لا يطاق، او الاقتراب من العجز عن اداء التكليف بشكله المرْضي الكامل، تختبره المرأة في فترة من فترات حياتها. والمشقة تتعلق بالعمل الذي ينبغي انجازه اكثر مما تتعلّق بحالة المرأة المكلّفة بانجاز التكليف. فقد يتزاحم عملان لابد من انجازهما سوية، كأداء حق الله سبحانه وحق الزوج مثلاً. فهنا لا خيار للمرأة الا بتقديم احدهما على الاخر. فيكون تقديم حق الزوج على حق الله في العبادة إخلالٌ لحقوق العبودية. فالمشقة هنا اكثر ارتباطاً بطبيعة العمل الذي ينبغي انجازه وكماله، مما هي مرتبطة بحالة المكلّف. فقد تتحمل المرأة انجاز العمل مع تعبها، ولكنها قد لا تتحمل انجاز ذلك العمل ناقصاً. فتكون المشقة مرتبطة بنوعية التكليف وعدم القدرة على انجازه كاملاً.
وبكلمة، فان مشقة فاطمة (عليه السلام) عندما طلبت من ابيها (لى الله عليه واله) خادماً، كانت متعلّقة بالعمل المنـزلي الذي تخاف عدم انجازه، مع ما هي عليه من العبادة والتنسك والذكر. فقد كانت تخشى ان المشقة التي كانت تمر بها في الجمع بين التعبد والاهتمام بشؤون الاسرة العلوية وقضايا الدعوة للاسلام قد تجعلها عاجزة عن اداء وظيفتها البيتية، وبذلك فقد يخدش ذلك حقوق زوجها علي (عليه السلام).
والمشقة تعني ايضاً اضطراباً في توقيت الاعمال البيتية وترتبها، كما لاحظنا في رواية انس بن مالك عن بطء بلال عن الاذان لصلاة الصبح . فقد كانت (عليه السلام) تشعر بالتزاحم بين ان تطحن شعيراً كي تخبز لافطار الصباح، وبين ان تسقي صبيها حليباً. وهنا ازدحم المطلبان، فجاء بلال وطحن الشعير. ولا شك ان ذلك التضارب في التوقيت كان قد خلق وضعاً نفسياً وشعوراً بالأسف والاعتذار على عدم انجاز الاعمال في اوقاتها ترتيباً. ولذلك فقد حيا رسول الله (لى الله عليه واله) بلالاً وقال له: رحمتها رحمك الله.
وبالاجمال، فان مشقة فاطمة بنت رسول الله (لى الله عليه واله) كانت حالة سلوكية، فضلاً عن كونها حالة فسلجية، بمعنى ان مشقتها كانت من آثار كمالها وعفتها وزهدها وحبها للمحافظة على حقوق زوجها (عليه السلام) وعائلتها كاملة دون افراط او تفريط. والجمع بين ذلك وبين العبادة المشهودة لاهل البيت (عليهم السلام) أمرٌ صعب. ولذلك فقد كان أداؤها الشرعي الطاهر في تأدية وظيفتها الشرعية والمنـزلية نابعاً من حالة نفسية قوية هائلة في تحمل المصاعب والشدائد، والرضا بقدر الله سبحانه وتعالى، ومحاولة أداء الواجب كاملاً في احسن الاحوال.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|