أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2017
1277
التاريخ: 8-2-2017
23851
التاريخ: 8-2-2017
8129
التاريخ: 19-1-2019
1362
|
تمهيد :
إن دراسة الحقائق الموضوعية تشكل المادة الرئيسية والموضوع الأساسي لكافة العلوم ، وإن مهمة العلوم لا تقتصر عادة على تسجيل أو حصر هذه الحقائق والوقائع الموضوعية وإنما تتجاوز ذلك إلى ضرورة تحليلها ، ويعد التحليل العلمي من أهم أساليب الكشف عن محتوى وجوهر الحقائق والظواهر الطبيعية والاجتماعية وإدراك قوانين نشوئها وتطورها إن ظاهر الأشياء يتعارض على الغالب مع محتوى وجوهر هذه الأشياء ، فظاهرياً تبدو الشمس كأنها تدور حول الأرض . إلا أن المعرفة العلمية توصلت إلى اكتشاف محتوى هذه الظاهرة وبرهنت على عكس ذلك حين تبين أن الأرض هي التي تدور حول الشمس ، إن عملية البحث العلمي تفترض عادة تعارض ظاهر الأشياء مع محتواها وإلا فإن الوصول إلى حقائق الأشياء يبقى بعيد المنال ، كما أن تحقيق هذه الغاية يتطلب اجتياز طرق شائكة ومعقدة في مجال الدراسة والبحث .
إن أسلب التحليل والتركيب العلمي من الأساليب الشائعة في دراسة جميع الحقائق والظواهر الطبيعية والاجتماعية ، ففي العلوم الاجتماعية ومن ضمنها علم الاقتصاد يتم استخدام هذا الأسلوب لإدراك قوانين الظواهر الاجتماعية وفي صدد ذلك قد يكون من المفيد توضيح ما هو مقصود بأساليب التحليل والتركيب العلمي .
1ـ أساليب التحليل والتركيب العلمي :
في الطبيعة كما في المجتمع نجد مجموعة متعددة ومتنوعة من الظواهر الطبيعية والاجتماعية ، وإن كل ظاهرة تشمل العديد من الصفات والعناصر المكونة لها ، كما أن الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية لا توجد بصورة منفصلة بعضها عن البعض وكل منهما يشكل نظاماً متكاملاًً ومعقداً من الظواهر المترابطة المتكاملة مما يجعل من البحث العلمي في وحدة الظواهر أمراً مستحيلاً ، وهذا يستدعي إيجاد الأساليب الملاءمة التي تساعد على تبسيط البحث وتسهيل طريق الوصول إلى المعرفة العلمية ويمكن اتباع المراحل التالية :
أولاً – ضرورة الأخذ نظرياً بمبدأ استقلالية الظاهرة ؛ إذ من الضروري والحالة هذه فصل الظاهرة موضوع البحث عن بقية الظواهر الأخرى ودراستها بصورة مستقلة .
ثانياً – تحليل الظاهرة إلى العناصر المكونة لها ؛ إن أية ظاهرة تتألف من مجموعة من العناصر وإن إدراك هذه الظاهرة يستلزم أولاً معرفة عناصرها ، أي لابد من تجزئة الظاهرة أي تفتيت الكل إلى أجزاء ، ونجد عادة أن هناك في كل ظاهرة عناصر أساسية وعناصر ثانوية ، ويقصد بالعناصر الأساسية تلك التي تلعب دوراً أساسياً في نشوء وتطور الظاهرة بينما يكون للعناصر الأخرى دور ثانوي ويطلق على هذا الأسلوب في البحث أسلب التحليل العلمي .
ثالثاُ – إعادة تركيب عناصر الظاهرة ؛ إن البحث العلمي لا يتوقف عند مرحلة التحليل ، إذاً لابد بعد تجزئة الظاهرة إلى عناصرها من إعادة توحيد وتركيب هذه العناصر حسب التسلسل الذي يحتله كل عنصر في سلم الأهمية ، فعندما يقوم العالم الطبيعي بتحليل عناصر ظاهرة المطر يستنتج من هذا التحليل العناصر الأساسية والثانوية المركبة منها هذه الظاهرة وهذا الأسلوب هو ما ندعوه بأسلوب التركيب العلمي .
إن التحليل والتركيب يشكلان أسلوباً متكاملاً في البحث العلمي ، إذ لا يجوز كما هو واضح التوقف عند مرحلة التحليل دون استكمالها بمرحلة التركيب ، وبدون التكامل لا يمكن التوصل أصلاً إلى نتائج علمية كاملة ، إلا أن هناك فارقاً يجب ملاحظته بين أشكال البحث في الظواهر الطبيعية وبين أشكال البحث في الظواهر الاجتماعية وهو إن دراسة الظواهر الطبيعية أكثر سهولة إذ أن عالم الفيزياء أو الكيمياء يستطيع أن يستخدم في عملية التحليل والتركيب وسائل مخبرية في دراسة لظاهرة طبيعية معينة بينما لا يستطيع الباحث الاجتماعي فعل ذلك ، ولذا فلابد من أن يأخذ تحليل وتركيب الظاهرة الاقتصادية وغيرها من الظواهر الاجتماعية في ذهن الباحث شكلاً تجريدياً ويصبح التجريد العلمي شكلاً ضرورياً لا غنى عن استخدامه في تحليل وتركيب الظواهر الاجتماعية المختلفة .
يفهم من التجريد عادة أنه الانسلاخ عن الواقع الموضوعي ، أو هو عبارة عن حالة تصور ذهني لا ارتباط بينها وبين الواقع المحدد والملموس إلا أن هذا التفسير لفكرة التجريد يتعارض مع المفهوم الدقيق للتجريد العملي.
إن التجريد العلمي هو طريقة من طرائق البحث العلمي يمكن استخدامها عند دراسة نظام متشابك من الظواهر ، فنحن نلاحظ أن النظام الاقتصادي يتألف من مجموعة من الظواهر والعلاقات الاقتصادية المتعددة الجوانب والأشكال ، وهذه الظواهر والعلاقات تشكل في ترابطها الصورة المحددة والملموسة لهذا النظام ، بالرغم من أن بعضها يظهر للعيان وكأنها ظواهر منفصلة عن بعضها البعض ، فنحن ترى السلعة والنقد أحياناً باعتبارهما ظاهرتين اقتصاديتين مستقلتين علماً أنهما تشكلان فيما بينهما نظاماً مترابطاً من العلاقات السلعية – النقدية .
إن المعرفة الملموسة والشاملة لأي نظام اقتصادي تستلزم الإحاطة بكل جوانبه وعناصره ، والإحاطة كذلك بالعلاقات الضمنية القائمة بين هذه الجوانب والعناصر الاقتصادية المختلفة ، ولكن حتى نتمكن من الوصول إلى المعرفة الشاملة والملموسة وجب عدم دراسة النظام الاقتصادي ككل ، ونظراً لصعوبة البحث في تناول هذا النظام دفعة واحدة فلا بد من اللجوء إلى التبسيط أي تحليل النظام إلى العناصر والأجزاء المكونة له والبحث في كل جزء على حدة ، ومن خلال تركيب المعرف الجزئية للظواهر المختلفة يمكن التوصل إلى المعرفة الشاملة حول النظام ككل ، وعندما نقوم بتجريد ظاهرة اقتصادية عن بقية الظواهر فإن مثل هذا التجريد لا يعني بأي حال من الأحوال الانسلاخ عن الحقائق الموضوعية بقدر ما يقصد به أسلوب في المعالجة العلمية لجوانب النظام الاقتصادي بصورة متدرجة وانتقالية ، والتجريد بهذا المعنى يهدف إلى تسهيل البحث العلمي من أجل التوصل إلى نتائج علمية محددة .
إن التجريد العلمي متخذ في ذهن الباحث الاقتصادي مراحل مختلفة , ففي المرحلة الأولى يجب تحديد الشكل الخارجي للظاهرة موضوع البحث وفي المرحلة الثانية ينتقل للتحليل من تحديد الشكل إلى تحديد جوهر ومحتوى الظاهرة الاقتصادية.
وإذا أمكن تحديد العناصر والعلاقات الضمنية المكونة للظاهرة أمكن بالتالي معرفة عوامل نشوء الظاهرة واتخاذها شكلاً معيناً ، وبعد الانتهاء من دراسة ظاهرة معينة تبدأ المرحلة التالية في بحث ظاهرة أخرى وهذا حتى يمكن بالنهاية الوصول إلى معرفة وإدراك طبيعة جميع الظواهر الاقتصادية ومن ثم العلاقات الضمنية والترابط بين هذه الظواهر .
ويتم التعبير عن المعرفة العلمية بواسطة مجموعة من المفاهيم والمقولات الاقتصادية فعندما يتم البحث في طبيعة النظام الاقتصادي الرأسمالي مثلاً فإن هذا البحث يتوصل في النهاية إلى تحديد علاقاته في صورة مفاهيم ومقولات اقتصادية محددة ، إن دراسة كل من السلعة والنقد والقيمة ورأس المال والربح والفائدة توضح جانباً معيناً من الاقتصاد الرأسمالي . وبإيجاد العلاقة فيما بينها جميعاً يمكن أن نوضح الجوانب المتعددة للعلاقات الاقتصادية في النظام الرأسمالي .
ولابد أخيراً من إبداء الملاحظات التالية بخصوص المنهج في علم الاقتصاد:
أ- أن العلاقات الاقتصادية بصورة عامة ليست علاقات ساكنة وإنما هي علاقات تتصف بالديناميكية والتغير والحركة والانتقال من شكل إلى آخر ، وإن طريقة البحث يجب أن تتناول أيضاً حركة التغير في هذه العلاقات أي يجب أن تتناول نشوءها وتغيرها في آن واحد.
ب- أن هذا التغير في العلاقات الاقتصادية يتخذ صورة الانتقال من الأشكال البسيطة إلى الأشكال المركبة – وإن طريقة البحث تبدأ عادة من دراسة الأشكال البسيطة وتنتهي بدراسة الأشكال الأكثر تعقيداً ، إن دراسة النظام الرأسمالي مثلاً أول ما تتناول دراسة السلعة باعتبارها أبسط أشكال الظواهر الاقتصادية ثم تنتقل إلى دراسة الظواهر المعقدة .
جـ - إن عالم الاقتصاد يختار لموضوع البحث الحقائق الجوهرية والأساسية ويترك جانباً الظواهر العارضة والتي تظهر بفعل الصدفة .
د – بالرغم من أن التجريد العلمي يبقى أسلوباً أساسياً وملائماً لتحليل الظواهر الاقتصادية ، إلا أن ذلك لا يعني استحالة اللجوء إلى التجارب التطبيقية في الميادين الاقتصادية إذ من الممكن إجراء التجارب على بعض الإجراءات الاقتصادية في نطاق مؤسسة اقتصادية واحدة وذلك للتأكد من إمكانية تعميم نتائج هذه التجربة في المجالات الاقتصادية الأخرى .
3- المذاهب في علم الاقتصاد :
إذا كانت المهمة الأساسية لعلم الاقتصاد هي البحث في العلاقات والقوانين الاقتصادية السائدة في المجتمعات الاقتصادية المختلفة ، يمكن لنا حينئذ أن نستنتج بعض الملاحظات الأساسية :
1- إن دراسة علاقات الإنتاج والتبادل والتوزيع تتم من خلال ربط أشكال هذه العلاقات مع أشكال ومستوى تطور القوى المنتجة ، نظراً لأن هذين العنصرين يشكلان معاً نمط الإنتاج الاجتماعي .
2- نظراً للأهمية التي تحتلها العلاقات الاقتصادية في نظام العلاقات الإجتماعية فهي تؤثر وتتأثر بأشكال العلاقات الاجتماعية الأخرى كالعلاقات الحقوقية و السياسية إلا أن علم الاقتصاد لا يتعرض عادة إلى العلاقات الاجتماعية الأخرى إلا ضمن الخطوط العامة للنتائج المترتبة على العلاقة المتبادلة بينها وبين العلاقات الاقتصادية .
3- يتعرض علم الاقتصاد إلى السياسة الاقتصادية للدولة والإجراءات التي تتخذها في المجال الاقتصادي لأن لهذه السياسة وهذه الإجراءات عادة تأثيرها الخاص على مجرى الحياة الاقتصادية وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية ، وبهذه المناسبة من المفيد لفت الانتباه إلى أن ما يسمى بالقوانين الاقتصادية التي تصدرها الدولة أمر آخر يختلف كلياً عن مفهوم القوانين الاقتصادية الموضوعية التي أشرنا إليها في فقرة سابقة .
وفي علم الاقتصاد كما في أي علم اجتماعي آخر ، توجد مدارس ومذاهب مختلفة ، فالمدرسة الذاتية في الاقتصاد تعد العلاقة الاقتصادية علاقة ذاتية بحتة بين الإنسان والأشياء ، وحسب هذا الاتجاه فإن الموقف الذاتي للإنسان والذي يعكس مجموعة المشاعر والدوافع النفسية للسلوك الاقتصادي هو الذي يشكل موضوع علم الاقتصاد ، وفيما بعد سنرى كيف أن بعض نظريات القيمة الذاتية كنظرية المنفعة ونظرية المنفعة الحدية تتبنى المذهب الذاتي في تفسير القيمة ، كما نرى أن كينز وأنصاره يتخذون من علم النفس أحد المنطلقات الأساسية في تفسيرهم للعلاقات والظواهر الاقتصادية .
أما المدرسة الموضوعية فهي تعتبر العلاقات الاقتصادية علاقات موضوعية وتخضع للقوانين الموضوعية التي تفعل فعلها خارج إرادة ووعي الإنسان ، وحسب هذا الاتجاه لا يمكن الأخذ بالدوافع النفسية والسلوك الذاتي لتفسير جوانب الحياة الاقتصادية ، فالسلوك الذاتي والدوافع الذاتية ما هي إلا شكل من أشكال الوعي الاجتماعي الذي يتحدد من ناحية أخرى بفعل شروط الحياة الموضوعية المختلفة التي تحيط بالإنسان ، وهذه المدرسة ترفض أن يكون علم النفس وما شابهه مفتاحاً لإدراك أبعاد الحياة الاقتصادية ، وإنما على العكس من ذلك فإن إدراك القوانين الموضوعية للحياة الاقتصادية هو الذي يساعد على فهم الدوافع النفسية للسلوك الاقتصادي والأشكال التي يتخذها في المراحل المختلفة للتطور الاجتماعي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الاتجاهات الحديثة للبحث في العلوم الاجتماعية – اليونسكو- ترجمة مجموعة من المختصين – وزارة التعليم العالي- دمشق المجلد الثاني.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|