أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-1-2019
994
التاريخ: 6-1-2019
1062
التاريخ: 5-1-2019
948
التاريخ: 3-1-2019
742
|
المجتمع الذي انتشر فيه الإسلام خلال القرن الأول الهجري هو المجتمع العربي في الجزيرة العربية وما والها من الأراضي المجاورة كالبصرة والكوفة واليمن والبحرين ثم مصر والشام ، ثم سائر البلدان بعد ذلك ، ولا يخفى أن تلك المجتمعات قبيل مجيء الإسلام كانت تعيش حالة من الاضطراب والغزو والنهب والفتك والفساد ، فالنازعات الشخصية والعصبية القبلية والأطماع المادية والمجون واللهو واللعب والسلب كل ذلك كان هو السائد في بلاد العرب وكانت قريش تتوسط هذه القبائل وهي الوحيدة احتفظت بميزات لم تكن لغيرها لما لها من شرف وسؤدد وسيادة.
ولما أصبح الإسلام قوياً واتسعت رقعته ، وأنذر الرسول بالرحيل إلى الرفيق الأعلى ، جعل النبي (صلى الله عليه واله) الأمير والخليفة من بعده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوكل إليه قيادة المسلمين لأنه وصيه وخليفته من بعده يؤدي عنه دينه وينجز له مواعيده (1).
إلا أن هذا الجعل من قبل النبي (صلى الله عليه واله) لوصيّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم تطب له نفوس بعض الصحابة ، إذ لم يرق لهم أن يروا علياً خليفة عليهم فما كانوا يتحملوا النبوة والخلافة في بني هاشم ...
لهذا طمع بالخلافة بعيد وفاة الرسول وقبل تجهيزه كل من المهاجرين والأنصار وعلى رأسهم أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ومن الأنصار سعد بن عبادة. فصدر منهم ما صدر وحدث الذي حدث في سقيفة بني ساعدة وحرفت وصية الرسول (صلى الله عليه واله) وغصبوا الخلافة ـ والتي هي حق شرعي سماوي ـ من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليتقمصها الخليفة الأول ثم ليدلي بها إلى الثاني وهكذا شورى مفتعلة في ستة لينقله بها الثالث ...
في غضون ربع قرن على وفاة الرسول شهد العالم الإسلامي آنذاك صراع سياسي حاد بين كبار الصحابة ومن ثم بين كبار التابعين ليكون ثمرة هذا الصراع يشكل اللّبنة الأولى للأفكار والعقائد التي برزت في خلافة أمي المؤمنين علي بن أبي طالب لتشكيل فيما بعد أبرز المذاهب والأحزاب السياسية آنذاك.
فالغلو في أية فكرة إنما ينشأ في الوسط الفكري المضطرب والمشوب بالدين أي في الوسط الذي يكون فيه صراع سياسي ديني وهذا ما حدث يوم وفاة الرسول (صلى الله عليه واله): يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال (صلى الله عليه واله): معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني.
والذي سألاه أبو رافع القرظي والسيد النجراني.
فنشوء مثل هذا الغلو إنما يكون في المركز الدينية والسياسية أي مركز الخلافة الإسلامية وحواليها.
والدواعي البارزة إنما هي ظاهرة متلبسة باسم الدين ، والحقيقة إنما هي دواعي خفية ذات مصالح سياسية ، كما اتضح ذلك من قول أبي رافع القرظي والسيد النجراني وعمر بن الخطاب. وكل ذاك إنما كان في المدينة عاصمة الخلافة الإسلامية.
ولما انتقلت الخلافة إلى العراق وأصبحت الكوفة المركز الرسمي لخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، انتقل الصراع السياسي إلى هذا البلد وأصبح مركزاً مهماً لنشوء الأحزاب والمذاهب السياسية ومراكزاً للصراع الفكري والعقائدي والمذهبي ، ثم الأحداث السياسية الخطيرة التي واجهها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت لها دور كبير لنشوء أفكار وعقائد برزت منها معتقدات غالى أصحابها وشكلت منعطفاً خطيراً في تاريخ المسلمين.
فمن تلك الأحداث المهمة الحروب التي خاضها أمير المؤمنين (عليه السلام) ضد طلحة والزبير ، ومعاوية ، والخوارج ، فكانت الحروب الثلاثة المهمة ؛ حرب الجمل في البصرة ، وحرب صفين ، والنهروان هي الحروب التي خلقت معتقدات كثيرة منشؤها ذاك الاختلاف السياسي والصراع بين كبار الصحابة والتابعين ، والذي كان يدور خلافهم أولاً حول الخلافة والإمامة ثم تطور ليشمل تقديم الفاضل على المفضول أو بالعكس ، والخلاف في الحسن والقبح العقليين وهكذا الخلاف بين القيم والحادث وأمور أخرى مردها سياسي بحت.
إذن الكوفة والبصرة أصبحتا من المراكز المهمة في العالم الإسلامي إذ فيهما نشأت أهم الأحزاب السياسية والمذاهب الفكرية ، فالكوفة كانت علوية الهوى والبصرة كانت عثمانية المذهب.
ففي البصرة نشأت فكرة الاعتزال ، ونضجت فيها أفكار في الدين والسياسة والتي بعضها إلى الغلو أقرب.
وأما الكوفة ، فلم يستتب لها قرار بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإنما أصبحت مركزاً عملياً كبيراً يجمع مختلف الطوائف والعقائد ، إلا أن أبرزها هو الفكر الأصيل المتمثل بخط أهل البيت فاحتفظت بولائها للأئمة (عليه السلام) إلى جانب الإشعاع المذهبي الديني الذي كان يغذيه الأئمة المعصومين .
قد يتصور الباحث أن بإنتهاء الدولة الإسلامية الشرعية من الكوفة ستقوم مقامها دولة لقيطة في الشام يحكمها معاوية بن أبي سفيان ، ثم مصالحة الإمام الحسن عليه اسلام لمعاوية ، سوف تنتقل الاضطرابات السياسة والأحزاب من العراق ـ وبالخصوص الكوفة ـ إلى الشام .. إلا أن هذا التصور غير صحيح ، بل بقيت الكوفة والبصرة مركزاً لتلك المناوشات الفكرية والسياسية والصراع الدموي الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً ...
ونوعز السبب الأول إلى الدولة الأموية نفسها ، ورغبة الحكام الأمويين كمعاوية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ... إلى خلق أحاديث وافتعال أخبار ، والوضوع على الرسول وتقويل الصحابة لصالحهم السياسي ولتثبيت شرعية حكومتهم ودولتهم ، لهذا برز أبو هريرة من الصحابة كأول وضاع عرفه التاريخ الإسلامي.
ثم كثر الوضع في أحاديث الرسول وكثر الوضاعون عليه نصرة للحزب الأموي وعلى رأسهم عمرو بن العاص وأبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري ، والزهري محمد بن شهاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وعروة بن الزبير ، وحريز بن عثمان ، وسيف بن عمر ، وعوانه بن الحكم الكوفي ، وغيرهم ...
وأهم شيء الذي حدث في خضم هذه الأجواء السياسية المتناحرة بسبب الأمويين ، هو ظهور حركة جديدة وليدة الفساد والتسيب السياسي ألا وهي حركة الزندقة في الكوفة ، ثم انتشرت في البصرة ، وبعدها في بغداد ، ثم اتسع نطاقها لتشمل بلاد فارس والصين وتركستان ...
وهذا هو الذي كان يطمح إليه حكام الدولة الأموية لنشر الفساد في أوساط المسلمين والفاحشة ، ليكون سبباً من أسباب التخدير الجمعي وعزل المجتمع عن السياسة والسلطة ، وتحكم الأمويين على الناس ، وقد حدث ...
وأول رجل بث فكرة الزندقة هو كعب الأحبار المعاصر لكبار الصحابة في صدر الإسلام كالخليفة أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بي عفان ، وقد دخل كعب الأحبار والإسلام وأخذ يبث الأقاصيص والحكايات عن أسلافه اليهود والنصارى ، ولم يجد الخليفة الأول والثاني بد من رواج مثل تلك الأخبار والقصص المرتبطة بالأمم السالفة وهذا شأنه شأن تميم بن أوس الداري النصراني الذي سنحت له الفرصة أن يبث بين المسلمين أخبار اليهود والنصارى والحكايات والإسرائيليات كيفما شاء وذلك لما خصص له عمر بن الخطاب ساعة كل أسبوع يتحدث بها قبل صلاة الجمعة بمسجد الرسول. ولما جاء عثمان بن عفان سمح لتميم أكثر من قبل في التحدث فجعلها ساعتين ليومين في الأسبوع.
أما كعب الأحبار فكان دوره خطيراً لأن كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان كانوا يسألونه عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن ، وما إلى ذلك من العقائد والمفاهيم الإسلامية ، وهكذا أخذ كعب الأحبار مجموعة من الصحابة مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك ، وعبدالله بن الزبير ...
وأكثر من ذلك ، فإن معاوية استعمل النصارى وقرب الكثير منهم ، فهذا الشاعر النصراني الأخطل ، استعمله معاوية لهجاء الأنصار وأهل البيت ، قال الجاحظ في البيان والتبيين في سبب تقرب الأخطل النصراني إلى معاوية :
إن معاوية أراد أن يهجو الأنصار لأن أكثرهم كانوا أصحاب علي بن أبي طالب ولا يرون رأي معاوية في الخلافة ، فطلب ابنه يزيد من كعب بن جعيل أن يهجوهم فأبى ذلك وقال : ولكني أدلل على غلام نصراني ، كان لسانه لسان ثور لا يبالي أن يهجوهم فدلهم على الأخطل (2).
كيفما كان ، فإن الزندقة صادفت لها رواجاً عند بغض النفوس الطائشة وأهل الشذوذ وقد انتشرت في الكوفة والبصرة وشجع عليها بعض حكام الدولة الأموية كالوليد الثاني الأموي 125 ـ 126 هـ ومروان بن محمد ، تلميذ الجعد بن درهم لذا سمي مروان بن محمد الجعدي ت 132.
وروج للزندقة بعض الشعراء والأدباء كعبد الله بن المقفع 106 ـ 142 هـ ومطيع بن أياس الذي مات في خلافة الرشيد ، وبشار بن برد ، ويحيى بن زياد الحارثي ، وحماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي وكان أغلب هؤلاء الشعراء والأدباء في الكوفة.
ذكر ابن قتيبة في طبقات الشعراء نصاً قال فيه :
كان في الكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون : حماد عجرد وحماد الراوية ، وحماد بن الزبرقان النحوي وكانوا يتعاشرون وكانوا كلهم يرمون بالزندقة (3).
أما من المتكلمين فانتشرت الزندقة بترويج عبد الكريم بن أبي العوجاء ، الذي أثار التشكيك في كل المعتقدات الإسلامية وبين الأحداث من المسلمين حتى أنه كان يستهزئ بالحج والطواف ورمي الجمار ، وكان يسخر من الصلاة وهكذا حتى وصل به الأمر أن يعلن كفره بالنبي وبالله وأمام الناس وفي مسجد الرسول صلى الله عليه واله .
قال محمد بن سنان ، حدثني المفضل بن عمر قال : كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الروضة بين القبر والمنبر ، وأنا مفكر فيما خص الله تعالى به سيدنا محمد (صلى الله عليه واله) من الشرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرفه وحباه مما لا يعرفه الجمهور من الأمة وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته ، وخطير مرتبته فإني كذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث اسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذ رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه ، فتكلم ابن أبي العوجاء فقال : لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله ، وجاز الشرف بجميع خصاله. ونال الحظوة في كل أحواله ، فقال له صاحبه : إنه كان فيلسوفاً ادّعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، وضلت فيها الأحلام ، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر ، فرجعت خاسئات هي حسّر ، فلما استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء ، ودخل الناس في دينه أفواجاً ، فقرن اسمه باسم ناموسه فصار يهتف به على رؤوس الصوامع ، في جميع البلدان والمواضع التي انتهت إليها دعوته ، وعلتها كلمته ، وظهرت فيها حجته براً وبحراً ، سهلاً وجبلاً في كل يوم وليلة خمس مرات مردداً في الأذان والإقامة ، ليتجدد في كل ساعة ذكره ، ولئلا يخمل أمره.
فقال ابن أبي العوجاء : دع ذكر محمد (صلى الله عليه واله) فقد تحير فيه عقلي ، وضل في أمره فكري.
حدثنا في ذكر الأصل الذي نمشي له ...
ثم ذكر ابتداء الأشياء ، وزعم أن ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ولا صانع ولا ندبر بل الأشياء تتكوم من ذاتها بلا مدبر ، وعلى هذا كانت الدنيا لم نزل ولا نزال (4) وللإمام الصادق (عليه السلام) عدة محاورات ومناظرات حاسمة أفحم بها ابن أبي العوجاء ، وهكذا للمفضل بن عمر محاورات معه ولهذا السبب أملى الإمام الصادق عليه اسلام كتاب التوحيد على المفضل في أربعة مجالس في أربعة أيام (5).
أما ابن أبي العوجاء أخذ يتنقل في الأمصار والبلدان يبث فكرة الإلحاد بين الناس حتى قبل في سنة 155 هـ على يد والي الكوفة محمد بن سليمان زمن أبي جعفر المنصور العباسي ، قال الطبرسي فيه :
ذكر أن محمد بن سليمان أتى في عمله على الكوفة بعبد الكريم بن أبي العوجاء وكان خال معن بن زائدة فأمر بحسبه ، قال أبو زيد فحدثني قثم ابن جعفر والحسين بن أيوب وغيرها ان سفهاءه كثروا في مدينة السلام ثم الحوا على أبي جعفر فلم يتكلم فيه إلا ظنين فامر بالكتاب إلى محمد بالكف عنه إلى أن يأبيه رأيه فكلم ابن أبي العوجاء أبا الجبار وكان منقطعاً إلى أبي جعفر ومحمد ثم إلى أبنائهما بعدهما فقال له : إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف ولك أنت كذا وكذا ، فاعلم أبو الجبار محمداً فقال أذكرتنيه والله قد كنت نسيته ، فإذا انصرفت من الجمعة فاذكرنيه ، فلما انصرف اذكره فدعا به وأمر بضرب عنقه ، فلما أيقن أنه مقتول قال : أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام ، والله لقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم فضربت عنقه (6) ...
وفي لسان الميزان قال :
إنه كان في البصرة ، وصار في آخر أمره ثنوياً ، وكان يفسد الأحادیث ، فتهدده عمرو بن عبيد ، فلحق بالكوفة فدل عليه محمد بن سليمان والي الكوفة فقتله وصلبه (7).
أجواء كهذه تنتشر فيها الزندقة والأفكار الدخيلة ، ويبرز فيها التناحر العقائدي والصراع السياسي والمخاصمات المذهبية وتعدد الاحزاب إنها أجواء مناسبة لظهور الغلو فيها ، فإن بيئة الكوفة والبصرة كانتا ملائمة جداً لنشوء كل فكرة لها مساس بالحياة السياسية آنذاك.
وقد عرفنا بأن الغلو هو ظاهرة من ظواهر الفساد العقائدي والانحطاط الفكري الذي ينشأ في الوسط السياسي المضطرب وفي الأجواء التي تسودها النزاعات الدينية ، كما أنه نشأ في المراكز الحساسة من نقاط الدولة الإسلامية وبالذات في الكوفة والبصرة وبغداد اما الأماكن البعيدة عن مركز الخلافة والدولة فإن التأثير فيها أقل ، لبعدها عن الاضطرابات السياسية والنزاعات ...
وهذا يدّلل أن سبب نشوء الغلو في العقائد والأفكار الدينية إنما هو سبب سياسي بالدرجة الأولى.
__________________
(1) الأحاديث في ذلك كثيرة جداً بلفت حد الشهرة والتواتر منها ما كان في غدير خم ، ومنها حديث الثقلين ، ومنها حديث المنزلة ...
(2) البيان والتبيين 1 | 86.
(3) طبقات الشعراء 663.
(4) توحيد المفضل 41.
(5) المصدر السابق 30.
(6) تاريخ الطبري 6 | 299.
(7) لسان الميزان 4 | 52.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|