أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-12-2018
8254
التاريخ: 10-08-2015
1010
التاريخ: 3-08-2015
929
التاريخ: 3-08-2015
894
|
إن القائلين بسهو النبي من بين المسلمين هم أغلب علماء الجمهور ، ومن الخاصة الشيخ الصدوق وشيخه محمد بن الحسن ابن أحمد بن الوليد. ولم يتابعهم إلا الشذاذ من الناس ، وأما الطائفة المحقة ـ قديماً وحدثاً ـ فإجماعهم على خلاف ما ذهب إليه ابن الوليد والشيخ الصدوق (رض ) .
قال الصدوق في الفقيه : أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي (صلى الله عليه واله) ويقولون : لو جاز أن يسهو (عليه السلام) في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة ، وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي (صلى الله عليه واله) فيما يقع على غيره ، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي وليس كل من سواه بنبي كهو ، فالحالة التي أختص بها هي النبوة والتبليغ ما يقع الصلاة لأنها عبادة مخصومة ، والصلاة عبادة مشتركة ، وبها يثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة وله قصد منه إليه نفي الربوبية عنه ، لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم ، وليس سهو النبي (صلى الله عليه واله) كسهونا من الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا.
وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي (صلى الله عليه واله) والأئمة سلطان ، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ، وعلى ن تبعه من الغاوين ثم يقول :
وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول : أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه واله) ولو جاز أن يرد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن يرد جميع الأخبار ... (1) .
هذا خلاصة ما قاله الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد.
أما ردنا على من قال بسهو النبي (صلى الله عليه واله) فهي الأدلة النقلية والعقلية :
أما الأدلة النقلية فهي المأخوذة من الكتاب والسنة والإجماع المنقول ، أما من الكتاب : فقوله تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] (2) .
وقال تعالى : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] .
وقوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52، 53] .
عن الصفار قال حدثنا محمد بن عبد الحميد عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك عن قول الله تبارك وتعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52].
قال (عليه السلام) يا أبا محمد خلق الله أعظم من جبرائيل وميكائيل وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه واله) يخبره ويسدده وهو مع الأئمة يخبرهم ويسددهم (3) .
وقال تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]
وقال تعالى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]
وقال تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33]
وقال تعالى : {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] روى المفسرون من العامة والخاصة أنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنه قال ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه واله) فنسيته ، وهذا عام مطلق في التبليغ وغيره فإذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينفي عنه السهو والنسيان فالنبي (صلى الله عليه واله) بطريق الأولوية يثبت عنه نفي السهو والنسيان.
وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] .
والاصطفاء والاختيار والاجتباء نظائر على وزن افتعال ، والاصطفاء من الصفوة والصافي الذي خلص من الشوائب والأشياء العالقة الكدرة.
فمثل سبحانه خلوص هؤلاء القوم من الفساد والنقص ظاهراً وباطناً بخلوص الصافي من شوائب الأدناس وذمائم الصفات وقبائح الأفعال ولا شك أن السهو والنسيان من الصفات الذميمة ، وأن الساهي أو الناسي إن لم يستحق الذم فهو قطعاً لا يستحق المدح.
إبراهيم هم آل محمد (صلى الله عليه واله) وهؤلاء : بحكم العقل معصومون منزهون عن كل قبيح ونقص وقد علمت أن النسيان والهو قبح ونقص ، كما أن الله سبحانه لا يختار لأمته ولا يصطفى لهم إلا من يكون طاهره مثل باطنه في الطهارة والعصمة.
وقال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] دلت الآية على وجوب متابعة الرسول في أفعاله وأوامره وأقواله ، فلو جاز عليه السهو والنسيان لوجبت متابعته فيهما وهذا باطل لا يقول به أدنى عاقل ، وأقله أنه يلزم جواز المتابعة وهذا كذلك واضح بطلانه.
وقال تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 156، 157].
دلالة الآية واضحة كما تقدم في الآية السابقة.
ومن السنة : فالأدلة كثيرة نقتصر على بعض الروايات الصادرة عنهم : الصفار عن الحسين بن محمد ، عن المعلى عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان عن المفضل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل للنبي (صلى الله عليه واله) خمسة أرواح : روح الحياة ، فيه دب ودرج ، وروح القوة فيه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإيمان فيه أمر وعدل ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت يرى به ما في الأرض شرقها وغربها برها وبحرها ، قلت : جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده؟ قال : نعم وما دون العرش (4) .
الطوسي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل سجد رسول الله (صلى الله عليه واله) سجدتي السهو قط؟ قال : لا ولا يسجدها فقيه. قال الشيخ الذي أفتى به ما تضمنه هذا الخبر فأما الأخبار التي قدمناها من أنه سها فسجد فهي موافقة للعامة وإنما ذكرناها لأن مما تضمنه من الأحكام معمول بها ... (5) .
وعن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان صفة الإمام : فمنها أنه يعلم الإمام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صفيرها وكبيرها لا يزل في الفتيا ولا يخطئ في الجواب ، لا يسهو ولا ينسى ، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا ..
وفي طيات الحديث قال علي (عليه السلام) : وعدلوا عن أخذ الأحكام من أهلها ممن فرض الله طاعتهم ، ممن لا يزل ولا يخطيء ولا ينسى (6).
الكليني ، عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن سماعه بن مهران قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل فقال أبو عبد الله (عليه السلام) اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا قال سماعه : فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا ما علمتنا ... ثم ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) ما للعقل من جنده وما للجهل من جند ، ثم قال (عليه السلام) : فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند :
الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل. والعلم وضده الجهل والتسليم وضده الشك .. والتذكير وضده السهو .. والحفظ وضده النسيان .. والطاعة وضدها المعصية .. الخ
ثم قال (عليه السلام) فلا تتجمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن امتحن قلبه للإيمان وأما سائر ذلك من موالينا فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل وينقى من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء وإنما يدرك ذلك بمعرفة العقل وجنوده وبمجانبة الجهل وجنوده (7).
وفي الخبر المروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في فضل الإمام وصفاته قال (عليه السلام) ... والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة ، العلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه واله) ونسل المطهرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول (صلى الله عليه واله) والرضا من الله عز وجل شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله ...
إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه فيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان ... إلى أن يقول :
وأن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده ، شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً فلم يع بعده بجواب ، ولا يجيد فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيد ، موفق ، مسدد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته وشاهد على خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ... (8) .
وفي الحديث المستفيض المشهور بين الخاصة والعامة عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال صلوا كما رأيتموني أصلي (9) .
فلو جاز عليه السهو والنسيان ـ وبالخصوص في مورد الزيادة الركنية أو النقصية الركنية المبطلة للصلاة حتى سهواً ـ لما جاز الاقتداء به في شيء من الصلاة التي يحتمل وقوع السهو في كل واحد منها ، فالرسول (صلى الله عليه واله) يأمر المسلمين بمتابعته لكونه في مقام التبليغ فكيف يأمرهم بالمتابعة مع جواز وقوع السهو منه في صلاته؟! وهذا يعني متابعته حتى في السهو والمبطل وهذا باطل لا محالة.
في الخصال عن العجلي عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن ابن معاوية عن سلمان بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : عشر خصال من صفات الإمام :
العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس ، واتقاهم لله ، وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، ويكون له المعجزة والدليل وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيء ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه (10) .
وفي كشف الغمة من كتاب الدلائل للحميري عن محمد بن الأقرع قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الإمام هل يحتلم؟
وقلت في نفسي بعدما فصل الكتاب : الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه ، من ذلك فرد الجواب :
الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئاً قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك (11).
وفي الحديث المشهور المستفيض بين الخاصة والعامة قوله (صلى الله عليه واله):
( خذوا عني مناسككم ) ووجه الاستدلال واضح حيث يأمرهم (صلى الله عليه واله) بمتابعته في الأفعال والأقوال والأوامر ، وقد عرفت فيما تقدم أنا لا يأمر بمتابعته في الأفعال إلا لكونه ما يصدر عنه (صلى الله عليه واله) هو على أتم الصحة والصواب.
وروى الكليني في كتاب الحجة عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن ابن أبي عمير عن جرير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : قال : للإمام عشرة علامات يولد مطهراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته للشهادتين ولا يجنب ولا تنام عينه ولا ينام قلبه ولا يتثأب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه وإذ لبس درع رسول الله (صلى الله عليه واله) كان عليه وافقاً وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه (12).
وجه دلالة الحديث واضحة وهو دال على نفي السهو عنهم في حال النوم فضلاً عن حال اليقظة.
وروى الصدوق في العلل ، في باب العلة التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن (عليه السلام) الصدوق بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) اكتب ما أخاف عليك النسيان ، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك ولكن اكتب لشركائك. قال قلت : ومن شركائي يا نبي الله؟ قال الأئمة من ولدك ... الحديث (13).
أقول كيف لا يخاف (صلى الله عليه واله) على الوصي النسيان ويقع ذلك منه فينسى نصف صلاته ويحتاج إلى ذي الشمالين أي ذي اليدين فيذكره ما نسي ويدليه على اشتباهه وخطأه فيرده عن الشك والسهو كي يضيف ركعتين لتتم بها الصلاة؟! أليس ذلك اجتراء على الرسول فيما نسبوه إلى السهو والنسيان؟!
عن محمد بن الحسن الصفار قال حدثنا أحمد بن عيسى عن الحسين القلانسي قال سمعته يقول في هذه الآية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] قال ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل ولم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد (صلى الله عليه واله) وهو مع الأئمة وليس كما ظننت (14).
وعن الصفار قال حدثنا محمد بن عيسى بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر (صلى الله عليه واله) سألته عن قول الله عز وجل {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: 2] فقال جبرائيل الذي نزل على الأنبياء والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقههم وتسددهم من عند الله وانه لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه واله) وبهما عبد الله واستعبد الخلق وعلى هذا الجن والأنس والملائكة ولم يعبد الله ملك ولا نبي ولا إنسان ولا جان إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما خلق الله خلقاً إلا للعبادة (15).
والأحاديث الرابعة عنهم في هذا الباب أي تسديدهم وتوفيقهم ، وأن روح القدس يحفظهم من الخطأ والزلل والسهو والنسيان أنها لأحاديث كثيرة معتبرة وقد اكتفينا بما أوردناه ، وقد أورد الحر العاملي إحدى وأربعين دليلاً من السنة في نفي السهو فراجع.
الإجماع : أولاً : قال السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء في الرد على النظام وجعفر ابن مبشر ومن وافقهما في باب السهو والغفلة :
... لأن السهو يزيل التكليف ويخرج الفعل من أن يكون ذنباً مؤاخذاً به ولهذا لا يصح مؤاخذة المجنون والنائم وحصول السهو في أنه مؤثر في ارتفاع التكليف بمنزلة فقد القدرة والآلاف والأدلة فلو جاز أن يخالف حال الأنبياء : في صحة تكليفهم مع السهو جاز أن يخالف حالهم لحال أمتهم في جواز التكليف مع فقد سائر ما ذكرنا وهذا واضح فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة : لا يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة فهو أن الامام أنما احتيج إليه لجهة معلومة ، وهي أن يكون المكتفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب ... ، فلو جاز عليه الكبائر لكانت علة الحاجة إليه ثابتة فيه وموجبة وجود إمام يكون إماماً له والكلام في إمامته كالكلام فيه وهذا يؤدي إلى وجود ما لا نهاية له من الأئمة وهو باطل والانتهاء إلى إمام معصوم وهو المطلوب (16) .
ثانياً : قال الشيخ المجلسي ( قدس ) : أن أصحابنا الإمامية اجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمداً وخطأ ونسياناً قبل النبوة والإمامة وبعدهما : بل من وقت ولادتهم إلى أن يقولوا الله سبحانه ، ولم يخالف فيه إلا الصدوق محمد بن بابوية وشيخه ابن الوليد ( قدس الله روحهما ) فجوزوا الإسهاء من الله تعالى ، لا السهو الذي يكون من الشيطان ، ولعل خروجهما لا يخل بالإجماع ، لكونهما معروفي النسب ، وأما السهو في غير ما تعلق بالواجبات والمحرمات كالمباحات والمكروهات فظاهر أكثر أصحابنا أيضاً الإجماع على عدم صدوره عنهم (17) .
قال المفيد في أوائل المقالات : أن الأئمة القائمين مقام الأنبياء : في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الأنام معصومون كعصمة الأنبياء وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء (18) وأنه لا يجوز منهم سهو في شيء في الدين ولا ينسون في الأحكام وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم وتعلق بظاهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد في هذا الباب (19) والمعتزلة بأسرها تخالف في ذلك (20) .
وقال المفيد في تصحيح الاعتقاد : وأما نص أبي جعفر ( رض ) بالغلو على من نسب مشائخ القميين وعلمائهم إلى التقصير فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس ، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصراً وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحققين إلى التقصير سواء كانوا من أهل قم أم من غيرها من البلاد وسائر الناس ، وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد ; لم نجد لها دافعاً في التفسير ، وهي ما حكي عنه أن قال أول درجة الغلو نفي السهو عن النبي والإمام (عليه السلام) عن مراتبهم ورأينا في أولئك من يقول أنهم ملتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه .. (21) .
قال أبو صلاح الحلبي : والصفات التي يجب كون الرسول (صلى الله عليه واله) عليها هي أن يكون معصوماً فيما يؤدي ، لأن الخطأ عليه في الآداء تمنع من الثقة به ، ويسقط فرض أتباعه ، وذلك ينقص جملة الغرض بإرساله ، وأن يكون معصوماً من القبائح لكونه رئيساً وملطوفاً برئاسته لغيره حسب ما دللنا عليه ولان تجويز القبيح عليه يقتضي إيجاب القبيح ولأن تعظيمه واجب على الاطلاق والاستخفاف به فسق ـ على مذاهب من خالفنا ـ وكفر عندنا ووقع القبيح منه يوجب الإستخفاف فيقتضي ذلك وجوب البراءة منه مع وجوب الموالاة له (22).
قال المحقق الطوسي : ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض ولوجوب متابعته وضدها والإنكار عليه ، وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنه من دناءة الأباء وعهر الأمهات والفظاظة والغلظة والابنة وشبهها والأكل على الطريق وشبهه (23).
قال العلامة الحلي (قدس) في شرح كلام المحقق الطوسي الآنف الذكر : يجب أن يكون في النبي هذه الصفات التي ذكرها وقوله وكمال العقل عطف على العصمة وقوة الراي بحيث لا يكون ضعيف الراي متردداً في الأمور متحيراً لان ذلك من أعظم المنفرات عنه وأن لا يصح عليه السهو لئلا يلهو عن بعض ما أمر بتبليغه وأن يكون منزهاً عن دناءه الاباء وعهر الأمهات لان ذلك منفر عنه وأن يكون منزها عن الغلظة لئلا يحصل النفرة عنه وأن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الابنة وسلس الريح والجذام والبرص وعن كثير من المباحات الصارفة عن القبول القادحة في تعظيمه نحو الأكل على الطريق وغير ذلك لأن ذلك كله ما ينفر عنه فيكون منافياً للغرض من البعثة (24).
وقال العلامة الحلي في الرسالة السعدية : أنه لا يجوز عليه الخطأ والنسيان وذهبت أخرى إلى جواز ذلك حتى قالوا أن النبي (صلى الله عليه واله) كان يصلي الصبح يوماً فقرأ مع الحمد والنجم إذا هوى إلى أن يصل إلى قوله : {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] قرأ تلك الغرانيق الأولى منها الشفاعة ترجى ، ثم استدرك. وهذا في الحقيقة كفر.
وأنه صلى يوماً العصر ركعتين وسلم ثم قام إلى منزله وتنازعت الصحابة في ذلك وتجادلوا في الحديث إلى أن طلع النبي (صلى الله عليه واله) فقال لهم في ما حدث بينكم؟ فقالوا يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال لم أقصر ولم أنس فيما سئلتم قالوا يا رسول الله صليت العصر ركعتين فلم يقبل النبي (صلى الله عليه واله) حتى شهد بذلك جماعة فأقام فأتم صلاته وهذا المذهب في غاية الردائة ، والحق الأول فإنه لو جاز عليه السهو والخطأ لجاز ذلك في جميع أفعاله فلم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ولا بالشرائع والأديان لجواز أن يزيد فيهما سهوا ، فتنفى فائدة البعثة ومن المعلوم بالضرورة وصف النبي صلى الله عليه واله بالعصمة أحسن وأكمل من وصفة بضدها فيجب المصير إليه لما فيه من الأحراز عن الضرر والمظنون بل المعلوم (25).
قال الفاضل المقداد : من صفات النبي (صلى الله عليه واله) كونه معصوماً ... والدليل على أنه معصوم أنه لو لم يكن معصوماً لجوز المكلفون عند أمره لهم ونهيه إياهم أن يكون كاذباً في ذلك فلا يمتثلون ما يأمرهم به وينهاهم عنه فتنتهي فائدة البعثة لان فائدة البعثة تبليغ التكليف من الله تعالى للمكلف وفيه تعريض للثواب الذي هو وجه حسن التكليف فلا يكون في بعثة الأنبياء فائدة وكل ما لا فائدة فيه عبث والعبث قبيح والقبيح لا يصدر منه (26).
قال المحقق في مختصر النافع ، بعدما أورد جملة من فتاواه في أحكام السهو في الزيادة والنقيصة :
( والحق رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة ) (27).
أقول مقام النبوة أرفع شأناً من منصب الإمامة فمن باب أولى أن ينزه النبي (صلى الله عليه واله) عن السهو.
وقال العلامة في المنتهى ، في مسألة التكبير في سجدتي السهو : احتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله) قال : ثم كبر وسجد ، والجواب : هذا الحديث عندنا باطل لاستحال السهو على النبي (صلى الله عليه واله) (28).
وقال في مسألة بيان محل سجدتي السهو ...
احتج مالك بأن النبي (صلى الله عليه واله) سجد للنقصان في الصلاة وللزيادة بعدها احتج الأخرون من أصحابنا لما رواه الشيخ عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) متى أسجد للسهو قال قبل التسليم فإنك إذا صليت فقد ذهبت حرمة صلاتك ، واحتج الشافعي بما رواه عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه سجد قبل التسليم ثم سلم وعن الزهري قال كان آخر الأمرين سجود قبل التسليم.
والجواب عن الأول أنه نادر مع ما نقلناه فالترجيح لما ذكرناه ، ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج التقية قاله الشيخ.
وخبر الشافعي لا حجة فيه لاحتمال أن يكون الإشاره بالسجود قبل التسليم (29) ...
قال الشهيد في الذكرى: وخبر ذي اليدين متروك بين الإمامية لقيام الدليل العقلي على عصمة النبي (صلى الله عليه واله) عن السهو ، ولم يصير إلى ذلك غير ابن بابويه ثم قال هذا حقيق بالإعراض عنه لأن الأخبار معارضة بمثلها فيرجع إلى قضية العقل ولو صح النقل وجب تأويله على أن إجماع الامامية في الأعصار السالفة على هذين الشيخين واللاحقة لهما على نفي سهو الأنبياء والائمة (30).
لقد أجملنا الحديث في الأدلة النقلية كي لا نخرج عن الإطار الذي رسمناه للبحث ، وإكمالاً للفائدة ، نذكر بعض الأدلة العقلية في نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه واله) ورد أقوال المجوزين :
أولاً : إن الأنبياء الذين اختارهم الله سبحانه دعاة ومبلغين لرسالاته ، وسفراء إلى خلقه ، وأمناء على وحيه ، إنهم في الذروة العليا من الكمال والإخلاص والطهارة وقد اختارهم سبحانه بعدما توفرت الشروط اللازمة فيهم ، فلا يشك أحد في كونهم أفضل المخلوقين وأنهم الصفوة الطاهرة ، ولا يصل إلى مرتبتهم في الفضل والكمال سائر البشر. فمن لوازم النبوة العصمة في الأنبياء وخلوصهم من كل عيب أو نقص منفر ؛ والسهو أو النسيان عيب أو نقص عن الكمال ، وهذا مختص بالإنسان العادي ، أما الأنبياء فيستحيل عليهم السهو والنسيان لأنه قدح بكمالهم وانتقاصاً لفضلهم.
والسهو قد يكون من فعل الساهي ، كما قد يكون من فعل غيره ، ولما كان مختص بمن يعتريه ، إذا يمكن التحرز منه.
ولما عرفت أن السهو والنسيان عيب ونقص لهذا حرص الناس أن لا يودعوا أموالهم وأسرارهم عند من عرف بالسهو والنسيان ، كما أن الفقهاء وأهل النظر يطرحون ما يرويه ذوو السهو من الحديث والأخبار ، إلا أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي الفطنة والذكاء.
ثم لو جاز على النبي أن يسهو في صلاته ، لجاز عليه أن يسهو في بقية العبادات والأفعال ، فيصنع ضوابطاً غير الضوابط التي أقرها الله سبحانه ، حتى يسهو فينقلها عن حدودها الشرعية ، وعند ذاك لا يؤمن منه الزيادة في العبادة أو النقصان منها.
فلو جاز على النبي أن يسهو في صلاته لجاز عليه السهو أيضاً في صيامه فيفطر في نهار الصيام كان يأكل أو يجامع نساءه ساهياً.
ولجاز عليه أن يسهو في أدائه للزكاة كأن يؤخرها عن إخارجها أو يدافعها مستحقيها أو ...
ولجاز عليه أن يسهو في رد المنكر والنهي عنه ... الخ.
كل ذلك يثبت إذا ثبت سهوه في الصلاة ونسيانه فيها ، لأن كل ذلك عباد تعبد بها النبي (صلى الله عليه واله) على وجه القربة إلى خالقه. أضف إلى ذلك أنها عبادة مشتركة بينه وبين سائر الناس ، فإذا تساوى الرسول ـ والذي هو مبلغ للأحكام والأمين على الرسالة ـ مع بقية الناس فيسهو وينسى كما يحصل لهم من السهو والنسيان ، إذن ما ميزة النبي على أمته؟! وأي فضل يبقى للنبي ورسالته؟! وإذا جاز السهو عليه (صلى الله عليه واله) فلماذا اختص سهوه ونسيانه بالصلاة دون غيرهما من العبادات؟!
ثانياً : الروايات المشتملة على سهو النبي (صلى الله عليه واله) شهرتا بين العامة أكثر من شهرتها بين الخاصة ، لذا حملها على التقية هو المتعين.
ثالثاً : اختلاف الروايات من حيث وقوع السهو في الصلاة التي كان يؤديها النبي ، وعدم تحقق تعيينها في كونها صلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء ، يوجب طرحها.
رابعاً : بما أن فكرة سهو النبي توافق العامة وتخالف أصول المذهب عندنا فإن الروايات الحاكية لهذه الفكرة ساقطة عن الاعتبار.
خامساً : لقد أجمع المسلمون على أن النبي لا يكذب وما صدر منه الكذب طيلة حياته قبل النبوة وبعدها والأخبار الواردة في سنن أبي داود (31) ومسلم (32) وسنن ابن ماجة (33) تذكر أن رجلاً ـ وفي بعضها ذا اليدين ـ سأله لما سها (صلى الله عليه واله) في عدد الركعات ، فأسقط بعضها فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فكان جوابه (صلى الله عليه واله): لم أنس ولم تقصر ، وفي بعضها : ( كل ذلك لم يكن ) وفي بعض الروايات ( لا ).
أقول إذا كان عالماً بالسهو فجوابه بالنفي كذب ، والكذب قادح بنبوته ومسقط للمروءة لذا لا بد من القول بأن جوابه لم يخالف الواقع الذي هو عليه حيث أن يقينه (صلى الله عليه واله) قد أتى بالصلاة كاملة وأن الشك الذي ظهر هو من السائل ـ في اليدين ـ لهذا قال (عليه السلام) : ( لم أنس ولم تقصر ) بل وإن عبارته (صلى الله عليه واله) في بعض الروايات : ( كل ذلك لم يكن ) هي أصرح في النفي وآكد حيث نفى كل سهو ونسيان ، كما أنه لم يفغل (صلى الله عليه واله) عن تبليغ الأمة فيما ينزل عليه من تشريع جديد أو نسخ في بعض الأحكام والعبادات لهذا لم يطرأ على الصلاة أي تغير.
بل كيف الجمع بين هذه العبارة : ( كل ذلك لم يكن ) وبين ( استقباله الناس وسؤاله منهم )! أصدق ذو اليدين؟ فقالوا نعم يا رسول الله ، فأتم ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتي السهو؟!
فهل المأموم أحفظ من الرسول في صلاته؟ والمولى سبحانه في القرآن الكريم يخاطب النبي (صلى الله عليه واله) فيقول له : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6].
وقد تواتر من الفريقين أن النبي (صلى الله عليه واله) تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف من لا ينام قلبه في حال النوم ينام قلبه حال اليقظة عن عبادة ربه التي قوامها التوجه والإقبال الخالص على الله.
سادساً : ما يعارض أخبار السهو روايات عديدة منها موثقة ابن بكير حيث أن النبي لم يسجد للسهو قط بل ولا يسجدهما فقيه.
سابعاً : فيما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) وقد جاوز حد التواتر أنه قال (صلى الله عليه واله): ( إياكم وخشوع النفاق ؛ يخشع البدن ولا يخشع القلب ) (34) وهو القائل : ( ركعتان مقتصدتان خير من قيام ليلة والقلب ساه ) وهو القائل : ( لا صلاة لمن لا يتخشع في صلاته ) (35) وهو القائل ( من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قام يصلى صلاة يعلم ما يقول فيها حتى يفرغ من صلاته كان كهيئته يوم ولدته أمه ) (36). وقال (صلى الله عليه واله): إذا صليت فصل صلاة المودع ، ولا تتحدثن بكلام يعتذر منه واجمع اليأس مما في أيدي الناس (37).
إذا كان حال الرسول مع أصحابه في الموعظة والإرشاد هكذا فكيف به وهو يصلي جماعة ساهياً فينقص من صلاة الظهر أو العصر أو العشاء؟! ...
ألا تجد أن خطاب الله سبحانه : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] سوف يشمل النبي (صلى الله عليه واله) ؟!
إذا فهل يعقل أن النبي يتوجه إلى لقاء ربه وفي عبادة يشترك معه المسلمون لأداء صلاة الجماعة ولم يكن لقلبه أدنى حضور حتى يسهو في صلاته؟!
ثامناً : ذكر المتقي الهندي أحاديث في باب السهو منها أن الرسول (صلى الله عليه واله) قد أخبر أصحابه أنه لو نسي في صلاته فعلى الرجال أن يسبحوا حتى يستدرك وعلى النساء التصفيق (38).
فلو كان المصلون على علم ويقين من سهو النبي ، فلماذا لم يجنحوا إلى التسبيح والنساء إلى التصفيق حتى لا يفوتهم شيء من الصلاة ، وتكون عبادتهم قد أديت على أتم وجه؟!
تاسعاً : ادعى المجوزون لسهو النبي واستناداً إلى ذيل بعض الروايات أن سهو النبي رحمة للأمة وفي بعضها ليفقههم بالدين ...
أقول : عجباً أن تكون الرحمة الموهوبة إلى الأمة عن طريق إسهاء النبي ونسيانه ، ولماذا كانت الرحمة سبيلها الخطأ في الصلاة دون بقية العبادات؟! وهل اقتصر أمر تفقيه الأمة في أمور دينهم بسهو النبي فقط؟!
وإذا أراد المولى سبحانه أن يفقه الناس في أمور دينهم فإسهاء النبي في الصلاة لغرض تعليم الناس أحكام السهو ، فما السبيل على تفقيهم لبقية الأحكام والعبادات؟!
عاشراً : إن القائل بسهو النبي يدعي أن سهوه من الله سبحانه وهو يفرق بين سهو النبي وسهو الناس ، إذ يزعم أن سهو الناس من الشيطان لأنهم يتولونه أما سهو النبي فهو من الله.
أقول : هذا أمر عجيب ...
لقد صرح القرآن الكريم في قصة موسى (عليه السلام) والحوت فقال : {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } [الكهف: 63].
وفي قصة يوسف لما مكث في السجن قال : {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] (39).
فالنبي موسى والنبي يوسف ـ في هذه الآية وفي تفسير على أحد الوجوه ـ يعترفان أن الذي أنساهما هو الشيطان ، فهل يعني ذلك أن للشيطان سبيل عليهما؟! أو أنهما يتولانه ، حتى أنساهم أو أن له عليهما سلطان دون غيرهما من الأنبياء...؟! ثم ماذا تقول عن الحديث الوارد عن أبي هريرة عن النبي أنه قال إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم ... الحديث .
الحادي عشر : قال علماء الجمهور من السنة والشيخ الصدوق من الخاصة أن الذي حصل للنبي هو إسهاء من الله لا السهو الذي هو من الشيطان أقول ما الغرض من الإسهاء؟ هل المراد منه تشريع سجدتي السهو فهذا غير متوقف على السهو في الصلاة بل إنه منوط بالرسول (صلى الله عليه واله) في تبليغه للأمة في أي وقت شاء وبالخصوص يتعين تبليغه إذا حدث من أحدهم. فبيان سجدتي السهو والركعات المنسية أو التشهد لا يتوقف على الإسهاء.
وإن كان السهو لغرض الإسهاء فهذا الوجه أقبح من الأول لأن الإسهاء في الحقيقة غير اختياري ، فلا يعقل له حكم كما عرفت أن الإسهاء من الله ، والعبد لا إرادة له فيه فكيف يشرع له حكم؟ أليس هذا ضرب من الجبر؟!
الثاني عشر : أن خبر ذي اليدين الذي يرويه أبو هريرة لا يصح عندنا لما فيه من الكذب الصريح ، ففي مسند الشافعي ـ وصحيح البخاري وغيره ـ قال أبو هريرة صلى بنا رسول الله صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال : أقصرت أم نسيت يا رسول الله (40)؟! ...
إن الراوي لهذا الخبر أبو هريرة وقد أسلم أبو هريرة عام خيبر أي في السنة السابعة للهجرة. وذو اليدين قد استشهد في غزوة بدر أي في السنة الثانية للهجرة فأين كان أبو هريرة عندما استشهد ذو اليدين وكيف أخذ عنه وقد سبقه ذو اليدين إلى الإسلام بخمس سنين؟!
والحديث الذي رواه أبو هريرة صريح أنه كان مع النبي وصلى بهم العصر وقد شهد الصلاة ذو اليدين ... ألم يكن هذا من مختلقات أهل الوضع إن لم نقل إنه من عنديات أبي هريرة؟! ولو سلمنا إن ذا اليدين اسمه ذو الشمالين وذو الشمالين هو الذي استشهد في بدر فالإشكال هو الإشكال.
وإذا قيل أن ذا اليدين شخصان أحدهما استشهد في بدر والآخر كان حياً إلى زمن معاوية .. قلنا إن ذا اليدين الذي تزعمون أنه كان حياً إلى زمن معاوية مجهول ولم يوثقه أحد وبهذا سقط الحديث عن الاعتبار وبطل الاستدلال.
الثالث عشر : تواترت الأحاديث من الفريقين ، من أن الصلاة عمود الدين كما أن الدعاء مخ العبادة ، والصلاة كلها ذكر ودعاء وخشوع وخضوع ، فلو جاز السهو على النبي (صلى الله عليه واله) فينقص منها أو يزيد فيها يعني خروجه عن إطار الخشوع والخضوع وسهوه إنما هو لانشغال البال وعدم خضوع القلب ، وهذا باطل لأنه منفر لمن يتابعه في أفعاله وأقواله.
الرابع عشر : ورد عنه (صلى الله عليه واله) أنه قال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وهذا يعني متابعة الرسول بأي كيفية كانت ، فلو جاز عليه السهو والخطأ والنسيان لوجبت متابعته ، لأننا مأمورون بذلك ، وهذا يعني متابعة الخطأ في العبادة والأمر باتباع الخطأ قبيح بالأدلة النقلية والعقلية ، فسبحانه لا يصدر منه القبيح كما أنه لا يأمر به.
الخامس عشر : أما رواية سعيد الأعرج وسماعة بن مهران في شأن نوم النبي (صلى الله عليه واله) عن صلاة الصبح فالخبر موافق لمرويات العامة ومخالف لأصول المذهب. وقد دلت الأخبار عنه (صلى الله عليه واله) أن عينه تنام ولا ينام منه القلب ، وفي رواية أخرى أنه يعلم ما وراءه كما ينظر ويعلم ما أمامه ، فكيف ينام عن صلاته المكتوبة؟!
السادس عشر : مع كون صحة الخبرين ـ خبر الأعرج وخبر ابن مهران ـ فقد تركهما الأصحاب لحمل صدورهما للتقية (41).
هذه جملة من الأدلة ، والتي دأبنا أن لا نطيل فيها ، وقد اتضح من خلالها عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم قبل وبعد النبوة والإمامة ، وأنهم منزهون عن المعاصي كبيرها وصغيرها عمدها وسهوها.
وقد كشفنا النقاب عن الروايات القائلة بسهو النبي من كتب الخاصة والعامة ثم كشفنا عن الاخبار والروايات المعارضة لها وأقوال علماء جمهور السنة وعلماء الإمامية في نفي السهو عنه (صلى الله عليه واله) ، وقد شارك علماء الإمامية طائفة كبيرة من علماء السنة على مختلف مذاهبهم وأزمنتهم ، وهكذا علماء الصوفية وأهل الرياضات ، فأقروا بعصمة الأنبياء ونزهوهم عن كل عيب ونقص من شأنه ينفر الأمة عنهم ، أو يكون سبباً للازدراء ...
وإذا ثبت ذلك بإجماع الطائفة كما ثبت عند المخالفين إذن لا يبقى أدنى شك من كون المعتقد بنفي السهو عن النبي والأئمة : خارج عن حد الغلو ، وأن قول الصدوق وشيخه ابن الوليد ساقط عن الاعتبار ، وقولهما مرفوض بإجماع الطائفة (42) وليس هذا بغريب فإن لجواد قد يكبو والسيف قد ينبو ...
أقول : لقد ذكر الشيخ الكليني في الكافي خمسة أحاديث في باب سهو النبي ونسيانه وقد تقدم ذكرها ، الأولى هي موثقة سماعة بن مهران ، والرواية الثانية عن الحسن بن صدقة وهي ضعيفة والثالثة موثقة سماعة والرابعة صحيحة سعيد الأعرج ، والخامسة كذلك صحيحة سعيد الأعرج.
وقد أوردها الشيخ لكونها تتضمن حكماً فقيهاً ، أما أنه يدين بسهو النبي أو الإمام فذاك ليس من مذهب الشيخ ، وقد تقدم في الجزء الأول من كتاب الأصول ؛ كتاب الحجة ، حيث ذكر عدة أبواب يؤكد فيها عصمة النبي والأئمة الأطهار ، وما أورده في الفروع من كتاب الصلاة إنما لحاجة بعض أبواب هذا الكتاب إلى الدليل المعتبر لغرض إبراز الحكم للمكلف.
ثم بينا أن بعض هذه الأحاديث كانت ضعيفة وبعضها الآخر لم يعمل بها الأصحاب ثم ما جاء فيها عن النبي في كونه سها أو نسي إنما يحمل هذا على التقية. ولا مانع من إيرادهما ، وكما عرفنا أن ديدن الشيخ الكليني في كتابه أنه يذكر حتى ـ بعض ـ الأحاديث الصادرة منهم : على سبيل التقية ، وهذا لا يقدح في مبنى الشيخ ومسلكه في التأليف وعقيدته المذهبية.
وخلاصة المطاف أجمعت الطائفة على تنزيه النبي والأئمة من كل نقص أو سهو أو نسيان وهذا الإجماع مشهور عند علماء المتأخرين كشهرته عند المتقدمين منهم وبالتالي القائل بعصمة النبي والأئمة : وكذا من ينفي عنهم السهو والنسيان لا ينطبق عليه مصطلح الغلو ، فافهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من لا يحضره الفقيه 1 | 234 ، ط 5 ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.
(2) أقول : لقد ذكرنا جملة من الروايات في سهو النبي ، منها ما ورد في صحيح البخاري ففي رواية أبي هريرة ذكر أن ذا اليدين قال للرسول (صلى الله عليه واله ) أنسيت أم قصرت؟
فقال ( صلى الله عليه واله ) لم أنس ولم تقصر ... الرواية ، فجوابه (صلى الله عليه واله ) أنما كان عن يقين. وسبحانه يؤكد قول نبيه في كل حال وآن ، فالآية المتقدمة في جملة ما يستدل بها على نفي السهو فافهم.
(3) بصائر الدرجات 475.
(4) بصائر الدرجات 474 وقد ذكر أبو جعفر الصفار أحاديث كثيرة في شأن الروح ، وروح القدس. راجع بصائر الدرجات 465 ـ 485.
(5) التهذيب 1 | 350 ، الحديث 1454.
(6) المحكم والمتشابه 79 و 124.
(7) أصول الكافي ، كتاب العقل والجهل 1 | 15 ـ 17 ، الحديث 14.
(8) أصول الكافي 1 | 202 ـ 203 ، كتاب الحجه الحديث الأول.
(9) أنظر المغني لابن قدامه 1 | 460 وشرح الموطأ للباجي 1 | 142.
(10) الخصال 1 | 49 و 50 وأصول الكافي 1 | 388.
(11) كشف الغمة 307.
(12) أصول الكافي كتاب الحجة ، باب مواليد الأئمة 1 | 388 الحديث الثامن.
(13) علل الشرائع ـ الشيخ الصدوق 1 | 208 ط 2 ، 1966 ، م الحيدرية.
(14) بصائر الدرجات 482.
(15) بصائر الدرجات 483.
(16) تنزية الأنبياء ـ السيد المرتضى 355 ـ 436 هـ ص 8 ، منشورات الرضي قم.
(17) البحار 17 | 108 ط 3 ، 1983 مؤسسة الوفاء ، دار احياء التراث العربي بيروت ،.
(18) قال الشيخ المفيد قبل هذا : ان جميع انبياء الله معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها ومما يستخف فاعله من الصغائر كلها ، واما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلى غير تعمد وممتنع منهم بعدها على كل حال ، وهذا مذهب جمهور الامامية ـ اوائل المقالات ص 69 أما في خصوص النبي محمد (صلى الله عليه واله) قال : ان نبينا محمد ( صلى الله عليه واله ) ممن لم يعص الله عز وجل منذ خلقه الله عز وجل الى أن قبضه ولا تعمد له خلافا ولا اذنب ذنبا على التعمد ولا النسيان وبذلك نطق القرآن وتواتر الخبر عن آل محمد (صلى الله عليه واله) وهو مذهب جمهور الامامية ... اوائل المقالات ص 690 .
(19) من شذ منهم ، أي أبو جعفر الصدوق وشيخه ابن الوليد قدس الله أرواحهم ، أقول ومن الذين أدركناهم محمد تقي التستري من المعاصرين صاحب كتاب قاموس الرجال.
(20) أوائل المقالات المفيد 74.
(21) تصحيح الاعتقاد ـ المفيد ( ت 413 هـ ) ص 240 ـ 241.
(22) تقريب المعارف في الكلام تقي الدين ، أبو الصلاح الحلبي ت 374 ـ 447 هـ ص 103 ، ط سنة 1404 ، قم.
(23) شرح التجويد ـ المحقق الطوسي ، المسألة الثالثة في وجوب عصمة النبي.
(24) كشف المراد في شرح الاعتقاد ـ العلامة الحلي ، ص 349 ـ 350 ، مؤسسة النشر الإسلامي قم ، 1407.
(25) الرساله السعدية للعلامة الحلي الحسن بن المطهر ت 648 ـ 726 هـ ، من كتاب كلمات المحققين وهو يحتوي على ثلاثين رساله ص 355 ، منشورات مكتبة المفيد ثم 1402.
(26) شرح الاعتماد على واجب الاعتقاد ، الفاضل المقداد ص 396 ، وهذه الرسالة من بين ثلاثين رساله جمعت تحت عنوان كلمات المحققين منشورات مكتبة المفيد ـ قم ط حجرية 1315.
(27) مختصر النافع ـ نجم الدين جعفر بن حسن الحلي ت 676 هـ ، ص 45 ، وزارة الأوقاف المصرية ، دار الكتب العربي ، القاهرة.
(28) منتهى المطلب ـ العلامة الحسن بن يوسف الحلي ت 762 هـ ، 1 | 418 ط حجرية.
(29) منتهى المطلب 1 | 419.
(30) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، الشهيد بن مكي العاملي ت 786 ، ص 215 ط حجرية ، منشورات بصيرتي.
(31) سنن أبي داود 1 | 264 الحديدث 1008 والحديث 1015.
(32) وصحيح مسلم 1 | 404.
(33) سنن ابن ماجه 1 | 383 الحديث 1213 والحديث 1214 وغيرها من كتب الصحاح والسنن.
(34) كنز العمال (عليه السلام) | 527 الحديث 20090.
(35)(36) كنز العمال (عليه السلام) | 526 الحديث 20087 و 20088.
(37) كنز العمال (عليه السلام) | 528 الحديث 20095.
(38) كنز العمال (عليه السلام) | 472 عن أبي هريرة قال : قال النبي أن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء. الحديث 19837.
(39) الضمير في أنساه يعود إلى مظنون النجاة الذي كان مع يوسف في السجن ونحن إستشهدنا بهذه الآية إستناداً إلى من يجعل الضمير في أنساه عائد إلى يوسف ... التفسير الكبير ، الفخر الرازي 544 ـ 604 م 9 | حـ 18 | 148 ط 3 دار الفكر بيروت 1985.
(40) مسند الشافعي 121 وصحيح البخاري 2 | 85 وسنن أبي داود 1 | 264 الحديث 1008 وصحيح مسلم 1 | 404 وسنن بن ماجه 1 | 383 الحديث 1214.
(41) لقد إستفدنا ـ في بعض ما أوردنا من الأدلة العقلية في نفي السهو ـ من الرسالة المنسوبة للشيخ المفيد في رده على الصدوق وما نقلناه بتصرف.
(42) قد نجد بعض من شذ عنهم ، كالشيخ محمد تقي التستري صاحب قاموس الرجال ، وهذا لا يقدح بإجماع علماء الطائفة المحقة وما سطر في رسالته الملحقة بالجزء 11 من كتابه ليس فيه جديد ، بل يدلل على سذاجة في العقيدة.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|