أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-25
1134
التاريخ: 26-4-2019
1982
التاريخ: 2024-10-27
238
التاريخ: 2023-04-03
952
|
ان صلتنا بتاريخنا الإسلامى ابعد من مجرد التعرف على احداث الزمن الماضى، وابعد ايضا من اقتناص التجارب واضافتها الى المخزون الثقافي.. ذلك ان تاريخنا الإسلامى بحكم اصالته، وبفعل العوامل الخاصة التى ساهمت فى تكوينه، قد أصبح شريكا للقرآن والسنه فى تكوين الروى والمواقف، وصياغه الكثير من المعتقدات والمعارف، وهو لدى السواد الاعظم من الناس، ممن ليس لديهم صله واعيه بالقرآن الكريم والسنه المطهرة وفقههما، اكثر ثقلا واعظم اثرا..
من هنا اصبح الوعى التاريخي جزءا لا يتجزأ من الوعى العقيدي..
وأصبح تصحيح المخزون التاريخي شرطا اساسا فى تصحيح الاعتقاد.
اننا بلا شك امه ذات تاريخ عريق جدير ان تفخر به وتعتز، فلم تكن نقله التوحيد الكبرى التى احدثها الاسلام فغير بها صوره الحياه على الارض بالامر اليسير او الهين.. ولا كانت رساله القرآن الشاملة الخالدة بالامر الذى يطوى او يقلل من اهميته شىء على الاطلاق.. ولا كان المد الحضاري الذى صنعه المسلمون طوال ثلاثه عشر قرنا ملكوا فيها بالشيء الذى يغيب اثره.. انه جدير بنا ان نفخر بذلك كله، وان نربى اجيالنا على الفخر به، فنبرز دوما دواعي الفخر ونحفها بالإطراء والتبجيل والتقديس..
لكننا فى الوقت ذاته بحاجه اكيده الى الاعتراف بوقوع الخطا والانحراف فى المسار التاريخي، ثم تشخيص ذلك وتحديده وتتبع اصوله وجذوره لملاحظه مدى الاثر الذى تركه فى الامه فكريا واجتماعيا، ذلك لما احتله التاريخ الإسلامى من دور معرفي خطير.. (فمما لا شك فيه انه قد وقعت انحرافات كثيره فى المجال السياسي عن الخط الإسلامى الاصيل، وان هذه الانحرافات قد وقعت فى وقت مبكر من تاريخ الاسلام لم يكن ينبغي ان تقع فيه) ((1)).
اذن فالذى ننظر اليه نظره التبجيل والتقديس ونكرس فى اظهاره والدفاع عنه كل الطاقات والامكانات ليس هو الواقع التاريخي الناجز بكل ما يحويه من حلو ومر، بل هو الأطروحة والموقف والانجاز الذى يتحرك مع اهداف الشريعة ومقاصدها بغض النظر عن مصدره، اهو السلطان والنظام السياسي القائم، ام الخطوط الاسلاميه المعارضة للسلطان ونظامه..
فليس من الموضوعية فى شى ء ان نجعل الواقع التاريخي الناجز هو المقوم للحقيقة وللتاريخ نفسه، بل الشريعة بنصوصها ومعالمها ومفاهيمها ومقاصدها هى المرجع فى تقويم ذلك كله.
لا بد ان نتنبه وننبه دوما الى الفصل بين سياده الاسلام وانتشاره كقيمه حضارية وانسانيه وبين الدوله السلطانية التى قد تلتقى معه فتكون جزءا منه حيا فعالا دافعا لحركته باتجاهها الصحيح، وقد تفترق عنه فتكون اهم ما يعيق حركته من الداخل! (الا ان رحا الاسلام دائره، فدوروا مع الكتاب حيث دار، الا ان الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، الا انه سيكون عليكم امراء يقضون لانفسهم ما لا يقضون لكم فاذا عصيتموهم قتلوكم واذا اطعتموهم اضلوكم) ((2))! فالمسيره مع الكتاب، التى قد يفارقها السلطان، هى التى تمثل تاريخ الاسلام الحق الذى ينبغى ان نبرزه ونقدمه للاجيال منار هدى ورايه فخر.. هذه الرؤية تشكل المقدمة الاولى لقراءة واعيه فى التاريخ يكون النقد الموضوعي البناء اهم لوازمها..
اما المقدمة الثانية فتنصب على دواوين التاريخ الاسلامى :
تلك الدواوين، مراجع التاريخ، التى ان كانت قد حملت الكثير والكثير جدا من حقائق التاريخ، او تكاد فى مجموعها ان تكون قد حفظت جميع حقائقه، فهى بلا شك قد حملت الى جنب ذلك اباطيل كثيره:
منها: ما هو إسرائيلي الصنع! ومنها ما هو من صنع الزنادقه الذين تستروا بالإسلام فكادوا له شرا، وهولاء كانوا دائما اقدر على تزيين اساطيرهم وترويجها، اذ كانوا يضعون اساطيرهم دائما فى خدمه اهواء اصحاب الفرق الدينيه او السياسية المتناحرة، وفى اجواء هيجان الصراع الفكرى بينها، فمن الطبيعى ان تجد لها على الفور انصارا يتمسكون بها ولا تعنيهم مصادرها ما دامت قد حققت ماربهم! ومنها ما نقل خطا، من غير قصد، بتوهم انه الحق.
ومنها اكاذيب القصاصين وتحسيناتهم حين لم تكن غايتهم الكذب والكيد والقاء بذور الفتن، بل حين يمضون وراء تجارتهم، او مواقعهم الاجتماعية، او نهجهم القصصي.
ومنها ما اختصت به المصادر الحديثة، من كتب فى التاريخ او دراسات تاريخيه، مما ترشح عن مدارس الاستشراق، او التفاسير المادية او القومية للتاريخ الإسلامى! من كل هذا تجمع حول الحقيقة التاريخية غبار كثيف، وجاءت الحقائق مفرقه، موزعه هنا وهناك.
فمن هنا اكتسبت الدعوة الى تصحيح التراث واعاده كتابه التاريخ مصداقيتها، واصبحت ضرورة لا غنى عنها فى اى جهد معرفي، ابتداء بالمطالعة العامة، الى التثقيف والتعليم، الى التاصيل، والى اعاده الصياغة بما يتناسب مع لغة العصر وحاجاته وما توفر فيه من ادوات للنقد ومناهج للبحث.. (ان هناك عده ملاحظات فى اكثر من اتجاه تجعلنا نلح على ضروره اعاده كتابه التاريخ الإسلامى) ((3)).
فهى ضرورة قد ادركها عامه المهتمين بشان التاريخ، وعقدت لأجلها الجامعات العربية مؤتمرا علميا كبيرا اقيم فى جامعه الكويت عام 1974 م، وانتهى المؤتمر بإقرار ضرورة تنفيذ مشروع لا عاده كتابه التاريخ الإسلامي ((4)). وقبل انعقاد هذا الموتمر بعقود من الزمن كانت تتردد مثل هذه الدعوه من مصادر مختلفه، لكن المشكله فى تلك الدعوات - وان لم تخل من دعوات مخلصه - انها غالبا ما تكون دعوات مغرضه، تنوى حشر التاريخ الاسلامى فى قوالب غريبه عليه، قوميه، او ماديه، او متاثره بواحده من الفلسفات الغربيه والاتجاهات الاستشراقيه الحديثه! وهذه الدعوات اخطر على تاريخ الاسلام من كل ما حملته دواوينه من اباطيل وظلمات، لانك تجد الى جنب هذه الاباطيل والظلمات حقائق لها نور تهتدى به ما اردت الهدى، اما حين يصاغ التاريخ وفق قوالب غريبه عليه، فسوف لا تجد بين ظلماته واباطيله نورا لحقيقه! وحين ننتقل الى الدعوات الاسلاميه المنبعثه باخلاص فى هذا الاتجاه، فسوف نصطدم بمشكله معقده اخرى، وهى ان الكثير منا ما زال لا يعرف الف باء فقه الحريه! فهو لا يرى اللّه الا من خلال السلطان! فالسلطان عنده هو المعبر دائما عن اراده اللّه واهداف الشريعه! ان وجود هذا الطراز من الناس بين طلائع المؤرخين ونقاد التاريخ قد شكل فى نظرنا اهم مبررات التصحيح واعاده كتابه التاريخ، دون ان يقلل من اهميه المبررات الاخرى.
ثم ان طائفه من نقاد التاريخ الاسلاميين قد قطعوا شوطا طويلا فى فقه الحرية، فأثارتهم ظاهره الاستبداد فى التاريخ، فراحوا يحللون عناصرها، فوجدوا (وعاظ السلاطين) ظاهره ملازمه لها، فلما توغلوا فى التفصيل ليقدموا نماذج من وعاظ السلاطين وادوارهم التخريبيه، اذا بهم ينتخبون (فرنسيس بيكون) مثلا! ذلك الفيلسوف الإنجليزي الذى امتلك كل دواعي الفخر من علم وفطنه وقدرات شخصيه، الا الشرف! ذلك لانه كان يرتشى! وكان يقضى احيانا بحسب رغبه السلطان!! ان رجالا فى تاريخنا القديم والمعاصر مثلوا هذا الدور ودخلوا فى تكوين العقليه المسلمه - نسبه الى المسلم لا الى الاسلام - هم اجدر بكثير ان يكونوا امثلتنا عن وعاظ السلاطين ونحن نواجه مشكلات تاريخنا الخاصة، ثم بعد ذلك سوف لا تنتفى الفائده من التمثيل بفرنسيس بيكون وغيره.
ان مجموع تلك الروى والملاحظات وما يتشعب عنها من فوائد قد صاغت لدينا المعالم الأساسية فى المنهج المتكامل لنقد وقراءه التاريخ الاسلامى، والتى بوسعنا تبيانها على النحو الاتى:
1 - ان الدوله السلطانيه والنظم السياسيه بعد الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) لا تعبر بالضروره عن كلمه الاسلام واهدافه، بل قد تختلف معها وتقاطعها، وهذه حقيقه تاريخيه ملموسه لا تضر ابدا فى كون الاسلام مشروعا حضاريا شاملا قد ادخل فى حسابه عناصر الزمان والمكان والفطرة البشرية.
2 - عدم التسليم بكل ما تضمنه تراثنا التاريخي من نصوص.
3 - عدم التسليم بآراء الناقدين والمحللين من القدامى والمحدثين.
4 - استبعاد المواقف المسبقه ازاء الاحداث والقضايا التاريخيه، والحكم عليها وفق معطيات ونتائج البحث العلمى.
5 - استبعاد المناهج الغريبه على الاسلام، فى القراءه والنقد والتحليل، سواء فى ذلك المناهج الاستشراقيه، والقوميه، والماديه، والباطنيه، والطائفيه، والفوضويه المتاثره بالذوق الشخصى او بالظروف الخارجيه المتقلبه.
6 - اعتماد الادوات العلميه والموضوعيه اللازمه فى محاكمه الروايه والراى، واختيار ما تثبت الادوات صحته، ونفى الاخر الذى لا تجد له اثرا فى الطرف الاخر من المعادله، فهو انما اندس فى تراثنا عند غياب رقابه تلك الادوات، او بالالتفاف عليها.
7 - النظر الى مناهج المورخين المتقدمين وطبيعه تتبعهم واختيارهم للاخبار، كواحده من ادوات البحث، فالذى يختاره واحد او اكثر ممن عرف بالتثبت ودقه الاختيار اولى بالقبول من روايه من غلب على منهجه جمع الاخبار دون تمحيص، حين تاتى روايته بلا اسناد او باسناد فيه ضعف بين.
واصحاب التفصيل والاطناب حكم على اصحاب الايجاز فى ما تحوم حوله شبهه انكار.. وصاحب الهوى متهم فى ما يرمى به خصمه حين يتفرد به، او حين لا يشاركه فى روايته الا آخر مثله.. وهو متهم ايضا فى ما يتفرد به من مناقب وفضائل ينسبها الى طائفته، لكن شهادته مقبوله حين يشهد على طائفته بتقصير او انحراف.. الى غير ذلك من خصائص منهجيه ذات صله بهذا الموضوع.
8 - سحب المرجعيه والاصاله من المراحل التاريخه ورجال التاريخ كافه، ووضعها فى محلها الصحيح، فى الكتاب الكريم والسنه المطهره، من قول النبى(ص) وتقريراته وسيرته العمليه، وكل ما وراء هذين المصدرين من مراحل التاريخ ورجاله فهو موزون بهما، معروض عليهما، محكوم عليه باحكامهما، ولا يصح بحال اعتباره فى نفسه مرجعا ترجع اليه القضايا التاريخيه المتنازع فيها، او اصلا تقاس اليه.. قال تعالى :
( فان تنازعتم فى شى ء فردوه الى اللّه والرسول ان كنتم تومنون باللّه واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا ) ((5)).
ولعل هذا الاصل المنهجي الاخير هو اهم ما يميز هذه الدراسة عن غيرها من محاولات الاسلاميين السابقه على طريق التصحيح واعاده كتابه التاريخ الاسلامى.
_________________
(1) محمد قطب / كيف نكتب التاريخ الاسلامى : 16.
(2) حديث شريف اخرجه الطبرانى / المعجم الصغير 1 : 264، الهيثمى / مجمع الزوائد 5 : 228، 238.
(3) محمد قطب / كيف نكتب التاريخ الاسلامى : 11.
(4) المسلم المعاصر (مجله) - العدد 11 سنه 1397 ه' 1977 م: ص 123.
(5) النساء 4 : 59.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|