أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-04-2015
1426
التاريخ: 25-11-2014
1441
التاريخ: 5-10-2014
1882
التاريخ: 5-10-2014
2057
|
كان الجَدل عَنيفاً حَول مسألة ( تعدّد الزوجات ) ، كانت عادةً جاهليّة ومُهينة بموضع المرأة في الحياة الاجتماعيّة والأُسريّة ، حينما نجد الإسلام قد أقرّها { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] .
غير أنّ الآية نزلت في ظروف خاصّة وعِلاجاً لمشكلةٍ اجتماعيّة كانت تَقتضيها طبيعة الإسلام الحركيّة ولا تزال ، وهو دين كِفاح ونضال مستمرّ مع خُصوم الإنسانيّة عِبر الأجيال .
كان الإسلام مِن أَوّل يومه نهضةً إنسانيّةً ؛ دفاعاً عن حريم الإنسان وكسراً لشوكة خُصومه الألدّاء ، { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5, 6] ، {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] ، فلا يَزال الإسلام في كِفاح مستمرّ مع المُستكبرِين في الأرض وفي صالح المُستضعفين ، حتّى يتحقّق هذا الهدف المقدّس ويتمكّن الصالحون مِن الحُكم على أرجاء العالم المَعمور .
ولا شكّ أنّ ديناً كان ذلك مَنهجه وهذا دَأَبه كانت المشاكل الاجتماعيّة ـ التي تَستَعقِبُ هذا المنهج الحركي ـ حليفَتَه عِبر الأيام ، فلابدّ هناك مِن وَضع برامج لمُعالجتها عِلاجاً حاسماً دون تَعقّد العراقيل .
ومِن المشاكل هذه مشكلة الأيتام القُصَّر وأموالهم إلى جَنب الأرامل الشابّات ، التي تُخلِّفُها الحروب وهي تَلتَهم الشبّان مِن الرجال ، فلابدّ مِن قَيمُومة بشأن القُصّر وعِلاج مُشكلة الأرامل دون تفشّي الفساد .
كان المسلمون بدورهم آنذاك موظّفين بكفالة الأيتام والقيام بشؤونهم دون ضياعهم وضياع أموالهم ، وربّما كان بعضهم يتحرّجون مِن ذلك خَشيَة قصورٍ أو تقصير بشأن اليتامى ، وهكذا كانت مشكلة الأرامل حقيقة واقعة لا مَهرب منها سِوى الترخيص في الزواج معهُنّ مِن قِبل رجال أكفاء ، وكان في ذلك رعايةً لِكلا الجانبَينِ : عدم التحرّج في التصرّف في أموال اليتامى حسب مصالحهم وهم ربائب ، والحَؤول دون تَفشّي الفساد والفحشاء ما دامت المرأة تجد نَفسَها في حماية رجل مؤمن كفؤ ، والآية في وقتها نزلت بهذا الشأن .
{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 2، 3].
انظر إلى التناسب القريب بين قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) وقوله : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) أي الأرامل الشابّات ، وهذا التفريع بالفاء ممّا يُنبئك على هذا الترابط بين الأمرين بوضوح .
فلنفرض أنّ مؤسّسات خيريّة قامت بشؤون اليتامى ، ولكن ما هو العلاج الحاسم
ـ الدائم مع دوام حركيّة الإسلام ـ بشأن الأرامل ، فيما سِوى ترخيص التعدّد في الزواج ، وعلى شَريطة التعادل في حمايتِهنّ وِفق موازين الشريعة بشأن الأزواج ؟!
ومِن ثَمّ كانت قضيّة الترخيص في تعدّد الزوجات ـ مع ملاحظة هذه الشرائط والظروف والملابسات ـ قضيّةً حاسِمةً لمشكلة اجتماعيّة هي مِن أهمّ المشاكل التي قد تُعرقل في سبيل الحركة الإصلاحيّة ، وهي فريضة إسلاميّة عامّة شاملة ودائمة .
هذا بالنظر إلى النصّ القرآني الوارد بشأن تشريع تعدّد الزوجات في حالات اضطراريّة وظروف حَرِجة ومشاكل لا يَحلّها سوى هذا التشريع العادل ، وكم مِن مفاسد اجتماعيّة فظيعة قاستها أُمَم إثر حروب عارمة التهمت عامّة الرجال وبقيت النساء الأرامل يَبتَغِينّ حمايةَ رجال أكفاء فلا يَجدَنَ ، ثمّ سادت الفحشاء وراج الابتذال الخُلقي لا في النساء فقط بل في الأطفال الضُيَّع الصِغار أيضاً .
وهذه الحرب العالميّة الثانية كم خلَّفت مِن مساوئ ومفاسد عمّت أرجاء البلاد الأُوربيّة ولا سيّما القُطر الألماني الذي تألّب عليه حَشدُ المُحاربِينَ مِن كلّ الجهات : حلفاء الدول الأُوربيّة وأمريكا والسوفيت في تَحالف ثلاثي ضدّ الألمان المُنكَسِر بعد ذلك التهاجم العنيف .
ثُمّ مع قطعِ النظر عن شأن نزول الآية نرى إنّ في هذا التشريع إجابةً لواقع الإنسان في فطرته ، وصيانةً للمجتمع دون تفشّي الفساد فيه ، وتشريعاً في ظروف خاصّة وفي ظلّ شرائط مُحدَّدة ، فقد جاء الإسلام ليُحدّد لا لِيُطلق ويترك الأمر لهوى الرجل ، فقد قَيّد التعدّد بالعدل وإلاّ امتنعت الرخصة .
ولكن لماذا أباح هذه الرخصة ؟ إنّ الإسلام نظام للإنسان ، نظام واقعي إيجابي يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ويتوافق مع واقعه وضروراته ، ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيّرة في شتّى البقاع وشتّى الأزمان والأحوال ، إنّه نظام واقعي إيجابي يَلتقط الإنسان مِن واقعه الذي هو فيه ومِن موقفه الذي هو عليه ، ليَرتفع به في المُرتَقى الصاعد إلى القمّة السامقة ، في غير إنكارٍ لفطرته أو تنكّر ، وفي غير إغفالٍ لواقعه أو إهمال ، وفي غير عُنفٍ في دفعه أو اعتساف .
إنّه نظام لا يَقوم على الحَذلَقة الجَوفاء ، ولا على التظرّف المائع ، ولا على المثاليّة الفارغة ، ولا على الأُمنيات الحالِمة التي تَصطدم بفطرة الإنسان وواقعه ومُلابسات حياته ثمّ تتبخّر في الهواء .
وهو مع ذلك نظام يرعى خُلق الإنسان ونظافة المجتمع ، فلا يسمح بإنشاء واقع مادّي مِن شأنه انحلال الخُلق وتلويث المجتمع تحت مَطارق الضرورة التي تصطدم بذلك الواقع ، بل يتوخّى دائماً أن يُنشئ واقعاً يُساعد على صيانة الخُلق ونظافة المجتمع مع أَيسر جهدٍ يَبذله الفرد ويَبذله المجتمع .
فإذا استصحبنا معنا هذه الخصائص الأساسيّة في النظام الإسلامي ونحن ننظر إلى مسألة تعدّد الزوجات فماذا نرى ؟ نرى أنّ هناك حالات واقعيّة في مجتمعات كثيرة ـ تأريخيّة وحاضرة ـ تبدو فيها زيادة عدد النساء الصالحات للزواج ، على عدد الرجال الصالحين للزواج ، فيكف نعالج هذا الواقع الذي يقع ويتكرّر وقوعه بِنِسَب مُختلفة ؟ هذا الواقع الذي لا يجدي فيه الإنكار ، أنعالجُه بهزّ الكَتِفَينِ ؟ أو نتركه يعالج نفسَه بنفسه حسب الظروف والمصادفات ؟! .
هزّ الكتفين لا يحلّ مشكلة كما أنّ ترك المجتمع ليعالج هذا الواقع حسبما اتّفق لا يقول به إنسان جادّ يحترم نفسه ويحترم الجنس البشري ، فلا بدّ إذن مِن نظام ، ولابدّ إذن مِن إجراء .
وعندئذٍ نجد أنفسنا أمام احتمال مِن ثلاثة احتمالات :
1 ـ أنْ يتزوّج كلّ رجل صالح للزواج امرأةً مِن الصالحات للزواج ثمّ تبقى واحدة أو أكثر ـ حسب درجة الاختلال الواقعة ـ بدون زواج ، تقضي حياتها ـ أو حياتهنّ ـ لا تعرف الرجال الأكفاء .
2 ـ أنْ يتزوّج كلّ رجل صالح للزواج واحدةً فقط زواجاً شرعيّاً نظيفاً ، ثُمّ يُخادن أو يُسافح واحدةً أو أكثر مِن هؤلاء اللواتي ليس لهُنّ مقابل كفؤ مِن الرجال ، فيَعرفَنَ الرجل خديناً أو خليلاً في الحرام والظلام (1) .
3 ـ أنْ يتزوّج الرجال الصالِحونَ ـ كلّهم أو بعضهم ـ أكثرَ مِن واحدة ـ وأنْ تَعرف المرأة الأُخرى الرجلَ ـ زوجةً شريفةً في وَضحِ النور لا خَدينَةً ولا خليلةً في الحرام والظلام .
الاحتمال الأَوّل ضدّ الفطرة وضدّ طبيعة المرأة في شعورها الأُنوثي ؛ إذ ليس الاشتغال بالاكتساب والعمل ممّا يسدّ حاجة المرأة في الحياة ، فإنّ المسألة أعمق بكثير ممّا يظنّه هؤلاء المُتَحذلِقون السطحيّون ، فكما أنّ الرجل يكتسب ويعمل ولكن هذا لا يَكفيه فيروح يسعى للحصول على العَشير ، كذلك فهما من نفسٍ واحدةٍ على سواء .
والاحتمال الثاني ضدّ الاتّجاه الإسلامي النظيف وضدّ قاعدة المجتمع الإسلامي العفيف وضدّ كرامة المرأة الإنسانيّة المترفِّعة عن الابتذال .
والاحتمال الثالث هو الذي يختاره الإسلام ، يختاره في إطارٍ محدود وعلى شرائط عادلة ، وهو العلاج النافع لمَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
وللسيّد قطب هنا بحثٌ مُذيّل ومُستَوفٍ بجوانب الموضوع ، وكذلك صاحب تفسير المنار ، والعلاّمة الطباطبائي في الميزان ، وغيرهم مِن أعلام (2) .
ثمّ لم يكن هذا التشريع تشريعاً مُطلقاً بل مُتقيّداً برعاية العدل وفي رقابة مِن تقوى القلوب ، نعم إنّ هذه الأرض لا تَصلح بالتشريعات والتنظيمات ما لم يكن هناك رقابة مِن التقوى في الضمير ، وهذه التقوى لا تَجيش إلاّ حين يكون التشريع صادراً مِن الجهة المُطّلعة على السرائر الرقيبة على الضمائر ، عندئذٍ يحسّ الفرد ـ وهو يَهمّ بانتهاك حرمة القانون ـ أنّه يَخون اللّه ويَعصي أَمره ويصادم إرادته ، وأنّ اللّه مُطّلع على نيّته هذه ومرمى فعله هذا ، وعندئذٍ تتزلزل أقدامه وترتجف مفاصله وتخور قواه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1] ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52] ، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] ، {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4] ، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] ، هذه هي الرقابة الداخليّة التي يَحسّ بها كلّ إنسان صاحب ضمير .
إنّ اللّه أَعلم بعباده وأعرف بفطرتهم وأَخبر بتكوينهم النفسي والعاطفي ـ وهو خَلقهم ـ ومِن ثَمَّ جَعل التشريع تشريعه والقانون قانونه والنظام نظامه ؛ ليكون له في القلوب وزنُه وأثره ومخالفته ومَهابته ، وإنّ الناس مهما أطاعوا أمثالهم تحت تأثير البَطش والإرهاب والرقابة الظاهريّة التي لا تَطَّلِع على الأفئدة فإنّهم لابدّ متفلِّتون منها كلّما غافلوا الرقابة وكلّما واتَتَهم الحيلة .
ومِن ثَمّ قال تعالى : {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً .... ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } [النساء: 3] أي لا تَعدلوا وتَميلوا على الحقّ إلى الجَور . فهذه المسألة ـ مسألة إباحة تعدّد الزوجات بذلك التحفّظ الذي قرّره الإسلام ـ يُحسن أنْ تُؤخذ بيسرٍ ووضوحٍ وحسم ، وأنْ تُعرف المُلابسات الحقيقيّة والواقعيّة التي تُحيط بها ، فالإسلام نظامٌ يُراعي خُلق الإنسان ونظافة المجتمع ، فلا يسمح بإنشاء واقع مادّي ملوّث من شأنه انحلال الخلق وتلويث المجتمع ، تحت مطارق الضرورة التي تصطدم بذلك الواقع ، بل يتوخّى دائماً أنْ يُنشئ واقعاً يُساعد على صيانة الخُلق ونظافة المجتمع مع أَيسر جهدٍ يَبذله الفرد ويَبذله المجتمع .
__________________________________
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|