المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6667 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

التناسب القائم في كل سورة بالذات
5-11-2014
لماذا هي جغرافية المدن؟
18-2-2022
الخمس
29-3-2016
تكنولوجيا النانو في قطاع الزراعة: الري المستدام للمحاصيل الزراعية
2023-12-11
أنواع الرقابة المالية
21-9-2021
Herbert Westren Turnbull
7-6-2017


استشهاد النبي (صلى الله عليه وآله)  
  
1529   03:28 مساءً   التاريخ: 9-9-2018
المؤلف : محمد رضا المظفر
الكتاب أو المصدر : السقيفة
الجزء والصفحة : ص 99-119
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /

نفسية الأنصار

إنا نرجو أن يكون الأنصار معذورين فيما عملوا لئلا نخسر عددا وفيرا من الصحابة وأن نتشبث بما يرفع الأنصار عن سوء النية والقصد. أما نفس عملهم - سواء كانوا بسوء نية أم لا - فلا يسعنا أن نحكم بصحته، فنا مهما فرضنا الحقيقة من جهة النص على الإمام فإن استبدادهم هذا وتسرعهم في عقد اجتماعهم لنصب خليفة منهم لا يخرج عن عدة خيانة للإسلام وتفريطا في حقوق المسلمين بلا مبرر، وفي وقت قد دهمت الإسلام فيه هذه الفاجعة الدهيماء، والمسلمون كالمذهولين بمصابهم لا يعلمون ماذا سيلاقون من العرب وأعداء الإسلام.

ولا نريد الآن نجلس في دست القضاء لنحكم لهم أو عليهم ، ولعل هناك من يرى صحة عملهم فلا نضايقه ، وإنما مهمتنا أن ندرس الأسباب التي دعتهم إلى عملهم هذا، وأن ندرس نفسياتهم .

في البحث السابق رأينا أن خدمتهم للإسلام الممتازة هي التي خيلت لهم الحق في الخلافة أو في سلطان المسلمين .

وهذا نعرفه من حجتهم على لسان المرشح منهم للخلافة - سعد بن عبادة - في خطبته ذلك اليوم ، ينضم إلى ذلك تخوفهم من أن يخلص الأمر إلى من قتلوا أبناءهم وآباءهم وإخوانهم ، مع اعتقادهم بخروج الأمر عن أهله ، ويدل على هذا الأخير - كما تقدم - طلبهم مبايعة على بعد اليأس .

هذه الأسباب التي استطعنا عرفانها . وكل ذلك تقدم ، وفيها قبس نسير على ضوئه لمعرفة نفسياتهم . فإنا نعرف من مجموعها إنهم في محاولتهم كانوا مدافعين أكثر منهم مهاجمين ، والدفاع دائما يكون عن الشعور بالضعف والانخذال وهذا الشعور من أعظم الأدواء النفسية لمن أراد الظفر في الحياة ، إذ ينشأ منه الوهن في العزيمة والضعف في الإرادة والاضطراب في الرأي والتدبير . وكل ذلك كان ظاهرا على الأنصار في اجتماعهم بالسقيفة .

والشاهد على ذلك : انقسامهم على أنفسهم وانسحابهم أمام خصومهم كما سترى، وأعظم من ذلك تنازلهم إلى الشركة في الأمر من قبل أن ينازعهم منازع ، أعني قبل مجئ جماعة المهاجرين إليهم ، إذ قال قائلهم : " فإنا نقول إذن - أي عندما ينازعوننا - منا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا أبدا " ، فقال لهم سعد : " هذا أول الوهن " . والحق أنه أول الوهن وآخره . ثم يستمر معهم هذا التنازل حتى مجئ المهاجرين، فكرروا هذه الكلمة بالرغم على تنبيه سعد لهم أنها من الوهن .

وهذا يكشف - أيضا - عن سماحة في نفوسهم ولين في طباعهم ، ويصدق ما قلناه إنهم مدافعون أكثر منهم مهاجمين ، فلم يطلبوا الإمارة ليملكوا مقدرات الأمة وشئونها بل ليدفعوا ضرر من يخافون ضرره ، فاكتفوا بالشركة التي يحصل بها الغرض من الدفاع . والإنصاف أن الأنصار لا ينكر ما هم عليه من استكانة واستخذاء وقصر الرأي والتدبير، وضعف في العزائم، ولا سيما أمام دهاء قريش وقوتها، وإن حاول بعضهم - وهو الحباب بن المنذر - أن يستر هذا الضعف . إذ قال في خطابه ذلك اليوم : " يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم . وأنتم أهل العزة والثروة . . . " . فاطرد خطبته على هذا الأسلوب زاعما أن سيرفع من منعتهم وبأسهم ويسد خللهم ، ونهاهم عن الاختلاف وحذرهم عواقبه حتى قال : " فإن أبى هؤلاء فمنكم أمير ومنهم أمير " . ولكنه - كما ترى - بينا هو محلق في السماء رفعة وتعاظما ويملي إرادته قوة إذا به يهبط إلى الحضيض ضعفا ، إذ يقول : " فإن أبى هؤلاء . . " ونقول له : فإن أبى هؤلاء الشركة أيضا فما أنتم صانعون ؟ لا شك أن ذلك الضعف الذي يملي عليه التنازل هو ذلك الضعف عينه موجود أيضا سيملي عليه التنازل عن جميع الأمر ، كما وقع . وهذا من تنازل الخائر المغلوب على أمره وتدبيره . وكانت عليه بذلك الحجة الظاهرة ، فقال له عمر بن الخطاب : " هيهات لا يجتمع اثنان في قرن " أو ما ينسق على هذا المعنى ، على أن الحباب هذا من أقوى من وجدنا يومئذ وأشجعهم قلبا وأجرأهم لسانا ، وأغلظهم على المهاجرين ، لولا سعد بن عبادة .

إلى هنا لعلنا لمسنا شيئا من نفسية الأنصار وأدركنا مقدار الضعف في نفوسهم ، والوهن في عزائمهم ، والاضطراب في تدبيرهم . كيف وقد تجلى ذلك في الحباب لسانهم المفوه وخطيبهم المصقع ذلك اليوم ، وهو أقوى شكيمة وأكثرهم اعتدادا بنفسه وقومه ، وكان يدعي بينهم " ذا الرأي " .

بقي علينا أن ندرك لماذا كل هذا الحذر من الحباب من اختلافهم إذ يقول : " ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وينتقض عليكم أمركم " ؟ - لا بد أنه كان يحس بشرارة الخلاف تقدح ، ويتوجس خيفة من الانتقاض وهذا ما سنبحث عنه في الآتي .

الأنصار حزبان

إذ قيل الأنصار أرادوا البيعة لسعد ، فإنما هم الخزرج فقط دون الأوس ( 1 ) . وإذا كان الأوس اجتمعوا في السقيفة مع الخزرج فإنما هو على ظاهر الحال ، ولحس مشترك بالخوف ممن قتلوا آباءهم وأبناءهم أن ينالوا الإمارة ، وهم يبطنون في نفس الوقت للخزرج كمين أحن تتغلغل في صدورهم ، فإن بين الحيين دماء مطلولة ما زال نضخها على سيوفهم وجروحا بالغة لإيلام صدعها ولا يرجى رأبها .

وكان آخر أيام حروبهم يوم ( بعاث ) المشهور وهو قبل الهجرة بست سنين ، وهو سبب إسلامهم - على ما قيل - إذ جاء أحد القبيلين بعد يوم بعاث إلى مكة يستنجد قريشا على الفريق الثاني ، فالتقوا بالنبي ( ص ) وهداهم الله تعالى إلى الإسلام .

وكان رئيس الأوس يوم بعاث حضير الكتائب أبو أسيد بن حضير هذا الذي أفسد الأمر على سعد وبايع أبا بكر ومعه الأوس . وكان رئيس الخزرج عمر بن النعمان، أبو النعمان صاحب راية المسلمين يوم أحد ( 2 ) .

ولم يلطف الإسلام كثيرا من تنافسهم وتحاسدهم ، وإن أطفأ بينهم نار الحروب ، فقد كانا يتصاولان تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا إلا قالت الخزرج نفاسة : لا يذهبون بهذا فضلا علينا . فلا ينتهون حتى يوقعوا مثله . وكذلك إذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مقالتهم وصنعت صنعهم (3) .

ومن منافساتهم التي بلغت حد الافراط يوم استعذر رسول الله من عبد الله بن أبي سلول المنافق الشهير وهو من الخزرج فقال : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي . " إلى آخر ما قال ، فقام سعد بن معاذ رئيس الأوس فقال : " يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك " فترى سعدا كيف تجاهل الشخص المعنى وتحفظ عند ذكر الخزرج مما يدل على شديد تنافسهم فقام سعد بن عبادة سيد الخزرج فقال لابن معاذ : " كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك لما أحببت أن يقتل " فقام أسيد بن حضير ابن عم سعد بن معاذ فقال لابن عبادة : " كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ". فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت( 4 ) .

هكذا هم الأوس والخزرج حزبان متنافسان متحاسدان وإنما سعد بن عبادة بادئ بدء - يوم السقيفة - أراد أن يستميل الأوس باسم الأنصار ، وهم حزب واحد أمام حزب المهاجرين وقريش ، فقال - معرضا بخصومهم في خطبته على الأنصار - :

" يا معشر الأنصار أن لكم سابقة في الدين وفضيلة ليست لقبيلة من العرب " . ويقصد المهاجرين . وهكذا مضى في خطبته يضرب على هذا الوتر إلى أن أجابوه جميعا : " أن وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما أمرت ، نوليك هذا الأمر ، فأنت لنا مقنع ولصالح المؤمنين رضى " . ثم إنهم ترادوا الكلام فيما إذا أبت المهاجرين من قريش بيعتهم ، فقالت طائفة : " إذن نقول منا أمير ومنكم أمير " .

فقال سعد : " هذا أول الوهن " وقد سبقت الإشارة إليه . وفي الحقيقة أنه أول الوهن وتنازل منهم عرفنا فيما سبق دلالته على مبلغ ضعف إرادتهم أمام إرادة قريش حتى قبل مواجهتهم ، بل يدل أيضا على تخلخل صفوفهم ووجود خلاف كامن كمون النار في الرماد ، فلم يتأثروا بدعوة سعد ، وأبطأوا عليه حتى داهمهم المهاجرون ، وهم إنما أسرعوا إلى عقد هذا الاجتماع ليسبقوا الحوادث ، وإلا فقد كانت الفرصة الكافية لبيعته من قبل أن يعلم جماعة المهاجرون باجتماعهم فتكبسه عليهم .

لولا أنهم أضاعوها باختلافهم وتباطؤهم حتى مضى الوقت . ومثل هذه الأمور - بعرف الساسة - لا تقبل الأناة والإبطاء . والحق أن الأوس كانوا غير مرتاحين لبيعة سعد ، وهم يتنافسون مع الخزرج في أتفه الأشياء وأدناها ، وكأنهم كانوا لا يريدون أن يبدأوها بالخلاف خشية أن يقال : " أوس وخزرج " ، وفي هذه الكلمة ما فيها من معان لا تتفق وروحية الإسلام ، فيبتعدون عنها ما استطاعوا على أن المجاملة محفوظة بين الطرفين .

ولذلك لما رأوا المجال للوثبة واسعا نقضوا أمر سعد وما اجتمعت عليه الخزرج ، وهذا عندما رأوا أن الخلاف جاء من الخزرج أنفسهم بمقالة بشير بن سعد الخزرجي ، وستأتي ، وباسراعه إلى بيعة أبي بكر ، وقد كان أول المبايعين .

وأيضا رأوا أن الدعوة ضد سعد إنما جاءت من قبل غيرهم وهم المهاجرون . فظهرت منهم حسيكة الخلاف والتنافس ، وقال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير زعيمهم : " لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا كبر " فقام أسيد فبايع ومعه الأوس ، وليسأل السائل هل جعل لهم نصيب فيها بمبايعتهم لأبي بكر ؟ ولكنه التنافس هو الذي أملى عليهم هذا القول ومنافسة القرابة أبعد أثرا وأعظم مفعولا .

هذا ولا ينكر ما لأبي بكر من كبير أثر في استمالة الأوس إلى جانب المهاجرين ، فقد وقف موقفا مؤثرا وكان يعرف من أين تؤكل الكتف فلم يفته ما كان يعلمه من التنافس بين الحيين ، حتى استغله لإنقاذ الموقف وبرع في هذا الاستغلال ، فقد قال في ذلك اليوم : " أن هذا الأمر إن تطاولت إليه الخزرج لم تقصر عنه الأوس وإن تطاولت إليه الأوس لم تقصر عنه الخزرج ، وقد كانت بين الحيين قتلى لا تنسى وجراح لا  تداوى فإن نعق منكم ناعق جلس بين لحيي أسد يضغمه المهاجري ويجرحه الأنصاري ) ( 5 ) .

فانظر إلى كلمة ( لم تقصر ) وما لها من بليغ أثر في القلوب المتحاسدة وما بها من تحريض لأحد المتناظرين على نظيره المتطاول .

نعم ! إنها لتجعل لكل من الحيين الكفاية تجاه الحي الآخر ، فإن تطاول أحدهما - وهم الخزرج الآن - فحقيق بالآخر أن يتطاول لها ككفتي ميزان ، من غير فضيلة يختص بها المتطاول .

فلا تسل كيف أشرأبت أعناق الأوس لهذا الأمر ؟ وبعدها أنظر كيف ذكر الترات السابقة ونبش الدفائن .

وهذا ما يثير بالحفائظ ويوقظ الضغائن. وهنا راح يستدل على خطأ تولي أحد الحيين لهذا الأمر، لأنه يقع بين خصمين الدين : فرماهم بالمسكنة كما يقول ابن دأب عيسى بن زيد .

استطعنا في هذا البحث أن نلمس التنافس بين الأوس والخزرج لنعرف مدى تأثيره على مجرى حادث السقيفة ، كما عرفنا أن أهل الدعوة - عند التحقيق - إنما هم الخزرج فقط ، ولم تشاركهم الأوس مشاركة جدية .

فلنترك الأنصار الآن مجتمعين في السقيفة يتبارون الخطب ويتحمسون لجهادهم وتضحيتهم ، وسعد بن عبادة قد ترأس حفلهم يخطبهم ويقول في آخر خطبته : " استبدوا بالأمر دون الناس فإنه لكم دون الناس " .

ولنذهب ميممين المهاجرين وباقي المسلمين حول دار النبي في المسجد، لنراهم ماذا هم صانعون !

هل مات النبي محمد . . .؟

نعم ! كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج في آخر فجر من حياته إلى الصلاة، فصلى بالمسلمين الغداة. وكان هذا آخر عهدهم برؤية تلك الطلعة المحبوبة وذلك النور الإلهي.

ولم تزل شمس السماء إلا وقد آذنت شمس الأرض بالمغيب من أفقها إلى أفق الحق الدائم، وها هو ذا النبي مسجى بين أهله ينتدبون فيه حظهم، والباب مغلق دون الناس . أنه يوم . . . ! وأي يوم هو على أهل المدينة والمسلمين ! . فقدوا . . . ؟ وأية نعمة فقدوا . . ؟ فقدوا الرحمة والإنسانية . فقدوا الأخلاق الإلهية . فقدوا حياتهم وعزهم ومجدهم . فقدوا طريق الحق اللاحب وصراط الله المستقيم ونوره المشرق بآياته الباهرة . . ! فقدوا نبيهم العظيم وأباهم الكريم . . ! فأعظم بيومه يوما ! وأعظم به فقيدا ! أنه يوم كان للمسلمين مضرب المثل فإذا بالغوا في يوم مصيبة قالوا : " أنه كيوم مات فيه رسول الله " .

وما تنتظر من المسلمين ساعة يسمعون الواعية والباب مغلق على من فيه ، إلا أن يهرعوا فيجتمعوا في مسجدهم والطرقات ، نكسا أبصارهم مطأطئي رؤوسهم . ولم تبق عين لم تدمع ، ولا قلب لم يجزع ، ولا نفس لم يتقطع . وما ينتظرون هم . . ؟

لا شك ليس هناك ما يدعوهم إلى تكذيب النعاة . وإذ علموا آنئذ أن مجرى حياتهم قد تبدل راحوا - ولا شك - يتطلعون إلى ما يظهر لهم على مسرح العالم الإسلامي من حوادث ومفاجآت ، فتطيش لذلك عقولهم ، ويقوى حسهم بمستقبل هذا الدين الجديد الذي أخذ بأطراف الجزيرة ، والمنافقون يتحينون به الفرص ، فتنهد عزائمهم ، ويستشرفون - على الأكثر - على خليفة النبي الذي سيقود الأمة لينقذ الموقف ، فيضربون أخماسا في أسداس . كل هذه الأفكار وأكثر منها -  رؤوس ذلك الجمع الحاشد الطائش اللب الحائر الفكر ، الذي يحوم حول دار النبوة والوحي ، يرقب منها - على عادته - أن تبعث له بما يطمن خاطره ويهدئ روعه ويعرفه مستقبل أمره ، حتى أصبح الناس كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ( كما في الحديث ) .

ولكن. . ولكن عمر بن الخطاب صاحب رسول الله ذلك الرجل الحديدي أبى على الناس تصديقهم بموت نبيهم ، إذ طلع صارخا مهددا " وقد قطع عليهم تفكيرهم وهواجسهم " وراح يهتف بهم : " ما مات رسول الله ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله . وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته. لا أسمع رجلا يقول مات رسول الله إلا ضربته بسيفي ". أتراك " لو خلوت بنفسك وأنت هادئ الأفكار " تقتنع بوحي هذه الفكرة من هذا الذي لا يقعقع له بالشنان ، وأنت لا تدري لماذا رسول الله يقطع أيدي وأرجل من أرجف بموته ، أو بالأصح من قال بموته ؟

ولأي ذنب يستحق الضرب بالسيف هذا القائل ؟

ومن أين علم أن رسول الله لا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله ؟

وما هذا الرجوع ؟

أرجوع بعد الموت أو بعد غيبة " كغيبة موسى بن عمران كما يدعيها عمر بن الخطاب في بعض الحديث " ولكنها أية غيبة هذه وهو مسجى بين أهله لا حراك فيه ؟

إلا أني أعتقد أنك لو كنت ممن ضمه هذا الاجتماع لذهبت بتياره ولتأثرت بهذا القول إلى أبعد حد كسائر من معك ما دام الاجتماع بتلك الحال التي وصفناها، والخطيب هو عمر بن الخطاب، وقد جاء بتلك الدعوة الثائرة، في صرامة إرادة ورأي بلغا أقصى درجات الصرامة، وقد استعمل المغريات الخلابة للجماعات : فمن أمل بحياة الرسول وبإظهار دينه على الدين كله - إلى توعيد بقطع رسول الله أيدي وأرجل المرجفين بموته ، وتهديد منه( أعني عمر ) بقتل من يقول مات رسول الله .

إنهما الخوف والأمل إذا اجتمعا مع هذا الرأي القاطع والإرادة الصارمة لهما التأثير العظيم الذي لا يوصف على أفكار الجماعة الاجتماعية وأي تخدير بهما لأعصاب المجتمعين .

ومن وراء ذلك أن شأن المحبين يتعللون في موت حبيبهم إذا نعي بالأوهام ولا يرضون لأنفسهم التصديق بموته لا سيما مثل فقيدهم هذا العظيم الذي يجوز عليه ما لا يجوز على البشر .

ولا شك أن مميزات الجماعة المقصودة لعلماء الاجتماع كانت متوفرة في الاجتماع الفجائي المضطرب الأفكار المتأثر بهذا الحدث العظيم المتحفز للحوادث المجهولة والمفاجآت المنتظرة .

ومن البديهي أن الاجتماع الذي يتألف على هذا النحو تتكون منه روح واحدة مشتركة حساسة تتغلب على نفسيات أفراده الشخصية ، وتكون هذه الروح خاضعة لمؤثرات لا حكم لها غالبا على روحية الفرد لو كان خارج الاجتماع . وأهم خواص هذه الروح أنها تكون عرضة للتقلبات والانقلابات الفجائية ويبطل فيها حكم العقل وسلطانه ويقوى سلطان المحاكاة والتقليد الأعمى .

ولذلك لا تفكر الجماعات إلا بأحط فكرة فيها ، وتقبل أيضا كل فكرة تعرض عليها إذا اقترنت بالمؤثرات الخلابة وإن خرجت عن حدود المعقول . ومن أقوى المؤثرات شخصية الخطيب وصرامة رأيه .

فلا نستغرب قناعة المسلمين يومئذ برأي عمر بقدر ما نستغرب منه نفسه هذا الرأي وإن لم ينقل لنا صريحا قبولهم له ، كما لم ينقل في الوقت نفسه اعتراض أحد عليه سوى أبي بكر وقد جاء متأخرا .وإذا أبيت فعلى الأقل شككهم في موت النبي وألهاهم عن التفكير فيما يجب أن يكون بعده وفيما سيحدث من حوادث منتظرة ، لأنهم - لا شك - التفوا حوله عجبين مستغربين وهو مستمر يبرق ويرعد مهددا حتى ( أزبد شدقاه ) .

ولكلمة ( الارجاف ) هنا التأثير البليغ في إقلاع أفكار الجماعات عن الدعوى التي يدعونها لأنها من الألفاظ الخلابة التي تتضمن التهجين الشنيع للدعوى والاشمئزاز منها إلى أبعد حد ، إذ تشعر هنا أن مدعيها من المنافقين الذي لهم غرض مع النبي والإسلام ، فقال : " . . . ممن أرجف بموته " ولم يقل ممن ادعى أو قال . وهذا كاف للتأثير على الجماعات وتكوين الشعور بكراهية دعواها .

ويشهد لتأثير كلامه على سامعيه التجاء أبي بكر لما جاء من السنح ( 6 ) أن يكشف عن وجه النبي ليتحقق موته ، ثم يخرج إلى الناس مفندا مزاعم عمر ، وعمر مستمر يحلف أنه لم يمت . وطلب إليه أن يجلس - فلم يجلس - ثلاث مرات ، فقال له :

" أيها الحالف على رسلك " . . ثم قام خطيبا في ناحية أخرى وقد اجتمع حوله الناس فتشهد وقال - وعمر مستمر وقد تركه الناس - : " من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . . . " . ثم تلا هذه الآية الكريمة : {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]

و ( شاهد ثان ) : أن الناس لما سمعوا كلام أبي بكر أصبحوا كأنما أخرجوا من مأزق أو أطلقوا من عقال ، فإنهم تلقوا الآية وكلهم وراحوا يلهجون بها " فما تسمع بشرا من الناس إلا يتلوها " .

أما عمر فقد صعق إلى الأرض وصدق حينئذ بموت النبي بعد أن تحقق إن الآية من القرآن ، كما يقول . * * *

لله أبوك يا بن الخطاب ! ما أدهشني بك ، وأنت أنت ، إذ تقف ذلك الموقف الرهيب حالفا مهددا ، لتنكر أمرا واضحا ، ألم يعلمك الإسلام حقيقة محمد فتنكر أنه يموت ؟ ثم تسمي مدعي موته ( مرجفا ) ؟ - لا ؟ - لا ؟ ولكنك تحاول أن تقنع الناس أنه غاب موسى بن عمران ، فيرجع ليقطع الأيدي والأرجل . إلا أنه - بالله عليك - أية غيبة هذه ؟

وأنت أعجب وأعجب حين تسرع مصدقا وتنقاد طائعا لقول قاله أبو بكر لا يكذبك ولا يصدقك ، بعد ذلك التوعيد والتهديد . أو لست أنت كنت تعترف أنه يموت بعد أن يظهر دينه على الدين كله ؟

فأي دليل كان في الآية ناقض قولك فأقنعك حتى صعقت إلى الأرض . والآية لا تدل على أنه يموت يوم مات ! . . . ؟

وأعجب من ذلك وقوفك بعد يوم معتذرا فتقول : " فإني قلت بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله . ولكن كنت أرجو أن يعيش رسول الله فيدبرنا ويكون آخرنا موتا " ( 7 ) .

فأين هذا الرجاء الفاتر من تلك الصرخة المعلنة وذلك الحلف والتهديد وطعن القائل بموته بالإرجاف ؟

وأين هذا الاعتذار الهادئ من تلك الدعوى الثائرة ؟

إن لك لسرا عظيما ! يبدو لي أن عمر كان أبعد من أن يظهر بهذه السهولة لقارئي هذه الحادثة . ومن البعيد جدا وفوق البعد أن يعتقد مثله أن النبي لا يموت يوم مات ، وهو الذي قال في مرضه - كما سبق - بكل رباطة جأش : " إن النبي قد غلبه الوجع . . . حسبنا كتاب الله " .

فأي معنى تراه لقوله " حسبنا " لرد الكتاب الذي أراده النبي لأمته بعد موته ، لو لم يكن معتقدا أنه سيموت وأن كتاب الله يغني عن أي شئ آخر يريد أن يقرنه النبي به وهل تراه قال ما قال دهشة بالمصيبة ؟

فما باله لم يعتذر بذلك بعد يوم وقد سمعت اعتذاره ! بل ما باله لم يزد دهشة لما تحقق أنه قد مات ! هيهات أن يكون قد دهش فيخفي عليه موت النبي وهو هو من نعرف .

وبعض الناس قد جهلوا عمر بهذا وأبعدوا ، فقالوا : من يجهل مثل هذا الأمر الواضح المعلوم بالاضطرار جدير بألا يكون إماما راعيا للأمة . . . والتجأ بعضهم الآخر أن يعتذر عنه بأن ذلك من فرط دهشته .

وفيما عندي أن الطرفين لم يعرفاه حق عرفانه ولم يصلا إلى غوره وتدبيره في هذا الحادث المدهش . فإن من يعتقد أن النبي قد غاب فيحلف لا يقنعه مثل حجة أبي بكر فيرتدع . ومن خبل بالمصيبة فهو عند اليقين بها أدهش وأدهش . * * *

ويكفي المتدبر في مجموع نقاط هذه الحادثة أن يفهم هذا الذي لا يختل بالحرش ، فيعرف أن وراء الأكمة ما وراءها ، ولا يضعه حيث وضعه الناس .

ألا تعتقد معي إنه كان يخشى أن يحدث القوم ما لا يريد ، وقد اشرأبت الأعناق - بطبيعة الحال - إلى من سيخلف النبي ، وهذه ساعة طائشة ، وأبو بكر بالسنح غائب ، وهو خدنه وساعده ، وهما أينما كانا هما .

ولعلهما وحدهما وقد تفاهما في هذا الأمر . . . فأراد أن يصرف القوم عما هم فيه ، ويحول تفكيرهم إلى ناحية أخرى ، إن لم يجعلهم يعتقدون غياب النبي . حتى لا يحدثوا بيعة لأحد من الناس قبل وصول صاحبه .

وليس هناك من تحوم حوله الأفكار إلا عليا للنص عليه كما نعتقد أو لأنه أولى الناس ، ما شئت فقل " حتى كان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله " ( 8 ) .

وكانوا يلاحظون في علي بن أبي طالب صغر سنه ( 9 ) وحسد العرب وقريش خاصة إياه ، وتمالؤها عليه ، ولا تعصب الدماء التي أراقها الإسلام إلا به ، لأنه الأمثل ، في عشيرة الرسول على عادة العرب وبسيفه قتل أكثر أبطالهم .

ويلاحظون " رابعا " كراهة قريش لاجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم فيبجحون على قومهم بجحا بجحا كما يراه عمر فيما سبق في الفصل الثاني من محاورته مع ابن عباس .

ويلاحظون " خامسا " أنه سيحملهم إذا ولي الأمر على الحق الأبلج والمحجة البيضاء وإن كرهوا " على حد تعبير عمر نفسه " ، والحق مر في الأذواق .

ويظهر أن عمر كان بطل المعارضة في إمارة علي كما شاهدنا موقفه في قصة الكتاب الذي أراد أن يكتبه النبي وفي مواقفه التي أشرنا إليها في الفصل الثاني ، فلا نعجب إذا رأيناه يقف هذا الموقف ليلهي الناس عما يخشاه من استباق أحد إلى بيعة علي قبل مجئ أبي بكر .

أما إنه هل كان يدري كيف سيخرج من هذا المأزق الذي أدخل نفسه فيه فأغلب الظن أنه غامر بنفسه ليقف الناس عند حدهم . وعلى صاحبه إذا جاء أن يدبر الأمر حينئذ . وأقوى الشواهد على هذا التعليل ما قلناه من سرعة قناعته بقول صاحبه أبي بكر، وهو لا يمس دعواه تكذيبا . . . وليس إلا أن جاء أبو بكر ووقف خطيبا والتف حوله الناس وهو يعلم من أبو بكر فقد انتهت مهمته وانقلب الدور ، ولم يبق إلا أن يخرج من موقفه الحرج بلباقة ، لئلا يحسوا بهذا التدبير فينتقض الغرض ، فصعق إلى الأرض كأنما تحقق موت النبي من جديد مظهرا القناعة بقول صاحبه . ثم لم يلبث أن راح يشتد معه لعملهما كأنما نشط من عقال ولم يقل ما قال ، ولم يظهر ما أظهر من الدهشة والاضطراب ، حتى رمي بالخبل وهو عنه بعيد ، فقد ذهب بعد ذلك إلى السقيفة مع أبي بكر حينما علما باجتماع الأنصار السري ووقفا ذلك الموقف العجيب .

___________

( 1 )  ولذا يقول المؤرخون عند ذكرهم لبيعة الأوس : " فانكسر على الخزرج ما كانوا أجمعوا عليه " .

( 2 ) راجع العقد الفريد ( 2 : 250 ) .

( 3 ) الطبري ( 3 : 7 ) وابن الأثير ( 2 : 66 ) .

( 4 ) راجع البخاري ( 2 : 6 و 3 : 24 ) .

( 5 ) البيان والتبيين ( 3 : 181 ) .

( 6 ) وهو يبعد عن المسجد بميل واحد " وفي الرواية عن عائشة " وكذا في معجم البلدان ولعله اعتمد على هذه الرواية . ولكن السنح هو عالية من عوالي المدينة وأدنى العوالي - بتقدير نفس المعجم - يبعد أربعة أميال أو ثلاثة .

( 7 ) اقتبسنا مجموع هذه العبارة من كنز العمال ( 3 : 129 و 4 : 53 ) ومن تاريخي الطبري وابن الأثير والبخاري ( 4 : 152 ) والسيرة الدخلانية ( 2 : 347 ) ولفظ ( كنت أرجو أن يعيش . . . ) في الصحيح والسيرة . والمروي في هذه الكتب وغيرها بألفاظ متقاربة جدا وتختلف بما لا يضر بالمعنى .

( 8 ) شرح النهج لابن أبي الحديد ( 2 : 8 ) .

( 9 ) راجع الإمامة والسياسة .

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).