المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8216 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

حرارة البلل heat of wetting
31-12-2019
موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد
6-8-2016
Sources of flurine
24-10-2018
Extrinsic Semiconductors
14-5-2020
مواعيد زراعة البامية
21-1-2022
William Gilmour Guthrie
14-11-2017


قاعدة نفي الحرج والعسر  
  
5962   09:40 صباحاً   التاريخ: 22-6-2018
المؤلف : عباس كاشف الغطاء
الكتاب أو المصدر : المنتخب من القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : 33- 44
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا حرج - نفي العسر و الحرج /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11/9/2022 1422
التاريخ: 20-9-2016 2403
التاريخ: 5-7-2019 1349
التاريخ: 5/9/2022 1621

معنى الحرج لغة : مادة حرج تطلق على معانٍ كثيرة, ولكن لا تخرج دلالتها عن معنى الضيق. فيقال مكان حرج أي ضيّق كثير الشجر مثلاً, وأحرجه إليه ألجأه, وضيّق عليه (1).

وأما الاستعمال الآخر للحرج فهو بمعنى الإثم والحرام, ويقال : أحرج امرأته بطلقة أي حرمها.

معنى الحرج اصطلاحاً: هو منع وقوع أو بقاء الحرج على العباد بمنع حصوله ابتداء أو بتخفيفه أو تداركه بعد تحقق أسبابه (2).

الحرج على أنواع :

إن العسر والحرج في الأفعال يكون على أقسام :

أولاً: يبلغ حداً لا يطيق المكلف تحمله, وهذا خارج عن القاعدة تخصُّصاً لدليل بطلان تكليف ما لا يطاق.

ثانياً: يكون دون ما لا يطاق, ولكن تحمله يوجب اختلال النظام, وهو كذلك خارج عن محل الكلام, لقبح التكاليف الموجبة لاختلال النظام؛ لأن المقصد الأسمى والأقصى للشارع المقدس من تكاليفه ليس إلا حفظ النظام.

ثالثاً: العسر والحرج يستلزم الضرر في الأموال والأنفس والأعراض, وهذا داخل في قاعدة نفي الضرر.

رابعاً: إن العسر والحرج ليس إلا مجرد المشقة والضيق, وهذه الأحكام الحرجية هي مورد القاعدة.

التقسيم من حيث محل تأثيره:

ان الحرج نفسي والعسر بدني إذا ذكرا معاً, وأما إذا انفردا كانا بمعنى واحد فالذي يمشي مسافة طويلة تحت الشمس يكون عسراً عليه بينما البنت اذا احتلمت وجب عليها الغسل فإنها حرج عليها ان تغتسل أمام ابيها.

أولاً: العسر البدني أو المالي: ما كان تأثيره واقعاً على البدن, في الحال أو المال, كالدخول في الأعمال الشاقة ذات التأثير المباشر على القوة البدنية الظاهرة, كصوم المريض, والدوام على قيام الليل.

ثانياً: الحرج النفسي أو المعنوي: فما كان تأثيره واقعاً على النفس, كمن يرتكب خطأ فيتألم لصدوره منه, أو يقوم بعمل فيندم على ارتكابه إياه, فإن هذه الأمور تحدث قلقاً وألماً في النفس.

ومن هذا الحرج الشك المورث لضيق الصدر والتبرم والجزع لكل ما يحصل بسبب ضعف الإيمان الباعث على الاطمئنان والاستقرار, قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } [الأنعام: 125] .

وهذان القسمان كلاهما منفي وعالجهما الإسلام وذلك من خلال نفي العسر بالأدلة الشرعية, وقد أوجد الوسائل لتخليص المكلف من الحرج والعسر كالتوبة والكفارات وغيرها. 

مضمون القاعدة:

هذه قاعدة نفي الحرج والضرر والنسيان والجهل أو أحكام المكره والمضطر تسمى بالعناوين الثانوية, وهذه الأحكام تكشف مدى مراعاة الشريعة الإسلامية لمصالح العباد.

فالمقصود من قاعدة نفي الحرج كل حكم يستلزم ثبوته الحرج على العباد, مثل وجوب الوضوء أو الغسل أو وجوب إعفاء اللحية أو حرمة كشف المرأة عورتها أمام الطبيبة للفحص وغير ذلك فإذا استلزم الحرج يكون مرفوعاً.

وقد نص الكتاب الكريم على نفي الحرج في سورة الحج في سياق بيان من الله عز وجل على الأمة الإسلامية فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 77، 78]. وفي هذه الآية الشريفة هو رفع الحرج عن أمة الإسلام والمنة على المسلمين, وعدم جعل الحرج في الدين بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] , ليس إلاّ عبارة عن عدم تشريع الأحكام المستلزمة ثبوتها للحرج.

والمراد من الدين هي الأحكام المجعولة من قبل الشارع المسماة بالأحكام الفقهية من الطهارة الى الديات, فالمنفي هو نفس الحكم الذي ينشأ من قبله الضيق والحرج.

مدرك القاعدة : الأدلة على مدرك قاعدة نفي الحرج هي :

1. الكتاب العزيز :

قوله تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] . ان المراد بالجعل الذي نفاه الله تعالى هو الجعل التشريعي لا الجعل التكويني.

أولاً: هذه الآية فصلت حكم التيمم كمثال لنفي الحرج في الدين, كما ذكرت الآية ثلاث حالات لتسويغ التيمم عند المرض وعند السفر وعند فقدان الماء وذكرت مثالين لموجباته احدهما الغائط الذي يوجب الوضوء وعند تعسره يتبدل إلى التيمم, الثاني ملامسة النساء الموجبة للغسل وعند العسر يوجب التيمم.

ثانياً: ذكرت كيفية التيمم وذلك بالضرب على الأرض الطيبة والمسح عنها بالوجه واليدين, ومعروف ان ذلك من ابسط الأعمال, والذي لا يسبب التعب ولا يستغرق وقتاً طويلاً, وهذا يصح مثلاً رائعاً لرفع الحرج وكيف يتبدل الغسل الى تكليف التيمم.

ثالثا: ذكرت الآية كيفية نفي الحرج كقاعدة عامة لعموم ألفاظها وضرب الأمثلة من السفر والمرض وعدم وجدان الماء, فقد زادت القاعدة تبياناً لمعرفة كيف يبتلى المريض والمسافر بالصعوبات, فإما المريض فعندما يحس بالألم والضعف وخطر استخدام الماء عليه احياناً, وإما المسافر فالإرهاق والابتعاد عن الماء وربما خطر الوصول إليه.

قوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .

اعتراض : 

لا يمكن الاستدلال بالآية لاحتمال اختصاص قوله (يريد الله بكم) بخصوص الصوم ولا يعمّ بقية الأبواب الفقهية, فإنه يمكن الجواب بأنه ليس علة ليتمسك بعموم العلة بل هو حكمة, لأنه لو كان علة للزم دوران الحكم مدارها والحال أن المسافر يلزمه الإفطار حتى ولو لم يعسر عليه الصوم.

قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: 286] , الآية نافية للتكليف بما ليس في الوسع, والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه, فدلالة الآية لا يكلف الإنسان إلاّ ما هو في حدود طاقته وفي ميسوره, لا ما لا يبلغ مدى الطاقة والمجهود. وقد استدل الإمام  عليه السلام  ببعض هذه الآيات على رفع الأحكام الحرجة حيث قال  عليه السلام  هذا وامثاله يعرف من كتاب الله أمسح على المرارة (ما جعل الله عليكم من حرج).

قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] , إن الآية الكريمة تنفي الحرج عن الدين, فقد جاء الحرج نكرة في سياق النفي مما يفيد نفي عام.

2. السنة الشريفة :

ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (قلت لأبي عبد الله عليه السلام  عثرت فأنقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال  عليه السلام : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل, قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] إمسح عليه).

عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام  (انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فتكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي ويتبول فيه الدواب وتروث فقال  عليه السلام  (ان عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا يعني أفرج الماء بيدك ثم توضأ فإن الدين ليس بمضيّق, فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .

عن الأمام الباقر عليه السلام  كان يقول: (ان الخوارج ضيقوا على انفسهم بجهالة وان الدين أوسع من ذلك).

وقوله صلى الله عليه واله وسلم (بعثت على الشريعة السمحة السهلة).

3. الإجماع :

لا يمكن الاستدلال بالإجماع فلأنه مدركي لاحتمال بان مدرك المجمعين هو النصوص من الكتاب العزيز والسنة الشريفة, والإجماع المدركي ليس حجة, لأن حجية الإجماع هي باعتبار كاشفيته عن رأي الأمام  عليه السلام , ومع وجود مدرك يحتمل استناد المجمعين إليه.

4. العقل :

لا يمكن الاستدلال بالعقل على قاعدة نفي الحرج, لأنه لا يرى امتناع التكليف بالأمر الشاق, كيف وقد وقع التكليف بالأمر الشاق في الشرائع السابقة كما تشير إليه الآية الكريمة (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) فإن الإصر عبارة عن الأمر الشاق.

وإنما العقل يمنع من التكليف بالأمر غير المقدور, ولكن المفروض ان الحرج ليس هو الأمر غير المقدور بل هو الأمر الشاق.

ثم ان القاعدة وردت للامتنان ولا امتنان في رفع مالا يمكن أن يطاق او غير مقدور عليه, بل الحرج هو جعل حكم يوجب الضيق على المكلّفين هذا المعنى ليس ممتنعاً أو قبيحاً ولكن الله تبارك وتعالى لطفا وكرماً لم يجعل الأحكام الحرجية بالنسبة الى جميع العباد أو بالنسبة إلى خصوص الأمة المرحومة كرامة لنبينا صلى الله عليه واله وسلم ومن هذا يظهر ان مدرك القاعدة هي الكتاب والسنة الشريفة دون العقل والإجماع.

الفرق بيـن الحرج والضرر:

الحرج هو المشقة والضيق دون عدم القدرة على الشيء, وليس كل مشقة حرجاً بل هو عبارة عن خصوص المشقة الشديدة وذلك لأن جميع التكاليف فيها مشقة فلو فسرت الحرج بالمشقة المطلقة لأصبحت جميع التكاليف حرجية لان التكليف مأخوذ من الكلفة والمشقة.

والضرر هو النقص إما في المال او البدن أو غيرهما فما لا يكون نقصاً لا يكون ضرراً وهذا بخلافه في الحرج, فأنه المشقة ولو لم تكن مشتملة على النقص كالوضوء بالماء البارد في الشتاء القارص, فإنه قد يبلغ المشقة الشديدة من دون طرو مرض على البدن.

مثال الحرج دون الضرر:

لو حصل المكلف على مقدار من المال يساوي مقدار الاستطاعة الى الحج, وكان بحاجة الى شراء بيت به, فإن وجوب صرفه في الحج لا يوجب الضرر بمعنى النقص وإنما يوجب الحرج بمعنى الوقوع في المشقة.

مثال الضرر دون الحرج:

إذا استلزم الوضوء زيادة المرض وتأخر برأه.

تقدم قاعدة نفي الحرج على الأدلة الأولية:

إنّ وجه تقديم قاعدة نفي الحرج على الأدلة الأولية هو الحكومة, (3) فقاعدة لا حرج حاكمة بمعنى أنها ناظرة الى الأدلة الأولية, وتريد ان تبين ان تلك الأدلة الأولية لا تريد اثبات الأحكام بشكل مطلق وشاملة حتى لحالة الحرج, بل هي تختص بحالة عدم الحرج, فان الله سبحانه وتعالى لم يجعل على عباده الحرج والدليل على ذلك نفي الحرج في تشريعاته ودينه.

فدليل وجوب الوضوء مثلاً يثبت وجوب الوضوء بشكل مطلق وشامل حتى لحالة الحرج ودليل نفي الحرج ينفي كل حكم حرجي بما في ذلك وجوب الوضوء.

وهن قاعدة نفي الحرج بكثرة التخصيص:

ان كثرة تخصيص القاعدة يؤدي الى وهنها بل تصبح مستهجنة فمثلاً الجهاد حرجي وقد خرج وجوبه عن القاعدة وهو واجب بالرغم كونه حرجاً, وهكذا حرمة الفرار أو وجوب تسليم النفس للحد والقصاص وغيرها من الأحكام. ويلزم من هذا أن للقاعدة معنى مجهولاً لا يعرف فلا يمكن الاستدلال بهذه القاعدة.

ولكن يمكن الرد على هذا الإشكال بان القاعدة ناظرة الى ما يكون رفعه عقلائياً وهذه الموارد المخصصة بما أن رفعها لم يكن عقلائياً فلا تجري القاعدة فيها بل الأمر العقلائي أثباتها لما يترتب من المصالح وحفظ النظام فلا معنى لرفعها.

رفع الحرج النوعي أو الشخصي:

الحرج تارة يكون شخصياً وأخرى نوعياً, والحرج الشخصي هو الحرج الثابت لهذا الشخص بخصوصه أو لذلك بخصوصه, أما الحرج النوعي فهو الحرج الثابت لنوع الناس أي غالبهم كما هو الحال في وجوب الوضوء حالة المرض, فإنه حرجي لغالب المرضى وإن لم يكن حرجياً بلحاظ بعض المرضى. وباتضاح الحرج الشخصي والحرج النوعي فهل قاعدة نفي الحرج تنفي الأحكام الأولية في حالة لزوم الحرج الشخصي بالخصوص ولا يكفي الحرج النوعي, فوجوب الوضوء مثلاً لا يرتفع إلاّ عمن كان ثبوت الوجوب في حقه حرجياً بالخصوص ولا يكفي كونه حرجياً بلحاظ  النوع والغالب. أو ان القاعدة تنفي الأحكام حالة الحرج النوعي أيضاً ولا يلزم تحقق الحرج الشخصي فإن الوضوء يرتفع وجوبه في حق كل مريض حتى من لم يكن ثبوت الوجوب في حقه حرجياً.

والصحيح أن قاعدة نفي الحرج تنفي الحرج الشخصي لأن ذلك هو المتبادر والمفهوم من لسان دليل القاعدة (ما جعل عليكم في الدين من حرج), والحمل على الحرج النوعي يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة. ثم إن رفع الحرج مما امتنَّ الله تعالى به علينا, وهذا يقتضي أن يكون الرفع ملحوظاً فيه حال كل شخص بحسب نفسه, وإلاّ فأي امتنان في رفع الحكم عن شخص بلحاظ شخص آخر؟!

رفع الحرج رخصة أم عزيمة:

هل المقصود من القاعدة رفع الإلزام دون الرخصة أم المقصود منها رفع الإلزام والرخصة معاً؟ أي لو فرض انه تكلّف واتى بالإلزام بالرغم من كونه حرجيا في حق المكلف فهل يقع منه صحيحاً؟ فلو اتى بالوضوء ولو كان حرجياً فهل يقع صحيحاً؟

فعلى الرأي الأول: هو رفع الإلزام دون الرخصة أي أنه مرخّص في ترك الوضوء مثلاً وليس بملزم به.

وعلى الرأي الثاني : إن الرفع وارد بنحو العزيمة, أي ان المكلف ملزم بترك الوضوء مثلا وليس مرخّصاً في ذلك.

والرأي الراجح بما ان القاعدة نفي الحرج وارده في مورد الامتنان على الأمة الإسلامية فهي تدل على مطلبين في آن واحد وهما: رفع الوجوب وبقاء الملاك والرجحان, وعليه فالحكم بصحة الفعل الحرجي في موارد الحرج وهو المناسب اي رفع الإلزام دون الرخصة.

قاعدة نفي الحرج تعم الأحكام الوضعية:

ترفع قاعدة نفي حرج الأحكام الوضعية كما ترفع الأحكام التكليفية, ولكن قد ترفع الحكم التكليفي الحرجي دون الحكم الوضعي مثاله لو أن رجلاً كانت معاشرته لزوجته سيئة بحيث يضربها ويؤذيها فهنا يحكم بجواز خروجها من بيتها من دون أذن زوجها الى بيت أهلها, لأن حرمة الخروج بدون إذنه تستوجب الحرج لها, ولكن هذا يرفع الحكم التكليفي هو وجوب طاعة الزوج دون الحكم الوضعي هو بقاء الزوجية, ومثال رفع الحكم الوضعي بقاعدة نفي الحرج هو لزوم البيع في حالات الغبن, فإنه يترتب عليه وقوع المغبون في الحرج, فيحكم بعدم لزوم البيع وجواز فسخه تمسكاً بالقاعدة.

شروط العمل بالقاعدة من قبل الفقيه :

1. أن لا يكون المورد مما لا يرضى بتركه ولو كان الفعل حرجياً شاقاً على المكلف كالواجبات التي بني الإسلام عليها كالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج وأمثالها مما لا يرضى الشارع بتركها على كل حال.

2. أن لا يكون مما لا يرضى بفعله لاشتماله على المفسدة العظيمة كقتل النفس المحرمة والزنا واللواط والفرار عند الزحف وارتكاب المعاملة الربوية والقمار وشرب الخمر وسائر المحرمات الكبيرة.

تطبيقات :

1. جواز ارتكاب بعض الأطراف في الشبهة التحريمية غير المحصورة لأن الاحتياط في اطرافها واجب العسر.

2. جواز ترك بعض الأطراف في الشبهة الوجوبية غير المحصورة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لسان العرب/ ابن منظور: ج2/ ص234.

(2) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية/ الدكتور يعقوب عبد الوهاب/ رسالة دكتوراه/ جامعة الأزهر/ 1972م.

(3) هو كون أحد الدليلين ناظراً إلى حال الدليل الآخر وشارحاً له ومفسراً لمضمونه, فيسمى الدليل الناظر حاكماً والمنظور إليه محكوماً. اصطلاحات الأصول/ المشكيني: 126.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.