وصف حال المنكرين لليوم الآخر
المؤلف:
أمين الاسلام الفضل بن الطبرسي
المصدر:
تفسير مجمع البيان
الجزء والصفحة:
ج3 , ص88-90
5-10-2014
6047
قال تعالى : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }[النساء : 41-42].
لما ذكر اليوم الآخر وصف حال المنكرين له فقال « فكيف » أي فكيف حال الأمم و كيف يصنعون { إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم { بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { على هؤلاء } يعني قومه « شهيدا » و هذا كما تقول العرب للرجل في الأمر الهائل يتوقعه كيف بك إذا كان كذا يريد بذلك تعظيم الأمر و تهويله و تحذيره و تحذير الرجل عنه و إنذاره به و حثه على الاستعداد له و معنى الآية أن الله يستشهد يوم القيامة كل نبي على أمته فيشهد لهم و عليهم و يستشهد نبينا على أمته و في الآية مبالغة في الحث على الطاعة و اجتناب المعصية و الزجر عن كل ما يستحي منه على رؤوس الأشهاد لأنه يشهد للإنسان و عليه يوم القيامة شهود عدول لا يتوقف في الحكم بشهادتهم و لا يتوقع القدح فيهم و هم الأنبياء و المعصومون و الكرام الكاتبون و الجوارح و المكان و الزمان كما قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] و قال {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] و قال {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} و {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] و في بعض الأخبار المكان و الزمان يشهدان على الرجل بأعماله فليتذكر العاقل هذه الشهادة ليستعد بهذه الحالة فكان قد وقعت و كان الشهادة قد أقيمت و روي أن عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ففاضت عيناه فإذا كان الشاهد تفيض عيناه لهول هذه المقالة و عظم هذه الحالة فما ذا لعمري ينبغي أن يصنع المشهود عليه {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} [النساء: 42] معناه لو تجعلون و الأرض سواء كما قال تعالى {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } [النبأ: 40] و من التسوية قوله {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4] أي نجعلها صفيحة واحدة لا يفصل بعضها عن بعض فيكون كالكف فيعجز لذلك عما يستعان عليه من الأعمال بالبنان و روي عن ابن عباس أن معناه يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع يطأونهم بأقدامهم كما يطأون الأرض و على القول الأول فالمراد به أن الكفار يوم القيامة يودون أنهم لم يبعثوا و أنهم كانوا و الأرض سواء لعلمهم بما يصيرون إليه من العذاب و الخلود في النار و روي أيضا أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا فيتمنى عند ذلك الكفار أنهم صاروا كذلك ترابا و هذا لا يجيزه إلا من قال إن العوض منقطع و هو الصحيح و من قال إن العوض دائم لم يصحح هذا الخبر و قوله { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } قيل فيه أقوال ( أحدها ) أنه عطف على قوله { لو تسوى } أي و يودون أن لو لم يكتموا الله حديثا لأنهم إذا سئلوا قالوا {والله ربنا ما كنا مشركين} فتشهد عليهم جوارحهم بما عملوا فيقولون يا ليتنا كنا ترابا و يا ليتنا لم نكتم الله شيئا و ليس ذلك بحقيقة الكتمان فإنه لا يكتم شيء عن الله لكنه في صورة الكتمان و هذا قول ابن عباس ( و ثانيها ) أنه كلام مستأنف و المراد به أنهم لا يكتمون الله شيئا من أمور دنياهم و كفرهم بل يعترفون به فيدخلون النار باعترافهم و إنما لا يكتمون لعلمهم بأنه لا ينفعهم الكتمان و إنما يقولون {والله ربنا ما كنا مشركين} في بعض الأحوال فإن للقيامة مواطن و أحوالا ففي موطن لا يسمع كلامهم إلا همسا كما أخبر تعالى عنهم و في موطن ينكرون ما فعلوه من الكفر و المعاصي ظنا منهم أن ذلك ينفعهم و في موطن يعترفون بما فعلوه عن الحسن ( و ثالثها ) أن المراد أنهم لا يقدرون على كتمان شيء من الله لأن جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه فالتقدير لا تكتمه جوارحهم و إن كتموه ( و رابعها ) أن المراد ودوا لو تسوى بهم الأرض و أنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد و بعثه عن عطا ( و خامسها ) أن الآية على ظاهرها فالمراد و لا يكتمون الله شيئا لأنهم ملجأون إلى ترك القبائح و الكذب و قولهم {والله ربنا ما كنا مشركين} أي ما كنا مشركين عند أنفسنا لأنهم كانوا يظنون في الدنيا أن ذلك ليس بشرك من حيث تقربهم إلى الله عن أبي القاسم البلخي .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة