1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : السيرة النبوية : سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام :

معركة احد

المؤلف:  حسين الشاكري

المصدر:  من سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

الجزء والصفحة:  ج1، ص184-220

6-2-2017

2626

جبل أحد يبعد عن المدينة حوالي فرسخ (1)، وهو المكان الذي في سفحه وقعت الحرب وسميت باسمه، وكان ذلك في شوال من السنة الثالثة. وكانت معركة بدر، وما تلاها من الغزوات، وما رافق ذلك من الغنائم وانتصارات المسلمين تدعو إلى الاطمئنان ومع ذلك كله لم يطمئن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مصير الإسلام، ولم ينخدع بتلك الانتصارات، ما دامت قريش على موقفها المتصلب المعاند، ومن جهة أخرى كان على اتصال دائم بأخبار قريش واستعدادهم لطلب الثأر، وتجهيز جيش قوي تشترك فيه قريش وحلفاؤها.

وكانت العير التي من أجلها وقعت معركة بدر هي الشرارة الأولى، وبقيت في دار الندوة ينتظر حلها، وأخيرا تولى جماعة بيع الأموال التي بها وعزلوا أربحاها للحرب، حشدت قريش جيشا مؤلفا من ثلاثة آلاف مقاتل منها ومن غيرها من الأعراب، والموالي، والأحباش، وغيرهم، بينهم سبعمائة دارع وقادوا معهم مائتي فرس، وثلاثة آلاف بعير، بقيادة وزعامة أبي سفيان صخر بن حرب. واختلفت قريش فيما بينها في إخراج النساء معها، فمن قائل إن خروجهن يلهب النفوس ويبعث الحماس، وعارض بعضهم، ولكن إصرار هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وتصلبها في موقفها لاشتراك النساء في هذه المعركة حرصا على الثأر لأبيها وعمها وأخيها، دفعت قريشا إلى استصحابهن.

وجاء في كتب السير: إن اللواتي اشتركن من النساء في معركة أحد كن خمس عشرة امرأة، منهن هند بنت عتبة، وأم الحكم بنت الحارث، وخناس بنت مالك كانت مع ابنها أبي عزيز بن عمير، أخي مصعب بن عمير الذي كان حامل لواء المسلمين وغيرهن من الثكالى اللواتي فقدن أبناءهن وأزواجهن وإخوانهن في معركة بدر. وخلال هذه الفترة التي كانت قريش تستعد فيها للخروج، كان العباس بن عبد المطلب معهم يطلع على كل صغيرة وكبيرة من أمرهم، وكان يبطن إسلامه ويحاربهم في الظاهر، وبقاؤه بينهم كان لمصلحة الإسلام وعينا لهم، فقد كتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا وصف له به صنيعهم واجتماع كلمتهم، وعدتهم وعددهم، ودفعه سرا إلى رجل مسلم من غفار ليوصله إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصاه بالكتمان وأن يجد السير ليلا ونهارا، ومضى الغفاري بالكتاب ولا هم له إلا إيصال الكتاب، حتى بلغ المدينة في ثلاثة أيام، فوجده (صلى الله عليه وآله وسلم) في قبا فدفع إليه الكتاب وعاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة لتدبير الأمر، ولم يفش سر الكتاب وخروج قريش. وتابعت قريش مسيرتها حتى بلغت العقيق ونزلت في سفح جبل على بعد خمسة أميال من المدينة، ثم ساروا حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة، وذلك لخمس بقين من شوال من السنة الثالثة للهجرة، فتركوا خيلهم وإبلهم ترعى في زروع المدينة. وفي رواية: في خمس مضين من شوال من السنة الثالثة للهجرة يوم السبت. وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العيون لاستطلاع الخبر، وبعث بعدهم الحباب بن المنذر بن الجموح سرا، حتى دخل بينهم، ووقف على عددهم، وعدتهم، فرجع وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحالهم وقال له: ثلاثة آلاف رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، والخيل فوق المائتين، ومائة رامي، ورأيت دروعا ظاهرة فوق الثياب وأحسب أنهم سبعمائة دارع وغيرها من الإبل والأثاث، وقيل: من الإبل ثلاثة آلاف، وخرج معهم القيان بالمعازف، والغلمان بالخمور. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تذكر من أمرهم لأحد شيئا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أصول وبك أجول. وبات وجوه الأوس والخزرج مثل سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة وغيرهم، ليلة الجمعة وعليهم السلاح في المسجد، بباب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحرسونه حتى الصباح خوفا عليه من المشركين. ثم استشار أصحابه في الخروج أو التحصن في المدينة، كل أشار عليه حسب رأيه أو غايته، والنبي يأتيه الوحي من السماء، وعنده الرؤيا الواضحة ولكنه أراد أن يختبر أصحابه ويعلم نواياهم وعزمهم.

وحان وقت العصر فصلى بهم وكانوا قد احتشدوا حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعرفوا رأيه النهائي، وحضر أهل العوالي، ولما فرغ من صلاته، دخل منزله ووقف الناس ينتظرون خروجه، وقد خرج لابسا لامته، وتعمم ولبس الدرع وتقلد سيفه وتنكب القوس، ووضع الترس في ظهره، مستعدا للخروج. ومن المرجح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أول الأمر لم يكن يفضل ملاقاة المهاجمين في المدينة، وإنما كان قصده في استشارتهم ليختبر نواياهم، وهو يعلم علم اليقين أن ملاقاتهم داخل المدينة ستمكنهم من احتلالها خلال ساعات معدودة لأنهم سيجدون من المنافقين والمرتابين - وهم عدد كبير بين سكان المدينة وكانوا على اتصال دائم بهم - أعوانا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، فمن غير المعقول أن يخلص أمثال عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين والمرتابين الموجودين بين أهل المدينة في الدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته، وهم يلتقون مع الغزاة التقاء كاملا.

ولما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه، خرج معه عبد الله بن أبي سلول في نحو من ثلاثمائة وخمسين من أتباعه المنافقين وبعض اليهود، وقطعوا معه مسافة خارج المدينة في طريقهم لملاقاة الغزاة ثم رجعوا بلا سبب. وفي رواية أخرى: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي أمرهم بالرجوع وقال: لا نحارب المشركين بالمشركين كما جاء في بعض الروايات. وكان من المؤكد عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تحتدم المعركة أن ينضموا إلى المشركين أو يطعنوا المسلمين بين صفوفهم، وهم يشكلون قوة لا يستهان بها. وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجيشه مع الصبح حتى بلغوا أحدا منطقة القتال واختار أن يعسكر في سفح جبل أحد، بحيث يكون ظهرهم إلى الجبل مستقبلا المدينة. ثم عبأ أصحابه، وصار يسوي صفوفهم ويعدهم للقتال. وكان على يسار المسلمين جبل فيه ثغرة (أي فتحة) فأقام (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها خمسين رجلا من الرماة، عليهم عبد الله بن جبير، وأوصاه أن يرد الخيل عنهم، حتى لا يأتوهم من خلفهم. وفي رواية: قال: أن رأيتمونا تخطفتنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. وفي نص آخر: احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا، فلا تشركونا. وكان شعارهم يوم أحد: أمت، أمت. ثم نهى المسلمين أن يبدأوا القوم بالقتال حتى يأمرهم، وكان جيش المسلمين كما تنص عليه كتب السير سبعمائة - بعد رجوع عبد الله بن أبي سلول وجماعته من المنافقين واليهود - في مقابل ثلاثة آلاف أو يزيدون، ومعهم النساء تحرضهم على الثأر لقتلى بدر.

وأقبل المشركون بزعامة أبي سفيان فاستدبروا المدينة في الوادي واستقبلوا أحدا وصفوا صفوفهم، فجعلوا خالد بن الوليد على الميمنة، وعكرمة بن أبي جهل على الميسرة، وصفوان بن أمية على الخيالة، وعبيد الله بن أبي ربيعة على الرماة، وأعطوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار. ولما عبأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه سأل: من يحمل لواء المشركين فقيل: بنو عبد الدار، فأعطى اللواء (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مصعب بن عمير لأنه من بني عبد الدار، فلما قتل مصعب أخذ اللواء علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وحامل لواء الأوس أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع الحباب بن منذر، وقيل: مع سعد بن عبادة. وفي رواية الطبري: أنه جعل الزبير بن العوام على الخيل ومعه المقداد بن الأسود، وخرج حمزة بن عبد المطلب بالجيش بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير، وقال له: استقبل خالد بن الوليد وكن بإزائه حتى اؤذنك بالحرب. ثم إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف خطيبا في أصحابه فقال: أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله تعالى في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه.. إلى آخر الخطبة. ثم أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفا وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة الأنصاري، سماك بن خراشة من بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): حقه أن تضرب به العدو حتى ينحني، قال: أنا آخذه يا رسول الله، فأعطاه إياه. وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، ويتعصب بعصابة له حمراء، فإذا اعتصب بها عرف الناس أنه عازم على الحرب. والتحمت المعركة مع المشركين، وقام الرماة بدورهم يرمون خيل المشركين بالنبل فولت هاربة فقال بعض المسلمين: والله لقد رأيت نبلنا يومئذ ما رأيت سهما واحدا مما يرمى به خيلهم سقط على الأرض، يصيب أما في فرس أو في رجل من المشركين، ودنا القوم بعضهم من بعض، وقدم المشركون طلحة بن أبي طلحة حامل لوائهم، وأقاموا النساء خلف الرجال يضربن بين أكتافهم بالطبول والدفوف، وهند وأم الحكم ومن معهن يحرضن الرجال ويذكرن بقتلى بدر ويقلن:

نحـــن بنات طــارق *** نمشي على النمارق

 مشي القطا البوارق *** المسك في المفـارق

والــدر في المخــانق *** أن تقبلــــوا نعــانق

 أو تدبــروا نفـــارق *** فراق غيـــر وامـق

 وتقدم طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين فصاح: من يبارز، فقال له علي (عليه السلام): هل لك في مبارزتي قال: فبرزا بين الصفين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس تحت الراية وعليه درعان ومغفرة وبيضة، وفي رواية: تحت راية الأنصار. فالتقيا فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته وانتهى إلى لحيته، فوقع كالثور يخور بدمه وانصرف عنه علي (عليه السلام). فقيل له: هلا دففت عليه! فقال: لما صرع استقبلني بعورته وسألني الرحم. ولما قتل طلحة تقدم أخوه عثمان بن أبي طلحة وحمل اللواء وأنشد يقول:

إن على رب اللواء حقا *** أن يخضب الصعداء أويقدا

فتقدم باللواء والنسوة خلفه يحرضن ويضربن بالدفوف وينشدن:

ضربا بني عبد الدار *** ضربا حماة الأديار

               ضربا يصل بالثأر

فحمل عليه، حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مئزره فبدا سحره ورجع فقال حمزة: أنا ابن ساقي الحجيج. وحمل اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد ابن أبي طلحة، فحمل عليه علي (عليه السلام) فقتله. ثم حمل لواء المشركين مسافح بن أبي طلحة، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فقتله، فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد وهي مع النساء. ثم حمل اللواء أخوه كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام. ثم أخذ اللواء أخوه الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيدة. ثم شد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على كتائب المشركين، فجعلوا يضربون وجوههم، حتى انتقضت صفوفهم. ثم حمل اللواء عثمان بن أبي طلحة، أخو طلحة الأول، فقتل. ثم أبو سعيد ابن أبي طحلة أخوهما، فقتل. ثم مسافح، وكلهم من بني عبد الدار قتلهم علي (عليه السلام) واحدا بعد الآخر. ثم شريح بن قانط، فقتل. ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب(عليه السلام). ثم حمل الراية غلام لبني عبد الدار اسمه صوئب فقتله علي (عليه السلام). وتعاقب حملة اللواء من بني عبد الدار حتى قتل تسعة من أبرز أبطال المشركين. ولما قتل أصحاب الألوية وحملتها، انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء حتى سقط اللواء وهزموا، وأحيط بنسائهم، ووقع الصنم الكبير الذي حملوه معهم يتيمنون به من فوق الجمل الذي كان يحمله، ومن خلال الهودج الذي كان يحويه (2)، وجاء في شرح النهج للواقدي، وغيره أنه قال: إن النصر الذي تهيأ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين يوم أحد، بمشيئة الله لم يتهيأ له في موطن قط، وظل النصر بجانبهم حتى عصوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنافسوا على الغنائم.

وإضافة إلى ذلك، إن كثيرا من الصحابة الذين حضروا أحد كانوا يقولون: والله لقد كنا ننظر إلى هند وصواحبها منهزمات، ما دون أخذهن وأسرهن شيء لمن أرادهن. ولكن لا مرد لقضاء الله، فلقد أصيب المسلمون من قبل الرماة الذين وضعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ورائه ليحموا ظهورهم بنبالهم إذا هوجموا من الجهة التي في ظهرهم، ولقد حاول خالد بن الوليد أكثر من مرة أن يهاجم من تلك الجبهة - فتحة الجبل - فلم يستطع. وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في منتهى الحكمة والمهارة في قيادته حين أمر تلك الحامية المؤلفة من خمسين رجلا أن لا تغادر مكانها حتى ولو انهزم المسلمون وقتلوا، ولكنهم لما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون حتى أجلوهم عن معسكرهم وأخذوا يستولون على ما فيه من الغنائم، قال بعضهم لبعض: لم تقيمون هنا وقد هزم الله المشركين وهؤلاء إخوانكم يستولون على معسكرهم فادخلوا معسكر المشركين مع إخوانكم. فقال لهم جماعة: ألم تعلموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لنا: احموا ظهورنا وإن رأيتمونا غنمنا أو قتلنا، فلا تبرحوا مكانكم. فقالوا: لم يرد رسول الله ذلك، وقد أذل الله المشركين وهزمهم. فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير وأمرهم بطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعصوه وانطلقوا نحو المعسكر يتسابقون إلى الغنيمة، ولم يبق معه سوى نفر قليل لا يتجاوزون العشرة، والحارث بن أنس ينادي فيهم: يا قوم اذكروا عهد نبيكم وأطيعوا أميركم، فلم يلتفت إليه أحد، وانكشف ظهر المسلمين للمشركين، وفي ذلك نزلت هذه الآية الشريفة. {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] (3)، هذا والمشركون منهزمون شر هزيمة، وقد دب الرعب في قلوبهم وتركوا معسكرهم، ومنهم خالد بن الوليد قد ولى بخيله هاربا، ونظر إلى الجبل الذي كان حريصا على أن يجد منه منفذا ليهاجم المسلمين من ورائهم. نظر إليه في تلك الحالة وقريش قد انهزمت وتركت أمتعتها وكل ما معها غنيمة للمسلمين، وأدرك أن الحامية التي كانت عليها قد تفرقت وما بقي منها لا يغني شيئا، فرجع بخيله إلى تلك الحامية من خلفها وتبعه عكرمة في جماعته، واصطدم بها فرموه بالنبال حتى نفد ما معهم من النبل، فسلوا سيوفهم وأقبلوا على تلك الخيل يضربون وجوهها، دافعوا حتى النفس الأخير - جزاهم الله خيرا -. وخلال تلك الفترة من الكفاح البطولي المرير، الذي قام به عبد الله بن جبير ومن معه من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نظر المنهزمون من المشركين إلى خيلهم فوجدوها رجعت الكرة لتهاجم المسلمين من ورائهم، وعلموا أنها قد وجدت منفذا للهجوم المعاكس على المسلمين وهم منصرفون إلى الغنائم والسلب، وقد ألهتهم تلك الغنائم حتى عن التفكير بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعادوا من حيث ذهبوا. ثم حملوا على المسلمين من خلفهم، ولما رأت قريش المنهزمة عودة رجالها للحرب، ورفعت الحارثية لواءهم الذي كان ملقى على الأرض فعادوا إلى الحرب من جديد.

فما أحس المسلمون إلا والعدو قد تغلغل في أوساطهم وأصبحوا مندهشين حيارى يتعرضون لضرب السيوف وطعن الرماح أينما اتجهوا، واشتد الأمر عليهم حتى ضرب بعضهم بعضا وهم يحسبون أنهم يضربون أعدائهم. ولما شاهد المسلمون ذلك انهزم بعضهم أو معظمهم، ولم يبق مع علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلا جماعة مستميتون أحاطوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدفعون عنه السهام والنبال والسيوف، ويجالدون بين يديه، وفي مقدمتهم حامل اللواء مصعب بن عمير حتى أثخن بالجراح وقتل وسقط اللواء، ودفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء إلى علي (عليه السلام) وتفرق عنه أكثر أصحابه، وحمل المشركون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريدون قتله، ولكن عليا(عليه السلام)، وأبا دجانة، وسهل بن حنيف ونفرا غيرهم أبلوا بلاء حسنا، وجالدوا المشركين وكافحوا كفاحا مستميتا ولم يشهد له التاريخ مثيلا، هذا ورسول الله ثابت في مكانه يرميهم بقوسه، ويطعن كل من دنا منه برمحه حتى نفدت نبله وانقطع وتر قوسه، وأصابته بعض الجراحات، وأغمي عليه. ولما أفاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غشيته وفتح عينيه قال لعلي (عليه السلام): ما فعل الناس قال له: لقد نقضوا عهدك وولوا الدبر، وفيما هو يخاطبه ويقص عليه أخبار المنهزمين، وإذا بكتيبة من المشركين اتجهت نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا علي اكفني هؤلاء، فانقض عليهم علي (عليه السلام) كالصقر فانهزموا بين يديه، وفيما هو يطاردهم وإذا بكتيبة أخرى قد اتجهت نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكادت تبلغ منه غايتها ولولا أن عليا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانية يقول: يا علي اكفني هؤلاء، فانقض عليهم ومزقهم: وعادوا إليه من ناحية أخرى فكر عليهم علي(عليه السلام) وفرقهم عنه. وأتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناة، فرمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجر أصاب وجهه الشريف فكسر أنفه ورباعيته وشق شفته، ودخلت حلقتان من المغرز في جبهته فسال الدم على وجهه، فأخذ يمسحه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، وهو مع ذلك يدعوهم إلى الله. وتجمعوا عليه مرارا وعلي (عليه السلام) يصدهم عنه حتى قتل عشرة أبطال من بني سفيان بن عوف، فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: يا محمد إن هذه المواساة لقد عجبت منها الملائكة، فقال: وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما. وسمع ذلك اليوم في السماء مناد لا يرى شخصه ينادي:

 لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد عن ذلك فقال: هذا جبرئيل (4).

وكان حمزة بن عبد المطلب في وسط القوم لا يدنو منه أحد إلا بعجه بسيفه وهم يفرون من بين يديه. وجاء في رواية الطبري: أنه قد تفرق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه من المهاجرين والأنصار، كما فر عثمان بن عفان حتى انتهى إلى مكان بعيد عن المعركة، وكان ممن تفرق وانهزم عنه أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأضاف إلى ذلك الطبري بسنده عن محمد بن إسحاق بصراحة، عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع: أن أنس بن النضر قال لعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا ما بأيديهم وجلسوا ناحية: ما يجلسكم هنا؟ قالوا: قتل محمد رسول الله، فقال: وما تصنعون بالحياة من بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم تركهم، واستقبل القوم فقاتل حتى قتل. ومضى الطبري يقول في ص 20 الجزء الثالث من تاريخه: أنه قد فشا في الناس أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قتل، فقال الجالسون على الصخرة ممن فروا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتجأوا إليها، وفيهم عمر بن الخطاب، كما هو مفاد الرواية، وأبو بكر كما جاء في (حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لهيكل) حيث عده من الفارين الذين التجأوا إلى الصخرة، فقال بعضهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن سلول فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فقال لهم أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاءوا به، ثم شد بسيفه على المشركين وقاتل قتالا شديدا حتى قتل بعد أن أصيب بسبعين ضربة، ولولا أن أخته عرفته لم يعرفه أحد من المسلمين. نعم... لقد هزم المسلمون، مما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعوهم في أخراهم: إلي عباد الله، إلي عباد الله، إلي يا فلان ، إلي يا فلان، وهم يصعدون ولا يلوون على شيء، ولا يعرج عليه أحد، والنبل يأتي إليه من كل ناحية وصوب. واستمروا في الهزيمة حتى الجبل، وفيهم: أبو بكر، وعمر، وطلحة وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم وغيرهم... أما عثمان فقد انهزم من أول وهلة واستمر في هزيمته ثلاثة أيام، ومعه اثنان من الأنصار، ولم يعد إلى المدينة إلا بعد عودة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: لقد ذهبت بها عريضة يا عثمان.

هذه هي عقيدة وإيمان هؤلاء الذين يدعون أنهم كبار الصحابة الملازمون طيلة هذه السنين له، فإنهم كانوا يعبدون الله على حرف ، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا. وهم مصداق هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] (5). ومقتضى هاتين الروايتين: أن عمر بن الخطاب، وأبا بكر ومن معهما، كانوا على الصخرة مع من تمنى شفاعة عبد الله بن أبي سلول عند أبي سفيان، ولم يحدث بأن أحدا منهما ولا ممن كان معهما أنكر على القائل مقالته، إذا استثنينا أنس بن النضر الذي أنكرها واعتذر إلى الله منها كما سبق ذكره، ونزل وجاهد واستشهد. ويقول النص التاريخي، والقائل أبو رافع: كان الذي قتل أصحاب الألوية علي (عليه السلام). وحين انهزم الناس، صارت تحمل كتائب المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول: يا علي اكفني هذه، فيحمل عليهم، فيفرقهم، ويقتل فيهم... وهكذا... حتى قصدته كتيبة من بني كنانة، فيها بنو سفيان بن عويف الأربعة، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): اكفني هذه الكتيبة، فيحمل عليها، وإنها لتقارب خمسين فارسا وعلي (عليه السلام) راجلا، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه. ثم تجتمع عليه هكذا مرارا، حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة، وأكمل تمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم... فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد، إن هذه لمواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يمنعه وهو مني، وأنا منه! فقال جبرئيل: وأنا منكما، ثم سمع مناد من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي فسئل عنه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا جبرئيل.

مقتل حمزة سيد الشهداء:

بعد معركة بدر لم يكن أبو سفيان وزوجته هند يفكران في غير الثأر من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن أحد من المسلمين ليشفي غليلهما غير محمد، أو علي، أو حمزة، لأنهم الذين قتلوا شيوخ قريش يوم بدر، وهم: عتبة وشيبة والوليد وغيرهم، فوقع اختيارهما على غلام حبشي فتاك، يدعى وحشيا، وكان مملوكا لجبير بن مطعهم، فجاءته هند وأغرته بالمال على أن يغتال أحد الثلاثة، كما شجعه على ذلك سيده جبير بن مطعم، لأخذ الثأر لأخيه. فقال: أما محمد فلا حيلة لي به لأن أصحابه يحيطون به دائما، وأما علي إذا قاتل كان أحذر من أي شيء، وأما حمزة فإني أطمع أن أصيبه، لأنه إذا غضب لم يعد يبصر ما بين يديه. وروى الطبري في تاريخه: أن وحشيا كمن لحمزة خلف صخرة كبيرة وقال: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه هدا، وإذا بسباع بن عبد العزى قد تقدم نحوه، فقال له حمزة: هلم إلي، فضربه حمزة بسيفه، فقتله، وكنت أعددت حربتي وهو لا يراني فهززتها حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في إليته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي ولكنه غلب ووقع على الأرض، فأمهلته حتى إذا مات جئت إليه وأخذت حربتي وتنحيت ولم يكن لي بغيره حاجة. ولما علمت هند بقتله لم يسعها ذلك، فانطلقت هي والنسوة اللواتي معها يمثلن بالقتلى من المسلمين، يجدعن الآذان والأنوف، ويقطعن الأيدي والأرجل، وجعلت هند لنفسها ولمن معها آذان الرجل وأنوفهم قلائد وأقراطا، ثم جاءت إلى جسد حمزة فبقرت بطنه، وجذبت كبده وقطعت منه قطعة ووضعتها في فمها وجعلت تلوكها بأسنانها، ولكن لم تستطع أن تبتلعها فلفضتها من فمها. وفي رواية الواقدي: قالت له: أرني مصرعه، فأراها مكانه، فشقت بطنه وقطعت مذاكيره، وأنفه وأذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين، ومعضدين، واستخرجت قطعة من كبده فلاكتها ولفظتها. وجاء أبو سفيان بن حرب إلى جثمان حمزة (عليه السلام) وهو بتلك الحالة فلم يكتف بما فعلته زوجته هند بل طعنه في شدقه برأس رمحه وهو يقول: عقق، ذق عقق، يوم بيوم بدر. وقال الواقدي: إن عائشة خرجت من المدينة تتطلع الأخبار ومعها نسوة من المدينة، فالتقت بهند بنت عمرو ابن حزام تسوق بعيرا لها عليه جثة زوجها عمرو بن الجموح، وابنها خلاد بن عمرو، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حزام، أبو جابر بن عبد الله الأنصاري، فقالت لها عائشة: فما وراءك؟ قالت هند: أما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو بخير وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ الله من المؤمنين شهداء. فقالت لها عائشة: ومن هؤلاء؟ قالت: أخي وزوجي، وابني. قالت: وأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة لأدفنهم فيها. فبينما هي تسوق بعيرها وإذا به يبرك بهم، فلما زجرته وقف فوجهته إلى المدينة فعاد وبرك، فرجعت به إلى أحد فأسرع وكأنه لم يحمل شيئا، فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان لا يزال في أحد وأخبرته بما جرى، فقال: إنه لمأمور، هل قال زوجك عندما خرج شيئا؟ قالت: نعم إنه لما خرج إلى أحد استقبل القبلة ثم قال: اللهم لا تردني إلى أهلي، فاستجاب الله دعاءه، ثم دفنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده في الموقع مع الشهداء. وقال الواقدي: إن النساء اللواتي شهدن أحدا: نسيبة بنت كعب أم عمارة بن غزية، وكانت قد شهدت زوجها غزية وابنها عمارة بن عمارة بن غزية وولدها أيضا عبد الله بن زيد، وقد خرجت ومعها شن لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا بين طعن برمح وضربة بسيف.

وقال الواقدي: وكان حمزة بن سعيد يحدث عن جدته - وكانت قد شهدت أحدا لتسقي الماء - فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لمقام نسيبة بنت كعب أم عمارة اليوم خير من مقام فلان وفلان. وكان يراها تقاتل يومئذ أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا. ومن أمثال هذه النماذج المستبسلة الرائعة كثير بين الرجال والنساء. وفي رواية: أن عمارة قال: لقد رميت رجلا بحجر وهو على فرسه فأصاب الحجر عين الفرس فاضطرب حتى وقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه هو والفرس بالحجارة، والنبي ينظر ويبتسم، فنظر إلى جرح بأمي على عاتقها، فقال: أمك أمك أعصب جرحها، بارك الله فيكم من أهل بيت، لمقام أمك خير من مقام فلان، وفلان، ومقام ربيبك (ويعني زوج أمه) خير من مقام فلان. من الواضح أن النبي سمى أولئك بأسمائهم صراحة ولم يكنهم، ولكن لمقام أولئك الصحابة الرفيع عند بعض المسلمين وفرض السياسة الزمنية اكتفى أهل السير والمؤرخون بالتلميح، والعاقل تكفيه الإشارة، فرب تلميح أبلغ من التصريح.

حنظلة غسيل الملائكة :

ومن وقائع المعركة كما جاء في كتب السير: أن حنظلة بن أبي عامر كان قد تزوج من جميلة بنت عبد الله ابن أبي سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي كانت في صبيحتها أحد وقد استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله فلزمته جميلة فعاد إليها ونام معها، وخرج إلى أحد مسرعا ولم يغتسل من جنابته، وقبل خروجه أشهدت عليه أربعة من النسوة أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد ذلك: لم أشهدت عليه قالت: رأيت في الطيف كأن السماء قد انفرجت فدخل بها، ثم أطبقت عليه، فعلمت أنه سيقتل، وحملت منه بعبد الله بن حنظلة، والتحق حنظلة، برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسوي الصفوف. فلما انكشف المشركون اعترض حنظلة لأبي سفيان ابن حرب، فضرب عرقوب فرسه فقطعه ووقع أبو سفيان إلى الأرض يصيح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب، وحنظلة يحاول أن يذبحه بسيفه، فنظر إليه الأسود بن شعوب، فأسرع إلى حنظلة وحمل عليه وطعنه بالرمح، فمشى إليه حنظلة وضربه ثانية برمحه فقتله، ووجد أبو سفيان أن لديه مجالا للفرار، ففر يعدو على رجليه فلحق ببعض القرشيين فأردفه وراءه على فرسه. وروي: أن أبا عامر الفاسق والد حنظلة - وكان مع المشركين - مر على ولده حنظلة وهو مقتول إلى جانب حمزة بن عبد المطلب، وعبد الله بن جحش، فقال: لقد كنت أحذرك هذا الرجل - يعني بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - قبل هذا المصرع، والله لقد كنت برا بالوالد، شريف الخلق في حياتك، ثم نادى، يا معشر قريش، حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم. فمثل المشركون بالقتلى وتركوه. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن، وفي صحائف من ذهب، فكان يسمى بغسيل الملائكة.

خلاصة المعركة:

وقد استشهد من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنان وسبعون، ومن المشركين ثمانية وعشرون من أبطال قريش وأصحاب ألويتهم، فقد نصت السير أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل أكثر من اثني عشر من أبطالهم، وقتل معظم أصحاب الألوية. وإليك بعض أسماء شهداء أحد وهم: 1- حمزة بن عبد المطلب. 2- مصعب بن عمير. 3- عبد الله بن جحش. 4- عقيل بن أمية. 5- شماس بن عثمان. 6- أنس بن النضر. 7- حنظلة بن عامر. 8- عمرو بن الجموح. 9- أخو عمرو لأمه. 10- ثابت بن قيس. 11- عبد الله بن عمرو بن حزام، والد جابر بن عبد الله الأنصاري .

________

(1) ستة كيلو مترات، والآن أصبح ضمن المدينة بعد التوسعات العظيمة.

(2) فأخذته إحدى نسائهم، وهي عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته، فتراجع المشركون إلى اللواء، وفيها يقول حسان بن ثابت:

 ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الأسواق بالثمن البخس .

(3) سورة آل عمران الآية: 152.

(4) وروى هذا الخبر جماعة من المحدثين، وهو من الأخبار المشهورة خاصة في شرح النهج للواقدي، ورواه الطبري في تاريخه ص 17 من المجلد الثاني بالنحو الذي أوردناه، وإنهم سمعوا صوتا ينادي لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي وكذلك رواه المحب الطبري في الرياض النضرة ج 2 ص 172، وعلي بن سلطان في مرماته ج 5 ص 568، وأخرجه أحمد بن حنبل في المناقب والهيثمي في مجمع الزوائد، والطبراني وغيرهم، انظر فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج 1 ص 343.

(5) سورة آل عمران الآية: 144.

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي