1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الخلفاء الاربعة : عثمان بن عفان :

بيعة عثمان بن عفان

المؤلف:  الدكتور أحمد عز الدين

المصدر:  الامامة والقيادة

الجزء والصفحة:  ص 81 -102

16-11-2016

1846

يبدو أن كثيرا من الناس وعلى رأسهم عمر نفسه أدركوا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ولم تكن وفق سياق طبيعي، وأن بيعة عمر كانت بغير مشورة من المسلمين، وكذلك تكرر كثيرا وكما ذكرت عشرات الكتب في التاريخ والحديث - أن هذا أو ذاك من الصحابة صرح بذلك حتى اعترف عمر بهذه الحقائق قائلا ( إن رجالا يقولون إن بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ، وإن بيعة عمر كانت عن غير مشورة ، والأمر بعدي شورى ) (1).

فهذه الرواية - إن صحت - دلت على اعتراف صريح بأن تحديد القيادة في المرة الأولى والثانية لم يكن شورى ، بل كان كما رآه الناس آنذاك : فلتة مرة ، وبلا مشورة أخرى ، ولهذا فقد قرر عمر تعيين القيادة من بعده - وفي المرة الثالثة - عن طريق الشورى ولما طعن عمر ، ورأى أنه ذاهب إلى ربه ، وضع صيغة سياسية جديدة لتعيين قيادة خير أمة وخير دولة ، فدعا عليا[عليه السلام] ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ( رض ) وقال لهم : ( فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام ، وليصل بالناس صهيب ، ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم ، ويحضر عبد الله بن عمر مشيرا ولا شئ له من الأمر ، وطلحة شريككم في الأمر ، فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه معكم ، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم . . .

وقال لأبي طلحة الأنصاري : يا أبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم ، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم .

 وقال للمقداد بن الأسود : إذا وضعتموني في حفرتي فأجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم ، وقال لصهيب : صل بالناس ثلاثة أيام ، وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة إن قدم ، وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر، وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو أضرب رأسه بالسيف ، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما ، فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر ، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم ، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس . . . فلما دفن عمر جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة ، ويقال في بيت المال ، ويقال في حجرة عائشة بإذنها ، وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب . . . فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام. . .

فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم ؟ فلم يجبه أحد، فقال فأنا أنخلع منها فقال عثمان أنا أول من رضي. . . فقال القوم: قد رضينا. ( 2 )

وبعد مناقشات ومداولات كثيرة قال عبد الرحمن بن عوف ( إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا . ودعا عليا[عليه السلام] فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي قال نعم، فبايعه ) ( 3 ).

وفي رواية أخرى أنه سأل عليا (عليه السلام ) ( هل أنت يا علي مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟ فقال: اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فالتفت إلى عثمان فقال: هل أنت مبايعي على ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ، فالتفت إلى عثمان فقال : هل أنت مبايعي على ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ، فالتفت إلى عثمان فقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟ قال : اللهم نعم ) ( 4 )

ثم نهضوا إلى المسجد فصعد عبد الرحمن المنبر، ونادى عليا(عليه السلام ) ثم أخذ بيده وقال ( هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟ قال: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فأرسل يده ثم نادى: قم إلي يا عثمان، فأخذ بيده وهو في موقف علي الذي كان فيه فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟ قال: اللهم نعم، فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان ثم قال: اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان، وازدحم الناس يبايعون عثمان ) ( 5 ).

وإذا حاولنا أن نفهم هذه القصة بلغة عصرنا، لا بأسلوب المؤرخين الذي قد يصعب على كثير منا، قلنا إن برنامج الخليفة الثاني لتعيين القيادة اشتمل على البنود التالية:

1 - تشكيل مجلس شورى من سبعة أعضاء أحدهم لا يحق له ترشيح نفسه. هؤلاء الأعضاء هم: علي بن أبي طالب[عليه السلام]، وكان مرشحا للقيادة.

عثمان بن عفان، وكان مرشحا للقيادة. عبد الرحمن بن عوف ، وهو زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأمها . أروى بنت كريز، وأروى هي أم عثمان، فهم بهذا زوج أخت عثمان لأمه. سعد بن أبي وقاص ، وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف . طلحة بن عبيد الله ، وكان غائبا لم يحضر . الزبير بن العوام ، وكان ابن خال فاطمة (عليه السلام ) زوجة أحد المرشحين .

عبد الله بن عمر، رأيه استشاري، وهو ابن الخليفة، ومواقفه من أحد المرشحين ( الإمام علي ) معروفة ومسجلة.

 2 - قتل من حاز على نسبة أقل أو حتى متساوية من الأصوات، ورفض مبايعة من وقع عليه الاختيار.

3 - عند تساوي الأصوات توضع سلطة التحكيم في يد ابن الخليفة ، فإن رفض قراره ، رجح المرشح الذي يميل معه عبد الرحمن بن عوف .

مدة التشاور ثلاثة أيام:

نعم كان لكل واحد من أعضاء المجلس حق الترشح للقيادة ، إلا أن جميع الأعضاء وكذلك عامة الناس ، كانوا يفهمون أن السباق ليس إلا بين علي وعثمان ، ومن ثم ذكرت كلا منهما على أنه مرشح للقيادة . وفي كلام الإمام علي عليه السلام تأييد لهذا كما سترون فيما بعد. ثم أسفر المجلس عن إيكال سلطة حسم المشكلة إلى عبد الرحمن بن عوف بناء على اقتراحه هو نفسه ، فصار له وضع القيادة المؤقتة التي أنيطت بها مسئولية اختيار القيادة الجديدة ، أي أن السلطة التي أجرت الانتخابات - بمفهوم عصرنا - كانت تميل مع أحد المرشحين ، وتربطها به صلة نسب قوية . وانتهى الأمر ببيعة عثمان.

انتقادات مجلس الشورى:

وإذا أزلنا قليلا من الصدأ الذهني والفكري اللاصق على عقولنا وأفهامنا ، وحاولنا فهم ما جرى في حجاب عن زوابع العاطفة قلنا :

أولا: إن تشكيل المجلس وانتقاء أعضائه لم يتم على أساس مفهوم واضح، فما هي شروط الأهلية هنا ؟ ولماذا لم ينتق الخليفة غير من انتقى ؟ ولماذا لم يمثل فيه الأنصار ، وهم قوة سياسية كبيرة بالمجتمع آنذاك ؟

ثانيا: إن انتقاء ستة أعضاء ثلاثة منهم أقرباء فيما بينهم، وفيهم أحد المرشحين، ثم تركيز سلطة الفصل في الأمر عند التساوي في يد ابن الخليفة المعادي لأحد المرشحين، فإن لم يكن ففي يد قريب أحد المرشحين دون سبب شرعي لهذا الإجراء ، كله من تفضيل لعبد الرحمن بن عوف ، أو وضع القرار في يديه، أمر لا يفهم منه إلا وضع هذه الصيغة السياسية والدستورية بحيث يصبح فوز أحد المرشحين - وهو هنا عثمان بن عفان - أمرا محتوما ، وتبقى المسألة إجراء صوريا لذر الرماد في الأعين، والتخييل على الناس بأن الأمر تم عن طريق الشورى.

وأقل ما يوصف به مثل هذا المجلس في عرفنا - على الأقل من حيث التشكل - أنه غير محايد، لأن مجموعة الأقارب التي تربطها وشائج القرابة، وعلاقات المصالح، يمتنع أن تتفق على غير

مرشحها ، فإذا تساوت الأطراف فالسلطة في يدها ، وهو ما يجعل الفريق الآخر لا قيمة له ، ولا فرصة أمامه . من أجل هذا رأينا الإمام علي (عليه السلام) يسخر من مجلس الشورى في بعض كلامه ويقول ( حتى إذا مضى لسبيله ( أي عمر ) جعلها ( أي القيادة ) في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله ويا للشورى. . . فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ) ( 6 ).

ويعلق على الصيغة السياسية التي وضعها عمر فيقول ( قرن بي عثمان، وقال كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلا، ورجلان رجلا، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون ، فيوليها عبد الرحمن عثمان أو عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران ( يعني طلحة والزبير ) معي لم ينفعاني ، بل إني لأرجو إلا أحدهما ) ( 7 ). أي أنه كان يتوقع بقاء الزبير فقط معه وانحياز طلحة عثمان وهو ما حدث .

وأكرم عثمان طلحة ، وخصه بالعطاء طوال مدة خلافته حتى حصر فكان أشد الناس عليه (فكان طلحة إذن يمثل نوعا خاصا من المعارضة رضي ما أتاح الرضا له الثراء والمكانة ، فلما طمع في أكثر من ذلك عارض حتى أهلك وهلك)(8).

ثالثا: إن إصدار عمر أمره بقتل من حاز على أصوات أقل أو تساوى في الأصوات ولم يبايع، لم يكن له سند من كتاب ولا سنة، فإن حصل مرشح على نسبة أصوات أعلى، وآخر على عدد أقل فما الداعي لقتل الثاني ؟  وبأي شريعة يقتل ؟

وهل يبيح الإسلام قتل من لم يبايعوا أو كانوا في الأقلية أو من لم يفوزوا في الانتخابات مثلا ؟

أليس هذا الحكم من باب إرهاب الطرف الآخر كي يبايع ؟

قد يقال إن عمر حكم بهذا خشية الفتنة، ومن باب الحرص على الأمة، فنقول: وفي أي شريعة يقتل المسلم بمجرد الخوف والتحسب، دون أن يرتكب ما يستوجب القتل فعلا ؟

وهل تأييد مرشح لم يحصل - بالاحتيال أم بغير الاحتيال - على عدد كاف من الأصوات يستحق العقوبة في الإسلام ؟

أم أن الذي يستحق المحاسبة ذلك القائد والخليفة الذي يلجأ للحيل لإنجاح من يريد ؟

ثم في النهاية نسأل :

هل لا بد أن تكون نسبة الفوز في الانتخابات 99 / 99 % بدون معارضة ؟

وماذا نقول لو أن حاكما ممن يركبوننا اليوم فعل ما فعل عمر في معارضيه ؟ أيكون على حق ؟

فإن قيل لا ، فله أن يقول : لي في عمر بن الخطاب أسوة حسنة، ومن منا ينكر منزلة عمر ؟

وإن قيل نعم يحق له، قلنا: فلا ينبغي إذن أن نعترض إذا انتقى أحد الذين يركبوننا مجلس شورى على عينه، وسلك كل سبيل ليأتي في الحكم بمن يريد، وقتل من فازوا بأقلية الأصوات خشية الفتنة !

رابعا : إن العهد الذي أخذه عبد الرحمن بن عوف من المرشحين كشرط لتولي القيادة أيضا فيه كلام . فالإمام علي (عليه السلام ) - كما هو معروف - كان أعلم من في الأمة، وكانت فيه بلا شك كبرياء العلماء، ولا يصح إقرانه بغيره بإجماع المسلمين قديما وحديثا. وإلزامه باتباع الكتاب والسنة أمر جد مقبول ولا غبار عليه ، أما إلزامه باتباع أعمال أبي بكر وعمر فقد كان استفزازا ، كما أنه ما أنزل الله به من سلطان ، فأين الدليل على أن الالتزام بأعمال أبي بكر وعمر شرط للخلافة وإدارة الدولة لا تفلح إلا به ؟

ولقد كان لعلي(عليه السلام ) دون ريب مآخذ على أخطاء سياسية ارتكبها الشيخان خلال مدة حكمهما، وكان أعلم منهما، فهل يصلح أن يكون الالتزام بأخطاء السلف دستورا للعمل في الدولة ؟

وطبيعي أن رجلا كعلي لا يقبل الإقرار بالالتزام بهذه المخالفات التي ندم عليها من فعلوها أنفسهم.

ثم إن هذا الشرط لم يضعه عمر في الدستور الذي تركه - إن جاز لنا اعتبار ما تركه بمثابة دستور للدولة - ولم يكن هذا الشرط إلا تعديلا تعسفيا في الدستور أجراه عبد الرحمن بن عوف بمزاجه لحاجة في نفسه .

ودعنا نفترض جدلا صحة هذا الدستور شرعا، فهل سار عليه عثمان في خلافته ؟

أم أنه انحرف عنه انحرافا كبيرا كما هو مشهور في التاريخ ؟

ولماذا لم يذكر أحد هذا الشرط حين رأوا المخالفات ، ولماذا لم يعزل لإخلاله بالشرط الذي لولاه ما أعطيت له القيادة ؟

ألا تنص الشريعة على أن الخليفة إذا لم يف بشروط استخلافه عزل ؟

والاستفزاز الذي ذكرنا لتونا فطن إليه الإمام علي عليه سلام الله حين خلا عبد الرحمن بن عوف به ثلاث مرات يسأل : لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، حتى قال له الإمام في المرة الأخيرة ( إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معها إلى أجيرى ( بكسر الهمزة وتشديد الجيم أي الطريقة والسنة ) أحد ، أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر ( يعني القيادة ) عني ( 9 ) ودفع القيادة لعثمان لما وافقه على هذا الشرط .

والواقع أن تشبث عبد الرحمن بن عوف بضرورة الالتزام بأعمال أبي بكر وعمر ، ينبغي أن نفهمه في ضوء التيارات السياسية والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول عليه السلام ، ونتيجة للسياسة الاقتصادية بوجه خاص التي سارت عليها الدولة في عهد الشيخين لا سيما عمر ، ذلك أن هذه السياسة أدت إلى تغييرات في الدولة ، ورفعت فئة على فئة .. .

وكان الإمام علي عليه سلام معروفا بمخالفته هذه السياسة ، مشهورا بفقره وزهده وحبه للمساواة وللفقراء والمستضعفين ، فبرز كقائد سياسي وديني لهذا التيار فالتف حوله أتباعه ، ولذلك كثيرا ما روى عن عمر قوله ( قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولى رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق وأشار إلى علي ) ( 10 ) وقال ( لله درهم إن ولوها الأصيلع ( يقصد عليا عليه سلام ) كيف يحملهم على الحق وإن كان السيف على عنقه ) .

قال محمد بن كعب: فقلت أتعلم ذلك منه ولا توليه ؟ فقال إن تركتهم فقد تركهم من هو خير مني) (11).

وقال مرة أخرى عنه ( أحربه أن يحملهم على الحق ) ( 12 )

وقال لابنه ( إن ولوها الأجلح يسلك بهم الطريق المستقيم - يعني عليا - فقال ابن عمر : فما منعك أن تقدم عليا ؟ قال أكره أن أحملها حيا وميتا ) ( 13 ).

وقد روت الكثرة من كتب الحديث والتاريخ هذا النص بروايات وألفاظ مختلفة ، مما يدل على أن عمر وغيره من الصحابة آنذاك كانوا يعرفون أن عليا إذا جاء إلى السلطة ، أخذ الدولة على طريق الحق ، واشتد في إحقاقه دون محاباة ، مما يضر بمصالح فئة معينة ليسوا على استعداد لتحمل تبعة سياسة المساواة والإنصاف التي سيتبعها علي (عليه السلام).

والذي نذكره هنا أن هذا التغيير الاقتصادي والاجتماعي الذي نشأ في خلافة عمر وندم عليه قبل موته ( 14 ) زاد واستفحل في عهد عثمان حتى عصفت نتائجه بالدولة عصفا .

ولم أقف على أحد من القدماء أو المحدثين تناول بالتاريخ عصر الخلافة إلا وأشار من قريب أو بعيد ، تلميحا مرة وتصريحا عشرات المرات ، إلى أن سياسة عثمان الاقتصادية خاصة والإدارية عامة كانت سبب تنافس الصحابة - أو أكثرهم - ثم اقتتالهم فيما بعد . فلقد أحدثت سياسته المالية والاقتصادية الخاطئة انقلابا هائلا في وضع المجتمع العربي آنذاك ، فبرزت  قطع من نسيجه وانخفضت قطع أخرى، ففقد وحدة الانتماء الاقتصادي وطابع المساواة الذي تركه عليه رسول الله[صلى الله عليه وآله وسلم]  ، وظهرت الطبقات بمعالمها واضحة ( وبلغ نظام الطبقات غايته بحكم هذا الانقلاب ، فوجدت طبقة الارستقراطية العليا ذات المولد والثراء الضخم والسلطان الواسع ، ووجدت طبقة البائسين الذين يعملون في الأرض ، ويقومون على مرافق هؤلاء السادة ، ووجدت بين هاتين الطبقتين المتباعدتين طبقة متوسطة هي طبقة العامة من العرب الذين كانوا يقيمون في الأمصار، ويغيرون على العدو ويحمون الثغور ، ويذودون عمن وراءهم من الناس وعما وراءهم من الثراء ، وهذه الطبقة المتوسطة التي تنازعها الأغنياء ففرقوها شيعا وأحزابا ( 15 ).

وكان الإمام علي - كما تشهد سيرته وأحواله وأقواله - زعيما للبؤساء والمستضعفين والمحرومين ( ولم يكن الخداع والحيل من مذهب علي عليه السلام، ولم يكن عنده غير مر الحق ) ( 16 )

فمواقف رجال مجلس الشورى أثناء بيعة عثمان لا يمكن فصلها عن مشاعر البشر، والمكاسب التي حققوها في ظل سياسة  اقتصادية معينة ، فكانت المفاضلة بين عثمان وعلي لا على أساس الأكفأ والأحق ، بل على أساس الحفاظ على الوضع الراهن والسياسة المفيدة ، ومن هنا نفهم الإصرار على ضرورة اتباع سيرة أبي بكر وعمر ، ثم الميل من بعد إلى من يرجى منه عدم المساس بالمكاسب المادية والاجتماعية التي نالوها فيما سبق .

نقل ابن خلدون في مقدمته عن المسعودي قوله ( في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال ، فكان له يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار ، وخلف إبلا وخيلا كثيرة ، وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف ألف فرس وألف أمة ، وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم ، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك ، وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس ، وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم . وبلغ الربع من متروكة بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا، وخلف زيد بن ثابت من الفضة والذهب ما يكسر بالفؤوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار.

وبنى الزبير داره بالبصرة وكذلك بنى بمصر والكوفة والإسكندرية ، وكذلك بني طلحة داره بالكوفة ، وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج . وبني سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، ورفع سمكها وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات ) ( 17 ).

هكذا كان وضع أكثر أعضاء مجلس الشورى وما حققوه من مكاسب اجتماعية وسياسية، لا يمكن إغفال دورها في صياغة الأحداث عند تقييمنا لوقائع تاريخنا السياسية الهامة.

ثم إن ابن سعد روى نصا غريبا خلاصته أن سعيد بن العاص أتى عمر يستزيده في الأرض ليوسع داره فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ إلى داره، يقول سعيد : ( فزادني

وخط لي برجليه ، فقلت يا أمير المؤمنين زدني فإنه نبتت لي نابتة من ولد وأهل ، فقال : حسبك ، واختبئ عندك ( يعني اجعل الكلام في سرك ) أنه سيلي الأمر من بعدي من يصل رحمك ، ويقضي حاجتك .

قال فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان وأخذها عن شورى ورضا، فوصلني وأحسن، وقضى حاجتي، وأشركني في أمانته ) ( 18 ).

فإن صحت هذه الرواية جاز لنا أن نتساءل كيف عرف عمر أن عثمان سيلي الأمر بعده ؟

أكان ذلك ضربا من الكشف أم أمرا آخر ؟

وإن كان كشفا فلماذا يأمره بأن يجعل الكلام في سره ولا يبوح به لأحد ؟ وهناك رواية أخرى تقول ( إن عمرو بن العاص كان قد لقي عليا في ليالي الشورى فقال إن عبد الرحمن رجل مجتهد، وأنه متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك، ولكن الجهد والطاقة، فإنه أرغب له فيك . ثم لقي عثمان فقال إن عبد الرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة فاقبل) ( 19 )

أي أن عمرو بن العاص خدع عليا وقال له إن عبد الرحمن إذا سألك أتبايع على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ، فقل له بل جهدي من ذلك وطاقتي، لأن هذا يعجب عبد الرحمن . ثم قال لعثمان أن يقول نعم، لأن ذلك سيجعله فيك أرغب. ومع أنني لا أعتقد بصحة هذه الرواية لأن شخصية الإمام علي ( عليه السلام ) لم تكن بهذا الضعف ، كما لم تكن شخصية انتهازية ترضى بسلوك أي وسيلة لتصل إلى غايتها ، وتجلس في السلطة ، وهو الزاهد الذي كان يرى الدنيا بأسرها أهون من عفطة عنز ، إلا أن الرواية ، بافتراض صحتها ، تشير إلى أن الأمر لم يخل من خداع .

وسواء كانت لعبة الشورى ، أم مشورة عمرو ، فالقرار الذي أصدره الإمام علي (عليه السلام ) بشأن كل ما حدث في تولية عثمان أنه ( خدعة وأيما خدعة ) ( 20 ).

أما معاوية فقال عن شورى عمر فيما بعد ( لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر) ( 21 ) , ولأنها كانت كذلك ولم تكن صافية بلا شوائب ، أدت إلى ما نعرفه من حوادث ، وكما ندم أبو بكر على تقمصها ندم عبد الرحمن بن عوف على فعله حتى قال لعلي (عليه السلام ) ( إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي فإنه خالف ما أعطاني وروي كذلك أنه قال لبعض الصحابة في المرض الذي مات فيه (عاجلوه قبل أن يطغى ملكه) (22) , وعاش عبد الرحمن بن عوف لم يكلم عثمان أبدا حتى مات (23)

تلك هي بيعة عثمان أو الشكل الثالث من أشكال تعيين القيادة في جيل حمل الرسالة، فاقتدينا به. فإن جاء أحد ممن نطأطئ لهم فيركبوننا كالمطايا ، وتأسى بهذه الأسوة وأتى من الأفعال ما تشابه وأفعال قدوتنا ، فكيف نوقفه عند حده ، وكيف نمنعه ، ما دامت هذه الممارسات تتحكم فينا، لأننا قدسنا فاعليها وقدسناها معهم ، ولا يجوز لنا الاعتراض عليها أو عليهم .

________________

 ( 1 ) أنساب الأشراف للبلاذري : 5 / 15 . ( * )

 ( 2 ) الطبري : 3 / 294 - 295 . العقد الفريد : 4 / 275 - 276 . ( * )

 ( 3 ) الطبري : 3 / 296 .                                    

 ( 4 ) الطبري : 3 / 301 . ( * )

 ( 5) الطبري: 3 / 301 - الفريد: نظر التفاصيل في العقد الفريد: 4 / 273 وما بعدها. (* )

 ( 6 ) نهج البلاغة بتعليق الدكتور صبحي الصالح، ص 49، بيروت 1967.

 ( 7 ) الطبري : 3 / 294 . ( * )

 ( 8 ) الفتنة الكبرى ، طه حسين ص 150 ، مصر 1962 م . ( * )

 ( 9 ) تاريخ اليعقوبي : 1 / 162 . ( * )   

 ( 10 ) الطبري : 3 / 293 . العقد الفريد : 4 / 274 . ( * )

 ( 11 ) الرياض النظرة : ص / 95 .    

 ( 12 ) الطبري : 3 / 294 .     

 ( 13 ) الرياض النظرة : 2 / 95 . ( * )

 ( 14 ) الفتنة الكبرى ص 8 . ( * )

 ( 15 ) نفس المصدر : ص 109 .                       

 ( 16 ) الفخري لابن طباطبا : ص 63 ، مصر 1339 ه‍ .

 ( 17 ) المقدمة : ص 204 - 205 .

 ( 18 ) طبقات ابن سعد: 5 / 31، بيروت 1957.                  

 ( 19 ) الطبري : 3 / 302 .

 ( 20 ) الطبري : 3 / 302 .                                     

 ( 21 ) العقد الفريد: 4 / 281. ( * )

 ( 22 ) الفتنة الكبرى : ص 172 .                           

 ( 23 ) العقد الفريد: 4 / 280. ( * )