التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اليمن
المؤلف: صالح احمد العلي
المصدر: تاريخ العرب القديم والبعثة النبوية
الجزء والصفحة: ص20-29
12-11-2016
1212
تقع اليمن في الطرف الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية، تمر بها من الشمال الى الجنوب سلسلتان جبليتان تحصران بينهما هضبة عريضة، وينحدر سطحها نحو البحر بشدة تاركا سهلا ساحليا ضيقا يقطعه عدد من الوديان المنصبة في البحر. وتسقط على هذه البلاد أمطار وافرة في الصيف تأتي بها الريح الموسمية من شرقي أفريقية. وقد ساعدت هذه الامطار على نشوء النهيرات الصغيرة والسيول التي يستفاد منها في الزراعة التي ازدهرت في هذه البلاد. وقد أدى ذلك الى استقرار الناس ونشوء المدن والمدنية، وأهم منتوجاتها الذرة والحنطة وقصب السكر والاعناب (1).
ومن أهم المنتوجات اليمانية العطور والأفاويه والبخور التي كانت لها أهمية كبرى عند الناس في التاريخ القديم، فقد كانت تستعمل في المعابد والطقوس الدينية، وللتحنيط؛ كما كانت تستخدم أحياناً في الأطعمة. هذا الى ان العطور كانت تستخدمها النساء بكثرة. ويكفي للاستدلال على مدى أهميتها ان نذكر ان معبدا لآمون في مصر استعمل في أوائل القرن الثاني عشر 2159 جرة في سنة واحدة، وان الكلدانيين كانوا يحرقون سنويا في معبد بعل ببابل عشرة الاف تالنت، وان الاسكندر ارسل 500 تالنت هدية لأستاذه ارسطو (2). وكانت اليمن وحضرموت تزرعان اهم انواع الافاويه والعطور العالمية، وتعدان اكبر مصدر لها في العالم القديم. وقد ساعدت زراعة الافاويه على ازدهار تجارتها مع البلاد الأخرى، وخاصة بلاد الهلال الخصيب وبلدان البحر المتوسط، حيث كانت تصدر إليهم المنتوجات. كما ان وقوعها على طريق الهند ساعد على جعلها مركزا هاما لتجارة الترانزيت، ولسيطرة بحارها على ملاحة البحر العربي والبحر الأحمر. ومن المعلوم ان الملاحة في البحر العربي تعتمد على الرياح التي تهب من الشمال الغربي الى الجنوب الشرقي في فصل الصيف، ثم تهب بالعكس في الشتاء. ولم يكن يعرف هذه التبدلات في اتجاه الرياح سوى الملاحين اليمانيين، مما ساعدهم على احتكار الملاحة في حتى القرن الثاني قبل الميلاد. وقد أدت هذه الأحوال الطبيعية الملائمة الى ظهور المدن وازدهار الحياة في المدينة منذ اقدم الازمنة؛ فظهرت فيها دول، أقدم ما نعرفه منها هي الدولة المعينية التي قامت في الجوف وكانت عاصمتها قرناو او معين.
وقد لاحظ بعض الباحثين، وبخاصة ونكلر وهومل ودوفرني، ان بعض مظاهر الحضارة اليمانية القديمة تشبه حضارة البابليين، فاسماء الاله شماش وعشتروت البابلية، يشبهان اسمي الاله شمس وعثر اليمانية. كما ان النقوش والاختام المعينية تشبه ما عند العراقيين القدماء؛ والمكارب اليمانيين يشبهون الملوك الكهنة السومريين. وقد استنتجوا من ذلك ان اصل المعينيين من العراق. غير ان هذا التشابه الجزئي في مظاهر الحضارة لا يكفي ان يكون دليلا قاطعا على كونهم جاءوا من العراق، اذ يجوز ان يكون الساميون العراقيون قد جاءوا من اليمن، أو قد يكون العراقيون واليمانيون قد جاءوا من اصل واحد في محل ما، او قد يكون التشابه في مظاهر الحضارة نتيجة الاختلاط الذ2ي كان بين البلدين منذ ازمنة سحيقة.
ومن الدول القديمة، في اليمن، الدولة المعينية التي ظهرت في الجوف؛ وقد اختلف الباحثون في بداية نشوء دولة المعينيين؛ لان الاثار القليلة الباقية عنهم نذكر وجود خمس اسر معينية حكمت معين، تتكون كل اسرة من عدد من الملوك المتسلسلين، ولكن لا توجد أية صلة بين كل اسرة من هذه الاسر والاسرة التي تليها. وقد اختلف الباحثون فيما اذا كانت هذه الاسر متعاقبة ومتسلسلة أو ان هناك ملوكا حكموا المعينيين لم تصلنا اخبارهم.
ويرجح المؤرخون ان اولى هذه الاسر بدأت في الحكم حوالي سنة 1110 ق.م. وكانت الظروف الدولية مؤاتية لها. ففي مصر لم يتمكن ملوك الأسرة الحادية والعشرين الضعفاء من التدخل في شؤون الجزيرة العربية. وفي العراق كان يحكم بابل ملوك ضعفاء. وفي آشور كان تغلات فلاسر منشغلا في حروبه شمال العراق. وقد ساعدت هذه الظروف المعينيين على تثبيت ملكهم ومد نفوذهم التجاري في الشرق الأوسط، فامتد نفوذهم في عهد الأسرة الثانية الى حضرموت في الجنوب؛ كما امتدت تجارتهم ونفوذهم الاقتصادي الى شمال الحجاز حيث اقيمت مستعمرة معينية يرجح انها كانت مرتبطة بدولة اليمن. وقد أدى هذا التوسع الى احتكاك المعينيين بأشور والفينيقيين.
ويظهر انه في نهاية عهد الأسرة الثانية بدأ احتكاكهم بحضرموت وقتبان في الجنوب. كما بدأ يتردد في النقوش ذكر قبيلة خولان وذكر السبئيين الذين اصبحوا فيما بعد ورثة المعينيين.
يرجح تاريخ القتبانيين الى سنة 1000 ق.م على الأقل، وكانوا يسكنون في الطرف الجنوبي الغربي من اليمن وعاصمتهم تمنع، وهي قرب باب المندب، وقد كشفت آثارها قبل بضع سنوات. ويذكر بعض كتاب الرومان أنه كان فيها خمسة وستون معبدا.
استفاد القتبانيون من موقعهم الجغرافي ومجاورتهم لحضرموت التي تنتج خير انواع البخور، فجنوا ثروة كبيرة، وصارت لهم قوة عظيمة حدت من نفوذ المعينيين. وكانت نظم ادارتهم تشبه النظم المعينية؛ غير ان الضرب النهائية التي قضت على المعينيين جاءت من السبئيين الذين ازدادت قوتهم، حتى استطاعوا ان يقضوا على الدولة المعينية، ويسيطروا على اليمن، ويحدوا من نفوذ القتبانيين. الا ان المعينيين ظلوا محتفظين بكيانهم الاجتماعي حتى بعد انقضاء دولتهم، اذ وجد لهم ذكر في الاثار المصرية في القرن الثاني ق.م، وفي ديلوس حيث امتدت تجارتهم اليها.
يبدو من الوثائق الباقية ان نظام الحكم في معين كان ملكيا مقيدا، فكان الملك يدعى مزود، ومعناه المقدس، والملك وراثي، وقد يشارك الابن اباه في الحكم، ولكن يحيطه مجلس استشاري يعاونه في الحكم ويحد من سلطانه.
وكانت المدن التابعة لدولتهم تتمتع باستقلال ذاتي. اما ادارتها، فكانت بيد رؤساء ينتخبون لمدة سنة قابلة للتجديد، ويعاونهم مجلس من المشايخ. ويظهر انه كانت لهؤلاء الرؤساء مكانة سامية، اذ كانت تدون اسماؤهم في سجلات المدينة او المعابد، ويذكرهم المؤرخون في وثائقهم، حتى ان بعض الملوك كانوا يؤرخون توليتهم ويحددونها بذكر الرئيس الذي كان قائما آنذاك.
كان المعينيون يمتهنون الزراعة والتجارة، وفيهم عدد من القبائل البدوية يرعون الماشية، ولا تختلف نظمهم عن نظم البدو.
والمجتمع المعيني ارستقراطي يستخدم العبيد، وفيه عدد من الطبقات التي تتميز من بعضها. وهم متدينون يولون رجال الدين أهمية كبيرة. وللمرأة حرية واسعة.
لقد كان المعينيون يستعملون في كتابتهم الحروف. ومن المحتمل انهم أول من اخترع الالفباء ثم انتقلت منهم الى سيناء والفينيقيين؛ ثم نقلت الى اليونان.
انتشر المعينيون في بلاد واسعة متبعين تجارتهم حتى بعد انقراض دولتهم. فقد وجد ذكر للمعينين في مصر والعراق وسوريا وديلوس. وقد ذكرهم اليونان والرومان فاشار بلبني الى وجودهم مع سبأ، ووصفهم بطليموس بأنهم شعب قوي، وقال ديودورس بانهم كانوا يأتون الافاويه. ولا ريب ان ذكر هؤلاء الكتاب الاغريق والرومان لهم في القرون القريبة من ميلاد المسيح دليل على بقاء المعينيين محتفظين بنشاطهم الاقتصادي حتى بعد أن دالت دولتهم. وكانت لهم مستعمرة واسعة في شمال الحجاز.
اما السبئيون، فقد ورد ذكرهم في النقوش الاشورية، اذ يذكر كل من تغلات فلاسر (745 – 727ق.م) وسنحاريب واسر حدون (715-685 ق.م) انهم اخذوا الجزية من يثعمر وكرب ايلو ملكي سبا. كما ذكرت التوراة (في سفر التكوين × 7) سبأ جنوب جزيرة يقطان تعطي المر والجوهر والذهب، وان بلقيس التي تزوجت سليمان كانت ملكة سبأ، وان لم يكن هناك دليل قاطع على ان هذه الملكة كانت في اليمن.
لا تذكر المصادر التاريخية شيئا واضحة عن اصل السبئيين. ومن المحتمل انهم كانوا في الاصل قبائل بدوية تتجول في الشمال، ثم انحدرت نحو الجنوب الى اليمن حوالي سنة 800 ق.م، كعادة العرب في التجوال، او نتيجة ضغط الاشوريين عليهم من الشمال؛ واستقرت اخيرا في اليمن واخذت تتوسع فيها مستفيدة من ضعف المعينيين وضعف قوتهم العسكرية، فامتدت الى الجوف.
ويمكن تقسيم حكمهم في اليمن الى ثلاث حقب متميزة : كان يطلق على رؤسائهم في الفترة الأولى لقب مكرب وهي كلمة دينية تعني المقدي. تلتها حقبة أخرى اصبح يسمى الرؤساء فيها ملوك سبأ. ثم في الفترة الثالثة كانوا يلقبوان ملوك سبأ وريدان.
وأول مكارب سبأ هو سمح علي (حوالي 800 – 780ق.م) الذي لا يعرف عن حكمه الا خير واحد هو انه قدم هدية من البخور والمر للإله المقه الذي أرشد أفراد القبيلة بعد تجوالهم الى (ارض فيها اللبن والعسل). وقد أعقبه ابنه يدع ايل ضريح الذي بنى معبدا للمقه في صراوح، عاصمة مكارب سبأ؛ كما بنى معبدا آخر للمقه، وكذلك لعثر في مأرب. وهذه أول اشارة لمأرب، مما يدل على انها كانت آنذاك مدينة كبيرة مهمة. وقد تلا هذا المكرب يعثمر وتر الذي بنى معبدا لإله القمر حوباش في دابر التي كانت تقع بين مأرب والجوف في وادي حربد. وقد ولي بعد هذا المكرب ابنه يدع ايل بين الذي حصن مدينة نشق في الجوف، عند حدود الدولة المعينية، مما يدل على انه كانت هناك حروب مع المعينيين. غير ان النقوش لا تذكر شيئا من هذه الحروب. وقد تولى بعد هذا المكرب سمح علي يناف، ويعثمر وتر، وكرب ايل بين الذين قدموا الجزئية لسنحاريب واسر حدون. ليست لدينا اخبار أخرى عن هؤلاء المكارب. مما قد يدل على انهم لم يقوموا بفتوحات تستحق الذكر، وانهم انصرفوا الى الحياة السليمة واهتموا بالزراعة والإعمار والسدود.
وقد تولى بعد كرب ايل بين ابنه (او ابن أخيه) ذمر علي وتر الذي قام بتشييد سد مأرب الذي يعد أعظم سد شيد في الجزيرة العربية ومن أعاجيب العالم القديم. وقد ظل ذكره يتردد بين الناس واشار إليه القرآن فقال تعالى : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ: 15 - 19]. وقد وصف هذا السد العالم اليماني الهمداني في كتابه (الإكليل). كما وصف بقاياه عدد من السياح والمحدثين، منهم ارنو وهاليفي وكلازو.
والسد (3) طوله 680 ذراعا وارتفاعه 16 مترا، وسمكه 20 مترا، بني على مقطع وادي اذنة الذي تتجمع فيه معظم مياه السيول التي تتكون من الامطار الساقطة على الجبال الواقعة على أطراف صنعاء. وهو مبني بالتراب والحجارة ينتهي اعلاه بسطحين مائلين على زاوية منفرجة تكسوها طبقة من الحصى تمنع انجراف التراب عند تدفق المياه. ويستند هذا السد من طرفيه الى جبلين. وعند كل من هذين الجبلين تتفرع قناتان كبيرتان، يتشعب من كل منها عدد كبير من القنوات الفرعية. وعلى فتحة كل قناة سد آخر ذو فتحة مبني بالحجارة. فالسد يحصر المياه الآتية من السيل، ويجمعها لتصب في خزان مساحته حوالي ثمانية كيلومترات مربعة، وسعته 55 مليون متر مكعب، وترتفع المياه فيه حتى تبلغ مستوى عاليا يقارب مستوى الجبلين، ثم تفتح فوهات القنوات، فيدخل منها الماء لإرواء سطح الجبلين. فاذا اكتفوا سدوا هذه القنوات بابواب من خشب وحديد.
على ان ما بناه ذمر علي لم يرو كل الأراضي. لذلك أكمله ابنه يعثمر بيان فانشأ سدا جديدا يدعى حبادر (او حبابذ)، ووسع سد رحاب. وقد جعلت هذه السدود منطقة مأرب غنية بالزراعة. وتبلغ مساحة الارض التي كان يرويها السد قديما عشرة الاف هكتار.
وقد ادخلت الى السد إضافات متعددة حتى اتخذ شكله النهائي، على عهد شمر يرعش (300م). غير ان اضطراب الاحوال في أواخر عهد الحميريين أدى الى إهماله وحدوث تصدع فيه. وقد حاول ابرهه اصلاحه. لكنه تخرب فيما بعد؛ وكان لتخريبه تاثير في إغراق الأراضي. ويروي العرب عن سبب تخريبه اقاصيص خرافية. ويعزون الى هذا التخريب سبب هجرات الغساسنة والمناذرة والازد. ولا ريب في أنهم مغالون في هذا، اذ ان تخريبه ادى الى تدمير الزراعة في المنطقة المزروعة حول مأرب فقط.
ازدادت أهمية مأرب ببناء هذا السد؛ واصبحت عاصمة للسبئيين بدل صرواح. واتخذها يعثمر بيان قاعدة عسكرية قام منها بفتوحات دون اخبارها في نقوش على السد، فاخضع القتبانيين، وقتل عددا كبيرا منهم. ثم توجه شمالا الى معين وأخضعها؛ كما اخضع قبائل أخرى في نجران، كالمحامر وعامر، فقتل عددا كبيرا من رجالهم، وغنم منهم غنائم كبيرة، غير انه لم يقض على معين.
وقد خلفه في الحكم ابن عمه (او ابن أخيه او حفيده) كرب ايل وتر (620 ق.م) الذي كان أول من اتخذ لقب الملك. وحالف هذا الملك يدع ايل، ملك حضرموت، وداروايل، ملك قنبان، واستعان بهما في حروبه، فهاجم مملكة اوسان التي كانت قد ظهرت في الجنوب الغربي من اليمن، واستفادت من ضعف القتبانيين فوسعت رقعتها، وتحكمت في حضرموت، وسيطرت على الطرق التجارية الأتية منها. وقد استطاع كرب ايل وتر القضاء على هذه المملكة، واخضاع عدد من القبائل التي كانت تحالفها كالمحامر؛ وأمن له هذا الانتصار السيطرة على طرق تجارة البخور والأفاويه الأتية من الجنوب.
ثم توجه كرب ايل وتر الى معين وحلفائها في الشمال؛ فهاجم نشان والمناطق المجاورة لها. وحاول المعينيون ان يدرأوا خطره بالتحالف مع القبائل الموجودة في الشمال ضده؛ ولكنه عاجلهم، وهاجم المحامر وعامر واوهاب الذين كانوا يسكنون نجران، وغنم منهم غنائم كبيرة.
وقد ساعدت الظروف الدولية كرب ايل وتر على القضاء على خصومه؛ ذلك ان مصر كانت مهددة من تاثير غزو الاشوريين لها في أواخر القرن السابع قبل الميلاد؛ وكانت آشور منشغلة في صد هجمات البابليين والكاشيين؛ كما ان بابل كانت منشغلة في حروبها مع الآشوريين، ثم مع اليهود في فلسطين. كل هذا ساعد الملك السبئي على توطيد كيان الدولة السبئية وتأمين سلامتها وتوطيد السلم لأحفاده الذين ظلوا يتعاقبون في الحكم على البلاد حتى سنة (375 ق.م).
كان الملك في الدولة السبئية هو الذي يقوم بالحكم والقيادة العليا للجيش في الحروب، ويعينه على الحكم مجلس شعبي. وهناك موظفون يرثون مناصبهم ويسمى كل منهم (الكبير)، وهو مسؤول عن القانون. وقد كونوا على مر الايام طبقة وراثية حلت محل المجلس الشعبي؛ ثم تطورت مكانتهم، فصاروا طبقة اقطاعية، أدت الى اضعاف نفوذ الملك.
وكانت الادارة تعتمد على ملكية الارض، وتفرض الضرائب على الارض والتجارة؛ كما تفرض، عادة، ضرائب استثنائية لسد نفقات وتكاليف الحملات الحربية. ويتوقف مقدارها على وضع المنتوج الزراعي والحصاد، وعلى الوضع الاقتصادي العام للبلد. وقد ازدهر فن البناء والعمران، وكانت الأخشاب وأحجار الجرانيت متوفرة.
غير ان كثيرا من البيوت الشعبية كانت مبنية بالطابون. وكان النحت راقيا، اذ يصعب أحياناً تمييز القطع المتصلة. وكثيرا ما تزخرف الحيطان والأعمدة، وتطلى بالمعادن. وكانت كثير من الابنية مكونة من عدة طوابق. أما السدود والقنوات والكهاريز، فقد بلغ فن اقامتها رقيا عظيما.
وقد وصل فن الصياغة مستوى عاليا من الرقي، تظهره الأواني الذهبية والفضية الباقية. اما النقود، فمتأثرة بالطراز الاغريقي (4).
غير ان تعاقب حكم الدولة السبئية، فيما بعد، ملوك ضعاف. واستغلت ذلك القبائل التي تسكن الهضبة، وخاصة حاشد وبكيل فرعي همدان، وخولان وبني ذي ريدان. وزادوا من نفوذهم وسطوتهم، واشتبكوا فيما بينهم بحروب طويلة زادت في اضعاف نفوذ السبئيين، وادت الى استقلال حضرموت واوسان. غير ان ظهور هذه القبائل ادى الى تناقض اهمية الهضبة الوسطى، وانتقال مركز الحضارة منها.
وفي ذلك العهد، كانت روما قد أخذت تمد نفوذها في الشرق الأوسط. فاستطاع بومبي ان يستولي على سوريا وفلسطين؛ ثم قضى يوليوس قيصر على دولة البطالسة في مصر. فلما تولى اغسطس زمام الحكم في روما، وأدرك ما تصرفه روما سنويا من الأموال على البخور والأفاويه، أراد ان يضم الى إمبراطورتيه البلاد التي تنتج هذه المنتوجات. ويبدو انه اعتقد بضعف اليمانيين وعجزهم عن مقاومة الرومان، فأوعز الى واليه في مصر اليوس كالوس بتجريد حملة لاحتلال اليمن سنة 25 ق.م. ولا نزال نحتفظ بأخبار هذه الحملة بفضل ما دونه سترابو عنها. لقد سلكت الطريق البري، واخذت لها دليلا نبطيا سار بها عبر الحجاز الى حربد، الوادي الوحيد الذي تتوافر فيه المياه الدائمة. ثم تقدمت الحملة فاحتلت اسكا (نسا او نشق) واثرولا (يثيل او البيضاء)؛ فغنم منهما اليو غنائم كبيرة. ثم تقدم الى مارسيابا (مأرب؟) التي كان يحكمها الرانيتيون وملكهم الاساروس (على ما يقول سترابو). وقد لقي مقاومة شديدة اضطرته ان يتركها، ويقفل راجعا، بعد ان حاصرها ستة أيام. وقد لاقى جيشه في طريق عودته الاهوال من الامراض والعطش. ويعزو الرومان سبب فشل الحملة الى عوامل المناخ. ولا ريب ان هذا تسويغ لفشلهم، فالراجح ان سبب فشلها مقاومة اليمانيين.
لم تستطع هذه الحملة ان تؤدي الغرض الذي جاءت من أجله، فظلت اليمن خارج الإمبراطورية الرومانية. غير انها في الوقت نفسه، لم تؤد الى قطع العلاقات، اذ استمرت تجارة الافاويه مع الرومان، وكان يقوم بها اليمانيون. ويبدو ان حملة اليوس كالوس قد احدثت بعض الانتعاش السياسي والعسكري في دولة سبأ، فضعف خصومهم، وزاد نفوذ الأسرة الحاكمة، فلم يبق من يخاصمها سوى حاشد. وقد استطاع ملوك سبأ ان يمدوا نفوذهم الى حضرموت، كما يظهر من القابهم. غير ان الدمار، الذي أصاب مأرب من جراء الحملة، حملهم على نقل عاصمتهم الى ذمار مدة من الزمن.
كان السبئيون يعتمدون، خلال الملاحة في المحيط الهندي والبحر العربي، على حركة الرياح الموسمية ويسيرون سفنهم حسب اوقاتها، التي تتبدل حسب المواسم تبدلا تاما، وقد احتفظوا لا نفسهم بمواعيد هذه الرياح، واعتبروه سرا لم يبوحوا به لغيرهم، مما مكنهم من احتكار تجارة الهند التي كانت تأتيهم با رباح طائلة. غير انه، في أواخر القرن الثاني ق.م، استطاع هبارخوس، احد الملاحين الرومان، ان يتعلم مواعيد هذه الرياح الموسمية؛ ثم علمها بدوره الى غيره من اليونانيين، فأخذت السفن المصرية والرومانية تبحر في المحيط الهندي وتجلب البضائع من جنوب اسيا والهند من دون حاجة الى وساطة السبئيين. وهكذا لم يعودوا يحتكرون التجارة، واخذت البضائع الهندية تسير في طريق البحر من المحيط الهندي الى البحر الأحمر؛ وتنزل بضائعها في الموانئ المصرية، او في العقبة راسا. وقد ادى هذا الى تناقض أهمية الطريقة البري الذي كان يسير من عدن مخترقا الهضبة اليمانية الى وسط الحجاز. كما أدى الى تضاؤل أهمية الهضبة اليمانية الوسطى، وانحطاط مدنها التي كانت تعتمد كثيرا على التجارة المارة بها. ولكنه ادى في الوقت نفسه الى ازدياد اهمية المدن اليمانية الواقعة على ساحر البحر الأحمر، فانتعش الحميريون الذين كانوا يسكنون في المنطقة الساحلية، وازدادت قوتهم، فكونوا لهم دولة عاصمتها ظفار، استطاعت ان تمد نفوذها حتى تمكنت من القضاء على دولة سبأ. وقد تم تأسيسها تدريجيا.
_____________________________________________
(1) انظر صفة جزيرة العرب للهمداني 76، 77، 104، 200؛ وأحسن التقاسيم للمقدسي، 86؛ ومعجم ما استعجم للبكري، 674.
(2) فرياستارك (southem Gates of Arabia)، ص10. ويعادل التالنت 56 رطلا انكليزياً.
(3) راجع كتاب (تاريخ العرب قبل الإسلام) لجرجي زيدان، ص164 – 174، وقد اعتمد فيه على وصف أرنو. وتجد وصفا لبقايا السد في كتاب (رحلة في البلاد العربية السعيدة) لنزيه مؤيد العظم.
(4) انظر موسكاتي. ص، 16. Ammciant semetic civilization