1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : الامبراطوريات والدول القديمة في العراق : الاشوريون :

الاشـوريـون

المؤلف:  مجموعة من الباحثين

المصدر:  الموسوعة العربية

الجزء والصفحة:  المجلد الثاني، جزء الأشوريون، ص591

25-10-2016

2403

الآشوريون Assyrians أقوام من الجزيرة العربية هاجرت مع الأكديين إلى بلاد الرافدين واستقرت في المناطق الشمالية الشرقية منها، واختلطت بهم هناك أقوام جبلية شمالية فتغيرت ملامحهم وعاداتهم وغلبت القسوة والعنف على طباعهم.

ويبدو الآشوريون في منحوتاتهم وصورهم القديمة ذوي أنوف معقوفة وقسمات جافية تنم على القسوة، وعضلات مفتولة، وشعور كثة ولحى مضفورة. ويجنح بعض الدارسين إلى عدهم جنساً مستقلاً بذاته، إلا أن البحث والتقصي لا يقدمان، حتى في أقدم عهود الآشوريين، إلا لغة وكتابة قريبتين من اللغة والكتابة البابليتين، ولا تختلفان عنهما إلا قليلاً، وقد كانت بين الآشوريين والبابليين نقاط التقاء كثيرة في مختلف أوجه الحضارة ولاسيما الديانة، إلا أن الآشوريين تفردوا بنزعتهم الحربية وميلهم إلى الشدة في معاملة المغلوبين وإلى الحكم المطلق المستبد.

ويدل اسم آشور على كبير الآلهة الذي عبده الآشوريون، كما يدل في الوقت نفسه على مدينة «آشور» التي كانت حاضرة ملكهم (قلعة شرقاط اليوم على الضفة اليمنى من دجلة)، وكذلك على المنطقة الجبلية الشمالية من بلاد الرافدين التي كانوا يطلقون عليها باللغة الآشورية اسم «مات آشور» أي بلاد آشور. ويبدو أن المنطقة الشمالية من بلاد الرافدين استوطنت ونشأت فيها القرى الزراعية قبل المنطقة الجنوبية بين خط العرض 37 شمالاً وحتى مصب النهر العُظيم جنوباً لكثرة أمطارها وتوافر الأخشاب ومواد البناء فيها. وقد أقام الآشوريون نحو ألفي عام في هذه المنطقة التي تحدها من الشمال والشرق جبال شاهقة وهضاب ونجاد وأراض متموجة محصورة بين أنهار دجلة والزاب الأعلى والزاب الأسفل، وكان يطلق على هذه المنطقة اسم «سوبارو» أو «سوبارتو» وهو اسم الأقوام التي سكنتها قبل الآشوريين.

وقد كُشِفت وثائق منذ أمد غير بعيد تشير إلى أوائل ملوك آشور، وتدل على أن بينهم ملوكاً يحملون أسماء ذات طابع حوري ـ آسياني، وهي أقوام سكنت المنطقة في عصور مبكرة، والملك السادس للآشوريين كان يدعى «أوشيبيا»، وتدل المرويات أنه باني معبد الرب آشور في مدينة آشور. على أنه لم ترد عن هؤلاء الملوك وثائق أخرى ثابتة. ومن مدن آشور التي ذكرت في ذلك العهد نينوى التي يقوم موقعها على مقربة من الموصل، وهي مقر الربة عشتار (إشتار باللفظ البابلي)، إذ كانت خاضعة قديماً للحكم الأكدي كغيرها من بلاد آشور.

خضعت بلاد آشور لملوك سلالة أور الثالثة في أواخر الألف الثالث ق.م، وقد اتصل حكم هؤلاء بمستعمرة آشورية تجارية في قلب الأناضول كانت تسمى كانيش (حالياً كولتبه) في منطقة قبادوقية في وسط الأناضول. وقد كشفت أعمال التنقيب فيها رُقُماً فيها معلومات مهمة عن العلاقات بين الأناضول وبلاد الرافدين في تلك الحقبة.

وهناك وثيقة بابلية تذكر أن الملك إيلوشوما الآشوري كان معاصراً لِسَمو آبو مؤسس سلالة بابل. وقد أتى بعد إيلوشوما ملوك عُنوا بمعبد آشور وبتأسيس معبد أدد (هدد)، ومنهم شاروكين (سرجون الأول الآشوري). ولكن الآشوريين لم يكوّنوا كياناً مستقلاً منفصلاً عن الجنوب إلا في حدود مطلع القرن الثامن عشر ق.م. عندما قام شمشي أدد الأول، وهو من أصل أموري، بأول توسع آشوري أوصل الآشوريين إلى مدينة ماري (تل الحريري على نهر الفرات) وإلى بلاد الأموريين حتى لبنان، واتخذ له عاصمة ثانية هي شوبات إنليل في الجزيرة الشامية (تل ليلان قرب القامشلي) ليسيطر على طرق المواصلات والتجارة، وبذلك توطدت سلطة دولة آشور وأصبحت لها علاقات مع البلاد الأخرى ومنها مصر. وبعد وفاة شمشي أدد الأول انكمشت الدولة في عهد ابنه يشمع دجن لحساب مملكة حلب وغيرها من الممالك الأمورية في سورية، وكان الكاشيون أنئذ في جنوبي الرافدين، والحوريون ـ الميتانيون في الجزيرة، والحثيون في الأناضول، والكنعانيون على الساحل السوري وفي الجنوب.

العصر الآشوري الوسيط:

في القرن الثالث عشر ق.م. ضعفت السلالة الكاشية في بابل، وحدث نوع من الفراغ في بلاد الرافدين، وظهر ملوك أقوياء في آشور من أمثال أدد نيراري الأول وشلمانصّر الأول. وكان هذا الأخير كثير العناية بالمعابد، ميالاً إلى التوسع، فمد نفوذه إلى مناطق الفرات، وانتصر على تحالف بين الحثيين والآراميين الوافدين حديثاً من شبه الجزيرة العربية، ونقل عاصمته من آشور إلى كلحو (كلح - نمرود) جنوب نينوى على الضفة اليسرى من نهر دجلة. وخلفه في الحكم توكولتي نينورتا الأول الذي أسس مدينة جديدة له، وانتصر على الحثيين إثر غارة شعوب البحر على الأناضول والساحل السوري في مطلع القرن الثاني عشر ق.م. وبقيت بعض الممالك الحثية أو المتأثرة بالحثيين في شمالي سورية تزعج الآشوريين، كما كان الموشكيون في أعالي دجلة يترصدونهم. وكان الآراميون منتشرين في بادية الشام وحول الفرات وفي شمالي بلاد الرافدين ويضغطون باستمرار مع غيرهم على بلاد آشور.

قضى تغلات بيلاصر الأول حكمه الطويل (39سنة) في حركة دائمة بين هذه القوى الطامحة، فتمكن من إخضاع بقايا ممالك الحثيين في شمالي سورية والموشكيين في أعالي دجلة وتوغل في الأناضول حتى بحيرة وان، كما تمكن من ملاحقة الآراميين فاجتاز الفرات عدة مرات، وتذكر حولياته أنه عبر ذلك النهر مرتين في عام واحد لملاحقته الأخلامو (الآراميين) وتمكن من قهرهم عند تدمر في بلاد أمورو وعند خانة (عانة) حتى رافيقو في بلاد بابل، وحمل أرزاقهم معه إلى مدينة آشور.

ولمّا حاولت بابل أن تثور مستغلة اضطراب أمور الملك الآشوري في حملاته ومجابهته لتلك المصاعب جاء رد فعل تغلات بيلاصر عنيفاً فاستولى على بابل ونهبها، ولكن احتلاله للمدينة لم يكن مستقراً، بل اكتفى بوضع حاميات في بعض النقاط الاستراتيجية على الفرات. وإن أخبار تغلات بيلاصر وحملاته مرقومة على ألواح موشورية الشكل وضعها في أسس معبد آنو وأدد في مدينة آشور.

ومع الجهود الجبارة التي بذلها هذا الملك فإن الخطر ظل يتهدد آشور في عهد خلفائه، فتهدمت مدائن إيران تحت وطء الحملات البربرية، وانهارت دولة العيلاميين نحو سنة 1100 ق.م، ووقعت بابل فريسة الملوك المغتصبين، واشتدت وطأة البداة والآراميين والسوتيين عليها. ولم يحل عام 1050 ق.م حتى كانت بلاد آشور وبابل قد وهنت وهناً شديداً، وسيطر الآراميون على وادي الفرات بكامله، وسقطت المدن الآشورية وتداعت المعابد.

 الامبراطورية الآشورية الحديثة الأولى:

تعد هذه الحقبة من تاريخ الآشوريين من الحقب الصاخبة الدامية في تاريخ آسيا الغربية. وتتحدث النصوص المنقوشة على جدران القصور والمرقومة على الألواح والنصب عن أعمال الحرق والتدمير وإبادة الشعوب وتغيير معالم البلاد وقطع الأوصال والسلخ وقطع الرؤوس.

ولكن البحث في هذه الحقبة شائك وإن حاول الباحث أن يوجزه. فقد كان كل ملك من ملوكها يعيد سيرة سلفه، ويغزو كل الشعوب والبلاد المجاورة، ويطنب في سرد أعماله. وقد يسوّغ سلوك الآشوريين وضع بلادهم الجغرافي، وبعدهم عن مصادر اقتصادهم، وعدم وجود حدود طبيعية لمنطقتهم تعصمهم من الغزوات، فكانت مشكلتهم تقوم على (الانتصار أو الفناء) وفي بعض أسفار التوراة مثالب كثيرة عن الآشوريين زادت من الإساءة إلى سمعتهم.

انتهت أزمة بلاد آشور، التي كانت تكافح بضراوة من أجل البقاء، نحو نهاية القرن العاشر قبل الميلاد. فعادت إلى التوسع من جديد في عهد ثلاثة ملوك حكموا بين عامي 932 و884ق.م وهم آشور دان الثاني، وأدد نيراري الثاني وتوكولتي نينورتا الثاني، وعادت آشور في عهدهم أمة محاربة تقاتل بقسوة كل جيرانها، وصارت الحرب وسيلة لضمان اقتصادها، واللغة السائدة بدلاً من العلاقات التجارية، وكان الملك يقود حملاته الحربية بنفسه، ويفرض الجزية على الشعوب والمدن المغلوبة. ويبدو أحياناً أن حملات الآشوريين لم تكن تستهدف في البدء إقامة امبراطورية ثابتة الأركان بقدر ما تستهدف سلب ما تجمع من خيرات المدن بين حملتين ولاسيما في ساحل سورية وداخلها. ثم راح هؤلاء الملوك يلحقون بعض الممالك بهم كمملكة حانيغالبات حول نصيبين شرقي الخابور، والممالك الآرامية في حران والفرات الأوسط التي استولى عليها أدد نيراري الثاني، وكذلك المنطقة بين الزاب الصغير والكبير التي ألحقها توكولتي نينورتا الثاني بمملكته.

ولما تولى العرش آشور ناصر بال (أو آشور ناصر أبلي) (883-859ق.م) كانت آشور قد غدت تزاحم نينوى وتنافسها، وثمة وثائق من عهده عثر عليها في مدينة كلحو التي عني بها عناية خاصة. وقد جهد آشور ناصر بال لتعزيز السلطة الآشورية على المناطق المحتلة شمال شرقي البلاد، فقام بحملات لإخضاعها، ثم التفت إلى الغرب فجمد نشاط الآراميين في حوض الفرات الأوسط، واحتل قرقميش (جرابلس). وكان سقوط هذه المدينة تهديداً لمنطقة سورية الشمالية بأسرها، وبعد أن تم له ذلك انحدر على العاصي حتى بلغ لبنان (لبنانا) والبحر المتوسط (بحر أمورو)، ووافاه هناك ملوك مدن البحر الكنعانية (الفينيقية) كأرواد (أروادا) وجبيل (جوبال) وصيدا (صيدون) وصور (صورو) وقدموا له الذهب والفضة والمعادن والمنسوجات والأخشاب النادرة (الأرز) والعاج وغيرها.

وخلفه على العرش شلمانصر الثالث (858-834)، الذي تحققت في عهده منجزات تعد من أروع منجزات العصر الآشوري، وقد وردت أخبارها في كتابات ومشاهد على الأبواب البرونزية المكشوفة في موقع أم غربل (بالاوات جنوبي نينوى)، وعلى المسلة السوداء المكشوفة في كلحو والمحفوظة في المتحف البريطاني بلندن، التي تحمل تسجيلاً كتابياً وتصويرياً لأحداث نحو ثلاثين عاماً من حملاته المتعاقبة. وهناك نقوش وكتابات من عهده في مناطق عدة من بلاد آشور حتى منابع دجلة. ويمكن إيجاز ما ذكرته هذه المرويات الطويلة على النحو التالي:

اجتاز شلمانصر الثالث الفرات إلى أن بلغ البحر المتوسط فغسل سلاحه في البحر تبعاً للتقاليد الرافدية القديمة وضمن ولاء المنطقة، وقطع عدداً من أشجار الأرز والسنديان من جبال الأمانوس للقصور والمعابد الآشورية. ثم التفت إلى الممالك الآرامية على الفرات فأخضع مملكة (بيت عديني) التي كانت أهمها، وكان من مدنها المنيعة تل برسيب (تل أحمر) على الفرات فابتنى فيها قصراً رائعاً واتخذها محطة له في الطريق من آشور إلى سورية مروراً بمدن غوزانا (تل حلف) وحران وحداتو (أرسلان طاش) التي ازدهرت في هذا العهد. وقد أيدت أعمال التنقيب في تلك المواقع صحة الروايات الآشورية.

التفت شلمانصّر الثالث بعد ذلك إلى بلاد الشمال ولاسيما (نايري) وأورارتو حول بحيرة (وان). وفي عام 854ق.م زحف بجيش عبر به الفرات على القِرَب المنفوخة حتى وصل إلى قرقميش فخضعت له، وتوجه منها إلى حلب فاستقبلته، وبعد أن قدم الأضاحي إلى إله الصاعقة (هدد حلب) انحدر إلى منطقة حامات (حماة) وقهر عند مدينة قرقر على العاصي تحالفاً آرامياً قوياً بين أورخوليني ملك حماة وهدد عزر ملك دمشق ومعهما عدد من الممالك الكنعانية والآرامية الجنوبية والساحلية، وكانت تلك معركة قرقر الأولى. وكان مع التحالف ملك اسمه جُندُب أطلق عليه الآشوريون لقب العربي ومعه ألف جمل (وهو أول ذكر للعرب باسمهم الصريح). وبعد هذا النصر الذي لم يكن حاسماً، لتناقض الروايات الآرامية والآشورية عنه، أكمل شلمانصر حملاته في منطقة دمشق وحوران وجبل الشيخ وأخذ من ملوك الساحل الجزية. ومن أخبار عهد شلمانصر الثالث الأخرى فتحه منطقة آرامية على الخليج العربي يقطنها الكلدو (الكلدانيون). وهذه أول مرة يذكر فيها الكلدانيون الذين شادوا لهم امبراطورية واسعة على أنقاض الامبراطورية الآشورية فيما بعد. ثار على شلمانصر الثالث في أواخر عهده أحد أولاده، ونشبت حرب أهلية مات فيها شلمانصر، ومع أن خليفته أخمد هذه الفتنة فإن الامبراطورية الآشورية بدأت تضعف بسببها. ولما تولى العرش حفيد شلمانصر الثالث أدد نيراري الثالث، وكان حدثاً، تولت أمه سمورامات الوصاية عليه.

وسمورامات هي الملكة الشهيرة التي تذكرها الأساطير الإغريقية باسم سميراميس، وتزعم هذه الأساطير أنها طلبت من زوجها في إحدى نزواتها أن يجلسها على العرش لعدة أيام، ولما حقق لها ذلك سجنته أو قتلته، وظلت تحكم أربعين عاماً. واستمر الضعف في الامبراطورية الآشورية حتى انكمشت إلى أصغر حدودها.

الامبراطورية الآشورية الحديثة الثانية :

بدأت هذه الحقبة في عهد تغلات بيلاصّر الثالث (745-727 ق.م) وهو الفاتح المشهور الذي أقال الآشوريين من عثرتهم، واستطاع القضاء على دولة بابل التاسعة، ونصب نفسه ملكاً على بابل باسم (بولو) مُقِراً ضمناً باستقلال بابل عن مملكته الأصلية لقداستها ومكانتها الخاصة في بلاد الرافدين. وقد حارب تغلات بيلاصّر الثالث الميديين في إيران، وبذل نشاطاً واسعاً غرب الفرات، فغزا مملكة (أرفاد) الآرامية المنيعة في منطقة حلب، وساعد بنمو الثاني ملك شمأل (زنجرلي في تركية اليوم) وضمه إلى حلف الآشوريين. وخضع له ملوك كثيرون في داخل سورية وساحلها وجنوبها. وممن دفع له الجزية زبيبي (المسماة ملكة العرب)، وثارت عليه شمشي وهي ملكة عربية أخرى وكانتا تحكمان في منطقة دومة الجندل. وقد وصل تغلات بيلاصر الثالث إلى الحجاز حتى بلغ تيما (واحة تيماء)، وألحق دمشق بالامبراطورية الآشورية. وخلفه ابنه شلمانصر الخامس وكان عهده قصيراً، أما أهم أعماله فكان حصاره عاصمة مملكة السامرة في فلسطين. ثم اعتلى العرش من بعده أخوه سرجون الثاني (721-705 ق.م) ويعرف كذلك باسم صرغون وشاروكين، وهو ملك يحفل عهده بالأمجاد. وقد اتخذ سرجون هذا عاصمة جديدة له قريبة من نينوى سماها دور شروكين (أي مدينة سرجون أو حصن سرجون، وتعرف اليوم باسم خورسباد) وقد هجرت بعد موته.

أتم سرجون حصار السامرة وأسر ملكها الذي كان ينتظر المؤازرة من مصر، وسبى سكانها إلى مناطق الخابور وبلاد الميديين واستبدل بهم سكاناً جدداً. وفي عام 720 ق.م حاول سرجون إخضاع بابل من جديد وكان فيها سلالة كلدانية على رأسها الملك مردوك أبال إيدينا (مردوخ بالادان) فانكسر تحت أسوارها، ولكنه عاد في عام 710ق.م فانتصر على الملك الكلداني المتحالف مع العيلاميين وسجل اسمه بين ملوك بابل. وفي بداية عهده حصل تحالف جديد في سورية على الآشوريين بتأثير من مصر، وترأس التحالف مملكة حماة ومملكة أرفاد، ولكن سرجون الثاني هزم الحلفاء عام 720ق.م في معركة قرقر الثانية التي كانت وبالاً على حماة فدُمّرت وسُلِخ جلد ملكها (ياوبعدي) وهو حي، وأحرقت غزة، وفر الجيش المصري الذي كان في الجنوب. كذلك سبى سرجون الثاني الميديين وقهر الأورارتيين وأكثر شعوب الأناضول واستبدل بكثير من سكان تلك المناطق غيرهم، واستولى على قبرص وعلى صور التي كانت قد استعصت عليه.

كانت من نتائج هذه الحملات أن بلغت الامبراطورية الآشورية أوسع مداها وامتلأت خزائن العاصمة بثروات البلاد والشعوب، وبأجمل تحفها ومنتجاتها الثمينة. وكان سرجون إلى ذلك كله رجل دولة يهتم بشؤون مملكته ويعمل على إقامة مستعمرات آشورية في قلب البلاد المغلوبة. وكانت له عناية بالعمران والري، كما أحدث مكتبة في نينوى كانت نواة مكتبة آشور بانيبال التي اشتهرت فيما بعد.

اعتلى العرش بعد سرجون ابنه سنحريب  (705-681ق.م) وبقي سنتين بعد اعتلائه العرش ملكاً على بابل نفسها أيضاً. وحاول الكلدانيون الثورة عليه بمساعدة عيلام والعرب ولكنه انتصر عليهم ونصب على بابل ملكاً كلدانياً موالياً له، إلا أن هذا الملك اتفق مع مردوك أبال إيدينا قائد الثورة على الآشوريين فاضطر سنحريب إلى مهاجمة بلاد الكلدانيين عند الخليج العربي وفر مردوك إلى ساحل عيلام، وسعى سنحريب للقضاء عليه مستعيناً بالقبارصة والصوريين الذين ساعدوه في بناء أسطول هاجم به سواحل عيلام.

ثم قام سنحريب بحملة على شمالي شبه جزيرة العرب لفرض الجزية على القبائل العربية التي ساندت بابل، وللاستعانة بقوافلها الشهيرة في حملته المقبلة على مصر، وتسمَّى بملك العرب كما يذكر هيرودوت. ثم التفت بعد ذلك إلى بابل فحرقها وأغرقها بالمياه، ثم جعل ابنه أسرحدون ملكاً عليها فبناها من جديد.

ولما تدخل المصريون في فلسطين والساحل الكنعاني واستعاد ملك صور جزيرة قبرص قاد سنحريب حملة جديدة أخضع فيها كل المدن السورية حتى الجنوب، ومعها مملكة يهوذا، ودفعت القدس الجزية، ولكن مدينة صور استعصت عليه وظلت سيدة البحار حتى فتحها الاسكندر. وعندما أخذ الجيش الآشوري يستعد لملاقاة الجيش المصري بقيادة طهرقا الفرعون المقبل هبت عاصفة هوجاء مدمرة (بحسب النصوص المصرية) تسببت في انكفاء الجيش الآشوري وعودته إلى بلاده، ويقول المؤرخ هيرودوت إن انكفاءه كان بسبب الجرذان، أما التوراة فتعزو ذلك إلى حلول غضب الرب عليه. وبعد عودة سنحريب إلى آشور ثار عليه اثنان من أولاده فقتلاه، ولكن النصر كان حليف ابن موال له اسمه أسرحدون. اهتم أسرحدون (680-669 ق.م) بعد توليه العرش بتصفية بقايا الثورة، وأولى بابل اهتماماً خاصاً فنصّب أحد أولاده ملكاً عليها، وأشرك ابناً آخر معه في الحكم هو آشور بانيبال. ولكن الأخوين تنازعا فيما بينهما فسيطر أسرحدون على الموقف، والتفت إلى حدوده الشرقية حيث كان يجثم خطر الميديين والسكيثيين من الآريين، كما اهتم بالحدود الشمالية حيث كان يتربص به الكيميريون، وكان النصر حليفه على هؤلاء جميعاً.

وضع أسرحدون نصب عينيه الاستيلاء على مصر لتدخلها في شؤون فلسطين وسورية وتشجيع الثورات فيها. فسار إليها بحملة كبيرة، وفي طريقه قضى على صيدا وهدم أسوارها، وبنى بقربها مدينة سماها باسمه ووضع عليها حاكماً آشورياً. واستعان بالقبائل العربية في حملته على مصر. وحالفه التوفيق، في حملة ثانية، فاحتل مصر السفلى وفر ملكها، فأخذ أسرحدون زوجته وأهل بيته معه إلى آشور، وأحرق العاصمة ممفيس (منفيس)، ووضع على مقاطعات مصر السفلى حكاماً آشوريين أو موالين له.

وفي عودته مر بمصب نهر الكلب شمالي بيروت وترك على الصخور المشرفة على المصب نقشاً شهيراً يمثله في وضع جانبي بالألبسة الآشورية النفيسة وحوله كتابات تذكر وقائع حملته على مصر.

ولأسرحدون نصب شهير آخر في متحف حلب يمثله وهو يذل ملك صيدا عبدي ملكوتي وابن طهرقا ملك مصر.

مات أسرحدون وهو في طريقه إلى مصر ثالث مرة بعد أن نشبت الحرب فيها بين نخاو الملك الموالي للآشوريين وطهرقا خصم الآشوريين العنيد.

وفي عهد خلفه آشوربانيبال (668-626ق.م)، الذي كان متولياً على آشور في عهد أبيه، بلغت الامبراطورية الآشورية أوج عظمتها. وعادت بابل إلى حظيرة الامبراطورية بعد جهود طويلة ومتعبة. وأكمل آشوربانيبال خطة أبيه في الحملة على مصر، ووفق إلى طرد طهرقا، الذي كان قد عاد إلى احتلال منفيس، ونجحت جيوش آشوربانيبال هذه المرة في احتلال طيبة نفسها، فخضعت مصر كلها. ولكن طهرقا الذي كان محبوباً من المصريين ظل يزعج الآشوريين ويتقدم ثم ينكفئ حتى مات، فخلفه ابن أخيه تانوت آمون (تانتمون) الذي هاجم منفيس وانتصر على الآشوريين، وقتل عميلهم الملك نخاو، لكنه تراجع من جديد أمام حملة آشورية جديدة واعتصم في الجنوب. ومنذ عام 633 ق.م صار جنوب مصر (بلاد كوش أو النوبة) منفصلاً عنها وصارت له حضارة مستقلة.

عاد الآشوريون إلى طيبة ودمروها بعد أن أخذوا كل غال وثمين فيها، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك. وأصبح آشوربانيبال امبراطوراً على أكثر أجزاء العالم القديم، ولم يستعص عليه سوى صور التي لم تستسلم ولكنها أرسلت الرهائن.

بدأت أمارات الضعف تظهر في الحكم الآشوري لمصر في آخر عهد آشوربانيبال، واستطاع بسامتيخ بن نخاو أن يؤسس سلالةً عاصمتها سايس غربي الدلتا، وهي السلالة السادسة والعشرون. كما استطاع توحيد البلاد وطرد الآشوريين منها مستعيناً بيونانيي الأناضول، وعاد إلى اصطناع الاضطرابات في فلسطين وسورية.

أما الأوضاع في بلاد الرافدين نفسها فلم تكن مستقرة. إذ أثار شقيق آشوربانيبال وهو شمش شوم أوكين ملك بابل المنطقتين الوسطى والجنوبية للرافدين على أخيه. كذلك قامت ثورة عنيفة في عيلام. وحصل تحالف كبير من عيلام حتى صحراء سيناء ضد الآشوريين بزعامة بابل، فكان من نتائجه أن أحرق أخو الملك آشوربانيبال نفسه في قصره ببابل، وألحقت بابل بآشور نهائياً في عام 648ق.م، وأصبحت تحت سلطة حاكم آشوري. وفي عهد آشوربانيبال خربت بلاد عيلام ونهبت عاصمتها وانقسمت عيلام إلى مملكتين شوشان وانزان.

ولم يكن أحد يتصور أن نهاية امبراطورية آشور والآشوريين ستكون بعد أربع عشرة سنة فقط من موت آشوربانيبال.

أما أحسن ما خلفه عهد آشوربانيبال، بل عصر الآشوريين كله فهو مكتبة آشوربانيبال في نينوى فقد كان هذا المحارب من هواة جمع الوثائق القديمة والمجموعات القانونية والأساطير والسجلات التاريخية وطوالع الملوك وغيرها. وقد جعلها في مكتبة نينوى. وعثر في أعمال التنقيب الأثرية هناك على قرابة عشرين ألف رقيم من هذه الرقم الفريدة.

سقوط الامبراطورية الآشورية:

يكتنف الغموض أواخر حكم آشوربانيبال، وسنة وفاته غير مؤكدة (631 أو 626)، وقد أثر عنه قوله: (إن  أياماً سوداء حلت بمملكته).

كانت الامبراطورية الآشورية في ذلك الحين يتهددها الميديون والسكيثيون والكيميريون وكانت سيطرتها على سورية ضعيفة. وكان الكلدانيون، من جهة ثانية، ينزعون للاستقلال عنها، مع أن المظاهر الخارجية للحكم ظلت تدل على القوة والمنعة، وكان القادة العسكريون يحققون الانتصارات، والحكام يديرون المقاطعات إدارة لا بأس بها، ولكن لم يبق لدى الملوك الإرادة والقوة اللازمتان للاستمرار في سياسة حملات التأديب وقهر الثورات وفي دعم أجهزتهم الفعالة. وكانت كل بادرة ضعف كفيلة بتقويض البناء من أساسه.

ومن المحتمل أن السكيثيين، الذين كانوا يقضّون مضاجع الآشوريين منذ زمن طويل، قد تعاظمت قوتهم بعد خضوع الميديين فانقضوا على منطقة أورارتو، واجتاحوا بلاد آشور فتداعى مركز الامبراطورية. وكان من نتيجة ذلك أن انتقضت البلاد التابعة لها، فاستقلت الممالك على الساحل السوري وفي فلسطين. وفي الشمال طغت مملكة كيليكية حتى بلغت الفرات، ودخل السكيثيون سورية ووصلوا إلى فلسطين ونهبوا عسقلان وهددوا مصر، إلا أن فرعونها بسامتيخ الأول استرضاهم فتراجعوا.

وكان السكيثيون قد سيطروا على شعوب إيران منذ قرابة ثلاثين عاماً، ولكن (كي أخسار) ملك الميديين قلب الأوضاع لمصلحته في نحو عام 625ق.م وشرع بتأسيس جيش منظم. وفي ذلك الوقت تقريباً أعلن نابو بولاصر الكلداني نفسه ملكاً على بلاد بابل واحتلها كلها قبل عام 620ق.م، وتحالف مع الميديين، وبدأ يضغط على بلاد الآشوريين نفسها. كذلك أراد بسامتيخ ملك مصر، فيما يبدو، أن يستفيد من هذا الوضع لإقامة امبراطورية له، فتقدم بجيشه حتى نهر الفرات. وهكذا وقعت بلاد آشور بين فكي كماشة: الميديون من الشرق والبابليون من الجنوب، وهم يضغطون بجيوش جرارة منظمة.

ولكن بلاد آشور قاومت بضراوة وتكتيك حربي ممتاز، ولم يكن لها من حليف سوى مصر التي لم تتدخل، لا محبة بالآشوريين بل خوفاً من ظهور امبراطورية جديدة تهددها في عقر دارها. وطالت الحرب من دون نتيجة حاسمة إلى أن استطاع الميديون إسقاط بعض المدن واحتلال آشور وعزل العاصمة نينوى التي سقطت في يدهم في عام 612 ق.م. ونهبت نينوى وآشور وكلحو ودمرت قصورها ومعابدها وراحت طعمة للنيران.

 إن عام 612ق.م هو عام سقوط الدولة الآشورية رسمياً، ولكن الآشوريين ظلوا يحاربون في منطقة حران ويقاومون الكلدانيين بمساعدة المصريين، حتى انهارت مقاومتهم تماماً نحو عام 605 ق.م وتقاسمت أجزاء الامبراطورية الآشورية ثلاث قوى هي: مصر التي سيطرت على فلسطين وسورية، والميديون الذين احتلوا وادي دجلة، والكلدانيون الذين احتلوا وادي الفرات حتى الجزيرة السورية.

خصائص الحضارة الآشورية:

يبين التاريخ السياسي للآشوريين أنهم كانوا قوة ضاربة ضارية، ولاسيما في زمني الامبراطوريتين الحديثتين اللتين أسسوهما بالدم والنار، وكان لهم جيش مدرب محترف، وكانت الحرب (صناعتهم الوطنية) كما يقول بعض المؤرخين، وشعارهم: (اضرب قبل أن تُضرب، وهاجم قبل أن تُهاجم، واجعل تنكيلك بأقرب خصومك عبرة يخشاها بقية أعدائك)، وبهذا استمر زحف الجيوش الآشورية التي كانت تستمد قوتها من تعاون الفرسان مع الرماة والمشاة المدججين بالسلاح، ومن استخدام آلات حصار ناجعة، منها دبابات ذات عجلات ومقدمة مدببة كانت تدفع بقوة فتنقب الحصون، وأخرى أشبه بالعربات المصفحة يستتر الجنود فيها وينقبون الأسوار وهم في مأمن من سهام العدو. وكانت لديهم أبراج حصار متنقلة يصعد الرماة داخلها إلى مستوى قمة أسوار العدو. وكان لديهم أيضاً ما يشبه الخراطيم لإطفاء النيران التي يصبها العدو على آلات الحصار وغيرها.

وقد طبعت النصوص التي حفظت إلى اليوم الفاتحين الآشوريين وانتصاراتهم بطابع القسوة الشديدة، فتحدثت عن سلخهم جلود كبار أعدائهم وهم أحياء، واستعمالهم الخازوق في التعذيب، فضلاً عن تقطيعهم الأيدي والأرجل، ورفعهم أبراجاً من الجماجم، وكانوا يحرقون الأسرى بالمئات ولا يستثنون النساء من ذلك، كما كانوا يجدعون الأنوف ويصلمون الآذان ويفقؤون العيون. وينسبون هذه المعاملة الرهيبة إلى رغبة الأرباب وإرادتهم.

ويصف شلمانصر الثالث نفسه بالأفعوان الكبير (أوسوم جال)، ويذكر أنه طحن أعداءه جميعاً كأنهم من طين، وأنه المقتدر الذي لا يعرف الرحمة في الحروب إلى آخر ما هنالك.

وكانوا يستعملون في رواية انتصاراتهم تعبيرات مسرفة في التبجح، ومن ذلك مارواه شلمانصر الثالث عن انتصاراته في معركة قرقر الأولى:

(حين اقتربت من حلب (حالمان) خشي أهلها الحرب وارتموا على قدمي، فتلقيت جزيتهم فضة وذهباً وقدمت القرابين أمام أدد حلب، ومن حلب بلغت مدينة أورخوليني الحموي (ملك حماه)... فاستوليت على جزيته وممتلكاته وحرقت قصوره، ثم واصلت المسير إلى قرقرة (قرقر) فدمرتها ومزقتها وحرقتها، وكان (أميرها) قد استنجد بألف ومئتي عربة حربية، وألف ومئتي فارس وعشرين ألفاً من مشاة أدد إدري إمريشو (هدد عزر الآرامي) وسبعمئة عربة وسبعمئة فارس وعشرة آلاف من مشاة أورخوليني الحموي، وألفي عربة وعشرة آلاف من مشاة أخاب وخمسمئة جندي من قوس، وألف جندي من مصر، وألف راكب جمل من جنديبو العريبي (جُندب العربي) وألف من بابا بن رحوبي العموني و(كلهم) اثنا عشر ملكاً تأهبوا لملاقاتي في معركة حاسمة، فقاتلتهم بقوات آشور العظيمة التي هيأها لي مولاي آشور، وبالأسلحة التي قدمها لي مرشدي نرغال، وأوقعت بهم الهزيمة بين مدينتي قرقرة وجليزا، وذبحت ألفاً وأربعمئة من جنودهم بالسيف، وانحططت عليهم انحطاط (أدد) حين يرسل عواصفه الممطرة مدراراً، وبقرت جثثهم وملأت السهل كله بها، وأجريت دماءهم، وضاق السهل عن نزل أرواحهم (العالم الأسفل)، وجعلت جثثهم معبراً لي على نهر الآرانتو (الأورنت أو الأورنط أي العاصي).

كان الاقتصاد الآشوري يعتمد على الحرب أساساً بعد أن كان في بداياته معتمداً على التجارة. وكان تشريع المعمَّرة الآشورية في كانيش (في قبادوقية) تشريعاً تجارياً صرفاً، وكانت للآشوريين قوارب ومراكب متنوعة تعرف أشكالها من منحوتاتهم. على أن الآشوريين كانوا يولون الزراعة عناية خاصة وقد أدخلوا عهده أنه غرس في الرز إلى بلاد الرافدين في أواخر أيامهم، كما أدخل سنحريب القطن أيضاً، إذ جاء في أخبار حدائقه الملكية في نينوى أشجاراً غريبة جلبها من أقطار الدنيا المتنوعة وفيها شجرة (تحمل الصوف) ويعني بذلك القطن.

ويستنتج من النصوص الآشورية أن الرب كان سيد البلاد والملك نائبه، وفي أقدم عصور آشور كان حاكم البلاد يلقب (شاكا ناكو آشور) أي نائب آشور. وقد يكون المقصود بآشور البلاد لا الرب، على أن الملك شمشي أدد المعاصر لحمورابي سمى نفسه ملك العالم، وهو لقب كان مألوفاً في جنوب الرافدين. ثم عاد التقليد القديم بتسمية الملوك (نواب آشور) واتخذ بعض الملوك في القرن الرابع عشر ق.م لقب ملك آشور، ثم عاد بعضهم إلى لقب ملك العالم، وحمل توكولتي نينورتا الأول لقب ملك المناطق الأربع مضيفاً إليها أحياناً ألقاباً مثل ملك سومر وأكد وملك سوبارو وملك الجبال والسهول. وحين كانت الدولة تضعف كان حكام آشور يتواضعون في ألقابهم، وعندما قويت الدولة من جديد في عهد تغلات بيلاصر الأول سمى نفسه أمير الأمراء وسيد السادة، وملك الملوك وأصبح ذلك لقباً مستتباً لملوك آشور.

وكان أعلى موظف مدني في الدولة يسمّى أومّانو وهو الوزير الأول، ويليه رئيس الديوان الملكي المسمى «شوكالوربو» (سوكال) ثم تأتي بعده طبقة الإداريين والكتاب ويليهم الحرس الخاص.

وكانت محفوظات الملك منظمة، وليس أدل على ذلك من مكتبة آشوربانيبال. وللملك عيون على الحدود تنبئه بتحركات الجيوش المعادية وتراقب عملاء العدو.

ومع أن كلمة الملك كانت بمنزلة القانون فإن كثيراً من القوانين كانت مدوّنة، ولاسيما القوانين التي لها علاقة بالتجارة والملكيات الزراعية، وثمة تنظيم دقيق للقضاء والعقود، وكانت الأحكام شديدة على المخالفات التي تتصل بالأرض والعبيد. ومن العقوبات ما يتضمن تشويه الأعضاء وقطعها، أما الضرائب فكثيرة متعددة وأعمال السخرة معروفة، وموضوعات المرأة والزواج والعبودية والتركات تشبه عموماً ما هو معروف لدى البابليين.

وفي نطاق المعتقدات والممارسات الدينية كان الآشوريون كالبابليين يتّبعون المعتقدات والممارسات الدينية السومرية الأكدية، ولكنهم يضعون على قمة الهرم الديني ربهم الخاص، وكما وضع البابليون مردوخ على تلك القمة وضع الآشوريون الرب آشور على رأس الأرباب البابليين والآشوريين، وجعلوا له دوراً فعالاً في خلق الكون والإنسان، وشيدوا له المعابد الفخمة في آشور وفي غيرها من المدن المهمة. ويُمثّل آشور عادة بإنسان يطير بجناحين ينبعثان من قرص الشمس وبيده قوس وسهم، وجعلوا معه الأرباب المحاربين مثل إشتار ونينورتا. وقد وجدت كل الأساطير الدينية الرافدية في مكتبة نينوى وفيها خلق العالم والطوفان وكلكامش وغير ذلك. ويعد الرب آشور سيد البلاد ومالك الأرض والعباد، ويمارس الملك السلطة السياسية باسم الرب، وكل أعمال الملك منسوبة إليه في قيامه وقعوده ولباسه ونصبه وتماثيله. والوسيلة في ذلك كله العرافة ونبوءات الكهان وتأويل الظواهر الطبيعية وحركات الطير والأحلام التي كان يفسرها الشائيلو (العرّاف). كما عرف الآشوريون السحر، وجعلوا لكل مرض رقوة ووصفة قد تكون من النباتات الطبيعية أحياناً، وغالباً ما تعتمد على طرد الأرواح الخبيثة.

وكان المعبد عند الآشوريين، كما كان عند البابليين والرافديين عموماً، يتألف من قسم عال ينزل إليه الأرباب من السماء وهو الزقورة، أي البرج المدرج، ومن معبد أرضي فيه تمثال للرب وأماكن للقرابين، ومواضع للكهنة. وكان الدخول إلى المعبد الآشوري غير مباشر، فحجرة الهيكل تكون في الجانب لا باتجاه المدخل. ومن أشهر المعابد الآشورية المعبد الذي يقوم خارج سور المدينة وفيه حدائقه. ويحيط بالهيكل المركزي الذي يضم صنم الرب والأصنام الأخرى رواقان طويلان.

وللآشوريين باع طويل في التدوين التاريخي فقد أنشؤوا أثباتاً بأسماء ملوكهم وأبدعوا نوعاً خاصاً من هذه الأثبات يورد اسم الملك الآشوري ومقابله الملك البابلي. كما تركوا الحوليات التي هي ذات قيمة كبيرة لما تحويه من معلومات تاريخية، وإنْ جمعت الحوليات الخاصة بكل ملك يصبح لدينا تاريخ كامل للآشوريين.

وتتضمن هذه الحوليات معلومات جغرافية عن الشرق القديم لأنها تذكر المواضع والمراحل التي مر فيها الملوك يوماً بعد يوم في حملاتهم الحربية بترتيبها وتفصيلاتها، وأشهر الحوليات التي تضم معلومات جغرافية وطبوغرافية وتاريخية حوليات توكولتي نينورتا وأدد نيراري وآشور ناصربال. وتلك الأحداث مسجلة على أنصاب الملوك وتماثيلهم وعلى جدران قصورهم ومسلاتهم ومختلف الأنواع من مدوناتهم.

إن الأدب الآشوري اعتمد على إعادة كتابة الأساطير القديمة السومرية البابلية، وقد تأثر الآشوريون كثيراً بالبابليين والحثيين، وطوروا أشكال العلامات المسمارية فغدت أكثر تناسقاً واستقامة، واختصر عددها وتغير لفظ بعض المقاطع ومدلولاتها. ويقود هذا الأمر إلى العلم الذي يعرف اليوم باسم علم الآشوريات Assyriology، الذي يهتم بالمسماريات عموماً في كل عصور الرافدين القديمة وفي كل مناطق الشرق القديم لا بالآشوريين وحدهم، وسبب نسبتها إلى الآشوريين هو أن أول ما عرف من آثار الكتابات المسمارية هو ما عثر عليه في أعمال الكشف والتنقيب في المواقع الآشورية مثل نينوى وكلحو وآشور، ويدعى هذا العلم أيضاً علم الأكديات (الدراسات الأكدية).

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي