التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
15-عصر الاسرة التاسعة عشر (عصر الرعامسة)
المؤلف: عبد العزيز صالح
المصدر: الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق
الجزء والصفحة: ص224-237
29-9-2016
2326
عود الكفاح ثم الرفاهة في عصر الرعامسة مع الأسرة التاسعة عشرة 1308 - 1194ق. م:
لم يكن رأس الرعامسة وريث بيت مالك، وإنما كان قائدًا ووزيرًا من خاصة الشعب يسمى "بارع مسسو" اطمأن حورمحب إليه وجعله الرجل الثاني في الدولة (1). ثم عهد إليه بالحكم بعده، فاعتلى العرش في عام 1308 باسم "رعمسسو من بحتي رع" بمعنى "أنجبه رع ودامت قدرة رع"، وهو اسم اعتادت المؤلفات الكلاسيكية والحديثة على أن تعبر عن شطره الأول باسم "رمسيس" فحسب، وهو ما سنجري عليه بالنسبة له ولأحفاده الذين تسموا بمثل اسمه. وكان حين ولي العرش كهلًا فلم يعمر عليه أكثر من عامين استعان فيهما بولده "سيتي" على تصريف شئون البلاد، وعهد إليه بالوزارة والقيادة ورئاسة الشرطة والرياسة التقليدية للكهنة. وبهذا لم يذكر للكهل من جديد أكثر من أنه ضمن الحكم لأهله وخلف فيه ولده الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لملك أسرته.
ارتقى سيتي "من ماعت رع" العرش بعد أن تخطى الأربعين فجمع نضج السن إلى مرانه في عهد أبيه، وكان لتوليته صدى مختلف في مصر وخارجها. أما في عصر فاعتبر عهده بشيرًا باستعادة المجد السالف وسمي وحم مسوت أي عهد تجديد المواليد أو معيد المواليد وبما يعني معنى عهد النهضة "وهي تسمية كانت لها سابقتها في بداية عصر الأسرة الثانية عشرة". وأما في الخارج، فرأت بعض الطوائف الشمالية في حداثة العهد الجديد فرصة للقضاء على ما بقي لمصر من نفوذ خارجي في شئون التجارة والسياسة.
ولسنا ندري شيئًا واضحًا عن تفاصيل النهضة التي وصف المصريون بها عهدهم الجديد، إلا أن تكون اطمئنانهم إلى ولاية فرعون حازم طموح يستطيع أن يستعيد هيبة بلاده في الخارج مما سيتناوله حدثينا عن السياسة الخارجية، ويستطيع أن يثبت دعائم الاستقرار في الداخل بما يستتبعه عادة من أمن ورخاء وعمران. ولقد جرى الرجل على سنة حورمحب في تشديد العقوبات على المفسدين، وتوعد في بعض مراسيمه من يسلب راعيًا ويتسبب في هلاك الماشية التي يرعاها أو ضياعها بضربه مائتي عصا وتغريمه أضعافًا مضاعفة عن الماشية المفقودة، وتوعد الراعي السارق بالهلاك على الخازوق واسترقاق زوجته وأولاده. وتوعد من يشتري الماشية المسروقة برد مائة "؟ " ضعف عنها. وتوعد من يتستر على جريمة بالحرمان الديني. وإن كان قد هدد بكل هذه العقوبات المسرفة المعتدين على حرمة أملاك المعابد أكثر من غيرهم (2).
وجرت النصوص الرسمية القديمة على أن تربط بين شواهد العمران وبين بناء المعابد وتجديدها. وعلى هذا الاعتبار سجلت لسيتي اهتمامًا مفرطًا بالمعابد، ويبدو أنه اهتم بها ليثبت لرجال الكهنوت أن رعاية أسرته لحقوق الدين وأربابه لا تقل عن عناية الأسر المالكة التي سبقتها إن لم تزد عنها، وأوصى بجمع أكبر عدد من تماثيل الأرباب الكبار في كل معبد شاده ليتألف بذلك قلوب أتباعهم أصحاب المذاهب المختلفة في بلده. وسجلت له نصوصه حديثًا لطيفًا خاطب به أولئك الأرباب قائلًا لهم: " ... إنما أنا "خادم" خدوم، طيب متيقظ لما تشاءون ... ، مروا ولسوف يلبي أمركم، فأنتم السادة، وأنا أبذل حياتي في سبيل الإخلاص لكم وسبيل الحسنى معكم... ". ووصف سبيلهم هذا بقوله "إن من راعى كلمة الرب سعد ولن تفشل مشاريعه... "، ووعظ خلفاءه فقال: "إن من عطل مصالح غيره لقي جزاءه بالمثل، والمغتصب سوف يغتصب... " ثم خوفهم عذاب الآخرة قائلًا: "سيكون "المردة" حمرًا مثل لهب الجحيم، وسوف يشوون لحوم من لا يستمعون إلى قولي... " (3). وهكذا كانت شخصية بعض الفراعنة وحصافة أقوالهم، مما يختلف عن الرأي الشائع عن تألههم وجبروتهم.
وكان من وجوه النشاط الداخلي في عهد سيتي اتساع استغلال مناجم الذهب في الصحراء الشرقية. وقد صور أحد مهندسيه خريطة على بردية لبعض مناجم وادي الحمامات، لا سيما مناجم أم الفواخير، حدد فيها مواقعها والطرق المؤدية إليها، والطريق المؤدي منها إلى البحر الأحمر، وموقع معبدها المحلي وموقع جبل بخن "جبل الشست" منها. وعرف بعض معالمها بأسماء مختصرة كان أمتعها اختصار اسم البحر الأحمر إلى اسم "يم" وهو الاسم السامي الذي عبر القرآن الكريم به عن البحر والنهر. وتعتبر هذه أول أو ثاني خريطة من نوعها عرفت حتى الآن من العالم القديم (4). وتقرن مهارة مهندسها بخريطة أخرى نقشت في نفس العهد في الكرنك وصورت المحطات والحصون المنتشرة على الحدود الشمالية الشرقية حتى بداية فلسطين، وقد أثبتت مفرداتها في ترتيب مكاني صحيح، وتعتبر بدورها أقدم خريطة حربية جغرافية مصورة معروفة. ومن تفصيلاتها الطريفة تصوير مدينة ثارو "قرب القنطرة" تحميها تحصينات أمامية ويمتد جسر فوق قناتها، وتصوير عدد من كهنتها وموظفيها يحملون طاقات الزهور ليستقبلوا بها فرعونهم عند عودته إليه منتصرًا من حملة حربية (5).
ومع الاهتمام بالمناجم سجلت النصوص لفرعونها حديثًا آخر يحمل طابع بدوره طابع الشفقة والبساطة والأدب ولا يقل طرافة عن حديثه إلى آلهته. وروت أن سيتي أراد أن يتحقق من أحوال الصحراء ومسالك المناجم فيها، وكان يظن أنه تتوفر فيها مجار مائية كافية، ولكنه بعد أن سار فيها ولمس قسوتها راجع نفسه وقال: "ما أتعس الطريق الذي يعوزه الماء، وكيف يكون حال المسافرين فيه إذا أرادوا أن يتقوا جفاف حلوقهم؟ ومن ذا الذي يرد ظمأهم، ومواطنهم بعيدة والصحراء مديدة؟ فيالتعاسة من يظمأ في البرية ... ، هلم إلى عقلي حتى أفكر في راحتهم وأكفل لهم ما يصون حياتهم ويجعلهم يترحمون عليَّ في السنين المقبلة، وعاسني أعمل عملًا يشكرني عليه أهل الأجيال القادمة، أنا الشفوق الذي يعنيني الرخاء". وتجول الفرعون في الصحراء حتى حقق الرب مسعاه وهداه إلى موضع أمر رجاله بأن يحفروا بئرًا فيه، ولما نجح مسعاهم، قال سيتي: "أجاب الرب دعائي، وأفاض الماء من أجلي على الهضاب، في طريق كان موحشًا منذ عهود الأرباب، فأصبح رخاء في عهدي، وأرجو أن تنمو فيه حشائش تفيد الرعاة. ولا ريب في أنه إذا نشط الملك سعدت بلاده ... ، وقد أوحى الرب إلى أن أشيد ههنا قرية يتوسطها معبد، فالبلد الذي يتضمن معبدًا بلد مبارك" (6).
وكما نشط العمران على الأقل بالمعنى الذي قصدته نصوص سيتي، بلغت فنون النقش والتصوير والنحت في عهده ذرى عالية من الجمال المترف والذوق المبدع، لا سيما في معبد شعائره في أبيدوس، ونقوش مقبرته في غرب طيبة، ومناظر حروبه الخارجية ومناظر تقواه في الكرنك حيث صور في اثنين وعشرين وضعًا خاشعًا يتعبد فيها ربه آمون رع، ويتخذ في كل وضع منها هيئة معينة ويدعو بدعاء خاص مختلف.
كان لعصر الأسرة التاسعة عشرة في مصر صدى داخلي يختلف عن صداها في الخارج، فعلى حين اعتبرها المصريون بشيرًا بعصر نهضة، ظنت بعض الطوائف الخارجية أن حداثتها فرصة لحرمان مصر مما بقي لها من نفوذ خارجي في سالم التجارة والسياسة، وشجعتها على هذا الظن عدة عوامل كان منها قلة النشاط العسكري لمصر في أواخر عصر الأسرة الثامنة عشرة، وانهيار دولة حلفائها الميتان تحت ضربات الحيثيين "الخاتيين" عام 1365، ثم تفرغ الحيثيين لتحريض من والاهم من أمراء الشام على المصريين. وزادت هذه الملابسات سوءًا بظهور هجرات آرية الطابع أشاعت التوتر في الشرق، وقد خرجت طوائفها الأولى من مواطنها المجهولة منذ أوائل القرن الرابع عشر ق. م، وتسللت إلى الحوض الشرقي للبحر المتوسط واختلطت بسكان جزره وسواحله اختلاطًا جزئيًّا، وعمل رجالها مرتزقة عند من يجزلون العطاء لهم من أمم الشرق الغنية. ثم رنت بعض طوائفهم إلى الشواطئ الجنوبية للبحر في أواخر القرن نفسه، ولما عز عليها أن تقصد السواحل المصرية مباشرة اتجهت إلى النزول غربها على الشواطئ الليبية (7). وواجه سيتي الأول كل هذه المشاكل بحزم وكفاية وأعادت جيوشه الاستقرار إلى أرض كنعان التي هددها العدو، وسيطرت على قواته على مرتفعاتها، وبلغت في تقدمها جبال لبنان، ثم أتتها أنباء تحركات مريبة على حدود مصر الغربية تحت ضغط الهجرات الآرية التي أشرنا إليها، فاندفعت الجيوش المصرية إليها وكسرت حدتها، ثم عادت بعد فترة إلى سوريا ولكن تقدمها فيها أقلق دولة الحيثيين "الخاتيين"، وهنا أراد كل من الفريقين أن يجرب باسه مع الآخر وجهًا لوجه، فتلاقى جيش الحيثيين مع الجيش المصري في شمال قادش، وكان أول لقاء مباشر بين الخصمين الكبيرين أدرك كل منهما بعده أنه لن يتيسر له القضاء على قوة خصمه بسهولة فتميع الموقف بينهما إلى حين وربما انتهيا إلى عقد هدنة، وإن كانت نصوص كل فريق منهما قد ادعت النصر لأهلها على الفريق الآخر.
وأرخ رجال سيتي لحروبه كتابة وتصويرًا، وسجلوا مراحلها على بعض جدران الكرنك، وصوروا قتال العربات وتدمير المدن وسوق الأسرى في لوحات كبيرة. وسجلوا خريطتهم الحربية المصورة التي أشرنا إليها، وأظهروا ملكهم يقاتل راكبًا وراجلًا، وليس راكبًا فقط كما جرت العادة في صور ملوك الدولة الحديثة، وصوروه في المعركة يضغط بثقله على عدوين تحت إبطيه، ومن حوله أولاده يشاركونه الحرب. وكان كل ذلك جديدًا في تاريخ التسجيل الفني للحروب(8).
وظلت شئون الإدارة الخارجية على حالها الذي استقرت عليه خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة. فتولى أمرها في الشام أمراء محليون وشاركهم في مسئولية توطيد الأمن حاميات مصرية شامية، وقام بمهمة التنسيق بين القطرين رسل ملكيون. وتولى الإدارة في النوبة أمراء محليون أيضًا تحت إشراف أمير كاش المصري ونوابه (9).
خلف سيتي ولده رمسيس الثاني "وسرماعت رع ستبن رع" في عام 1290ق. م (10). وكان أحد شخصيات حاكمة فرضت شهرتها على التاريخ ورواته. وتهيأت له منزلته في حوادث عصره نتيجة لعوامل عدة، كان منها: أنه ورث عن أبيه عرش دولة قوية ذات ثراء عريض، وأنه شاركه في الحكم بضع سنين فاكتسب خبرة لا بأس بها في شئون الحرب والسياسة، وأنه ولي الحكم شابًّا تملؤه الحمية وتحدوه آمال واسعة، وأنه وجد في رجاله، مدنيين وعسكريين، خبرة أصيلة، وأنه صادم أضخم قوة عسكرية في عصره وهي قوة الخاتيين "الحيثيين" واستطاع هو وجيوشه أن يصونوا سمعة مصر العسكرية إزاءها، وأنه كان شغوفًا بتخليد ذكراه والدعاية لنفسه بكل سبيل، وأن عهده طال سبعة وستين عامًا أنجز له رجاله خلالها عددًا من المعابد والقصور والمسلات والتماثيل بلغ حدًّا من الكثرة والضخامة قل أن بلغته آثار حاكم آخر في العالم القديم.
وظهرت لمصر عاصمة سياسية جديدة في عهد رمسيس، ارتبطت شهرتها باسمه، فسميت "بر رعمسسو" أي دار رمسيس، وأصبحت واحدة من أمهات العواصم في الشرق القديم، ويفهم من جدل طويل حول تعيين مكانها، أنها كانت تمتد وتضم بضياعها ما بين قنتير وبين صان الحجر الحاليتين في شرق الدلتا، على الفرع التانيسي للنيل (11) "قرب عاصمة الهكسوس القديمة"، وكانت بهذا ذات موقع مناسب يتوسط دولة الرعامسة في مصر والشام، ويسمح بوجود احتياطي عسكري كبير فيها يمكن أن ينجد الحاميات الشمالية على جناح السرعة في عصر اشتدت فيه أخطار الحيثيين وشعوب البحر، وذلك فضلًا عما توافر لها من إستراتيجية حيوية ودفاعية مقبولة؛ نظرًا لإشرافها على الفرع التانيسي للدلتا وإمكان وصول السفن البحرية الصغيرة إليها، وإمكان استغلال الفيضانات في حمايتها من ناحية البر حين الضرورة، وحماية ظهيرها بمناقع الدلتا الشمالية من ناحية البحر. وربط بعض المؤرخين بين الجهود التي بذلت في إنشاء هذه المدينة وبين ما روته قصص الخروج في التوراة من تسخير فرعون موسى للعبرانيين في إنشاء مدينة ضخمة في أرض جوشن بشرق الدلتا، وهو ربط لا يزال في مرحلة الفروض.
وعمر رجال رمسيس مدينته بتماثيل ومعابد كثيرة أغلبها جديد قطعوا أحجاره من محاجرها، وبعضها تخيروا تماثيله ومسلاته وأحجاره من معابد الوجه البحري ومصر الوسطى وبعض معابد الصعيد. وسجلوا اسم ملكهم على هذه وتلك، وتبعهم في هذه السنة خلفاؤهم في عصر الرعامسة بالنسبة لملوكهم، الأمر الذي يدعو إلى الحكم على تصرفهم هذا بأحد أمرين: إما دمغهم ودمغ فراعنتهم بالسرقة والاعتداء على آثار الغير في سبيل إضفاء الفخامة ومظاهر الثراء على عاصمتهم حديثة النعمة سريعة التكوين، وإما أن نلتمس لهم مبررات تناسب عصرهم وظروفهم دون أن نبرئهم البراءة كلها، ومن هذه المبررات أن الغزاة الهكسوس قد سبقوهم إلى انتحال بعض هذه التماثيل والآثار لأنفسهم بعد أن محوا منها أسماء أصحابها، فاستردها رجال رمسيس وسجلوا اسمه عليها باعتباره الوريث الشرعي لأصحابها الأصليين الذين عز على رجاله أن يتعرفوا على أسمائهم، ثم أكرموها بوضع أغلبها في معبد الإله آمون الذي توسط العاصمة الجديدة وقام فيها بدور معبده الكبير في طيبة. وليس من المستبعد أنهم وجدوا بعض العمائر القديمة التي استخدموا أحجارها مهدمة مهملة بالفعل، فاعتبروا استعمالها أفضل من تركها على حالها، ووجدوا تسجيل اسم فرعونهم عليها أمانًا لها من الاعتداء والإهمال. وإن كنا لا ننكر أخيرًا أن كل هذا المبررات كانت تخدم غرضًا أكبر، وهو إشباع شغف رمسيس بالعمائر والتماثيل عن أقرب سبيل، في الدلتا وفي الصعيد أيضًا، ما دامت التقاليد قد جعلته صاحب التصرف الأول في عصره وممثل الأرباب والأسلاف في أرضه.
وعلى أية حال، فلم ينل مجد العاصمة الجديدة كثيرًا من أمجاد العاصمتين القديمتين منف وطيبة. فاحتفظ الرعامسة بقصورهم في منف، وزادوا عمرانها، كما ظلت معابد آمون رع في طيبة تحظى بأكبر قسط من رعاية الدولة وثرائها، مما سنعرض نماذجه في حديثنا عن تطور الفنون في الدولة الحديثة، ويكفي أن نشير هنا إلى ضخامة آثار هذا العهد، وفي طيبة بالذات فضلًا عن غيرها من مدن القطر، تدل ضمنًا على ثراء واسع تمتعت الدولة به، وإن كنا للأسف لا نستطيع أن نربط بينه بالضرورة وبين رخاء عام يقابله تمتع به الشعب في مجمله. وعمر رمسيس الثاني ما يقرب من تسعين عامًا، ونعم بحكم طويل بلغ سبعة وستين عامًا، واستمتع في حياته الخاصة بأكثر مما استمتع به الفراعنة الذين سبقوه، وبز أمنحوتب الثالث المزواج في عدد زوجاته وجواريه، وأنجب عددًا كبيرًا من الأبناء قدر بعض المؤرخين أنهم بلغوا 59 بنتًا و79 ولدًا أو مائة ولد. غير أن هذا التقدير ونحوه لا يخلو من شك كبير، ولا يبعد أن بعض من اعتبرهم المؤرخون أبناءه كانوا من بيته المالك فحسب، أي من أقربائه الصغار الذين انتسبوا إليه تشرفًا، وخدع المؤرخين في نسبهم أن اللقب المصري "سانيسو" بمعنى ابن الملك، ولقب "سات نيسو" بمعنى "بنت الملك"، لم يكن أحدهما يختلف عن لقب الإمارة العادي لبقية أفراد الأسرة المالكة الذين لم يكن يتميز عنهم بلقبه غير ولي العهد. وقد تنقلت ولاية العهد في أيام رمسيس بين ثلاثة عشر ولدًا من صلبه، مات اثنا عشر منهم في حياته، وكان أشهرهم خعمواس الذي اكتسب سمعة واسعة في عصره بعلمه الديني وبإشرافه على إنشاء كثير من آثار أبيه وتنظيم أعياده (12).
وقع العبء الأكبر في ملاقاة الحيثيين "الخاتيين" على مصر في عهد رمسيس الثاني، وكان على رأس الحيثيين حينذاك ملك يسمى موتاللي لم يقل عن رمسيس طموحًا ورغبة في إثبات جبروت دولته، فاستعد للحرب وسخر لها معظم إمكانيات مملكته وجمع حوله جيوشًا تنتمي، فيما ذكرت المصادر المصرية، إلى ما لا يقل عن عشرين طائفة وجنسية، وبدأ توسعه بهم حتى بلغ نهر الكلب شمالي بيروت. وأعد رمسيس عدته هو الآخر، وخرج في حملة استطلاعية خلال عام حكمه الرابع ووصل بجيشه نهر الكلب الحد الفاصل بين نفوذه وبين نفوذ خصومه، وهناك أمر بنقش نصبين على جبل يشرف على أعالي النهر ويطل على البحر؛ تذكارًا لحملته وتحديًا لأعدائه القريبين منه. واتخذت جيوش الحيثيين وحلفاؤهم مدينة قادش مركزًا لعملياتها الحربية، وكانت لها نفس الأهمية الطبيعية والاستراتيجية التي وصفناها لا خلال حروب تحوتمس الثالث، من حيث وقوعها بين ثلاث مساحات مائية وإشرافها على وادي النهر الكبير وتحكمها في مدخل وادي البقاع وأحد طرق التجارة مع بلاد النهرين.
وعاد رمسيس لملاقاة الحيثيين وحلفائهم في العام التالي بجيش بلغ نحو عشرين ألف مقابل في أربعة فيالق سمي كل فيلق منها باسم أحد الأرباب المصريين الكبار: آمون، ورع، وبتاح، وست. وعندما بلغ الجيش أرض آمور تخير رمسيس مجموعة من صفوة الشبان في جيشه عرفوا باسم نعرن أو نعرونا بمعنى فرق الفتوة أو شيئًا قريبًا من ذلك، وأوصاهم بالتزام خطوط الساحل وبأن يتخيروا الفرص المناسبة لحماية ظهره ونجدته حين الحاجة. ثم تقدم جيوشه بفيلق آمون حتى بلدة شابتونا "ربلة" وانتظر ما يعود إليه به عيونه، وهناك واجهته خديعة كلفته هو وجيشه كثيرًا من الجهد والرجال؛ إذ وفد على معسكره جاسوسان ادعيا أنهما هربا من جيش الحيثيين الظلمة خلسة، وأن ملكهم تراجع عن قادش وعسكر في منطقة حلب. وانخدع رمسيس برواية الرجلين وظنها فرصته واعتزم الإسراع إلى قادش قبل عودة أعدائه إليها فانطلق بفيلق آمون في سرعة جنونية وترك فيلق رع يلحق به، وخلف جنود الفيلقين الآخرين على مبعدة منه يسيرون على مهل ليحموا ظهره ويبلغوا ساحة الحرب في راحة مناسبة. وعندما عبر نهر العاصي اشتد عيونه على جاسوسين آخرين أقرا لهم بالواقع وهو أن الحيثيين تواروا بجيوشهم شرق قادش ليداهموا المصريين على غرة بمشاتهم وعرباتهم. وشعر رمسيس بالخطر يوشك أن يحيط بجيشه، فأمر وزيره بأن يستعجل فيلق بتاح، فأرسل الوزير فارسين على متني جوادين سريعين ولحق بهما بعربة، ثم خاطر رمسيس برجاله، وتقدم بفيلق آمون إلى الموضع الذي ظن أن أعداءه عسكروا فيه، ولكن الحيثيين كانوا قد بدلوا مراكزهم بمهارة، وانفلتوا إلى جنوب المدينة وعبروا مخاضة النهر، وتربصوا بفيلق رع حين اقترب منهم في سبيله إلى فيلق آمون، وباغتوه فجأة فشطروه فريقين، فريقًا عاد من حيث أتى وفريقًا أسرع رجاله إلى معسكر الفرعون واحتموا بفليقه. وفي غمرة الاضطراب الذي أشاعوه في المعسكر بدخولهم المفاجئ، لحق الأعداء بهم وفردوا أجنحتهم الواسعة حولهم وكان في كل عربة من عرباتهم الحربية ثلاثة رجال، فتصدى المشاة المصريون لهم وانتزعوا بعضهم من عرباتهم وقاتلوهم بالحراب والسيوف، ولكن العدو كان كثيرًا عليهم، والمفاجأة أذهلت عددًا منهم، وحينذاك لم يجد رمسيس بدًّا من المجازفة بنفسه، فاستقل عربته ولحق به نفر قليل ممن كانوا حوله من القادة وحراسة بدنه، واستنصر ربه آمون وعاتبه عتاب المؤمن، ودعاه بدعاء الابن لأبيه، قائلًا: "ما هذا والدي آمون، هل من شأن الوالد أن يتخلى عن ولده؟ هل أتيت أمرًا دونك؟ ألم أمش وأقف تبعًا لقولك وما تعديت أمرك؟ ... ما أجل رب مصر العظيم حين يسمح للأجانب بأن يقتربوا من حماه. ما الذي غير نفسك آمون؟ وما قيمة هؤلاء الأجانب يا آمون، وهم أشرار يكفرون بالرب... ؟ أدعوك أبي آمون، وأنا بين أجانب كثيرين لا أعرفهم، وقد تضافرت الأقطار الأجنبية ضدي. وأصبحت وحيدًا وما من أحد حولي، تركني جنودي الكثيرون، ولم يلتفت إلي واحد من خيالتي، وناديتهم فلم يستمع واحد منهم إلى ندائي ... ".
انحط رمسيس بحرسه القليل على جماعات كثيفة من الأعداء كانوا يجاورون نهر العاصي واندفع بينهم وكاد يضيع بين عرباتهم، لولا أنه أذهلهم، باستماتته واستبساله. وفجأة أتاه عون ربه، ولاحت له فرق نعرونا أو فرق الفتوة التي تركها على شاطئ آمور، فعبرت النهر الكبير ولحقت به، وانصب أفرادها على جماعة من الحيثيين انشغلوا بنهب المعسكر المصري وشتتوهم، فظنهم الأعداء بداية جيش كبير وتخاذلوا أمامهم. وهنا اشتدت عزيمة رمسيس وشدد هجومه، فلم يجد أعداؤه أمامهم غير النهر فألقوا أنفسهم إليه وغرق بعضهم فيه، وكان منهم أمير حلب، فانتشله أتباعه قبل غرقه وصورتهم المصادر المصرية يعلقونه من قدميه ويجعلون رأسه إلى أسفل حتى يفرغ من فمه ما ابتلعه من الماء، وظلت هذه اللحظات مثار فخر كبير ردده رمسيس مرارًا وأرجع النصر فيه إلى ربه وإلى نفسه.
وتتابعت جيوش رمسيس نحوه فأنبهم على تباطئهم عليه، وعاتب ضباطه بحديث لاذع، حاول أن يستفزهم به إلى حسن البلاء، وتعمد أن يذكرهم به بما وفره لهم في مصر من مآثر وحسن معاملة، وكيف قربهم إليه وأحبهم وكاد ينسى أنه السيد الآمر بينهم، وقال لهم:
"لعله ما من أحد منكم إلا أسديت إليه فضلًا في وطني. واذكروا أني لم أقف منكم موقف السيد، وأنكم كنتم فقراء فأغنيتكم بأفضالي المستمرة، وأقمت الابن منكم على أملاك أبيه، وحرصت على أن أبعد كل شر عن أرض مصر. وتجاوزت عن ضرائبكم. ولم يحدث أن اغتصب أحد شيئًا منكم. وكل من أعلن منكم شكاية زكيته على طول الخط، ... والواقع أنه ما من مولى قدم لجنوده ما قمت به لإرضائكم. فقد سمحت لكم بالاستقرار في بيوتكم ومدنكم كلما أعفيتكم من القيام بمهام الجيش، وهكذا كان شأن خيالتي، يسرت لهم السبيل إلى قراهم "كلما شاءوا أو كلما سمحت الظروف".
وما نظن أن حديث رمسيس يخلو من المبالغة، ولكنه لا يخلو في الوقت نفسه من حقائق مقبولة، فقد دلت متون بعض أفراد الجيش العاديين، وليس الضباط وحدهم، على أنهم تمتعوا بإنعامات الملوك فعلًا، وأنهم كانوا من ملاك الأراضي، وذوي خدم وعبيد، ليس في الدولة الحديثة وحدها، وإنما فيما سبقها كذلك من عصور. وكان من شأن غناهم النسبي، فيما يرجح، أن يجنبهم الدنية ويهذب خشونتهم ويكفل لهم كرامة العيش، فضلًا عما يرتضونه لأنفسهم من كرامة المظهر.
وتوالت هجمات رمسيس وجيوشه على جيوش أعدائه ست مرات، وكانت السادسة هي الفاصلة، فانسحب الحيثيون إلى مدينة قادش، وزادت المصادر المصرية فروت أن ملكهم أوفد رسولًا إلى رمسيس يعرض عليه السلم ويستعطفه بعبارات لا تخلو من ألم ومذلة، ويقول فيما روى المؤرخون المصريون: " ... هل من الخير أن تبطش بعبيدك، ووجهك الكريم يلحظهم دون أن ترحم؟ تذكر ما فعلته بالأمس حيت أتيت فقتلت منا مئات الألوف، أتأتي اليوم أيضًا ولا تُبقي من رجالنا باقية؟ لا تكن قاسيًا في حكمك أيها الملك الهمام، فالسلام خير من الحروب... ".
ومال رمسيس إلى الاستجابة من أجل نفسه التي أجهدتها الحرب، ولصالح جيشه، ورحمة بعدوه، ولكنه أراد أن يعرف رأي رجاله أولا، فاستدعى رؤساء جيشه، خيالة ورجالة، وجمعهم في صعيد واحد، وأسمعهم عرض كبير الحيثيين، فأجابوه في صوت واحد: "الصلح خير عظيم جدًّا، مولانا الحاكم، وليس في السلام من بأس إن نفذته. ومن ذا الذي لا يهاب يوم نقمتك؟ ". وغلبت على المصري سماحته "فأذن الفرعون بالاستجابة إلى دعاء العدو، وبسط يديه من أجل السلام، وقفل راجعًا مع جنوده في أمان إلى أرض مصر".
سجل أعوان رمسيس تفاصيل معركة قادش كتابة وتصويرًا على جدران معابد الكرنك والأقصر والرمسيوم وأبيدوس وأبي سنبل، وسجلوها على صفحات البردي للذكرى والتفاخر والدراسة (13)، وغالوا في تصوير جرأته فيها كما غالوا في تصوير عجز أعدائهم فيها. وكان من الطبيعي أن يسجل الحيثيون من أخبار المعركة ما يحفظ عليهم ماء وجههم، فأنكروا في نصوصهم أنهم طلبوا العفو من رمسيس، وادعوا أنه يئس منهم فنزح عنهم، وأنهم تعقبوا مؤخرة جيشه (14). وحار المؤرخون بين الروايتين، ومال كل فريق منهم إلى جانب، غير أنه من المرجح أن رمسيس وإن لم يطرد الحيثيين تمامًا من شمال الشام، فإنه قد أفسد خطتهم، ومنع الهزيمة عن جيشه، وأوقف تقدمهم بعد قادش، وأرهب أعوانهم، ثم عاد إلى مصر ليستجمع قوى دولته ويتحين الفرص لمعاودة هجومه. وواتته الفرصة في العام الثامن من حكمه، حين عاود الحيثيون الفتنة وإثارة الاضطرابات في بعض مدن الشام، فخرج بجيشه وأعاد الاستقرار إليها بعد مجهود عنيف (15). وواصلت جيوشه نشاطها التفتيشي في أرجاء جدولته الواسعة بعد عامه الثامن، وقادها رمسيس في بعض هذه المرات وذكر في نصوصه أنه قاتل إحدى المدن التي سيطر الحيثيون عليها ساعتين كاملتين قبل أن يرتدي درعه (16). واستمرت حالات التوتر الخارجي حتى العام الحادي والعشرين من حكمه وفيه ظهر تحول واسع جديد في تاريخ العلاقات المصرية الحيثية وفي تاريخ الشرق القديم وتقاليده.
وكانت قد أحاطت بدولة الحيثيين قبل ذلك العام هزات داخلية وخارجية عنيفة، ففي الداخل توفي موتاللي عدو رمسيس اللدود، وتنازع ولي عهده مع عمه على ولاية العرش، والتمس ولي العهد معاونة رمسيس، ويحتمل أنه وعده بها، ولكنه لم يتخذ خطوات فعالة بشأنها، واستطاع العم "خاتوسيلي" أن يتغلب على ابن أخيه، ولكنه أدرك أن مصر ستظل ملاذًا لخصومه على عرشه، فاعتزم أن يسلك معها سياسة جديدة. وحضته على انتهاك هذه السياسة الجديدة هزات خارجية قوية صدرت عن دولة آشور التي بدأت حينذاك عصرها الوسيط وبدأت تتطلع إلى نصيب من السيادة في عالم الشرق وسياسته، ثم هزات أخرى تمثلت في استمرار تدفق هجرات شعوب البحر الآرية على حوض البحر المتوسط وشواطئه. وكل من الأمرين تخوفته مصر أيضًا وخشيت منهما زيادة اختلال توازن القوى في الشرق، وأصبحت على استعداد لاتخاذ خطوة إيجابية لإعادة هذا التوازن من جديد.
وبدأت خطوات التجديد من قبل الحيثيين، على حد قول المصادر المصرية، فأوفد ملكهم خاتوسيلي رسولين إلى قصر رمسيس في عاصمته، وعرض الرسولان على الفرعون مشروع معاهدة تحالف بين مصر وخاتي، وكان المشروع مسجلًا بالخط المسماري على لوحة من الفضة باسم خاتوسيلي، فقبله رمسيس من حيث المبدأ وكتب رجاله نصًّا آخر باللغة المصرية على لوح من الفضة أيضًا، قد يكون متفقًا مع المشروع الخاتي أو معدلًا عنه تعديلًا يسيرًا، وبعد اتصالات أخرى وقع الملكان على المعاهدة حوالي عام 1270ق. م، وربما وقعت الملكتان عليها أيضًا، وبدأ حين ذاك عهد جديد(17).
وتضمنت المعاهدة دلالات ومبادئ دولية بارزة، كان منها أن أشارت في مقدمتها إلى علاقات ود قديمة ربطت بين مصر والحيثيين، ويحتمل أنها عنت بها فترتي الهدنة التي أسلفنا احتمال حدوث إحداهما في عهد حور محب وحدوث الأخرى في عهد سيتي الأول، أو عنت بها فترات تبادل الهدايا والرسائل بين الفريقين في عهد تحوتمس الثالث وعهد أمنحوتب الثالث وبداية عهد ولده آخناتون. وأشهدت المعاهدة في خاتمتها ألفًا من الأرباب والربات المصريين وألفًا من الأرباب والربات الحيثيين، وذلك مما ينم عن استعداد كل من الدولتين لاحترام آلهة الدولة الأخرى، واستعدادهما لعهد تسامح ديني جديد، وهو تسامح رضي المصريون بمثله فيما بينهم وبين النوبيين وفيما بينهم وبين أهل الشام منذ عهود قديمة، ولكنهم لم يرتضوه فيما يبدو مع دولة خارجية أخرى قبل هذه المرة، إلا مع دولة الميتان لفترة قليلة حينما ربطت بينهما روابط الود والمصاهرة.
وتعهدت كل دولة من الدولتين بعدم الاعتداء على حدود الأخرى، وهي حدود لا ندري خطوطها الحقيقية في شمال الشام. واحترمت كل منهما كيان الأخرى على قدم المساواة معها، دون أن تدعي إحداهما سيطرة على أختها أو تدعي أفضلية عليها، وكان في ذلك ما فيه من محاولة التخلي عن التعصب الجنسي القديم، وهي محاولة لم تسبقها فيما نعلم غير محاولة غير مقصودة في عهد أمنحوتب الثالث حين تقبل لفظ الأخوة من أمراء الشرق وملوكه وخاطبهم بها، ومحاولة أخرى في عهد آخناتون حين اعترف للشعوب كلها بحق الحياة في ظل معبوده الواحد.
وتعهد كل من الطرفين المتعاهدين بنجدة الطرف الآخر بعسكره إذا وقع اعتداء مسلح على دولته، ولم تتعد المعاهدة هذا التحالف الدفاعي الثنائي إلى تحالف هجومي على دولة ثالثة. كما تعهد كل من الطرفين بألا يأوي الخوارج الفارين من بلد الطرف الآخر وأن يعيدهم إليه أيًّا ما كانت مراتبهم الاجتماعية وسواء أكانوا من العظماء أو من العوام، بشرط عدم التنكيل بهم "بالقتل؟ " أو التعرض لأولادهم. ويعتبر هذا الشرط أقدم تصوير معروف لأوضاع اللاجئين السياسيين في العالم القديم.
واستطاعت المعاهدة أن تحقق أغراضها، فساد السلام بين الدولتين، وتبودلت الرسائل بين الملكين، ودلت الألواح الحيثية على أن رمسيس أرسل ما لا يقل عن ثماني عشرة رسالة إلى خاتوسيلي وإلى زوجته تودوخيبا التي يحتمل أنها لعبت دورًا فعالًا في سياسة زوجها (18). وأضاف النص الحيثي للمعاهدة في نهايته وصول التهاني بعقدها من زوجة رمسيس ومن أمه. وعاد توازن القوى في الشرق القديم إلى حال مستقرة، وتوقفت من جرائه أطماع آشور إلى حين. وأراد ملك الحيثيين أن يدعم تحالفه مع فرعون مصر في العام الرابع والثلاثين من حكمه، فزوجه ابنته وقدم بها عليه بنفسه، وروت المصادر المصرية قصة هذا الزواج من وجهة نظرها بأسلوب طريف فقالت: " ... وظل عظيم خاتي يكتب إلى جلالته عامًا بعد عام يسترضيه دون جدوى، ولكنه حين وجد أرضه في حالة عوز شديد بقدرة جلالته، قال لعسكره وأهل بلاطه: ما معنى أن تبور أرضنا ويغضب علينا ربنا سوتيخ وتحرمنا السماء من فيضها، كأنما قدر علينا أن نفقد كل ما لنا وابنتي في المقدمة؟ علينا أن نقدم فروض الطاعة إلى الرب الطيب حتى يهبنا الحياة والسام .. " ووصف المصريون وعورة الطريق الذي سلكه الحيثيون ورووا أن الفرعون قدر من تلقاء نفسه خطورة امتناع الأمطار عن سوريا وفلسطين بخاصة، فأقام الصلوات لأبيه سوتيخ حتى يصلح المناخ (19) ... ووصل وفد الحيثيين وملكهم وابنته العروس على رأسهم، فأكرمهم الفرعون وأشركهم في طعامه وشرابه وجعل العروس من زوجاته الأثيرات وخلع عليها اسم "ماحور نفرو رع". وأصبح الملكان على حد قول النصوص المصرية "قلبًا واحدًا كأخوين، ولم تعد هناك حفيظة في قلب أحدهما على الآخر". وأكرم الفنانون المصريون صهر فرعونهم فصوروه في معبد أبي سنبل في وضع لائق قريبًا منه ولم يكن أسلافهم قد تعودوا أن يصوروا حاكمًا أجنبيًّا في وضع محترم مع فرعونهم قبل هذه المرة.
وبقيت أمام الدولة جهود أخرى تبذلها ناحية الغرب ضد الهجرات الآرية التي أخذت أعدادها تزداد وأوشكت أخطارها أن تتفاقم على الحدود الليبية، وقد بدأ رجال رمسيس استعداداتهم لها بتقوية سلسلة الحصون الممتدة على ساحلهم الشمالي ناحية الغرب (20).
وانتهت ولاية العهد إلى مرنبتاح "بانرع" الذي خلف أباه في عام 1224ق. م، وهو كبير السن، وجرى على مجراه في سياسته، بل وقلده في تسجيل اسمه على بعض تماثيل أسلافه وعمائرهم، ودفعه إلى ذلك كبر سنه ورغبته في الإسراع بتسجيل ذكراه عن أقرب سبيل، إلى جانب الدوافع الأخرى التي أسلفناها بالنسبة لأبيه ورجاله. ولم تسر أموره هينة دائمًا وإنما تعددت حروبه في الشمال الشرقي وعلى حدود مصر الغربية وفي بلاد كاش، ونكتفي هنا بالآثار المترتبة على مشاكل الجبهتين الأوليين في حياة مصر العامة.
ففي الشمال الشرقي ذكرت نصوصه من الأقوام التي أخضعتها جيوشه قبائل "الإسرائيليين" وكانت أول وآخر مرة ورد ذكرهم فيها في النصوص المصرية، ويبدو أن جيوشه اشتدت عيهم بحيث قال راويها "أبيد شعب الإسرائيليين ولن يكون به بذر"(21). ودعت هذه العبارة إلى التساؤل عن مدى ارتباط حملتها بخروج بني إسرائيل من مصر، وهل تم في أيام مرنبتاح أم قبلها، وهل مرنبتاح هو فرعون موسى أم غيره؟ لا سيما وأنه أثر عنه التنكيل بخصومه بطريقة لم يتبعها الفراعنة إلا نادرًا. ولكن لم تتوافر حتى الآن أدلة كافية لإثبات خروج بني إسرائيل في عهد هذا الفرعون أو نفيه، ويبدو أن قرائن النفي أقوى من قرائن الإثبات فيه، ومنها أن النص السالف اعتبرهم من نزلاء جنوب الشام ولم يذكر تتبعه لهم من مصر، وذلك مما يعني أنهم دخلوا فلسطين قبل عهده وخرجوا من مصر بالتالي قبل عهده. ويلاحظ مع ذلك أن قصة غرق فرعون موسى لا تحل المشكلة، فالقرآن الكريم يذكر انه أنجي ببدنه بعد غرقه ليكون لمن خلفه آية، أي أننا لن نستغرب عدم غياب جثته من بين جثث الفراعنة الباقية. ولم يكتف المؤرخون بوضع احتمالات عهد مرنبتاح في هذا الشأن إلى جانب احتمالات عهد أبيه ، وإلى جانب ما روجه المؤرخ القديم يوسيفوس اليهودي عن الربط بين عصر الهكسوس وبين العبرانيين وخروجهم معهم في عهد أحمس وإنما أضافوا إلى ذلك فرضًا آخر باحتمال خروجهم في عهد تحوتمس الثالث أو ولده أمنحوتب الثاني، وذلك على أساس ذكر اسم الأسرى العابيرو في نصوصهما لأول مرة، مع تقريبه إلى اسم العبرانيين، وهذا ما لم يتأكد أيضًا، ولا زالت القضية بغير حل مرضٍ حتى الآن(22).
أما عن الآثار المترتبة على معارك جيش مرنبتاح على حدود مصر الغربية، فتتلخص في اندفاع عدد من قبائل شمال إفريقيا والصحراء الغربية نحو الحدود المصرية في بداية عهده، سواء نتيجة لزوال شخصية أبيه صاحب الشهرة الحربية الواسعة، أم تحت ضغط هجرات آرية جديدة نزلت سواحل إفريقيا الشمالية "راجع 239"، أم نتيجة لقحط محلي شديد. وقد تزعم المهاجرين شيخ قبائل برو "= ليبيو"، وضم إليه أعدادًا من خمس جماعات آرية مهاجرة، وهي: الإقوش، والتورشا، والروكي "اللوكي"، والشرادنة، والشكرش "الشكلش" ثم اندفعوا بنسائهم وأولادهم وقطعانهم القليلة وطمعوا في أن يعبروا البراري إلى الدلتا ويستقروا في أرضها الخصبة. ووصفت المصادر المصرية تحركاتهم بأنهم "ظلوا يهيمون خلال الحدود ويقاتلون في سبيل ملء بطونهم يومًا بيوم، ثم وصلوا مصر "الزراعية" يتلمسون فيها طعامًا لأفواههم، وذلك مما يعني أنهم كانوا في مسغبة شديدة. ووصل المهاجرون حتى الفرع الكانوبي، وكانوا في أعداد كثيرة، فأعد لهم مرنبتاح ما استطاع من قوة، وذكر في نصوص أنه استنصر ربه بتاح فأوحى إليه بالتأييد والنصر وقال له "إثبت وانزع الشك من قلبك"، ولم تستمر المعركة أكثر من ست ساعات وانتهت بأن أعلن المهاجرون الطاعة. وكان المصريون يدركون مدى الفوضى التي كان يمكن أن تحيق بأرضهم لو دخلها المهاجرون متنصرين، ولما كانت معركتهم معهم من المعارك المعدودة التي دارت رحاها على مشارف أرضهم منذ طرد الهكسوس، فقد غدا لنبإ النصر عندهم رنة عظيمة، ووصف شاعرهم فرعونه إثر انتصار جيوشه بأنه شمس بددت الغيوم التي رانت على مصر، وأنه جعل تامري "مصر الزراعية" ترى أشعة الكوكب، وأنه كمن أزاح جبلًا من النحاس من فوق أكتاف الناس ووهب نسمة الحياة لشعب كاد يختنق.
وصور الشاعر زعيم المهاجرين يهرب تحت جنح الليل وحيدًا فريدًا وقد سقطت ريشته وأضاع نعليه وعز عليه الزاد والماء وانفض أنصاره عنه وتنكروا له. وصور عظم وقع النكبة على المغلوبين فجعل شابًّا منهم يقول لزميله "لم يحدث لنا شيء من ذلك "إطلاقًا" منذ عهد رع"، وشيخًا يقول لولده "وانكبتاه على ربو "ليبيا"، حرم أهلها المعيشة الطيبة "في مصر" وما عادوا يجرؤون على السعي بين المزارع، وتوقف سعيهم في يوم واحد". وصور الشاعر عودة السلام إلى مشارف مصر فذكر أن أهلها الأصليين عادوا يسعون فيها بغير عائق ولا خوف، وأن حراس المعاقل غدوا ينامون ملء جفونهم ولا توقظهم غير حرارة الشمس، وأن الماشية أصبحت ترعى بين الحقول بغير رعايا... ، وأصبح الناس يروحون ويغدون وهم يترنمون، وما عاد أحد يسمع صياح قوم يتوجعون... ، وجثا شيوخ "المهاجرين" يقولون سلامًا سلامًا... " (23).
وجدير بالذكر أن محاربة المصريين للربو أو الليبيين الجدد وحلفائهم في هذا العهد لم تمنعهم في الوقت نفسه من استخدام أهل الحدود الغربية الأصليين المسالمين في حراسة معاقلهم الصحراوية، بل ولم تمنعهم من استخدام بعض المهاجرين الآريين القدماء من المشاوش والقحق في جيوشهم وفي مراقبة المهاجرين الشرسين الجدد بأنفسهم (24).
ويذكر لعهد مرنبتاح وفاؤه لمعاهدة أبيه مع الحيثيين بأن أمدهم بمدد كبير من الغلال حينما خربت هجرات شعوب البحر أرضهم وقضت في النهاية على استقلالها، وكان قد اضطر في مرة سابقة إلى تأديبهم.
غير أنه يبدو أن بذور المشاكل ظل لها وجودها على الرغم من جهود مرنبتاح وجيوشه، فقد اضطربت أحوال مصر الداخلية بعد عهده، وولي عرشها ولده سيتي الثاني مرنبتاح "وسر خبرو رع" الذي لم يطل عهده أكثر من سبع سنوات مرت دون أثر جليل يذكر لها إلا ما أبقت عليه المصادفات من الكراسات التعليمية التي نسخها بعض الطلبة خلالها (25). وحدث على العكس أن أشارت بعض بردياتها إلى اضطراب داخلي شمل منطقة طيبة ويحتمل أن أصحابه أنصار آمون عبروا به عن سخطهم على أصحاب العاصمة المحدثة بر رمسيس وربها ست بعد أن مضت عهود فراعنتها الكبار (26). وفي الحياة العادية أشارت إحدى برديات العهد وبعض لخافه على قضية اتهم عامل فيها أحد رؤسائه بالسلب والرشوة والشروع في القتل وسرقة الأحجار من قبر فرعونه، كما اتهم فيها وزير الصعيد بقبول الرشوة(27). ثم قضية أخرى صغيرة اتهم فيها عامل بسب فرعونه وهذه الأخيرة وإن كانت شيئًا تافهًا إلى أنها تكشف عن إمكان إحساس رجل الشارع بتفاهة ما يردده الرسميون والكهنة عن قداسة فرعونهم وجلاله ...
واستمر القلق السياسي حول وراثة العرش بعد وفاة سيتي، وتردد من الأسماء المتطلعة للعرش "أمنمس" ولعله أحد أحفاد رمسيس الثاني. واستغل هذا الوضع المضطرب سوري متمصر يدعى "باي" كان الخازن الأكبر للدولة، في فرض وصايته ونفوذه على ابن سيتي الذي ولي العرش طفلًا باسم سابتاح، وأصبح يفخر بمساعدته إياه على بلوغ العرش حتى اشتهر بين الناس باسم "إرسو" أي الذي عمله. ورضيت الملكة تاوسرة زوجة سيتي الثاني، بالوضع القائم مضطرة، ويبدو أنها كانت ضرة لأم الطفل المملك، وعندما مات هذا الطفل أو قتل استردت تاوسرة مكانتها ووجدت من يناصرها على محاولة بسط نفوذها على شئون البلد كلها، وذلك مما شجعها على اتخاذ ألقاب الملوك، ويعتبرها بعض المؤرخين بذلك ثالثة النساء اللائي تطاولن إلى بلوغ العرش في مصر القديمة (28) أو رابعتهن. ويميل البعض إلى الربط بين اسمها وبين اسم ثوريس الذي أنهى به المؤرخ مانيتون عصر الأسرة التاسعة عشرة لفترة سبع سنين واعتبره ملكًا. وعلى أية حال فإن سلطانها لم يطل ولم يؤد اضطراب عهدها إلا إلى انتقال الحكم من فرعها إلى فرع آخر أشد شكيمة منه وهو فرع الأسرة العشرين.
__________
(1) See, Asae, Xiv, 29 F.; Helck, Der Einfiuss Der Militarfuhrer… 84 F.
(2) Edgerton, Jnes. 1947, 219 F.
(3) Gunn And Gardiner, Jea, Iv, 244., F., 247; Also, Xiii, 193 F.; Xxxviii, 24 F.
(4) Lepsius, Auswahl…, Tafel 22; Ball, Egypt In The Classical Geographers, 1942, 180 F.; G. Goyon, Asae, Xlix, 337 F.
وراجع خريطة نفر العراقية من أوائل الألف الثاني ق. م - ولو أنها أقرب إلى التخطيط منها إلى الخريطة.
(5) Wreszinski, Atlas, Ii, 34, 40-41; Jea, Vi, 99 F.; Xxxiii, 34 F.
(6) Junn And Gardiner, Op. Cit.
(7) See, Pendlebury, Jea, Xvi, 75 F.; Wainwright, Jea, Xxv, 148 F; Bonfante, Am. J. Of Arch., 1946, 251 F.; Gardiner, Ancient Egyptian Onomastica. I, 191 F.
(8) Wreziniski, Atlas, Ii, Pl. 34 F.; Jea, Vi, 99 F.; Xxxiii, 34 F.
(9) Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, 255.
(10) Parker, Jnes, Xvi, 43.
(11) See. Kemi, Iv, 199 F.; Gardiner, Anc. Egyptian Onomastica, Ii, 171 F.; Asae, Xxx,31 F.; Lii, 443 F.
(12) Griffith, Stories Of The High Pirests, 2 F.; Petrie, A Histreoy Of Eygpt, Iii, 8 F.; Drioton & Lauer, Asae, 1937, 102 F.
(13) عبد العزيز صالح: التاريخ في مصر القديمة - مفهومه وعناصره وبواعث القومية فيه - القاهرة 1975، ص32.
Breasted, The Battle Of Kadesh, 1903; Kuentz, La Bataille De Qadech, 1928; Gardiner, The Kadesh Inscriptions Of Ramesses Ii, 1960; And See The Battle Of Kadesh, Publications Of The Centre Of Documentation, F. 58.
(14) E. Edel, Zeitschrift Fur Assyriologie "Nf", 1949, 195 F., 212; A. Goetze, In Anet, 319.
(15) Wresziniski, Atlas, Ii, 90; Sethe, Zaes, Xliv, 36 F.
(16) Ibid.; Ancient Records Iii, 352.
(17) Langdon And Gardiner, Jea, Vi, 179, F.; Gurney, the Hittites, 1952, 117 F.; Wilson, In Anet, 1955, 199 F.; A Goetze, Ibid. 210-203.
(18) E. Edei, Zeit. F. Indogermanische Forschungen, Ii, 262 F.
(19) Ancient Records, Iii, 410 F.; Kuentz, Asa, Xxv, 181 F.; Also 34 F,; And See, Abou Simbel Exteriere, Publications Of The Centre Of Documentation, C. 17, 6 F.
(20) Cf., A Rowe, a History of Ancient Cyrenaica, 1948.
(21) Cairo, 34025, 1. 26 F.; Ancient Records, Iii, 602 F.; Wilson, In Ancient Near Eastern Texts, 1955, 378; Kuentz, Bifao, Xxi, 113 F.
(22) Cf. G. E. Wright, Biblical Archaeological, Iii, 1940, 25 F.
(23) Wilson, Op. Cit., 376 F.
(24) Cf. Papyrus Anastasi, I, 17, 4; Iv, 10, 8; A. Erman, Die Literatur, 345.
(25) ألكسندر شارف: تاريخ مصر ... - ص159.
(26) Cf., A. H. Gardiner, Late Egyptian Miscellanies, 1937.
(27) Papyrus Salt, 124; Jea, Xv, 243 F.; See Also, Gardiner, the Inscriptions of Mes, 1905; R. Anthes, Mitt. Cairo, Ix, 93 F.
(28) Gardiner, Jea, 1958, 14 F.; Egypt of the Pharaahs, 277 F.