1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : العصور الحجرية : العصور القديمة في مصر :

10- عهد الاسرة الثانية عشر

المؤلف:  عبد العزيز صالح

المصدر:  الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق

الجزء والصفحة:  ص169-185

27-9-2016

3215

الازدهار والكلاسيكية في عصر الأسرة الثانية عشرة 1991 - 1778ق. م:

يعتبر عصر الأسرة الثانية عشرة أزهى عصور الدولة الوسطى في نواحي نشاطه الداخلية والخارجية، وقد بدأ الحكم فيه بفرعون ذكرته نصوص عهده باسم أمنمحات "سحتب إب رع"، وعرفته كتب التاريخ باسم أمنمحات الأول، وسوف نجري فيما بعد على استعمال الاسم الأخير نظرًا لشيوعه، وقد خرج أهل الدعاية في عهده بقصة اشتهرت اصطلاحًا باسم تنبوءات نفررحو "أو تنبوءات نفرتي"، واستهدف دعاة أمنمحات من قصتهم هذه أن يظهروا فرعونهم الجديد لأفراد شعبه في هيئة المنقذ المنتظر، وأن يوهموهم بأن العناية الإلهية قد تخيرته منذ الأزل، وأن المتنبئين بشروا به منذ عهد سنفرو، أي قبل مولده بقرون طويلة. وسوف نعرض لهذه القصة في حديثنا عن الأدب، وتتلخص في أنها جعلت حكيمها نفررحو يصور للفرعون سنفرو أيامًا يتوقعها في عالم الغيب، يهلك فيها الحرث والنسل ويشيع الفساد، ويظل أمرها كذلك حتى ترسل العناية الإلهية ملكًا من أهل الجنوب يدعى "أميني" يولد لسيدة من إقليم تاستي، فيصلح الحال ويسعد به أهل عصره. وكان اسم أميني الذي بشرت النبوءة به هو الاسم المختصر لاسم أمنمحات في الدولة الوسطى (1). ثم لجأ أمنمحات إلى التبشير لحكمه وعهده بين شعبه بطريقة أخرى، فاستخدم لنفسه لقب "وحم مسوت" (2)، وهو لقب يعني معنى معيد النهضة "إلى جانب معان حرفية أخرى مثل تكرار المواليد".

واعتمادًا على هذه الدعايات اعتبر بعض المؤرخين المحدثين أمنمحات مغتصبًا للعرش من الأسرة السابقة له، وأضافوا أنه قد يكون بنفسه الوزير أمنمحات الذي خرج في عهد مونتوحوتب "نب تاوي رع" بعشرة آلاف حندي، وأنه قد استغلهم في الإطاحة بملكه والاستيلاء على عرشه، وأن أمه كانت نوبية من إقليم تاستي الجنوبي الذي ذكرته النبوءة، وأنه يزكي أصله الجنوبي ظهور غلظ الشفاة وسعة الأنوف وبروز الوجنات في تماثيله وتماثيل أفراد أسرته (3).

 أن إقليم تاستي الذي اعتبروه نوبيًّا خالصًا، كان يشتمل كذلك على المنطقة التي تمتد بين أسوان وبين إدفو، فهو إذن من أقصى الصعيد أيضًا وليس من النوبة كله. وليست ملامح النوبيين في حد ذاتها بالملامح الغليظة التي صوروها، وإنما هي ملامح لا تخلو من رقة وبساطة على الرغم من سمرتها. ولم تظهر الملامح الغليظة في غير تماثيل أحد أحفاد أمنمحات "وهو سنوسرت الثالث"، مع ملاحظة أن تنوع الملامح بين أفراد الأسرة الواحدة ليس بالأمر الغريب بين المصريين وغير المصريين، ثم إن أمنمحات الوزير لو أراد أن يستخدم العشرة آلاف جندي في الثورة على ملكه لما مجده أمام نفس الجنود في نصوص حتى أوشك أن يرتفع به أمامهم إلى مصاف الآلهة. كما أن بعض خلفائه من ملوك أسرته قد جروا على سنته في تمجيد ذكرى ملوك الأسرة الحادية عشرة السابقة عليهم، وفي هذا ما ينفي أن رأسهم قد اغتصب الملك منها.

وبناء على هذه القرائن وغيرها مما يرد تفصيله وأدلته في كتابنا آنف الذكر، يبدو أن أمنمحات كان من أقرباء الأسرة الحادية عشرة السابقة له أو من أصهارها، وأنه لم يعتل العرش اغتصابًا من ورثتها، وإنما اعتلاه بعد أن عجزوا عن الاحتفاظ به، وبعد أن مرت البلاد بفترة عز عليها فيها الاستقرار والحكم الصالح.

في السياسة الداخلية:

جمعت أيام الأسرة الثانية عشرة بين خصائص مركزية الدولة القديمة وعظمة فراعنتها، وبين مكاسب عصر اللامركزية الأولى ونمو الروح الفردية فيه، في آن واحد، دون أن تضحي بإحداهما تمامًا في سبيل الأخرى. غير أن هذه التقديم لا يمنعنا من ذكر حقيقة واقعة وهي أن مصادر تصوير هذا العصر، وغيره من العصور، لا تزودنا في أغلب أحوالها إلا بما أراده أصحابها من تصوير الجوانب النيرة في حياتهم، أما الجوانب السيئة، ولا بد أنها كانت متعددة، فقلما تركوا لنا ما يسمح بتصويرها إلا عن طريق التخمين وعن طريق استقراء ما بين السطور.

طال حكم أمنمحات الأول ثلاثين عامًا يبدو أنها كانت حالفة بالإصلاح وإن لم تخل من الكفاح والمخاطر في بدايتها وفي نهايتها. فيفهم من نصوص رجل معاصر له من حكام الأقاليم يدعى "خنوم حوتب" ونصوص حفيده (4)، أنه ظهر لأمنمحات في بداية عهده منافسون على العرش، وأنه عمل على نفيهم من مصر واستعان على إضعافهم ببعض زعماء الأسر المصرية القوية في مصر الوسطى، ثم كافأ أنصاره بتوليتهم حكم المزيد من المدن والأقاليم، وإن كان قد حرص في الوقت ذاته على أن يشعر هؤلاء الأنصار بأن يده هي العليا دائمًا، فتدخل في تحديد حدود أقاليمهم ورسم سياستها وتعيين موارد الري فيها وتحديد سلطاتهم عليها.

وأشرك أمنمحات ولي عهده سنوسرت في الحكم معه عشر سنين حتى يعتاد على تصريف الأمور تحت إشرافه، ويأمن الخلاف والطمع في عرشه بعد وفاته، وظن أن ذلك يدعم مركزيهما معًا، ولكن كان من تصاريف القدر أن تعرض في فترة متأخرة من حكمه لمؤامرة دبرت لاغتياله من قبل المتصلين به لسبب لا نعرفه، وصور الملك هذه المؤامرة من وجهة نظره في مجموعة وصايا وجهها إلى ولده، وحرص على أن يعدد له في مقدمتها ما أسلف لبلده من أياد بيضاء، فأكد أنه عمل على ألا يكون في عهده جائع ولا ظمآن، وأن كل ما أمر بتنفيذه خلال حكمه كان كما ينبغي أن يكون. وأكد أنه يسر لكل معدم أن يحقق أهدافه كما لو كان من ذوي الحيثية، ثم تحدث عن نشاطه الإداري فذكر أنه وقف على مشارف الأرض وعاين دواخلها، وأنه وسع مفهوم البأس بشجاعته وأعماله ... ، وادعى أنه أذل الأسود وأخضع التماسيح ... ، غير أن ذلك كله لم يجد، فانقلب عليه أقرب الناس إليه، وتعمد من طعم خبزه أن يحرض القوم عليه، كما تعمد من تلقى يد المعونة منه أن يستغلها في خلق المتاعب ضده، وذكر أمنمحات أن المتآمرين دبروا أمرهم خلال غياب ولده، فحدث ذات ليلة بعد العشاء، وحين أرخى الليل سدوله، وبعد أن استرخى هو في مضجعه، أن سمع صليل السلاح وحديثًا يقال عنه، فظل في فراشه يقظًا كثعبان الصحاري، ثم نهض ليدافع عن نفسه، ووجدها مؤامرة من بعض الحراس، فاستل سلاحه، وكان كفئًا لهم كما قال، لولا أنه "ما من شجاع بلبل" و"وما استطاع إنسان أن يحارب بمفرده"، "وما تم أمر ناجح بغير مساعد"، على حد تعبيره (5)، ووجه أمنمحات وصيته إلى ولده من وحي هذه التجربة، فأوصاه بالحذر، وبألا يقرب الناس وحيدًا، وألا يسرف في الإخلاص لمن يدعي أخوته، أو يصطفى خليلًا لنفسه، وعلل ذلك كله بأن المرء قد يفتقد أهله في يوم الشدة.

وتشعبت الآراء في تصوير نهاية أمنمحات وفي استخلاص النتائج من وصاياه، فظهر منها رأيان: رأي اعتقد أصحابه أن المؤامرة حدثت في العام العشرين من حكمه وأنه نجا منها وتعمد بعدها أن يشرك ولده سنوسرت في الحكم؛ ليسانده ويشد أزره. ثم رأي آخر اعتقد أصحابه أن المؤامرة حدثت في العام الثلاثين من حكمه وأنها أدت إلى مقتله بالفعل، وأن ولده سنوسرت أوحى إلى أديب من أهل عصره بأن يقصها على لسان أبيه كما لو كانت قد صدرت عنه قبل أن يسلم روحه، أو كما لو كانت قد صدرت عنه وحيًا من السماء بعد أن ارتفع إليها، وقدم كل من أصحاب الرأيين قرائنهما، وقد رجحنا الرأي الأول منهما بقرائن جديدة نحيل المتخصص إليها في كتابنا آنف الذكر.

على أنه مهما يكن من أمر المؤامرة ضد أمنمحات، فقد استفادت مصر من جهوده، كما استفاد بخبرته ولده سنوسرت الأول "خبر كارع" الذي طال حكمه أربعة وثلاثين عامًا فضلًا عن العشرة التي قضاها مشتركًا مع أبيه. وكان الابن خصيفًا ليم يسلم تمامًا بحرفية وصايا أبيه وأدرك أن دعوة الحذر التي دعاه إليها كانت مجرد رد فعل مؤقت للمؤامرة الغادرة التي صدم بها، فجرى مع روح عصره ولم يتردد في أن يقرب إليه ذوي الكفاية من رجال دولته، ويسر لهم السلطان الواسع تحت إشرافه. وترتب على ذلك أن وزيره "مونتوحوتب" لم يجد ما يمنعه من أن يشيد بنفسه الإشادة الواسعة تحت سمع مولاه وبصره. فذكر في نصوصه أنه كان ربانًا للشعب... ، قيم القسطاس مثل الإله تحوتي "رب العدالة والميزان" ... ، وأنه كان يعتبر أخًا لهذا الإله "في عدالته وحكمته". ويعرف بواطن النفوس جميعها، كما كان حسن الإصغاء نافعًا حين الكلام حلالًا للمشكلات (6). وفي كل هذا ما يعد بنا إلى صفات الحاكم الصالح والمواطن القادر التي دعا القروي الفصيح بمثلها أيام العصر الأهناسي.

وسرت روح الطمأنينة التي شجعت هذا الوزير على أن يفخر بمكانته بين شعبه ويدعي الأخوة لربه، إلى كبار رجال الأقاليم المتمتعين برضا الفرعون وتأييده، فذكر رجل يدعى "أميني" كان حاكمًا على إقليم الوعل في مصر الوسطى أنه توخى العدالة المطلقة في حكم إقليمه، وأنه تنزه عما يأتيه أصحاب السلطة إذا توافرت لهم السلطة. فقال وهو يفخر بنفسه ويؤكد عدله: "لم أسئ إلى ابنة موطن قط، ولم أزجر أرملة، ولم أقس على مزارع، ولم أبعد راعيًا، ولم أحجر على عمال أو ريس أنفار في مقابل الضرائب المستحقة عليه، ولم يكن بين قومي بائس أو جوعان ... ، وعندما تعاقبت سنوات القحط أشرفت على استغلال إقليم الوعل من جنوبه إلى شماله، وكفلت الحياة لأهله ووفرت لهم الأقوات، فقل بينهم المحتاج، وأهديت الأرملة، كما أهديت ذات البعل، ولم أميز عظيمًا على فقير فيما أعطيته. وعندما عادت الفيضانات العالية وازدادت المحاصيل وتوفر كل شيء، تجاوزت عن متأخرات ضرائب المزارع" (7). ولم يتردد الرجل مع شعوره بمكانته في أن يؤرخ نصوصه التي سجلها في مقبرته بتاريخ ولايته إلى جانب تأريخها بتاريخ حكم فرعون عهده (8).

وكان في سعة الألقاب التي ادعاها حكام الأقاليم حينذاك واحتفاظ أغلبهم بقوات محلية كبيرة في أقاليمهم، وجرأة مثل أميني على تأريخ نصوصه بسنوات ولايته، ما دعا الأستاذين هرمان كيس وألن جاردنر إلى اعتبار النصف الأول من عصر الأسرة الثانية عشرة عصرًا إقطاعيًّا من نوع جديد، لم تهن فيه سلطة الملوك، ولكن تضخمت فيه سلطة حكام الأقاليم برضا الملوك ولصالح الرعية (9). واستمرت هذه الأوضاع قائمة في النصف الأول من عصر الأسرة، خلال عهدي كل من أمنمحات الثاني وسنوسرت الثاني.

ثم اتجهت السياسة الداخلية وجهة مختلفة بعض الشيء في عهد سنوسرت الثالث "خع كاورع"، وكان فرعونًا طموحًا شديد المراس، عمل على أن يقلل سلطان حكام الأقاليم الذين آزرهم أسلافه وعلى أن يقضي على إصرارهم على توريث أبنائهم حكم أقاليمهم حتى ولو كان الوريث طفلًا صغيرًا (10). فقلت في أواخر عهده الألقاب الضخمة التي اعتاد كبار حكام الأقاليم أن يدعوها لأنفسهم في حماية أسرته منذ أن استعان جده الأكبر أمنمحات الأول ببعضهم لتدعيم ملكه، كما قلت مقابرهم الضخمة الفخمة التي اعتادوا على أن يتخذوها في أقاليمهم (11). ولو أن هذه السياسة التي اختطها لحكومته المركزية وعمالها لم تؤد إلى الإحجاف بالحقوق المشروعة والثروات المعقولة للعاملين المخلصين من حكام الأقاليم في عهده. ودل على ذلك أن تضمنت مناظر مقبرة حاكم منهم يدعى "تحوتي حوتب" في منطقة البرشة ما يصور تمثالًا ضخمًا يمثله، أذن الفرعون له بإقامته في مقصورة مقبرته، وذكر أن ارتفاعه يقرب من ستة أمتار وثلاثة أرباع المتر، وأنه تكفل بنقله وسار في الاحتفال بإقامته 172 رجلًا بين مأجورين ومجندين ومتطوعين (12).

واستمرت مركزية الحكم قوية في عهد خلفه الملك أمنمحات الثالث "ني ماعت رع"، وحرص كبار رجال دولته على أن يسجلوا إخلاصهم له، وذهب من تمتعوا بإنعاماته إلى ما هو أبعد من حدود الإخلاص. فسجل رجل منهم يدعى "سحتب إب رع" على نصب أقامه في مقبرته، وصية طويلة وجهها إلى أولاده، أوصاهم فيها أن يخلصوا لفرعونهم قلبًا وقالبًا، ونبههم إلى أن الفرعون يفطن إلى ما في النفوس، وأن عينيه تخترقان الأجسام، وأن شأنه شأن الأرباب، وأنه يستطيع أن يحيي ويميت، وأن الخبر لأوليائه والحرمان لأعدائه ... ، ولا يخفى بطبيعة الحال أن سحتب إب رع تعمد بهذا الإسراف أن يتملق فرعونه لغرض في نفسه ولكثرة إنعاماته عليه، شأنه في ذلك شأن رجال البلاط والحاشية في كل عصر، غير أن المهم أنه لم يخص بالمبالغة فرعونه وحده، إنما مهد بها لتقريظ نفسه أيضًا، فقال وهم يفخر بكفاياته وسجاياه الخاصة التي أبلغته ما بلغه من عز وسؤدد في ظل فرعونه: "إني نبيل على رأس الناس، يرحب أهل البلاط بمقدمه ويفضي الناس إليه بأسرارهم ... ، رجل عدل في نظر أهل الصعيد والدلتا، شاهد صدق مثل الإله تحوتي، أشد دقة من الميزان ... ، مخلص النصيحة، يتحدث صدقًا، ويكرر ما يستحب، لا شبيه له، حسن الإصغاء، حلال للمشكلات... ، صورة صادقة للود، بريء من ارتكاب الإثم... ، يحيل البؤس سعدًا، ويدير الأمور إدارة صالحة... ". (13)...... .

في السياسة الخارجية:

قامت السياسة الخارجية لعصر الأسرة الثانية عشرة على أساس تغليب علاقات الود مع الدول المجاورة في الشام والعراق وجزر بحر إيجه، واتخاذ الصلات التجارية معها سبيلًا إلى التأثير الحضاري فيها. كما قامت على أساس توطيد النفوذ وتوسيع الإشراف والاستثمار على امتداد الحدود في الغرب والجنوب، أي في الصحراء الغربية والنوبة، مع إيثار السلام المسلح القائم على التحصين واليقظة في الناحيتين، وعدم الالتجاء إلى استخدام القوة فيهما إلا حين الضرورة.

وبدأ تنفيذ سياسة السلام المسلح منذ عهد أمنمحات الأول مؤسس الأسرة، فيذكر له من مشاريع عهده الدفاعية أنه شيدت في أيامه تحصينات طويلة امتدت على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية وسميت في مجملها باسم "أسوار الوالي" (14). كما كان من أثر تأمين سبل التجارة الجنوبية في عهده أن امتد التبادل الحضاري والإشراف السياسي المصري في بلاد النوبة حتى كورسكو "جنوبي دنقلة" (15)، وازدهر كذلك في "كرما" التي أطلقت النصوص على أسوارها اسم "أسوار أمنمحات المبجل" (16).

وذادت مصر عن حدودها الجنوبية في عهد سنوسرت الأول بعدة حملات حربية، وبزيادة حصونها الجنوبية ضد هجرات زنجية دفعت أمامها جماعات سودانية "؟ " إلى منطقة النوبة فأشاعت الاضطرابات فيها (17). وأطلقت النصوص المصرية اسم "كاش" منذ ذلك الحين على منطقة النوبة العليا، التي تمتد من الشلال الثاني ناحية الجنوب، وقد حرف هذا الاسم فيما بعد إلى "كوش" (18). وذلك في مقابل الاستمرار على تسمية منطقة النوبة السفلى التي تمتد فيما بين الشلال الأول والشلال الثاني باسم "واوات". وتتابعت بعثات الاستثمار حينذاك إلى مناجم الذهب في القسمين.

وعين سنوسرت الأول حكامًا مصريين على المدن الكبرى ببلاد النوبة، وكانت أكبر هذه المدن هي مدينة "كرما" التي تقع خلف الشلال الثالث، وتعتبر الحد الشمالي للمناطق الزراعية في الجنوب، كما تعتبر سوقًا رئيسيًّا لتجارة القوافل التي تخرج منها غربًا إلى واحة سليمة ثم تتجه إلى درب الأربعين، أو تتجه منها شمالًا حتى الشلال الثاني (19). واشتهر من ولاة سنوسرت على كرما الوالي "حعبي جفاي" وقد حظي بالسلطة والثراء في عصره فتلقب بلقب الرئيس الأعلى للجنوب، ورئيس زعماء الجنوب، ولم يتردد في أن يتغنى بمكانته ويفخر بنفسه في نصوصه، فذكر أن علماء الدنيا كانوا يقدرون سياسته، وأنه كان نجمًا هاديًا لأمثاله ومرشدًا لمن هم أكبر منه ... ثابت الفؤاد... يخمن الأمور المستقبلة ويعرف ما في الصدور، فصيح اللسان لبق الكلام، ... اهتدى بعقله إلى سبيل الحسنى، وعرف دائمًا كيف يقدر خطواته... (20). وشاء حظ حعبى جفاي أن يتوفى في كرما، وألا يدفن في قبر فخم شاده لنفسه في أسيوط، فدفنه أهل كرما وفق تقاليدهم المحلية وقيل إنهم وسدوا في الممر المؤدي على حجرة دفنه ما بين مائتين وثلاثمائة من أتباعه وخدمه النوبيين "ولسنا ندري هل تم ذلك في وقت واحد أم على فترات أصبح فيها مكان المقبرة مكانًا مقدسًا"، وضحوا له بألف ثور وضعوا رؤوسها حول مقبرته (21).

وصورت جانبًا من علاقات مصر بمناطق الشام في عهدي أمنمحات الأول وسنوسرت الأول، قصة تسجيلية أدبية عرفت باسم قصة "سنوهي". وهي قصة رجل من بلاط أمنمحات ومن المتصلين بأجنحة بناته، صحب سنوسرت خلال ولايته للعهد في تجريده عسكرية إلى الصحراء الليبية الشمالية الغربية، وسمع خلال استعداده للعودة معه بنبإ وفاة أمنمحات، كما سمع لغطًا فهم منه وجود أخذ ورد بين الأمراء، واحتمل معه قيام مشاكل على ولاية العرش لا يدري كيف سيكون موقفه منها، فآثر البعد بنفسه، واعتزل الجيش خفية، وساقته قدماه إلى رحلة طويلة بلغ بها مشارف لبنان حيث طالت إقامته بجوارها سنوات طويلة، وأقدم فيها على مغامرات كثيرة، ثم حن إلى وطنه وعاد إليه شيخًا كبيرًا، وسجل قصته نثرًا شائقًا (22)، نستعرضه فيما بعد في فصل الأدب. ويكفي أن نستشهد من قصته هنا ببعض دلالاتها التاريخية، ومنها أن فكرة المصريين عن خشونة بدو الصحاري الشمالية الشرقية وشغبهم لم تمنع سنوهي من أن يعترف لبعضهم بالكرم والنجدة، ولم تمنع العواصم المصرية من أن تستقبل وفودًا منهم للتجارة أو للزيارة فيتعرفون فيها على شخصياتها البارزة التي يسمعون عنها. ويفهم من القصة كذلك أن اللغة المصرية، لغة سنوهي، كانت معروفة لبعض أهل الشام، وأن الرسل والتجار المصريين كانوا يترددون على نواحي لبنان حيث أقام، ويمرون بها إلى ما هو أبعد منها. وأن حكام الشام كانوا على اتصال بمجريات الأمور في مصر ويحبون أن يستزيدوا من أخبارها. وأن سنوهي اشترك بفرقة من أهل المنطقة التي نزلها في صد جماعات سمي رؤساءهم باسم "حقاو خاسوت" بمعنى حكام البراري، وهو نفس الاسم الذي أطلقه المصريون فيما بعد على زعماء الهكسوس، وذلك مما قد يعني أن بلاد الشام بدأت تتعرض منذ ذلك الحين لهجرات أجنبية عنها ليس من المستبعد أنها كانت تمثل أسلاف الهكسوس، وإن كانت هذه الهجرات لا تزال حينذاك قليلة ضعيفة.

وترتب على جهود أمنمحات الأول ورجاله وجهود سنوسرت الأول ورجاله أن غلب السلام والأمن والرخاء على أحوال مصر وعلى حدودها ومسالك تجارتها وعلاقاتها الخارجية في عهدي كل من الفرعونين أمنمحات الثاني "نوب كارع" وسنوسرت الثاني "خع خبررع" "بين 1929 - 1877ق. م.". وأكدت الآثار المكتشفة عمق الصلات بين المصريين وبين أهل الشام في ذلك الحين، فعثر في نواحي فلسطين وسوريا وفينيقيا، في مثل مدن جزر ومجدو وجبيل ورأس الشمرا وقطنة وعطشانة وغيرها، على تماثيل وأوان وجعارين وأختام نقشت بأسماء أفراد مصريين ترددوا على بلاد الشام وتعاملوا مع أهلها، وكان منهم رسل من البلاط الفرعوني وحكام أقاليم وأفراد عاديون لعلهم من التجار عمل بعضهم لحسابه الخاص وعمل بعضهم الآخر لحساب دولته وملكه (23).

 نشير هنا إلى أنه يصعب أن نتصور أن جماعة إبشا قد هدفت حين خروجها من ديارها في فلسطين أو فيما ورائها، أن تقصد إلى إقليم الوعل بمصر الوسطى بالذات وهو البعيد عن موطنها، وإنما يغلب على الظن أن التجاءها إليه أتى عفوًا وكان مرحلة من مراحل تنقلاتها في سبيل العيش هنا وهناك. ويغلب على الظن أيضًا أن جماعات أخرى أمثالها كانت تعيش في مراكز متفرقة من شرق الدلتا وما يليه من مناطق الحواف وهي مناطق أقرب إلى مواطنها الأصيلة وأقرب إلى بيئتها الطبيعية. واحتفظت نصوص مصرية أخرى من عهود الدولة الوسطى بأسماء أمورية وكنعانية كثيرة عمل بعض أصحابها في مناطق المناجم والمحاجر المصرية في سيناء وعمل بعضهم الآخر أبتاعًا وإماء في المعابد والبيوت المصرية (24).

ولم تقتصر اتصالات مصر الخارجية حينذاك على بلاد الشام بأجزائها والنوبة بقبائلها وبلاد بوينة وما هو قريب منها، وإنما امتدت واتسعت مع أقطار أخرى عرفها المصريون منذ عصور بعيدة. فقد عثر تحت أرضية معبد مصري في بلدة الطود جنوبي الأقصر على أربعة صناديق صغيرة تضمنت تمائم من اللازورد وأختامًا أسطوانية عراقية ذات أسلوب يرجع إلى عصر أسرة أور الثالثة السومرية، وتماثيل ذات طراز بابلي. ومصوغات ذات طراز إيجي (25). وعثر في منطقة هوارة ومناطق مصرية أخرى متفرقة على أختام وأوان ذات زخارف تشبه زخارف الحضارة الكريتية المينوية الثانية(26). كما عثر بالتالي على مصنوعات مصرية متنوعة وتماثيل بنقوش مصرية في عواصم جزيرية كريت (27). وكانت الموانئ الفينيقية فيما يبدو من مراكز انطلاق الاقتصاد المصري إلى جزر إيجه وكريت، وربما تعاون مع المصريين في عمليات التسويق هنا وهناك تجار وملاحون من الفينيقيين (28).

وهناك ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الصلات التجارية بين مصر وبين كريت وغيرها من جزر بحر إيجه لم تخل من أثر في الحياة الثقافية للجانبين، فقد أشار مصري مثقف من ذلك العصر إلى أنه كان يمسك "قلمي "الحاونبو" (29)، وربما بما يعني أنه كان يعرف خطي الحاونبو ويكتب بهما، وكان لفظ "الحاونبو" هو الاسم المصري لسكان جزر الحوض الشرقي من البحر المتوسط. وإذا صح هذا التفسير أمكن أن يدل على أحد أمرين: إما وجود جاليات إيجية تجارية في العواصم المصرية والموانئ المتصلة بها في الشام، واتصال الموظفين المصريين بها ومعرفتهم بكتابة أهلها. أو وجود مترجمين مصريين في البلاط الفرعوني كانوا يقرءون الرسائل الإيجية التي ترد إلى مصر ويردون عليها بلغة أهلها. وتدعو عبارة قلمي الحاونبو إلى تذكر وجود مرحلتين للخطوط الإيجية " Linear A & Linear B"  وإن كان يبدو أن ظهور المرحلة الثانية منهما كانت متأخرة عن عصور الدولة الوسطى في مصر.

وواجهت مصر في عهد سنوسرت الثالث "خع كاورع" تحركات مريبة قرب حدودها الشمالية والجنوبية فاضطر الرجل إلى الاستعانة في سياسته الخارجية بالقوة المسلحة في سبيل تأمين الحدود وتأمين سبل التجارة وبث الاحترام في نفوس الجيران. وترأس أغلب حملاته بنفسه، فقادها إلى أواسط فلسطين وكانت له معركة فيها قرب سكيم أوسشم الحالية (30). وكانت عواقب سياسة السلام التي نهجتها مصر في عهدي سلفية أمنمحات الثاني وسنوسرت الثاني، أشد خطرًا في الجنوب عنها في الشمال، فقد ظلت هجرات الزنوج التي بدت بوادرها منذ عهد سنوسرت الأول تدفع أمامها قبائل سودانية "؟ " إلى أراضي النوبة، وقد حاولت هذه أن تسيطر على طرق القوافل بين النوبة وبين مصر، وربما نجحت في دفع الحدود المصرية ناحية الشمال إلى ما يقرب من الشلال الثاني، فحاربهم سنوسرت الثالث أربع مرات، ومهد لحروبه معهم بشق فتحة واسعة بين صخور الشلال الأول، بلغ عرضها 20 ذراعًا، وبلغ طولها 150 ذراعًا، وبلغ عمقها 15 ذراعًا، كما روت نصوصه (31)، لتيسر انتقال أسطوله وجيشه وتيسر وصول الإمدادات إليه. وأزاد رجاله الحصون فوق المرتفعات وعلى ضفتي النيل وفوق الجزر، من أسوان حتى وادي حلفا (32). وتخلفت من هذه الحصون بقايا حصنين كبيرين في سمنة وقمة على جانبي النيل شمالي وادي حلفا. وقام كل حصن منهما فوق ربوة عالية، وبلغ ارتفاع جدرانه ما يتراوح بين عشرة أمتار وبين اثني عشر مترًا، وأحاطت به الأبراج، وتضمن في داخله مساكن الجند ومعبدًا صغيرًا يؤدون شعائرهم فيه لأربابهم المصريين وبعض أرباب النوبة(33). وترك سنوسرت في معبد حصن سمنة نصبين من الجرانيت سجل كاتبه على أحدهما سياسته الحدودية، وسجل على الآخر تفاصيل حروبه وشجاعته فيها، فذكر في نصوص النصب الأول أنه أقامه في العام الثامن من حكمه ليعين به حدوده الجنوبية، وأمر ألا يتعداه زنجي قط عن طريق البر أو عن طريق النيل، إلا من ابتغى التجارة في سوق إيقن الكبير، أو أوفد في مهمة، فأولئك سوف يعاملون بالحسنى "مما يتفق مع قواعد المعاملة الدبلوماسية"، ولكن بغير أن تتعدى سفنهم شمالي سمنة (34).

وحظي الرجل بنصيب كبير من تمجيد شعبه، ودبج الشعراء قصائدهم في مدحه، واحتفظت الأجيال بذكراه، فظلت بعض حصون النوبة تسمى باسمه، وذكره تحوتمس الثالث أعظم الفراعنة المصريين المحاربين بالخير بعد نحو أربعة قرون من وفاته وشاد له نصبًا باسمه. وعندما وفد المؤرخون الإغريق والرومان إلى مصر سمعوا عنه حكايات شائقة وخلطوا بين أعماله وأعمال سنوسرت الأول وأعمال رمسيس الثاني، وضخموا فيها حتى نسبوا إليه باسم سيزوستريس فتوحات واسعة في آسيا الغربية وأوروبا الشرقية. وذكر المؤرخ المصري مانيتون السمنودي أنه اهتم بتسجيل أحوال الناس أينما ذهب، وأنه حدد جماعات النبلاء والنبيلات على النصب. ثم ذكر ديودور الصقلي أنه تحقق من أن سيزوستريس هذا أو سيزوسيس نشأ على طبيعة الحرب منذ صغره، وأنه تحبب إلى رعيته ليساندوه في مشاريعه، واتخذ بطانة من أترابه الأشداء، وفتح بلاد العرب والحبشة والهند وبلغ البحر الأسود ووصل تراقيا وجعلها حدود ملكه (35). وليس في كل هذا بطبيعة الحال ما يلزمنا بالتسليم به؛ نظرًا لعدم العثور على أدلة مادية تزكيه، ولكن حسبنا منه أن أعمال المشاهير والشجعان من الرجال كانت تخلد وتتضخم أنباؤها مع الزمن حتى تشبه الأساطير وتصبح مثارًا لفخر خلفائهم.

غلب السلام على عهد أمنمحات الثالث "ني ماعت رع" في الخارج وفي الداخل، فاتسع نشاط الدولة في استغلال موارد الصحراء الطبيعية من معادن وأحجار على أيامه. واتسعت صلات مصر التجارية والثقافية بمناطق الشام، لا سيما دولتي الميناءين التجاريين جبيل وأوجاريت، وعثر في مقابر أمراء هاتين الدولتين وغيرهما من دويلات الشام على آثار مصرية وصلتهم على هيئة الهدايا من أمنمحات الثالث وخلفه أمنمحات الرابع (36). وعثر لأمنمحات الثالث على تمثال على هيئة أبو الهول أقيم لدى مدخل معبد الإله بعل في أوجاريت وذلك مما يتفق مع ما أسلفناه من أن الصلات التجارية كانت تعقبها صلات حبية ودينية في أغلب الأحوال. وكان الحرص على استمرار العلاقات الطيبة بين مصر والشام، حرصًا مشتركًا بين الطرفين، ولم يكن يعتمد على دافع واحد، فمصر على سبيل المثال لم تبن علاقتها بجيرانها الشماليين على أساس الرغبة في فتح أسواق فيها لتصريف مصنوعاتها فحسب، ولا على أساس الرغبة في استيراد أخشابها وزيوتها فحسب، ولكن كان يعنيها كذلك أن تستورد ما كان يتجمع في موانيها من منتجات الحوض الشرقي للبحر المتوسط من فضة وزيوت ومعادن وأحجار كريمة، وأن تستورد ما كان يتجمع في أسواقها الداخلية من منتجات بلاد النهرين وإيران والأناضول وشبه الجزيرة العربية، ويعنيها أن تظل روابطها بفلسطين قوية باعتبارها العصب الرئيسي لتجارتها البرية مع ما يليها من بلاد الشام.

وعلى نحو ما حرصت مصر على بقاء شرايين اتصالاتها بجيرانها مفتوحة ومأمونة، وجدت المدن والدويلات الصغيرة في فلسطين وسوريا وفينيقيا في مصر خير عميل للتبادل التجاري الواسع معها، ومصدرًا رئيسيًّا للتبادل الحضاري بمعناه الواسع، وكان يعنيها على وجه الإجمال أن تظل علاقاتها بمصر القوية الغنية طيبة، لولا مشاكل الحدود التي كانت تنشب بين الحاميات المصرية وبين بدو الصحاري الفلسطينية من حين إلى آخر. ولم تأب مصر من ناحيتها أنت تفتح مجالات العمل أمام الراغبين فيه من شيوخ جنوب الشام ورجالهم في عمليات استغلال الفيروز في شبه جزيرة سيناء، ولم تأب أن تفتح أمام الراغبين منهم في الاستقرار فيها باب الوظائف في عاصمتها ذاتها (37).

أعقبت اسم أمنمحات الثالث ثلاثة أسماء ملكية من أسرته، لا زال النقاش قائمًا حول ترتيب أصحابها وعهودهم وطريقة حكمهم، وهي أسماء: أمنمحات الرابع "ماعت خرورع"، وحور آوت إب، وسوبك نفرو. وندع مناقشة أمر الاسمين الأولين إلى كتابنا المتخصص في حضارة مصر القديمة وآثارها، ونكتفي هنا بالاسم الأخير منها، وهو اسم ملكة كتب بمترادفات عدة مثل سوبك كارع، وسوبك نفروع (38). ولعلها كانت الابنة الكبرى لأمنمحات الثالث واشتركت في الحكم معه ثم مع أخيها أمنمحات الرابع، ولما مات أبوها، ثم أخوها بعد فترة حكم قصيرة، انفردت بالعرش واعتمدت على مكانتها وشهرتها منذ عهد أبيها، وحاولت أن تهتدي بسياسته في السلام والتعمير، وعلى اعتبار أنها السياسة المناسبة لحكم الملكات، لولا أن حظها العاثر شاء أن يختل الأمن في عهدها، وألا يكون في سوابق حكم الملكات المصريات ما يشجع على الإخلاص لحكمها، وأن تظره بوادر هجرات شعوبية وقلاقل وراء الحدود الشمالية الشرقية، فمضت أيامها بغير آثار هامة تذكر لها، ولم يطل حكمها أكثر من ثلاثة أعوام وما بين الأربعة شهور والعشرة، وانتهى بنهاية عهدها عصر الأسرة الثانية عشرة في عام يتراوح بين 1786 وبين 1778ق. م. (39).

_____________

(1) H. Gauthier. L.R., I, 265, 283, and See, Breasted, Ancient Records, I, P. 251, N, A.

(2) Gauthier, Op. Cit. 268, And See, Gardmer, Egypt, Egypt of the Pharaohs, 127.

(3)  بدأت بهذه الآراء مراجع إفرنجية ثم رددتها عنها كتب عربية مثل "مصر الفرعونية" الدكتور أحمد فخري، وهذه تؤجل تفنيد آرائها لموضع آخر.

(4)  Breasted, Op. Cit., 224; P.E. Newberry, Bent Hasan. I, Pl. XlIV.

(5) Pap. Millingen; See, G. Maspero, Les Enseignements D' Amenemhail Ier, 1914; A. Erman, Die Lierotur Der Aegypter, 108 F.; A. Volten, Zwei Altaeg. Politische Schriften, 1945;

(6) G. Posener, Litterature Et Politique Dans L' Egypte De La Xlle Dynastil, 1956. Cairo 20539.

(7)  Newberry, Bent Hasan. I, Pl. Viii; Bieasted, Op. Cit. 519, 523.

(8) Ibld., 518.

(9) Kess, Ancient Egypt. 318 ; Gardiner, Op. Cit., 129.

(10) See, Breasted, Op. Cit., 631.

(11)  ألكسندر شارف، تاريخ مصر من فجر التاريخ - معرب بالقاهرة - ص100.

(12)  Newberry, El-Bersheh, I, Pl. Xv; J. Vandier, Chroronique D'egypte, 1944, 185 F.

(13)  G. Maspero, Etude De Mythologie, Iv, 137 F. Breasted, Op. Ch. 745, 747.

(14)  Sinuhe, R 42 "Cf., Jea, I, 105; Anthes. Zaes, Lxv "1936", 108 F.

(15) Breasted, Op Cit., I, 472-473; Zaes, XX, 30.

(16)  جون ولسون: الحضارة المصرية - معرب بالقاهرة - ص235.

(17)  Junker, Jea, Vii, 121f ; G. Reisner, Excavations at Kerma; Harvard African Studies, Jv-V, 556; Gardiner, Op. Cit., 134.

(18) Ibid., 134.

(19) G. Reisner, Op. Cit., 56; Zaes, Lii, 34 F.; Saeve Soderbergh, Aegypten Und Nubie, 103 F.

(20) Sethe, Urkunden Des Mittleren Reiches, I, Nr. 212 F.

(21) G. Reisnre, Bull. Of The Mus of Fine Arts, Boston, XIII, 72 F.; and See, Jea, V, 79 F.; F. Li. Griffith, Ibid... X, 340 F.; Dunham, Ibid. 1958, 82 F.

(22)  A.M. Blackman, Middle Egyptian Stories, 1932, 1 F.; Gardiner, Notes On The Story Of Sinuhe, 1916; J.J. Clere, In Melanges Offerts A Rene Dussaud, 1939, Ii, 829 F.; H. Goedike, Jea, 1957, 77.; 1965, 29 F.

(23) J. Wilson, "Egyptian Middle Kingdom At Megiddo", Ajsl, 1941, 235f.; P. Moonter, Byblas Et L'egypte; Dunand, Fouilles De Byblas, 1939; Sidney Smith, Chronique D'egypte, 1940, 75 F.

(24) Archiv Orientalni, Vii, 1935, 384 F.; Lange-Schaeier, Grab Und Grabsteine, I, 196; Ii, 177-178; F.L. Griffith, Kahan…, 12, 10; W.C. Hayes, Apapyrus Of The Late Middle Kingdom In The Brookiyn Museum, 1955; G. Posener, Syria, 1957, 145-63.

(25) J. Vandier, Syria, 1937, 174 F., Pls. Xxviii-Xxix; Bisson De La Roque, Tod, 113 F.

(26) Hall, Jea, Ih, 110 F.; Peet, Ann. Of The Brit. School of Athens, Xvii, 250 F.; Glotz, La Civilisation Egeene. 1923, 47f. 235f.

(27) Ibid.; Porrer and Moss, Op. Cit., Vii, 405; Gardiner, Op. Cit., 137.

(28) Ibid., 132; Kees, Op. Cit., 139.

(29)  دريوتون وفاندييه: مصر - ص287.  Petrie, Kahum, 42f. Lllahum, 9 F.

(30)  Breasted, Op Cit., I, 676 F.; Gardiner, Op. Cit., 132.

(31) Berlin 14753: K. Sethe, Lesestucke, 85.

(32) Saeve Soderbergh, Op. Cit. 89 F.

(33) Clarke, Jea, Iii, 174 F.

(34) Berlin 14753: Sethe, Op, Cit., 83 F.

(35)  Diodorus, I, 53 F.

(36) J. Wilson, Ajsl, Viii, 1941, 235; Porter and Moss, Op. Cit., Vii, 386.

(37)  Archiv Orientalni, Vii, 1935, 384 F.; Chronique D'egypte. 1950, 50 F.

(38) Newberry, Jea, Xxix, 1943, 74-75; H. Gauthier, L.R., I, 341.

(39) Edgerton, Jnes, I, 307 F.; Saeve Soderbergh, Jea, Xxxvii, 1951, 53; and See Gardiner. Op. Cit., 125 "1786 B C".

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي