
تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء


الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية


الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية


علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت


الفيزياء الحديثة


النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية


الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي


فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد


الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر


علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء


المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة


الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات


الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

الفيزياء العامة


مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى
الضوء
المؤلف:
الدكتور مهند البديري
المصدر:
الفيزياء من الخرافة الى الحقيقة
الجزء والصفحة:
ص133
2025-12-22
21
كان الانسان القديم لا يفكر في ماهية الضوء اذ يعده من الموجودات الطبيعية كالماء ، والتراب ، والهواء التي لا تحتاج الى التفكير بها، ثم جاء فلاسفة الاغريق ، واخذوا يفكرون ، ويتأملون في كل شيء في الطبيعة ومن جملة ما فكروا به وصبوا اهتمامهم عليه هو الضوء. أدرك فلاسفة الاغريق أن الضوء هو شيء أساسي للإبصار ، فبدونه لا يمكن للإنسان، والكائنات الحية الاخرى أن ترى الأشياء، وفسروا عملية الإبصار على أن الضوء ينبعث من العين اولا ، ثم يسقط على الاشياء ، ويرتد الى العين مرة اخرى وبذلك تتم عملية الإبصار ، ورؤية الاشياء ، وبقيت هذه الافكار سائدة مدة طويلة الى ان جاء العالم العربي الحسن ابن الهيثم (1038965م ) واثبت العكس فقال ان عملية الابصار تتم بانعكاس ضوء الشمس الساقط على الجسم الى عين الانسان ؛ وبذلك يشاهد ذلك الجسم . فعندما ينعكس الضوء من الجسم تقوم قرنية العين بتجميع اشعة الضوء المنعكس ، ثم ينتقل الضوء المنعكس إلى شبكية العين ، ثم تتحول الى اشارات كهربائية تنتقل عبر العصب البصري الى الدماغ ، ويقوم الدماغ بدوره بتفسير هذه الرسائل العصبية ، ويترجمها الى صورة ، وشكل للجسم.
إن وجود عينين للإنسان ؛ تجعل الانسان يرى الاشياء مجسمة بثلاثة أبعاد هي الطول ، والعرض ، والارتفاع ، وان العين الواحدة لا يمكن ان تصور الشيء المادي مجسما، قد يسأل سائل فيقول : لو انني اغمضت احدى عيني ونظرت بالأخرى فإنني سأرى الاشياء مجسمة ايضا وهذا صحيح فسبب ذلك هو ان الدماغ البشري اعتاد على ان يستقبل صورة الشيء بثلاثة أبعاد وسيبقى يراها بثلاثة أبعاد حتى لو أغمض الإنسان إحدى عينيه لأن تكرار رؤية الأشياء مجسمة تجعل الدماغ يوظف خلايا الرؤية لتصوير الاشياء مجسمة، فالعين الواحدة تستقبل صورة الأشياء ببعدين ثم يأتي دور الدماغ فيضيف لها بعدا ثالثا يناسب البعدين. كنتُ أتحاور مع أحد الباحثين الدينين حول هذا الموضوع فكان يصر على ان وجود عينين للإنسان هو للجمال وزيادة القدرة على الرؤية فقط وليس لرؤية الاشياء مجسمة، لكنه لا يدري أن الله تعالى جعل وراء كل جمال ضرورة ولا ندري لعل الانسان بعين واحدة يكون أجمل ، لكننا لا يمكن لنا ان نتخيل جماله ، والسبب هو اننا لم نر سابقا انسانا بعين واحدة ، ومن الصعب أن نتخيل شيئًا لم نراه فنحن مثلا لا نستطيع أن نتخيل الجنة ، ولا نستطيع أن نتخيل جهنم ، وذلك لأننا لم نرها في حياتنا ، ولا يمكن لنا ان نتخيل الجنة بأكثر من أشجار ، وأزهار ، وماء عذب ، وطعام ، وشراب لذيذ ، ونساء جميلات ؛ لأننا نرى جمال هذه الاشياء في حياتنا ، فنظن ان هذا الجمال ليس فوقه جمال ، ونشعر بحرارة الحديد المستعر ؛ فنظن أن جهنم ليس أكثر منه حرارة ؛ ذلك لأننا لا نشعر بحرارة اكبر من حرارة الحديد المتوقد. إن الانسان ميال بطبيعته نحو الجمال ؛ لذلك فهو لا يفسر الجمال الا للجمال ذاته ، ولا يدري ان وراء كل جمال ضرورة .
كان للحسن بن الهيثم إسهامات كثيرة في علم البصريات، ودرس في كتابه ( المناظر) الصور المتكونة في المرايا المحدبة والمقعرة ، والكروية ، وكذلك درس العدسات ، وخسوف القمر ، وكسوف الشمس ، والظلال ، وله إسهامات كثيرة في الرياضيات ، والهندسة ، والفيزياء ، وعلم الفلك ، وطب العيون ، والفلسفة ، واستند الى افكاره في تلك العلوم معظم علماء الغرب وكانت افكار الحسن بن الهيثم في الضوء الاساس الذي بنوا عليه نظرياتهم. ومن المؤسف ان نرى العرب يغمضون عيونهم عن ابحاث ابن الهيثم عن الضوء ، ويخرسون عن التكلم في نظرياته ، بينما نجد الغرب يولون أفكاره أهمية كبيرة ، فلا أكاد أقرأ كتابا عن علم البصريات مكتوباً باللغة الانكليزية حتى ارى اسم الحسن بن الهيثم لامعا فيه ويكتبون اسمه بهذه الصورة Alhazen Bin Alhaitham) ، وترجموا كتابه ( المناظر ) الى العديد من اللغات يروى أن ابن الهيثم انتقل الى مصر ، وكان له دور كبير في تنظيم فيضانات نهر النيل ، وفي إحدى المرات أمره الخليفة الفاطمي بتنفيذ أفكار يصعب تطبيقها على أرض الواقع ، فتظاهر ابن الهيثم بالجنون ، خوفاً على حياته ، فأجبره الخليفة الفاطمي على الإقامة في منزله.
كان فلاسفة الاغريق يعتقدون أن المرايا تستقبل الضوء وتمتصه لكن الحسن ابن الهيثم صحح هذه الفكرة ، واثبت ان المرايا تعكس الضوء بخطوط مستقيمة ولا تمتصه. استند عالم الفيزياء كريستيان هوكينز ( 1629 1695 ) الى افكار ابن الهيثم ، وصاغ نظريته حول طبيعة الضوء ، واثبت ان الضوء عبارة عن موجات . الا ان نيوتن يرى ان الضوء هو جسيمات صغيرة جدا تنتقل بخطوط مستقيمة ، واطلق على نظريته هذه اسم (نظرية الجسيمات الضوئية). وتبدو هذه النظرية مناقضة تماما للنظرية الموجية للضوء التي صاغها هو يكنز، وهذا التناقض الظاهري بين النظريتين ؛ حفز علماء الفيزياء على دراسة الضوء، والكشف عن ماهيته ، وأجروا العديد من التجارب العلمية . وقد اثبتت تجاربهم ان الضوء هو موجة ، وجسيم معا، فبعض التجارب أثبتت ان الضوء موجة ، وبعضها الآخر أثبتت أن الضوء جسيم. ومن التجارب التي اثبتت ان الضوء موجة هي تجربة توماس يونك (Thomas young ) (1829-1771) ، إذ مرر حزمة ضوء عبر حاجز فيه شقين عموديين ضيقين، ووضع بعد الحاجز شاشة ، فشاهد ظهور خطوط مضيئة ، وخطوط معتمة مرتبة تباعا ، ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة الا على سلوك موجي للضوء ، فموجة الضوء عندما تصل الحاجز تنقسم الى قسمين احدهما يدخل من الشق الأول ، والاخر يدخل من الشق الثاني ، فيصبح كلا الشقين مصدرين جديدين للضوء اي ان كل شق تصدر منه موجة فبعدما كان الضوء موجة واحدة قبل الحاجز اصبح موجتين بعد الحاجز وبانتشار الموجتين بعد الحاجز ، وتداخلهما ؛ تنتج على الشاشة خطوط مضيئة ، واخرى معتمة، فعندما تتداخل قمة موجة الشق الأول مع قمة موجة الشق الثاني ترسم على الحاجز خطاً مضيئاً وهذا ما يسمى بالتداخل البناء، وعندما تتداخل قمة موجة الشق الأول مع قعر موجة الشق الثاني او بالعكس يظهر على الشاشة خط اسود معتم وهذا ما يسمى بالتداخل الهدام. وهكذا نرى خطوطاً مظلمة وخطوطاً مضيئة ؛ نتيجة التداخل بالقمم والقعور للموجتين او قمم وقمم الموجتين تباعا، وهنالك ظاهرة أخرى إضافة الى ظاهرتي الانعكاس ، والانكسار تثبت السلوك الموجي للضوء وهي ظاهرة الحيود وهي انحراف الضوء من مساره عند اصطدامه بحافة صغيرة جدا. فالانعكاس هو ارتداد الضوء من الاجسام الساقط عليها كما يحدث في المرآة ، اما انكسار الضوء فهو انحراف الضوء عن مساره الاصلي عندما ينتقل من وسط اقل كثافة كالهواء الى وسط أعلى كثافة كالماء والزجاج. اما الظاهرة التي فسرت الضوء على انه جسيم هي الظاهرة الكهروضوئية (photoelectric effect) التي فسرها اينشتاين. وفي هذه الظاهرة يسقط الضوء على سطح المعدن ، فتنبعث الكترونات من المعدن أي ان الضوء هنا يكون ككرات البلياردو التي تتصادم مع بعضها فتزيح بعضها بعضا، وبهذا اصبح للضوء خاصية ازدواجية فتارة يتصرف على انه موجة وتارة يتصرف على انه جسيم وهو بذلك يشبه الانسان ذا الوجهين فتارة يظهر وجهه الأول ، وتارة يظهر وجهه الثاني حسبما يقتضيه المقام وهو بارع في اظهار احد الوجهين ، واخفاء الاخر حسب الظروف الملائمة من اجل منافعه الشخصية ، وكثيرا ما ينال مطلبه من هذه اللعبة الاحترافية ، وما اكثر الناس في زماننا من هذا النوع ، ومن لا يمتلك هذه المهارة ، او يخشى الله فيها ، قالوا عنه : انه مغفل ، او فقير ، ولا يحل رجل الدجاجة - كما يعبرون، وكثيرا ما تفوته الكثير من الفرص الانتهازية ويقع ضحية خشية الله تعالى ، بينما هو يرى أقرانه البارعين في هذه اللعبة ينالون أعلى الإمتيازات والمناصب، إنه استبدل اللذة دائمة آجلة باللذة الزائلة العاجلة.... وعند ذاك يفرح المتقون.
إن الانسان السوي كثيرا ما نراه واقعا بين جبهتين متضادتين فأخلاقه من جهة تمنعه من أن يكون ذا وجهين، ومن جهة اخرى تدفعه مصلحته بقوة نحو ذلك والناس من حوله كثيرا ما تحنوا عليه باللائمة قائلين له : انظر الى اقرانك أين وصلوا؟ ، وانت أين صرت ؟، وهو ان لم يكن ذا ايمان راسخ ومبادئ ثابتة مقتنعاً بها يمسي حائرا ينتابه صراع نفسي مرير. ان مصدر الضوء الاساسي الطبيعي في عالمنا هو الشمس ، فضوء الشمس المرئي هو خليط من سبعة الوان هي : البنفسجي ، والنيلي ، والازرق ، والاخضر ، والاصفر ، والبرتقالي ، والاحمر ؛ وان هذه الالوان عندما تمزج مع بعضها ؛ تنتج الضوء الابيض كما نراه في الشمس ، وهو يتحلل الى مكوناته السبعة عندما يمر خلال موشور ، او قطرات الماء ؛ حيث يقوم الموشور او قطرات الماء بكسر شعاع الضوء نتيجة انتقاله من وسط اقل كثافة كالهواء الى وسط اعلى كثافة كالماء ، كما ذكرنا انفا وكلما كبر الطول الموجي للون قل انكساره فنرى ان الضوء الاحمر ذا الطول الموجي الاكبر اقل انكسارًا من الضوء البنفسجي ذي الطول الموجي الأقصر ، وهذا ما يحدث لضوء الشمس عندما يمر خلال قطرات ماء المطر ؛ حيث ينكسر عند اجتيازه السطح الخارجي لقطرة الماء ثم ينعكس من السطح الداخلي لقطرة الماء ، مما يسبب في تحلله الى الوانه السبعة في ظاهرة تسمى قوس قزح.
فتر الناس البدائيون قوس قزح تفسيرات شتى حسب دياناتهم ، ومعتقداتهم ، فمنهم من فسره على انه خير ، ومنهم من فسره على انه شر ، فالذين يفسرونه على انه شر ؛ يعتقدون انه يرمز الى الإله المتسبب بزوال المطر ، او انه يرمز الى الشيطان، فكانوا يتشاءمون عند رؤيته ويلعنونه بغير حساب، ومنهم من فسره على انه خير اذ هم يعتقدون انه الإله الذي يحمي الطقس . كما ان رجال الدين المسلمين يعترضون على تسميته قوس قزح ، ويسمونه قوس الله فقرح اسم الشيطان حسبما يزعمون ، ولا يمكن ان تسمى ظاهرة طبيعية باسم الشيطان وهي من صنع الله تعالى.
إن الانسان البدائي يعطي بعدا دينيًا لأي ظاهرة طبيعية ، فظهرت أساطير لقوس قزح كثيرة عبر التاريخ ، ودخل في الحكايات وقصص الاطفال ، والفن ، والسينما ، والثقافات الشعبية ، كما دخل في الحظ ، والخوف ، والشؤم ، والتفاؤل في اساطير اخرى.
إن شعاع الشمس هو طيف كهرومغناطيسي أي انه يتكون من مجال كهربائي ومجال مغناطيسي وهو يمتد من الموجات الراديوية الطويلة الى موجات اشعة غاما القصيرة، فالموجات الراديوية يبلغ طولها حوالي عشرة الالف كيلومتر اما اشعة غاما ، ، فيبلغ طولها 0.05 انكستروم أي 10-10 من المتر؛ ولذلك تكون طاقة موجة غاما أكبر من طاقة الموجات الراديوية ؛ لان بزيادة الطول الموجي يقل التردد ، واذا قل التردد زادت الطاقة ، ومن ثم تكون طاقة أشعة غاما اكبر بكثير من طاقة الاشعة الراديوية.
إن العين البشرية لا تتحسس كل تلك الاطوال الموجية ، أو بعبارة اخرى لا تتحسس كل تلك الترددات الناتجة من الطيف الكهرومغناطيسي ؛ فهي تتحسس فقط تلك الاطوال الموجية التي تتراوح من 390 نانومتر الى 750 نانومتر. والنانومتر هو واحد بالمليار من المتر.
إن لكل لون من الوان الضوء المرئي طولاً موجيًا محددًا ، اي لكل لون طول موجي خاص به يميزه من الطول الموجي للون الاخر، فالطول الموجي للون الأحمر مثلا يختلف بقيمته العددية عن الطول الموجي للون الازرق ، ولا يمكن ان يتشابه طول موجي للونين مختلفين ، فهو في ذلك كبصمة الانسان ، فلكل انسان بصمته الخاصة به التي تميزه من غيره، لكن كل الاطوال الموجية للضوء المرئي ابتداء من اللون البنفسجي انتهاء بالأحمر هي محصورة ما بين 390 نانومتر و 750 نانومتر. فالأطوال الموجية التي تزيد عن 750 نانومتر تسمى الاشعة التحت الحمراء والاطوال الموجية التي تقل عن 390 نانومتر تسمى الاشعة فوق البنفسجية ، ثم تأتي بعدها الاشعة السينية ، ثم اشعة غاما. فلو رسمنا خطا عموديا فسنرى أن الاشعة فوق البنفسجية تقع فوق الضوء البنفسجي ، ثم تعلوها الاشعة السينية ، فأشعة غاما، اما الاشعة التي تقع تحت الضوء الأحمر تسمى الاشعة تحت الحمراء ثم تأتي اسفلها الاشعة المايكروية ، ثم تأتي اسفل الاشعة المايكروية الاشعة الراديوية ، وهذا هو الطيف الكهرومغناطيسي فهو مرتب من اكبر الاطوال الموجية اسفل الخط العمودي الى اصغر الاطوال الموجية اعلى الخط العمودي والعين البشرية تكون حدود رؤيتها ضمن هذه الاطوال الموجية التي تتراوح ما بين 390 نانومتر الى 750 نانومتر ولذلك سميه هذا النطاق من الاطوال الموجية بالضوء المرئي ، وهذا النطاق من الاطوال الموجية الذي اسميناه الضوء المرئي ، الذي ينعكس من على سطوح الاجسام ، ولا يخترقها ، لذلك فنحن نرى الهيئة الخارجية للجسم ، ولا نرى اعماقه ، ولو امتد نطاق الرؤية للعين البشرية ليشمل الاشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية والراديوية والاشعة السينية واشعة غاما لظهرت الاشياء بشكل مختلف عما نراه الان فمثلا لو كان نطاق الرؤية يشمل الاشعة السينية ، فإننا سوف نرى الهيكل العظمي للإنسان ، ولا نرى ملبسه ، او لحمه ، ودمه ، وجلده ؛ ذلك لأن الاشعة السينية تخترق الجلد ، واللحم ، وعندما تسقط على العظام، فإنها لا تخترقه ، بل تنعكس منه ، لذلك تستخدم الاشعة السينية في المستشفيات لمعرفة الكسور ، والشقوق في العظام ذلك لأن الأشعة السينية تنفذ من خلال الشقوق الموجودة في العظام ويمكن معرفة موقع الشقوق وحجمها، ولو كان نطاق الرؤية ضمن اشعة غاما عند ذلك لا نستطيع رؤية اي شيء لان اشعة غاما تخترق كل جسم من حولنا ان نطاق رؤيتنا الضيق يجعلنا لا نرى الا أشياء محدودة.
تعتقد طائفة الأشاعرة ان هناك اشياء تحيط بنا ، ولا نراها ، ولا نشمها ، ولا نلمسها ، وان هنالك اصواتاً هائلة تملا محيطنا ، ولا نسمعها، وهذا الاعتقاد يؤيده العلم كثيرا بينما علماء الدين الأقدمون ، والحاليون من الطوائف الاخرى يقابلوهم بالسخرية ، ويتهمونهم بالسفسطة.
كان الانسان قديما ينظر الى الكون من خلال حواسه المجردة وهو يحسب أنه يرى كل شيء في الدنيا ، حتى ظن انها تشمل بإحساسها الدنيا كلها. الواقع ان كثيراً من الناس مبتلون بما ابتلى به الانسان القديم ، ومن المناسب ان نصف هذا النوع من الناس اليوم بانهم مصابون بمرض الشيخوخة ؛ فهم يفسرون كل شيء غريب بما فسره القدماء ، ويكتفون به ، فهم يعتقدون ان القدماء فسروا كل شيء تفسيرا صحيحا وصار كل شيء جاهزاً لهم وما عليهم سوى تطبيقه في حياتهم اليومية. سألت ذات مرة احد الاصدقاء فقلت له : ماذا لو عالم عراقي جاء بنظرية جديدة في الفيزياء ، وحصل على جائزة نوبل؟ فقال : لا يمكن ذلك ، فالعلماء لم يتركوا شيئا خلفهم فهم فسروا كل شيء وصاغوا كل النظريات ، وما علينا سوى التطبيق. ان المتعلمين اليوم مطمئنون الى ما توصل اليه علماء القرن العشرين ، ويعتقدون ان نظرياتهم تصلح لكل زمان ومكان بينما العلم الحقيقي مؤسس على الشك لا على اليقين فالأصل في العلم هو الشك ، وما اليقين الا امر طارئ ، والباحث الحقيقي هو الذي يكون مشككا في نتائجه فلا يطمئن الى نتائجه تمام الإطمئنان، فقد تكون نتائجه صحيحة في زمن ما لا يتعدى الزمن الذي اجرى فيه البحث فلا يكاد يمر زمن حتى نرى نتائجه لا يصح الاعتماد عليها.
إن الباحث الذي يؤمن بصحة نتائجه ايمانا قاطعا يبقى في ركود ، ولا يستطيع أن يخطو خطوة الى الأمام أما الباحث الحقيقي فهو يواجه في كل يوم مشكلة ولا يكاد ينتهي منها حتى تبغته مشكلة اخرى ؛ فيبقى في دأب متواصل، لا يستريح الا عند الموت ولا يدري ماذا يواجه بعد الموت من نعيم او عذاب مقيم. إن الباحث العلمي هو الذي لا يعرف ماذا ستكون نتائج تجربته قبل إجرائها، وان يكون مشككا في النتائج التي تظهر لديه كما ذكرنا آنفا، وهناك قول مأثور للعالم ديكارت حيث يقول : ( لأجل معرفة الحقيقة يجب علينا أن نشك في كل شيء). إن فضاءنا مليء بالأمواج الهائلة ، والتي تقع خارج نطاق بصرنا وهي تتراطم على اجسامنا ولا نراها والانسان قديما لا يؤمن الا بما تدركه حواسه الخمسة ولهذا كانت معرفته للكون محدودة بحدود حواسه وكثيرا ما نراه يلجأ الى الاساطير للتعبير عن كل ما هو غريب ، وعادة ما ينسبه الى الجن ، او العفاريت ، او الشياطين، إن الانسان الحديث استطاع أن يبتكر أجهزة توسع مجال ادراكه للكون ، فاخترع المناظير ، والتلسكوبات ، واجهزة الكشف ، وصار في كل مرحلة يكتشف سرا جديدا من أسرار الكون ؛ وبذلك اخذت الاساطير التي كانت تسيطر على عقل الانسان تتقلص تارة وتزداد تارة أخرى حسب الحاجة.
استطاع الانسان مؤخرا أن يوظف الموجات غير المرئية في التكنلوجيا وصارت العامل الاساسي في عمل التلفاز والهاتف والرادار والاجهزة الالكترونية لكن عدد غير قليل من الناس اليوم ما زالوا يعتبرون تلك الاجهزة اعجوبة العجائب وهم مهما فكروا فيها لا يستطيعون أن يفهموها.
عندما ظهر التلفاز لأول مرة في العراق ذُهل الكثير من الناس، وكانوا ينظرون الى مذيع الاخبار في شاشة التلفاز ؛ وهم يحسبونه أنه يراهم كما يرونه، ولذلك كانت بعض النساء ترتدي العباءة عندما يظهر المذيع على شاشة التلفاز فهي تراه وتحسب أنه يراها أيضا، ومن المعيب أن تظهر مفاتنها أمام المذيع ، ولو ظهر المذيع فجأة قبل أن ترتدي عباءتها لانهالت عليه باللعن والشتم على أرجح الظن . حدثني صديقي ذات مرة عن امه حيث كانت تشاهد مباراة لكرة القدم فيقول: سألتني امي عن كيفية دخول كل هؤلاء اللاعبين والجمهور في هذا الصندوق الصغير ، وهو التلفاز ، وعندما اخبرتها انهم ليسوا داخل التلفاز ، بل في مكان آخر، استهزأت بقولي وانا كلما حاولت ان أقنعها في ذلك زادت هي في تعصبها ورفضها لما أقول ان هذه المرأة عندما كانت تشاهد المباراة ليس للاستمتاع بالمباراة، بل هي مشغولة في داخلها بالتفكير عن كيفية دخول هؤلاء الرجال الكبار في هذا الصندوق الصغير ولو امكن لها ان تفتح التلفاز، وتجزئه قطعة قطعة ، وترى حقيقة ما يجري لما قصرت في ذلك ، من اجل ان تتخلص من الحيرة التي تعيش فيها. ومن طرائف ما روي لي ان رجلا كبيرا في السن اشتری جهاز تلفاز منذ عهد بعيد ، وفي يوم من الايام شاهد على شاشة التلفاز غابة تحترق، فقام بصب الماء على التلفاز، وهو يصرخ: (حريق .... حريق).
يقال إن القبائل البدوية في إحدى الدول لم يستطيعوا ان يصدقوا بالمذياع عندما نصب في بلادهم لأول مرة، فعقولهم لم تستوعب أن ينتقل الخبر عبر المسافات البعيدة لحظيا؛ فهم اعتادوا أن يروا الأباعر تقطع المسافات الطويلة في عدة ايام، ويظنون أن الخبر لابد له ان يقطع هذه المسافة كما تقطعها أباعرهم؛ فظنوا ان المذياع لابد من ان يكون عملاً من اعمال الجن الذي يستطيع ان يقوم بهذه المهمة التي يصعب على الانسان القيام بها، فكان المذياع في نظرهم ألعوبة من ألاعيب الكفار لعنة الله عليهم، ولو بعثوا اليوم أحياء، وشاهدوا الموبايل ربما وقعوا؛ مغشيا عليهم، ليس من الانصاف أن ننتقد هذه القبائل، او غيرها على تلك الاحكام التي اصدروها اعتمادا على الضرورات العقلية التي وثقوا بصحتها في وقت من الاوقات؛ فنحن جميعا قد تصدر منا مثل هذه الاحكام على أي أمر غير مألوف لنا، وهذه هي طبيعة العقل البشري بوجه عام؛ فهو لا يستطيع ان يصدق بأي أمر غريب وربما عده مستحيلا لكن لا يكاد يعتاد عليه حتى يتحول الأمر عنده من دائرة المستحيل الى دائرة الممكن. فالفرق بين الممكن والمستحيل عندهم هو كالفرق بين الشيء المألوف والشيء غير المألوف؛ اذ انه ينبعث من داخل الذهن لا من خارجه.
الواقع ان لرجال الدين القدماء فهما لا يختلف كثيرا عن فهم الانسان العامي، فقد قرأت كتابا يروي عن رجل الدين المعروف بالعلامة الحلي الذي عاش في القرن الثامن الهجري يقول فيه نقلا عن العلامة الحلي : ان الادراك مشروط بسلامة الحاسة ، فهو يعتبر ان حاسة الانسان هي المنفذ الوحيد للعالم الخارجي، وان كل شيء لا تدركه حاسة الانسان ، فمن السذاجة التصديق به ان العلامة الحلي يدرك الاشياء بحدود النطاق الضيق الذي تدركه حواسه ، والغريب ان بعض رجال الدين اليوم يعتبرون ان كل شيء جاء به العلماء القدماء صحيح ويصلح لكل زمان ، ومكان ، ولا يحتاج الى تحديث ، او تطوير بما يلائم العلم الحديث ، فهم لا يتقبلون اي فكرة جديدة تخالف ما جاء به رجال الدين القدماء ، ويعتبرون ان ما جاءوا به أمر لا يقبل الشك ، ولا داعي للنقاش فيه ، فيعلونهم ، ويقدسونهم – وهم على آثارهم مقتدون.
إن أي رجل دين يأتي اليوم بفكرة تخالف أفكار رجال الدين القدماء يكون في نظر البعض موضع انتقاد، وشتم، ولابد من ان يكون عميلا للاستعمار، والعياذ بالله. إن كثيرا من الناس اليوم لا يختلفون في تفكيرهم عن تفكير انسان القرن العاشر؛ فهو عندما يكلم انسان عبر مئات، او الاف الاميال بالهاتف يشعر بالدهشة والغرابة في داخل نفسه ولطالما يفكر كيف يمكن لقطعة من الحديد ان توصل صوته عبر هذه المسافات لكنه يتستر على افكاره، ويكتم دهشته، واستغرابه، ويتظاهر بالضد منها ؛ خشية انتقاد الناس له ، واتهامه بالغباء، فاذا جلس بمجلس ودار نقاش عن آلية انتقال الصوت عبر الهاتف تكلم بمعلومات حفظها من هنا ، وهناك، وهو يحسب نفسه سيد العارفين.
إن الضوء لا يحتاج الى وسط مادي لانتقاله، وهو ينتقل في الفراغ، وفي الاوساط المادية، لكن سرعته في الفراغ، او الهواء اكبر من سرعته في الوسط المادي بعبارة اخرى ان سرعته في الوسط الاقل كثافة اكبر من سرعته في الوسط الاعلى كثافة ؛ وهذا ما يسبب انكسار شعاع الضوء عندما ينتقل من الهواء الى الماء ، او الزجاج.
كان نيوتن يعتقد ان الضوء لا ينتقل في الفراغ ؛ لذلك افترض وسطا اسماه الاثير ؛ ليعلل به انتقال الضوء من النجوم الى الارض كما ذكرنا سابقا وهو بذلك لا يختلف عن الانسان العامي الذي يأتي بشتى الحجج والبراهين التي تؤيد رأيه. ان العالم ، او الفيلسوف لا يختلف عن الانسان العامي في الدفاع عن أفكاره ، او آرائه ، وهذا نوع من الأنانية المبتلى بها کل انسان قليلا ، أو كثيرا ، فهي قد تختلف من انسان الى اخر لكنه اختلاف بالدرجة ، لا بالنوع. . ان العالم ، والفيلسوف قادر على طلاء أنانيته بطلاء براق ؛ ليوهم الناس بأنه يريد بذلك مصلحة الدين والوطن اما الانسان العامي المسكين فهو لا يمتلك المقدرة على إخفاء أنانيته على منوال ما يفعل العلماء والفلاسفة، ولذلك تظهر عليه بشكل مفضوح فيكون موضع انتقاد وسخرية للآخرين. أما العلماء والفلاسفة فهم منزهون مقدسون مهما جاؤوا بأفكار ساذجة.
جاء اینشتاین واثبت عدم وجود مادة اسمها الاثير ، وان الضوء ينتقل في الفراغ دون الحاجة الى وسط مادي لانتقاله واثبت عالم الفيزياء ماكسويل ان الضوء هو موجة كهرومغناطيسية لا تختلف عن موجة الاشعة السينية ، او اشعة غاما.
بحث العلماء على مدى قرون سرعة الضوء ، فمنهم من اعتقد انها سرعة آنية لا تحتاج الى زمن مهما كبرت المسافة ، وقال بعض آخر قال ان الضوء يحتاج الى زمن لانتقاله من نقطة الى اخرى ، واجرى العلماء تجارب عديدة لقياس . سر عة الضوء ابتداءً من رومر في عام 1676 مرورا بغاليليو ، وماكسويل ، وكل منهم توصل الى قيمة تختلف عن قيمة الآخر لكن القيمة الصحيحة هي ما توصل اليها ماكسويل عام 1873 من خلال تجاربه على الكهربائية والمغناطيسية ، واثبت ايضا ان سرعة الموجة الكهرومغناطيسية هي نفسها سرعة الضوء وتساوي 300000 كيلو متر في الثانية وهي سرعة كبيرة جدا ، فبهذه السرعة يستطيع الضوء أن يلف الكرة الارضية ثماني مرات في الثانية الواحدة ان كل الموجات الكهرومغناطيسية تمتلك السرعة نفسها وهي 300000 كيلومتر في الثانية ابتداء من الاشعة الراديوية الى اشعة غاما ، والاختلاف الوحيد بين هذه الانواع من الموجات هو التردد ، والطول الموجي ، وهما يرتبطان بعلاقة عكسية بحيث تجعل الموجة تحافظ على سرعتها الثابتة فزيادة التردد يقابله نقصان بالطول الموجي بالنسبة نفسها بحيث تبقى السرعة ثابتة للضوء علاقة وثيقة بالألوان فما اللون الاطول موجي محدد القيمة، واستنتج نيوتن ان الضوء الابيض هو خليط من سبعة الوان ، فلو مزجنا اللون البنفسجي ، والنيلي ، والازرق ، والاخضر ، والاصفر ، والبرتقالي ، والاحمر لتكوّن اللون الابيض كذلك هو ضوء الشمس ان الاجسام التي نراها في حياتنا بألوان مختلفة ناتجة من انعكاس ضوء الشمس الابيض الساقط عليه فيقوم الجسم بامتصاص بعض مكونات الضوء الابيض ويعكس الاخرى فالجسم الذي لونه اخضر ناتج من انعكاس الضوء الاخضر من الجسم ، اما بقية الالوان فيمتصها الجسم لذلك نرى لون الجسم اخضر وهكذا لبقية الالوان. اما الجسم الذي لونه بني ؛ فهو ناتج من الجمع بين ثلاثة الوان هي الاحمر ، والاصفر ، والازرق ، فالجسم الذي نراه بلون بني يقوم بامتصاص الضوء البنفسجي والنيلي والاخضر والبرتقالي ويعكس الضوء الاحمر ، والاصفر ، والازرق . فتمتزج هذه الالوان الثلاثة مع بعضها ؛ لتنتج اللون البني للجسم الذي نراه ، وهكذا بالنسبة لبقية الالوان.
يتوهم البعض بأن هناك ضوءًا أسود فهم يرون بعض الاجسام ظلماء معتمة ؛ فيظنون انه لون كبقية الالوان وهذا فهم خاطئ للألوان ؛ فاللون هو ضوء ، وكل جسم له خاصية مادية تميزه فهو يمتص ضوء ويعكس آخر اما الجسم الاسود فهو يمتص كل الضوء ولا يعكس منه شيئًا ، فنراه معتها أو مظلما، وجرت العادة أن نسميه اسود، بمعنى آخر اننا لا نرى الجسم الاسود؛ لأنه لا يعكس ضوءًا الى العين بل ترى الاجسام المحيطة به بالوان مختلفة ، ولا نراه ، والالوان المحيطة به تصلنا بأشكال الاجسام الهندسية ، ويبقى شكل هندسي ، لا نراه فيتكون في دماغنا الشكل الهندسي المعتم الذي لا نراه ، وهذا الشكل الهندسي المعتم ؛ يجعل دماغنا يصور هيئته ، فتتخيل اننا نراه ، ولنأتي على ذلك بمثال : فلو كانت امامك لوحة مرسوم عليها اشكال هندسية بالوان مختلفة ، ومن ضمنها شكل هندسي اسود ، فانك لا ترى الشكل الهندسي الاسود ، بل ترى فقط الاشكال الهندسية ذات الاوان المختلفة لكن الضوء المنبعث من حافات الاشكال الهندسية المحيطة بالشكل الهندسي الاسود سيصور الشكل
الهندسي الاسود في دماغك بكل تفاصيله الهندسية معنى ذلك أن الاشكال الهندسية الملونة ستصل الى عينيك منقوصا منها الشكل الهندسي الأسود، وبمعرفة الاشكال الهندسية الملونة ستعرف الشكل الهندسي الاسود ، وهذه عملية تحدث في الذهن ، والامر نفسه يجري على الظل ؛ فأنت لا ترى ظل الجسم ، بل ترى الضوء المنبعث من حافات الظل ؛ فتتكون في دماغك صورة للشكل الهندسي للظل ومن معرفة الشكل الهندسي للظل تستطيع أن تميز الجسم الذي يصنع الظل.
إن انعكاس الضوء من الجسم هي خاصية من خصائص مادة الجسم ، فالجسم الازرق مثلا يمتلك خاصية امتصاص الالوان الستة ، وعكس اللون الازرق. إن كثيرا من الناس لا تدرك ذلك وهي تعتبر ان اللون والمادة شيئان منفصلان.
جلست ذات مرة مع مجموعة من الاشخاص ، وسألت احدهم لماذا نرى هذا الجسم ازرق؛ فقال : يا أخي انه مصبوغ بصبغ أزرق ، ثم ضحك على سؤالي ، وضحك معه الجالسون أيضًا فهم يعدون سؤالي سخيفاً لا يسأله الا الطفل فإبتسمت ورحلت بهدوء، فالنقاش مع هؤلاء لا ينفع ولابد أن يغلبوني في نهاية المطاف. إن الدول المتقدمة تدرس هذه الظواهر للأطفال ، اما دولنا فهي غالبا ما تتحاشى أن تدرس هذه الظواهر ؛ اذ تعدها من البديهيات الطبيعية ؛ وان الانسان قادر على فهمها ذاتيا ان الانسان في الدول المتقدمة لا يتردد على السؤال عن أي شيء مهما كان بسيطا اما في مجتمعنا فان الانسان لا يسأل هذه الاسئلة ؛ مخافة أن يتهموه بالسذاجة ، والغباء ، والحضارة الشرقية لا تشجع الانسان على الخوض في مثل هذه الاسئلة البديهية - في نظرهم.
إن الضوء يتميز بظاهرة الاستطارة ، وهي تشتت الضوء ، او تبعثره عندما يصطدم بجزيئات تعادل في اقطارها أطواله الموجية فزرقة السماء ؛ سببها ظاهرة الاستطارة ، حيث ان سقوط ضوء الشمس على ذرات الغلاف الجوي يجعل الضوء الازرق يتشتت في أعلى الغلاف الجوي والسبب في ذلك أن ذرات الغلاف الجوي تعادل في اقطارها الطول الموجي للضوء الازرق مما يجعله يتبعثر خلال الغلاف الجوي ويتشتت في كل الاتجاهات. ان ضوء الشمس كلما قطع مسافة اكبر خلال الغلاف الجوي تشتت الوانه واحدا تلو الآخر تبعا لأطواله الموجية، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرى حمرة الغروب ، ففي هذا الوقت يقطع ضوء الشمس مسافة اكبر خلال الغلاف الجوي بسبب ابتعاد المنطقة التي يكون فيها وقت الغروب عن الشمس ، فتتشتت كل الوان الطيف الشمسي الا الضوء الاحمر فهو لا يستطار بسبب كبر طوله الموجي اذ ان ذرات الغلاف الجوي اصغر من طوله الموجي ، فلا تستطيع ان تشتته كما تشتت بقية الالوان كان الانسان قديما يفسر حمرة الغروب بالدماء التي تسيل نتيجة الحروب المتكررة ، فاذا قتل له قريب او عزيز نظر الى حمرة الغروب وهو يظن انها تحمل جزءاً من دم المقتول ، فيحسب ان السماء حزنت لحزنه - جزاها الله خيرا ، ولا يزال بعض الناس اليوم يعتقدون هذا الاعتقاد سألتُ والدتي عندما كنت صغيرا عن سبب حمرة الغروب وكانت آنذاك الحرب العراقية الايرانية مستعرة ، وقوافل الشهداء تسير في أغلب الطرقات فقالت لي : انه دم الشهداء الذين قتلوا في المعركة ان الكثير من الناس على شاكلة والدتي قديما ، وحديثا ، فهم عندما يحزنون يظنون ان الدنيا كلها تحزن لحزنهم ، وما يدرينا لو كان دم الانسان ازرق اللون لعلهم فسروا زرقة السماء على انه دم قتلى الحروب. يبدو أن هذه الاحكام تزداد بازدياد الحروب ، وتقل بانتهائها ، لكنها على أي حال لا تختف نهائيًا، فالإنسان العامي ما ان يشعر بحزن ، او فرح حتى يفسر الظواهر الطبيعية تفسيرا يلائم حزنه ، او فرحه ، واذا كان حائرا في الاقدام على عمل ما ثم مطرت السماء سارع الى انجاز هذا العمل ؛ فهو يعتقد ان المطر بادرة خير ظهرت من السماء ، وان السماء اومأت له بأن يقوم بهذا العمل ، فيقوم به بحزم ، وهو متفائل ، وكثيرا ما ينجح في انجاز عمله بفعل هذا التفاؤل فهو يعتقد اعتقادا جازما ان السماء ، وعدته بنجاح عمله ولا يوجد أصدق من السماء!. إن هذه الاساطير لا يمكن للإنسان ان يتخلص منها بسهولة ؛ فهو ورثها من ابائه واجداده ، ولا يمكن له ان يتخلى عن ارث الاباء والاجداد الطيبين ومن المضحك أن بعض الناس يفرّقون بين المطر المصحوب بالرعد والمطر غير المصحوب بالرعد في الخير والشر، فيعتبرون المطر المصحوب بالرعد بادرة شوم، فإذا عزم البعض على القيام بعمل ومطرت السماء مطرًا مصحوبا بالرعد ظنوا أن السماء أوحت لهم بعدم القيام بذلك العمل، وهم إذا قاموا به مرغمين فكثيرا ما يفشلون فيه نتيجة الإيحاء النفسي الخادع الذي ينتابهم، لذلك يبقون طوال يومهم يرعدون ويزمجرون كما يرعد المطر ويز مجر.
إن مصدر الضوء الطبيعي للأرض هي الشمس كما ذكرنا ولولا وجود الشمس لماتت الارض ومن عليها ؛ فهي مصدر الطاقة ، والضوء ، والدفء ولا يوجد كائن حي ، او غير حي على الارض لا يحتاج الى الشمس ، او لا يتأثر بها ، والارض ببعدها هذا عن الشمس ؛ يجعلها ملائمة للحياة فلو ابتعدت او اقتربت من الارض لما استطاعت الكائنات الحية ان تعيش عليها كما ان ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها في بعض الاوقات تؤثر في بعض الكائنات الحية سلبا ، أو إيجابا كان الانسان قديما يعتقد ان القمر مضيء بذاته ، ولايزال هذا الاعتقاد موجودا عند بعض الناس ، وهذا الاعتقاد اثبت خطأه العلماء قديما ، وحديثا ؛ فهو يستمد ضوئه من الشمس ، ثم يعكسه على الارض.
نرى الناس قديما ، وحديثا يتغزلون بالقمر ، وهم يتصورون أن القمر أجمل موجود في الكون ، فاذا أرادوا وصف انسان جميل قالوا عنه : انه كالقمر في ليلة البدر ، والقمر في الحقيقة ليس سوى صخور ، وجماد ، ورمال ولو عرف الناس حقيقته كما هي في الواقع لوصفوا من يكرهون ، بأنهم كالقمر. ظهرت في العراق عبر التاريخ ظاهرة ظهور صور الانسان في القمر ، فكل طائفة تدعي في مرحلة من المراحل ظهور وجه زعيمها في القمر ، فالإنسان عندما يرى أن زعيمه مظلوم نظر الى القمر ، وعند ذلك تتحد صورة القمر ، وما يحيطها من غيوم ، وغبار مع مخيلته ؛ فتنتج له الصورة المرسومة في مخيلته ، وكأنه يراها في القمر وهو بهذه الاوهام يحسب أن السماء قد انتصرت له ، ولزعيمه ، وبذلك ينفس عما يشعر به من ألم فيحمد الله ، ويثني عليه.
ان حقيقة هذه الاشياء هي ظواهر نفسية ، ولا ينفع معها الا العلاج النفسي ، فالإنسان اذا احب شخصا تحيز في تفكيره نحوه، وصار يبالغ في محاسنه ويغض الطرف عن مساوئه فيبني في ذهنه صورة زاهية عنه ، ويريد من الناس أن يحبوا زعيمه كما يحبه هو ، فاذا أحبوه أصبحوا في نظره منصفين ، واذا لم يحبوه اصبحوا في نظره حاقدين ، ظالمين – لعنة الله عليهم - وهذا ادى بالناس الى تقديس الزعماء ، وتنقيتهم من كل شائبة. يقال إن رجلًا قال لزوجته في أحد الايام إن لم تكوني اليوم أجمل من القمر ، فأنت طالق ، وعندما وجدها كما هي في كل يوم، قال لها: انت طالق بالثلاث ، وعندما أراد استرجاعها ذهب الى عالم دين ، وحدثه بما جرى ، فقال له عالم الدين : ان زوجتك أجمل من القمر فعلا وأثبت له ذلك بالأدلة القرآنية على أن أي انسان هو اجمل من القمر ، فعاد الرجل مع زوجته الى بيتهما مسرورين.
يظن البعض أن زرقة السماء هي بسبب الاشعة فوق البنفسجية ، وهو يبني فكرته هذه على معلوماته عن طبقة الأوزون التي تقع أعلى الغلاف الجوي. فطبقة الاوزون تمنع وصول الاشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس الى الارض ؛ لما فيها من أضرار على الكائنات الحية، فيعتقدون أن زرقة السماء هي الاشعة فوق البنفسجية نفسها فهم يعلمون أن طبقة الاوزون تحجب الاشعة فوق البنفسجية، ولا يعلمون أن الاشعة فوق البنفسجية هي أشعة غير مرئية ، فهي تقع خارج نطاق الضوء المرئي ولا يمكن لعين الانسان أن تراها . ومن المهازل العلمية التي أود أن اروبيها في هذا الصدد هو أني كنت ذات مرة أتابع برنامجاً كان يعرض على قناة تلفزيونية عراقية، وكان البرنامج يطرح أسئلة علمية ، ويطلب مقدم البرنامج من المشاهدين ان يتصلوا ، ويجيبوا عن أسئلته ذات المفاهيم الاينشتاينية!. كان مقدم البرنامج يطرح أربعة اسئلة ، ومن يجب عن كل الاسئلة يربح جائزة عظمى ، وهي كيلو من الحلوى واذا أجاب المتصل عن سؤال واحد إجابة صحيحة يربح ربع كيلو حلوى!. اتذكر في احدى المرات ، وأنا اتابع البرنامج أجاب أحد المتصلين عن ثلاثة اسئلة اجابة صحيحة ، وكان السؤال الرابع هو : ما سبب زرقة السماء ؟ وراح المتصل يفكر ، ويفكر ، ومقدم البرنامج يشجعه على التفكير ، وينصحه بعدم التسرع بالإجابة ؛ كي لا تضيع عليه الجائزة العظمى فكان يقول له : فكر جيدا ... فكر جيدا أنت الآن تقترب من الفوز بالكيلو الحلوى لا تدعه يضيع منك ، وبعد التفكير الطويل أجاب المتصل إن سبب زرقة السماء هو الاشعة الفوق البنفسجية ، فصرخ مقدم البرنامج: صحيح. ...صحيح مبارك لك كيلو الحلوى،
ندعوك الى الحضور الى مبنى الاذاعة والتلفزيون؛ لتستلم جائزتك وسمعت أيضا التصفيق وأصوات الفرح من عائلة المتصل.
أرجح الظن أن المتصل الفائز بكيلو الحلوى عندما ذهب الى مبنى الاذاعة ، والتلفزيون ليستلم الجائزة العظمي كان يشعر بالاعتزاز ويمشي شامخا بأنفه ومرسوما على وجهه ابتسامة الفخر ، وكأنه سيستلم جائزة نوبل. انها جائزة نوبل لكنها نوبل العراقية – والحمد الله. يخيل لي أن الفائز بجائزة نوبل العراقية عندما خرج من مبنى الاذاعة والتلفزيون قد أعطى الجائزة الى صاحب التكسي مقابل أن يرجعه الى بيته – والله في خلقه شؤون.
كان الناس قديما يعدون ظاهرة خسوف القمر نذير شؤم؛ حيث كانوا يعتقدون أن اختفاء ضوء القمر، هو بفعل هجوم الشياطين، أو الارواح الشريرة عليه، فإذا حدث الخسوف يقومون بالصلاة لإلههم، وتقديم القرابين له من أجل ان يعود قمرهم مضيئا، وإذا انتهى وقت الخسوف، وعاد ضوء القمر ظنوا ان ذلك تم بفعل صلاتهم، وقرابينهم مما يجعلهم يتمسكون بها اكثر، ويقدسونها يوما بعد يوم. وكانت بعض الشعوب البدائية تفسر ظاهرة الخسوف على أن حوتا كبيرا غير مرئي يبتلعه، فعندما يحدث الخسوف يقومون بقرع الطبول، والأواني في محاولة منهم لدبّ الرعب في نفس الحوت ليجبروه على لفظ القمر ، وبذلك تتحول افعالهم تلك الى طقوس دينية مقدسة ، والويل لمن يشكك بها ، أو يسخر منها. يحكى ان قائدا عسكريا غزى مدينة كان سكانها يعبدون القمر ، فقاومه أهل المدينة ، ومنعوا جيشه من اقتحامها ، القائد . با ، وسمع من احد الفلكيين ان خسوفا للقمر سوف يحدث في يوما ما، فوظف القائد العسكري تلك الظاهرة لمأربه وقال لسكان المدينة : ان لم تستسلموا ، فإنني سأخفي عنكم إلهكم ، وعندما حصل الخسوف رموا اهل المدينة اسلحتهم ، وجاءوا الى القائد العسكري مستسلمين ، خاضعين ، متوسلين يرجونه أن يعيد لهم ربهم ، فوعدهم بذلك ، وعند انتهاء وقت الخسوف دخل المدينة دون قتال ، والحمد الله.
إن الضوء ، واللون وجهان لحقيقة واحدة ، فالضوء هو لون ، واللون هو ضوء ، والضوء هو طاقة ايضا ، ويجب أن تعلم أن اللون هو ادراك حسي خاص بالكائنات الحية ، فعندما نقول ان هذا الشيء لونه احمر ، او اخضر في الحقيقة هو ان الطاقة الصادرة (وهي الضوء) من هذا الشيء حفزت الدماغ على الشعور بهذا اللون ، او ذاك ، فالجسم الأحمر مثلا يصدر ضوءًا أحمر الى عين الانسان فيقوم العصب البصري بنقل لون الجسم الى المركز البصري في الدماغ ان الدماغ لا يستقبل لون الجسم ، بل يستقبل اشارات كهربائية ، ويفسر لون ذلك الجسم طبقا للإشارات الكهربائية التي استقبلها ، وما اختلاف لون عن آخر الا اختلاف بالطاقة الصادرة من الالوان ، والتي تؤدي بدورها الى اختلاف الاشارات الكهربائية الواصلة الى الدماغ. معنى هذا ان اختلاف الاشارات الكهربائية بين لون واخر ، هي التي تعطي الصفة اللونية للجسم ، فلا توجد ألوان ، بل توجد اشارات كهربائية مختلفة اسميناها نحن بالألوان. خذ مثلا الطفل الذي يصغر عمره عن السنتين ، فهو لا يعرف الاحمر من الاخضر من الازرق من حيث التسمية ، لكنه يدرك بعقله اختلاف الاشارات الكهربائية بينها ويستطيع ان يميز بينها وفقا لاختلاف الاشارات الكهربائية الواصلة الى دماغه، وما التسمية التي نستخدمها نحن الا مفهوم طارئ متفق عليه بين بني البشر للتمييز بين اشارة كهربائية ، وأخرى.
الاكثر قراءة في الضوء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة
الآخبار الصحية

قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاباً يوثق تاريخ السدانة في العتبة العباسية المقدسة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)