بعض الاختلافات الموجودة بين الشيعة والسنّة في الاصول والفروع
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص108-111
2025-12-01
21
يقول الشيعة: ليس هناك أي شيء معصوم ويجب تطبيقه ما عدا القرآن والسنّة النبويّة. وأمّا أئمّة أهل البيت فإنَّهم معصومون. أوّلًا: بسبب الكرامات الصادرة عنهم، وعدم وقوعهم في الخبط والخطأ. ثانياً بسبب النصوص المتواترة المأثورة عن صاحب الشريعة المعصوم، إذ اعتبر طاعتهم واجبة. أي: أنَّهم معصومون، ولا ينبغي النظر إلى أحد على أنَّه مطاع، ويجب اتّباعه ما لم يقم الدليل على ذلك.
كان عمر يعتقد بأنَّه مجتهد، ولكن ما هو الدليل على وجوب العمل بأوامره؟ وما هو السبب الذي يحتّم على المسلمين اتّباعه في تحريمه متعة الحجّ ومتعة النساء؟ في أيّ آية وفي أيّ كلمة من كلمات رسول الله، اوتي مثل هذا الحقّ فينسخ حكم الله ورسوله، ويبقى حكمه واجب التطبيق بين المسلمين حتى يوم القيامة؟ والحكم الواجب التطبيق هو الحكم المصون من الخطأ. وبناءً على لزوم اتّباع الشيخين، فلا بدّ أن يكونا معصومين.
والعجيب أنَّ العامّة لا يقرّون بعصمة الأئمّة. وبعضهم لا يقرّ بعصمة النبيّ أيضاً، وبعضهم يقرّ بعصمته في تلقّي القرآن وتبليغه فقط ولا يقرّ بعصمته في سائر أعماله. والروايات الواردة عنهم التي تنسب الخطأ والسهو والنسيان إلى رسول الله كثيرة للغاية. حتى أنَّ بعضها يصرّح بأنَّه عند نزول بعض الآيات القرآنيّة، يضع الشيطان على لسانه آية تدعو إلى الصنم وتمجيد الأصنام، وهو يقرأها على الناس، فينزل عليه جبرئيل وينبّهه على خطأه! ولكن مع ذلك فإنَّهم عملياً يعتبرون الشيخين معصومين أي: أنَّ سيرتهم واجبة الاتّباع، وهي ناسخة لسيرة النبيّ.
يقول الشيعة: الشيخان غير معصومين، بل هما كبقيّة الناس يصدر عنهم الخطأ، واتّباع سيرتهما اتّباعٌ للخطأ، ونحن نلاحظ أنَّ كثيراً من الآيات القرآنيّة قد نزلت في ذمّ بعض الصحابة وتوبيخهم وعتابهم ومؤاخذتهم. ونقل كبار أهل السنّة روايات تدلّ على انحراف بعض الصحابة، وبراءة النبيّ منهم، وعدم قبول شفاعته فيهم. بينما نجد أنَّ أحداً إذا حمل عنوان «الصحابيّ» فإنَّه يصبح طاهراً مطهّراً، ومبرئاً من كلّ عيب كما ولدته امّه! أ لم نر أنَّ الاختلافات والمشاجرات والمنازعات جميعها قد وقعت بين الصحابة في عصر النبيّ وما بعده؟ فكيف نعتبر الصحابة صالحين ونقبل كلامهم بلا نقاش وبدون وعي؟ الدين الإسلاميّ هو دين العلم والرؤية الواقعيّة، فكيف يمكن أن يأمر باتّباع الباطل والأخذ بكلام أشخاص مجهولين بلا تحرّ ولا تروّ في غثّه وسمينه؟ ألم يصرّح القرآن بقوله: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[1] وقوله: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}[2].
وجاء في الحديث الصحيح عن العامّة أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إذا كان يوم القيامة بَينَا أنا قَائِمٌ إذَا زُمرَةٌ حتى إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيني وبَيْنَهُم، فَقَالَ: هَلُمَّ. فَقُلتُ: أيْنَ؟ قَالَ: إلى النَّارِ واللهِ، قُلْتُ ومَا شَأنُهُمْ؟ قَالَ: ارْتَدُّوا على أدْبَارِهِمُ الْقَهقَرى، ثُمَّ إذَا زُمْرَةٌ حتى إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيني وبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ: أيْنَ؟ قَالَ: إلى النّارِ واللهِ. قُلْتُ: ما شَأنُهُمْ؟ قَالَ: إنَّهُمْ ارْتَدُّوا على أدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرى، فَلا أراهُ يَخْلُصُ إلّا مِثْلُ هَمَلِ الْنَّعَمِ»[3].
يقول العلّامة الأمينيّ: قال القسطلانيّ في «شرح صحيح البخاريّ» ج 9، ص 325: هَمَل: ضوالّ الإبل، أو الإبل بلا راع ... يعني: أنَّ الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة[4].
ويقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسيره: وفي الصحيحَينِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «يَرِدُ عَلَيّ يَوْمَ الْقِيامَةِ رَهْطٌ مِن أصْحابي (أو قَالَ: مِنْ امتى) فَيُحَلَّئونَ عَنِ الْحَوضِ أقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابي، فَيَقُولُ: لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، ارْتَدُّوا على أعْقَابِهِمُ الْقَهْقَرى فَيُحَلَّئُونَ»[5].
ينقل العلّامة الأمينيّ في المجلّد الثالث من «الغدير»[6] أحاديث كثيرة عن صحاح العامّة في هذا الموضوع. وينقل العلّامة المجلسيّ في المجلّد الثامن من «بحار الأنوار» أخبار كثيرة عن البخاريّ ومسلم وآخرين غيرهم بشأن انحراف الصحابة بعد وفاة رسول الله[7]. ويروي الكلينيّ في «روضة الكافي» بإسناده المتّصل عن زرارة، عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام أنَّه قال: «أصبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كَئيباً حَزيناً، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلامُ: مَا لى أراكَ يَا رَسُولَ اللهِ كَئيباً حَزيناً؟ فَقَالَ: وكَيْفَ لا أكون كَذَلِكَ ولَقَدْ رَأيتُ في لَيْلَتي هَذِهِ أنَّ بَني تَيمٍ وبَني عَديّ وبَني امَيَّةَ يَصْعَدُونَ مِنْبَري هَذَا يَرُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الإسلامِ الْقَهْقَرَى، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ في حَيَاتي أو بَعْدَ مَوتِي؟ فَقَالَ: بَعْدَ مَوْتِكَ»[8].
«لَو لا أكْرَهُ أن يُقَالَ: إنَّ مُحَمَّداً اسْتَعَانَ بِقَوْمٍ حتى إذَا ظَفَرُوا بِعَدُوِّهِ قَتَلَهُمْ لَضَرَبْتُ أعْنَاقَ قَومٍ كَثيرٍ»[9].
[1] الآية 36، من السورة 17: الإسراء.
[2] الآية 28، من السورة 53: النجم.
[3] «الغدير» ج 3 ص 297. لا يخلو هذا الحديث من خبط لفظيّ: أوّلًا: ينبغي أن تكون الكلمة هَلُمُّوا بدل هلمَّ. ثانياً وينبغي أن تكون جملة فلا أراه يخلص، فلا أراها تخلص. إلّا أن يقال بأنَّ إفراد «هلمّ» باعتبار إفراد كلمة «زمرة». وأمّا تذكير الضمير فباعتبار رجوعه إلى شيء ومن وأمثالها من الألفاظ المبهمة.
[5] «الميزان في تفسير القرآن» ج 3، ص 20.
[6] «الغدير» ج 3، ص 296 و297.
[7] «بحار الأنوار» ج 78 ص 7 وص 8.
[8] «روضة الكافي» طبع آخوندي، ص 345.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة