أنواع الرقابة الإدارية
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص262-265
2025-11-08
18
يخضع العمل الإداري في معظم دول العالم للعديد من صور الرقابة التي تمارسها جهات متعددة من داخل الجهاز الإداري أو من خارجه، فهناك الرقابة السياسية التي يباشرها البرلمان أو الأحزاب السياسية، ورقابة شعبية تمارسها المجالس الشعبية ورقابة الرأي العام التي تباشرها الصحافة ووسائل الإعلام، كما تتحقق الرقابة القضائية على دستورية القوانين من خلال المحاكم الدستورية أو العليا، وعلى أعمال الإدارة من خلال القضاء الإداري، غير أنه في إطار الإدارة العامة توجد رقابة إدارية وهي وظيفة إدارية يقع عبء مباشرتها على القادة الإداريين في المنظمات الإدارية، أو تمارسها جهات متخصصة من خارج الإدارة (1).
إن المحافظة على المجتمع وعلى البيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية تتطلب ضرورة الاهتمام بالرقابة الإدارية، لأنها الوسيلة الأكثر فعالية في مقاومة الفساد الإداري والانحراف(2)، وفي هذا الإطار فقد تعددت أنواع الرقابة الإدارية وفقا لبعض المعايير الفنية والإدارية حسب الزاوية التي ينظر منها وأهم هذه الأنواع هي:
1. من حيث التوقيت ومراحل أداء العمل الإداري، فقد تكون مانعة او وقائية وهي الرقابة السابقة وتسمى أيضاً (الرقابة القبلية)، التي تنفذ من خلال توجيه العاملين وإرشادهم بما ينبغي ان يكون عليه العمل الإداري قبل أدائه، وقد تكون تصحيحية أو علاجية وهي الرقابة اللاحقة وتسمى أيضاً (الرقابة البعدية) التي تتم بعد انتهاء العمل الإداري وتصحيحه في حالة عدم سلامته ويمكن ان تتم بصورة مرحلية طوال مباشرة العمل الإداري وهي الرقابة المستمرة والموجهة أو (المتزامنة) وذلك للتأكد من أن طرق الأداء تسير كما مخطط لها خوفاً من الانحرافات أن تتفاقم وتتراكم ويصبح من الصعب معالجتها (3).
2 .من حيث الطبيعة، فقد تتحقق بصورة سلبية إصلاحية تعتمد على انتظار وقوع الخطأ او الانحراف ثم محاولة إصلاحه او تصحيحه أو أن تتحقق بصورة ايجابية وقائية من خلال العمل على اكتشاف الخطأ قبل وقوعه ومن ثم محاولة منع وقوعه اذا أمكن أو التخفيف من آثاره الضارة على الأقل.
3. من حيث النطاق تقسم الى رقابة شكلية على الإجراءات المتبعة في أداء العمل الإداري، والى رقابة موضوعية تتصل بنتائج العمل وقياس مدى إنجاز الأهداف المخطط لها.
4 من حيث الموضوع تقسم الى رقابة مالية تنصب على النواحي المالية فقط، ورقابة شاملة تنصب على النواحي الإدارية والفنية (4)
5 من حيث جهة مباشرتها الى رقابة مباشرة أو داخلية عندما يمارسها الرئيس الإداري على مرؤوسيه بنفسه أو من خلال أجهزة المنظمة الداخلية، ورقابة خارجية اي رقابة الغير على أعمال المنظمة للتأكد من قيامها بواجباتها بشكا صحيح (5).
6 من حيث الأسلوب أو التنظيم الى رقابة مفاجئة غير ملتزمة بشكل أو أسلوب أو وقت محدد، ورقابة دورية على فترات زمنية منتظمة.
وجدير بالذكر أن القائد الإداري غير ملزم باتخاذ أحد هذه الأنواع بل يجوز له الالتجاء الى بعضها أو كلها في آن واحد بحسب الظروف المحيطة بالعمل الإداري. وعموما يجب مراعاة أن للرقابة تأثيراً سلبياً على سلوك الأفراد في العمل ومن ثم يتعين على القادة تفهم مقاومة البعض لأنواع من الرقابة مثل الرقابة على المظهر أو على الحياة الشخصية للعاملين، ومراعاة أن الرقابة تعطي لمن يمارسها قدراً من النفوذ والقوة في العمل مما يؤدي أحيانا الى الوقوع في التناقض في تفسير معايير الأداء او تقدير حجم الأداء الفعلي، وقد يترتب على ذلك القضاء على روح المبادأة، وانتشار التحجر والجمود تحت ستار التمسك الشديد بضرورة تقييد السلوك والالتزام الروتيني بالقواعد والتعليمات والمعايير المحددة (6) إن كل أنواع الرقابة لها دور بارز في مكافحة الفساد الإداري ومقاومته، وجميعها تهدف الى تحصين العمل الإداري من الانحرافات، الا إن بعض أنواع الرقابة تترك آثاراً سلبية على سير العمل حيث تعمل على تجميد العمل من خلال ما يتم فرضه على الموظفين من قيود وإجراءات تحول دون تحقيق التطور، لذلك يجب مراعاة هذه الظواهر في حالة تطبيق الرقابة الإدارية (7).
لذلك أدرك بعض الباحثين هذه الحقيقة وعملوا على تجاوز أنواع الرقابة التقليدية، وقدموا أساليباً رقابية جديدة تحول دون المخالفات أو التجاوزات، وتعمل في الوقت نفسه على تشجيع الإبداع والابتكار في العمل، وهذه الأساليب اطلق عليها الرقابة في عصر التمكين حيث تقوم على فكرة تحقيق التوافق والانسجام بين العملية الرقابية والمحافظة على الابتكار والإبداعات لدى العاملين من خلال التعامل مع أربعة أنظمة متكاملة تسعى وهي(8) :-
1. أنظمة الرقابة الشخصية وتسعى للتأكد من أن الأهداف المهمة قد تم تحقيقها بكفاءة وفعالية مع ضرورة بذل الجهود لتطوير الأفراد.
2 أنظمة المعتقدات وتركز على ضرورة تنشيط القيم والاتجاهات، والعمل على خلق اتجاهات ايجابية لدى الموظف نحو المنظمة التي يعمل بها، فهناك من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسؤول الإداري لكي يرفع من الحالة المعنوية لدى المرؤوسين مثل الهدوء والبشاشة وعدم الأنانية والثبات في المزاج وحسن التصرف والصدق والحزم والكلام بدقة والحرص الشديد والقدرة على تحمل المسؤولية والمعرفة بأصول الإدارة.. الخ (9)
3. أنظمة الحدود أو المحظورات وتهدف الى خلق طاقة زائدة عند الموظف لمواكبة العمل والالتزام تجنباً للعقاب، وتعتمد على اعتقاد المدير بأنه ليس من الضرورة إخبار الموظف بما يجب أن يقوم به، وإنما تركه وحده يقوم بأعماله لأن إعلام الموظف بأعماله يعني الحد من قدرته على الإبداع والإنجاز والمبادرة.
4. أنظمة رقابة التفاعل وتشجع هذه الأنظمة المديرين على مشاركة بقية الافراد فيما يتخذونه من قرارات خاصة اذا كانت التنظيمات كبيره وبالتالي يصعب على المدير اجراء اتصال مع كل العاملين، فهي أنظمة معلومات رسمية يستعملها المديرون لأشراك انفسهم في القرارات التي يتخذها غيرهم في مستويات ادارية اخرى، ويجب أخذها بعين الاعتبار وذلك لتحقيق التوافق والانسجام بين الرقابة والإبداع، وهنا يجب على الادارات مراعاة التكاليف في عمليات الرقابة، وأن لا تترك لغير اهل الاختصاص، وأن لا تبالغ في تطبيق الأنظمة الرقابية حتى لا تصبح مصدراً للفساد (10) وبما أن الاغراءات المادية سبباً رئيسياً للفساد، فقد اعطت الاتجاهات الحديثة في الرقابة الإدارية أهمية كبيرة لذلك، حيث ركزت على قياس المخرجات للأجهزة الحكومية وضرورة مراعاة السلطة والمسؤولية، وضرورة العمل على تحقيق رقابة فعالة من خلال التركيز على اربعة عناصر : البرمجة والتقارير والتقييم والموازنات، فالرقابة على الأموال مثلاً من خلال هذه العناصر تؤدي الى ترشيد الانفاق الحكومي والاداء ومن ثم تحقيق الاهداف (11) .
ولا بد من الاشارة الى أن الإكثار من أجهزه الرقابة سوف يترتب عليه ازدواجيه وإرباك في العمل الرقابي ومما يؤكد صحة ذلك، ما أشار اليه نائب الرئيس الامريكي (الغور) من ضرورة عدم تركيز اجهزة الرقابة في العاصمة الأمريكية وانما يجب توزيعها على مختلف الاقاليم وتحديد صلاحيتها، واشار في حديثه الى الانتقادات التي وجهها الى اجهزه الرقابة الفيدرالية محددا خصائصها بأنها تركز على تحري المشاكل اكثر من منعها وأن الطرق المتبعة فيها تهدف الى تحري الجوانب السلبية والهدر والإساءة، وأنها تركز على الاذعان للقوانين بغض النظر عن النتائج، وتؤدى من قبل مكاتب التفتيش العام واللجان التابعة له(12). لذلك نرى من جانبنا ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار تحول النظام السياسي في العراق الى النظام الاتحادي بموجب دستور 2005، فيما يتعلق بنوع الرقابة وتوزيع أجهزتها وصلاحياتها بين الحكومة الاتحادية والأقاليم الموجود حالياً ( إقليم كوردستان) والأقاليم التي ستنشأ فيما بعد، تجنبا للسلبيات التي ستظهر حسبما ذكر في أعلاه (13).
____________
1- د. سامي جمال الدين الإدارة والتنظيم الإداري، الإسكندرية، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، 2004، ص 284.
2- د. موسى اللوزي، التنمية الإدارية، ط 2 عمان دار وائل للنشر 2002، ص 137.
3- أنظر: د. جميل جودت أبو العينين أصول الإدارة من القران والسنة الطبعة الأولى دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر بيروت 2002 ، ص 262 ود. سامي جمال الدين مصدر سابق، ص 285. ود. موسی اللوزي، مصدر سابق، ص137.
4- أنظر : Robert Williams ,op,cit,p15 .4.
5- أنظر د. جميل جودت العينين مصدر سابق، ص 263
6- هناك تقسيمات أخرى للرقابة, مثل الرقابة العامة والخاصة والجزئية الرقابة المركزية وغير المركزية الرقابة على الأشخاص والرقابة على الأعمال, الرقابة الدائمة والرقابة العارضة الرقابة الفردية والجماعية الرقابة القانونية والإدارية, أنظر: د. سامي جمال الدين مصدر سابق، ص 286.
7- انظر: د. موسى اللوزي، مصدر سابق ص138.
8-Robert, Simons, Control in an age of Empowerment, Harvard Business,review,vol, 73 p80.88,
9- لمزيد من التفصيل :أنظر د. جميل جودت أبو العينين مصدر سابق، ص 238 وما بعدها.
10- د. موسى اللوزي, مصدر سابق ص139.
11- أنظر: د. موسى اللوزي مصدر سابق، ص 139 وما بعدها.
12- Algor Creating Government Control the Works better & cost less Accompanying Report of the national Performance Review,1993, p 121.
13- للمزيد عن مبررات إقامة الفيدرالية في العراق، أنظر د. محمد عمر مولود, الفدرالية وإمكانية تطبيقها في العراق, ط2، مؤسسة موكرياني للطباعة والنشر أربيل، كوردستان العراق، 2003، ص 458
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة