الرقابة على الموازنة العامة (الرقابة المالية)
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 239-242
2025-11-05
17
تعتبر الرقابة المالية أحد أهم الوسائل التي تستخدمها السلطة التشريعية في رقابتها على السلطة التنفيذية، لأنها توفر فرصة كبيرة لوضع حد للفساد والسيطرة عليه من خلال كشف نشاطات المسؤولين الحكوميين ومدى تورطهم في أعمال تشكل خرقا للدستور والقانون، وتقوم على أساس تضارب المصالح نتيجة وضعهم الرسمي، وهي وظيفة نشأت تاريخيا قبل نشوء الوظيفة التشريعية (1).
إن الوظيفة المالية الأساسية والتي كانت السبب والأصل في وجود المجالس التشريعية هي الموافقة على فرض ضرائب جديدة والحصول على القروض العامة، والتعهدات والاتفاقيات المالية التي تبرمها الدولة مع دول أخرى لما في ذلك من التزامات تترتب لاحقا على خزينة الدولة، وعليه فأن البرلمان وطبقا للدستور ونظامه الداخلي يملك سلطة الرقابة على الحكومة لضمان التزامها بالدستور والقوانين وفقا لآليات رقابية تضمن حماية المال العام وعدم استغلال المنصب والنفوذ، ففي بداية الأمر ومع تطور حركة الإصلاح السياسي احتاج الملوك لموافقة البرلمانات على فرض ضرائب على الشعب، ومع تطور النظم السياسية والتعديل في موازين القوى لصالح البرلمانات الذي أفضى بدوره إلى توطيد دعائم مشاركتها في القرار السياسي، لم يعد دورها مقصورا على الموافقة على إقرار الضرائب فحسب، وإنما انتزعت البرلمانات الحق في الرقابة العامة على كافة الشؤون المالية للدولة(2).
وتلعب السلطة التشريعية دوراً هاماً في الرقابة على الأداء المالي للدولة وتتعدد وسائل هذه الرقابة، فالسلطة التشريعية تمارس الرقابة السابقة على الاداء المالي فقد نص دستور 2005 في م/62/اولاً على أن ( يُقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الى مجلس النواب لإقراره)، ولا يقف دورها عند هذا الحد بل تمتد رقابتها الى مرحلة تنفيذ الموازنة وتتعدد وسائلها الرقابية، وذلك من خلال الموافقة على أية اعتمادات إضافية على الموازنة حتى لا تجد السلطة التنفيذية منفذاً للتهرب من رقابة السلطة التشريعية عليها بعد إقرار الموازنة العامة، وبذلك لا تعود أية قيمة لموافقة المجلس على الموازنة العامة إذا كانت الحكومة تستطيع إجراء تغييرات عليها، لذا فان غالبية الدساتير تنص على وجوب اخذ الإذن من البرلمان بشأن المصروفات التي لم تكن واردة في الموازنة أو التي تزيد عن التقديرات بها، أو لنقل مبلغ من باب إلى أخر من أبوابها فقد نص عليه دستور 2005 في م/62 ثانياً على أن ( لمجلس النواب اجراء المناقلة بين أبواب وفصول الموازنة العامة وتخفيض مجمل مبالغها وله عند الضرورة ان يقترح على مجلس الوزراء زيادة اجمالي مبالغ النفقات)، كذلك تقوم السلطة التشريعية بالرقابة اللاحقة باعتمادها الحساب الختامي بعد مراجعته داخل لجان المجلس المتخصصة، وإن وجود اية مخالفات مالية في تنفيذ الموازنة تظهر عند مراجعة الحساب الختامي تؤدي الى لإقامة المسؤولية الوزارية تجاه الوزارة ككل او الوزير المسؤول(3). إن الحكومة ملزمة بتقديم الحسابات الختامية عن السنة المالية المنتهية في بدء الدورة البرلمانية الجديدة، لكي يعتمدها المجلس النيابي، وبذلك تكون هناك فرصة جديدة أمام المجلس للتأكد من عدم وجود مخالفات لقانون الموازنة والتزام الحكومة ببنودها، فقد نصت المادة /31 الفقرة ثالثاً من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن (النظر في مشاريع القوانين المقترحة من مجلس الرئاسة أو مجلس الوزراء بما في ذلك مشروعي قانوني الموازنة العامة للدولة والموازنة التكميلية، والمصادقة على الحساب الختامي، ويختص ايضاً بأجراء المناقلة بين ابواب وفصول الموازنة العامة وتخفيض مجمل مبالغها وله ايضاً عند الضرورة ان يقترح على مجلس الوزراء زيادة اجمالي مبالغ النفقات وذلك وفقاً للمادة 62 من الدستور).
إن مناقشة الموازنة العامة والحساب الختامي تتيح الفرصة لأعضاء المجلس للإعراب عن آرائهم وتوجهاتهم لطرق إدارة المرافق العامة للدولة وتوفر لهم في الوقت نفسه أداة رقابية فعالة للمساهمة في رسم السياسة العامة للدولة في مختلف جوانبها (4)
ولأهمية الموازنة فقد نص النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة /22/ الفقرة ثانياً على أن: (لا ينتهي الفصل التشريعي الذي عرضت فيه الموازنة العامة للدولة إلا بعد الموافقة عليها)، لذلك فأن أي تأخير في نظر الموازنة العامة والحساب الختامي سيؤخر الكشف عن حالات الفساد الإداري وهدر المال العام، وهذا ما نلاحظه في تأخير المصادقة على الموازنة العامة لعام 2008 من قبل مجلس النواب بسبب الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية والخلاف بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان حول حصة الإقليم من الموازنة والبالغة 17% وقبل ذلك ذهاب أكثر من 70 عضواً لأداء فريضة الحج أثناء النظر في قانون الموازنة العامة.
وتستعين السلطة التشريعية في رقابتها على الاداء المالي للدولة بأجهزة تعد معاونة لها في هذه الرقابة لتظهر مدى التزام الحكومة ببنود الموازنة التي وافق عليها البرلمان، ويعتبر التقرير الذي تقدمه هذه الأجهزة عن الحسابات العامة وثيقة هامة أخرى يستند عليها البرلمان في أعماله الرقابية على الحكومة، ولها اسماء مختلفة فهي الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر، ومحكمة المحاسبات في فرنسا، وديوان المحاسبة في لبنان وديوان الرقابة المالية في العراق (5).
وفي ظل العولمة واقتصاد السوق وتحرير التجارة وانتشار مفهوم الشفافية ومكافحة الفساد، نشأت منظمات مدنية غير حكومية تعنى بالموازنة العامة للدول، تقوم بنشر المعلومات عن بعض الموازنات العامة وإقامة الندوات والمؤتمرات، مثل معهد المجتمع المنفتح وبرنامج (ريفينيو ووتش ) ومركز الدراسات السياسية التابع للجامعة الأوربية المركزية (6) ، ومشروع الموازنة العالمي (7).
ولا ينتهي دور السلطة التشريعية الرقابي على الموازنة فقط، بل تتعدد الطرق التي تلجأ اليها للرقابة على الأموال العامة، من ذلك اصدار بعض القوانين المالية التي تنظم قواعد عامة، مثل قوانين الضرائب وطرق جبايها وحالات الإعفاء منها ، (8)، فالسلطة التشريعية تمارس الرقابة على الاداء المالي للدولة، بمعنى أنها تتدخل في الأمور كافة التي تمس النواحي المالية سواء كان هذا التدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فهي تضع الأسس المالية التي يجب ان تلتزم بها الحكومة في اعمالها المالية حتى لا يترتب على التساهل في النفقات والمصروفات ضياع اموال الدولة (9).
___________
1- د. أحمد مجدلاني, مجلس تشريعي منتخب منظمة الشفافية العالمية, الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة في فلسطين (أمان), كانون الثاني /2004 ص3
2- للمزيد أنظر د. محمد محسن خليل, نظرية الدولة والمبادئ العامة للأنظمة السياسية ونظم الحكم, دراسة مقارنة دار النهضة العربية, القاهرة, 1971.
3- للمزيد أنظر جيهان حسن سيد أحمد خليل دور السلطة التشريعية في الرقابة على الأموال العامة، و رسالة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة القاهرة 2001، ص 15
4- أنظر الندوة البرلمانية العربية حول البرلمان وعملية اعداد الموازنة ومراقبة تنفيذها, مجلة البرلمان العربي, العددان/ 91و92 السنة الخامسة والعشرون تموز كانون الأول/2004.
5- أنظر جيهان حسن سيد أحمد خليل، مصدر سابق، ص 16.
6- للمزيد :أنظر جيم شولتز، دليل مراقبة الموازنات وايرادات النفط والغاز، مقدم في ورشة العمل التي نظمها برنامج ريفينيو ووتش ( التابع الى معهد المجتمع المنفتح (OSI) في بودابست 2004 ، ص 5.
7-انظر (IB)International Budget Program)، أنظر الموقع: www.ibp.org
8- للمزيد عن القوانين الخاصة بالرقابة المالية أنظر الموقع www.arablegalportal.org/financial
9- أنظر جيهان حسن سيد أحمد خليل، مصدر سابق، ص 18
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة