قوا انفسكم وأهليكم نار يوم القيامة
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 292 ــ 296
2025-10-30
44
في احدى آيات سورة التحريم يلقي الله سبحانه وتعالى بمسؤولية ثقيلة على كاهل رب الاسرة، وهذه المسؤولية رغم فداحتها إلا انها زاخرة بالمنافع الدنيوية والأخروية.
ولو التزم الناس جميعهم لا سيما من بعهدتهم عيال بمضمون هذه الآية لحلت نسبة عظيمة من المشكلات التي تعاني منها العوائل، وأزيحت الفوضى وحالة اللاأستقرار واللاأمن من اجواء البيت وحلت المشاكل، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
نعم، انها مسؤولية عظيمة تقع على عاتق رب الاسرة تتمثل في الأخذ بيد أهل بيته نحو التوحيد والاعتقاد بالمعاد والخشية من العذاب والتزام التقوى. وتأديبهم بالآداب والأخلاق الاسلامية، وتوفير الارضية اللازمة للكمال والرقي وتربيتهم وتعليمهم، وصيانتهم من عذاب يوم القيامة.
أن ما تؤكده الآية الكريمة بأن الانسان هو الذي يسعر تلك النار لهو أمر في غاية الأهمية والظرافة.
اذ يستفاد من الآيات القرآنية بكل وضوح أن مادة العذاب يوم القيامة واصلة هي الذنوب والمعاصي.
وفي واقع الأمر، فإن الجرم والجزاء في الآخرة من سنخ واحد، على العكس منهما في الدنيا ففيهما اختلاف ذاتي وسنخي، فالذي يرتكب ما يخالف قوانين المرور كأن يسير بسيارته في الجانب الأيسر من الطريق، أو يسير في طريق يمنع فيه السير يغرم مبلغاً من المال، فالجريمة هنا عملية إنسانية، اما الجزاء فهو مالي، وهنالك اختلاف سنخي بين العمل والمال أما في النظام الكوني فإن الجريمة والجزاء من سنخ واحد، بمعنى أن من ارتكب جريمة فإن هذه الجريمة تظهر يوم القيامة على شكل نار مندلعة منه.
فعندما يصدر ذنب عن الإنسان سواء على الصعيد العملي أو الأخلاقي مادياً ومعنوياً فإن ذلك يعني دخوله في النار الا ان ظهور هذه النار مؤجل إلى يوم القيامة.
هنالك الكثير ممن قضوا اعمارهم في شتى المعاصي ولم يبق منهم عضو نزيه، فهؤلاء في الحقيقة قد اختزنوا الكثير من النار في وجودهم حيث تتجلى هذه بهيئتها المادية يوم تنكشف الحجب وحينها تحيق بصاحبها إلى الأبد وفي هذا المجال تأملوا هاتين الآيتين من كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174].
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
ففي كلتا الآيتين اعتبر تعالى أكل الحرام أكلاً للنار، ورغم أنه يتمثل اليوم بأكل لقمة لذيذة إلا أنه يتجلى يوم القيامة بصورته الحقيقة بصورة نار ملتهبة.
وهذا حديث ذلك الوجود المقدس الذي يعتبر الوجود والخلق بما فيهم الجن والملائكة والانس والعرش من نفحات أرادته.
فهو الذي يرى الذنب والمعصية ناراً، وإن نظرنا إلى ذلك على أنه عمل شيق ولقمة لذيذة، وهو يشهد التهام النار حين ارتكاب المعصية، وأن خفي عنا، ويرى لهيباً عجيباً لتلك النار رغم عدم شعورنا به.
غداً عندما ينصرف الناس من الحساب تتصاعد النيران من أبصار البشر نتيجة نظرة الحرام، ومن آذانهم نتيجة لسماع ما حرم الله، ومن السنتهم لما ارتكبوه من غيبة وفحشاء وبهتان، ومن بطونهم لأكلهم الحرام، ومن غرائزهم لما ارتكبوه من زنا ولواط وممارستهم للعادة السرية، ومن أيديهم لما ارتكبوه من ظلم وجور وتزوير وشهادة زور وما خطت ايديهم من كلام مضلل ومن أرجلهم لما سعوا إلى مجالس الحرام، وبين اصحاب تلك الاعضاء والجوارح في العذاب الاليم ولا مفر له من ذلك.
فيا ارباب الأسر! حافظوا على انفسكم وأهليكم من هذه النار التي هي حصيلة الذنب والمعصية، والتزموا التقوى في جميع جوانب حياتكم، ولا توقعوا انفسكم وأهليكم في نار وقودها الانسان نفسه طمعاً في دنيا معدودة أيامها ولذةٍ زائلة وثروة فانية.
ومن بين المواد التي تعد وقوداً للنار هو الفحم الحجري الذي يعرفه الجميع بالصلابة والقوة وارتفاع الحرارة وطول مدة الاحتراق.
هنالك كميات هائلة من الفحم الحجري والمواد الذائبة والمحترقة تغلي في بطن الأرض وعلى مدى ملايين السنين، وقد تخرج هذه المواد الذائبة من قمم الجبال على شكل براكين تحرق كل ما يصادفها وتقضي عليه، وتتميز نيران هذه المواد بعدم نفادها بل أنها - وكما يصرح القرآن الكريم - ستعم الكرة الأرضية جميعها بحيث أنها تحرق البحار جميعاً في المستقبل: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6].
وقد توقع العلماء المعاصرون بهذه الحقيقة ايضاً وهي أن الأرض ستتبدل مستقبلاً إلى بركان من نار: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48].
على ضوء ما تستبطنه الأرض من بحر عجيب من المواد الذائبة والوقود، ونظراً لما ينتظر الأرض من مستقبل تتحول فيه إلى بركان من نار، فإنّنا نذعن للروايات القائلة بأن جهنم وطبقاتها انما تكمن في هذه الأرض.
ان وقود النار في ذلك اليوم الناس والحجارة، فالإنسان وقوده الذنب والمعصية، والأرض وقودها الحجارة المتجمعة في بطن الأرض وخارجها ولا يخفى أن حجمها ووزنها ليس بالقليل بالإضافة إلى ديمومتها التي جاءت بناء على الإرادة الالهية، كما أن خلود الانسان في ذلك العالم يأتي وفقاً لإرادته جل وعلا.
بناء على ذلك، على رب الأسرة الاستماع أكثر فأكثر إلى هذا النداء الملكوتي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، أن مجادلة خزنة جهنم - وهم ملائكة غلاظ شداد لا تتيسر لأي كان، وان أهل النار ضعفاء واذلاء، ولا مفر لهم منها ابداً، ومن خف ميزانهم ولحقت بهم الذلة يكون مستقرهم يوم القيامة مستقراً ذليلاً ومأواهم النار الكامنة تحت هذه الأرض، ووقودها الناس والحجارة، وخزنتها غلاظ شداد، وعذابها شامل وأليم وابدي، وأهلها لا هم من الأحياء ولا هم من الأموات: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 13].
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة