ردّ الرواية لمنافاتها الاعتقاد بالنبوّة (المثال السادس)
المؤلف:
السيد علي حسن مطر الهاشمي
المصدر:
منهج نقد المتن في تصحيح الروايات وتضعيفها
الجزء والصفحة:
ص 40 ــ 45
2025-10-25
37
سادسًا: الروايات التي تنسب الى النبي (صلى الله عليه وآله) الكلام الركيك لفظًا ومعنًى، الفارغ من المضامين التربوية والتوجيهية في المجال العقائدي والتشريعي والأخلاقي التي تهدف لرفع مستوى الإنسان المسلم وتنفعه في دنياه وآخرته ممّا يستبعد صدوره عن بلغاء المتكلّمين ومن أصحاب المبادئ الاصلاحيّة من البشر الاعتياديّين ممّن لا يرتبطون بالسماء فضلاً عن المعصومين من الرسل والأنبياء (عليهم السلام) فإذا تضمّنت الرواية نسبة مثل هذا الكلام الى النبي (صلى الله عليه وآله) رددناها وعلمنا بعدم صدورها عن ساحته المقدّسة دون أن نكلّف أنفسنا عناء إثبات ضعفها سندًا ومن أمثلة ذلك:
أولاً: الرواية التي تضمّنت أنّ عثمان سأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الزمر: 63] فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما سألني عنها أحد، تفسيرها: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده أستغفر الله... أمّا أول خصلة [يعني لمن قالها] فيحرس من إبليس وجنوده وأمّا الثانية فيعطى قنطارًا في الجنّة وأمّا الثالثة فترفع له درجة في الجنّة وأمّا الرابعة فيزوّجه الله من الحور العين وأمّا الخامسة فله فيها من الأجر كمن حجَّ أو اعتمر فتُقبِّل حجّه وتُقبّلت عمرته فإن مات من يومه خُتم له بطابع الشهداء (1).
قال ابن الجوزي في التعقيب على هذه الرواية وهذا الحديث من الموضوعات النادرة التي لا تليق بمنصب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لأنّه منزّه عن الكلام الركيك والمعنى البعيد (2).
ثانيًا: الرواية التي ورد فيها: يا علي من صلّى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف (قل هو الله أحد) قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة وساق جزافات كثيرة وأعطي سبعين ألف حوراء لكلّ حوراء سبعون ألف غلام وسبعون ألف ولدان الى أن قال: ويشفع والداه كلّ واحد منهما في سبعين ألفًا (3).
وعقّب ابن القيّم على هذه الرواية بقوله: والعجب ممّن شمّ رائحة العلم بالسنّة أن يغترّ بمثل هذا الهذيان ويصلّيها وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة ونشأت من بيت المقدس فوضع لها عدّة أحاديث (4).
ثالثًا: رواية لا آلاء إلا آلاؤك يا الله إنّك سميع عليم محيط به علمك كعسهلون وبالحق أنزلناه وبالحق نزل (5).
وهذا الحديث مضافًا الى ركّة معناه تضمّن مهملة لا يعرف لها معنى في لغة العرب وقد علّق المحدّث القاري على هذه الرواية بقوله وكلمة (كعسهلون) لا يدري معناها فيحرّم كتابتها أو يحتمل أن تكون كلمة كفر يكفر بها متكلّمها وقال: وكان العسقلاني ينكرها وهو قائم على المنبر حتّى في أثناء الخطبة حين يرى من يكتبها (6).
رابعًا: ومن الروايات التي نسبت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو منها براء؛ لسماجتها وركة معانيها الروايات التي تتعلق ببعض الأطعمة وتوصي بتناولها؛ لأنّها تزيد القوة الجنسيّة أو تشفي كثيرًا من الأمراض أو تكون سببًا للقدسيّة.
ومن أمثلتها:
ــ أتاني جبريل بهريسة من الجنّة فأكلتها فأعطيت قوة أربعين رجلاً في الجماع (7).
ــ الباذنجان شفاء من كلّ داء (8)، والباذنجان لما أكل له (9)، أي: إن أكله الإنسان للشفاء من مرض معيّن شفي منه وإن أكله بقصد أن يكون غنيًّا أفاده الغنى!!!
قال ابن قيّم الجوزيّة معلّقًا على هاتين الروايتين: قبّح الله واضعهما فإنّ هذا لو قاله يوحنس أمهر الأطبّاء لسخر النّاس منه ولو أكل الباذنجان للحمّى والسوداء الغالبة وكثير من الأمراض لم يزدها الّا شدّة ولو أكله فقير ليستغني لم يفده الغنى أو جاهل ليتعلّم لم يفده العلم (10).
ــ عليكم بالعدس فإنّه مبارك يرقّق القلب ويكثر الدمعة قدّس فيه سبعون نبيًّا (11).
وقد سُئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث وقيل له: إنّه يُروَى عنك فقال: وعنّي أيضًا؟! أرفع شيء في العدس: أنّه شهوة اليهود ولو قدّس فيه نبي واحد لكان شفاءً من الأدواء فكيف بسبعين نبيًّا؟ وقد سمّاه الله تعالى (أدنى) (12)، ونعى على من اختاره على المنّ والسلوى وجعله قرين الثوم والبصل أفترى أنبياء بني إسرائيل قدّسوه لهذه العلة؟!...
ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على المنّ والسلوى أو أشابههم(13).
فالدليل على عدم صدور مضمون هذه الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) هو: شهادة الحس والتجربة على بطلانها مضافًا الى ركّة معانيها وخلوّها من المضامين التي تليق بمقام الأنبياء (عليهم السلام).
ومن الروايات التي تقع في هذا السياق أيضًا من حيث الركّة وسخافة المضمون:
ــ لا تسبّوا الديك فإنّه صديقي وأنا صديقه وعدوّه عدوي، والذي بعثني بالحق لو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب والفضة، وانّه ليطرد مدى صوته من الجنّ (14).
ــ لو كان الأرز رجلاً لكان حليمًا، ما أكله جائع إلّا أشبعه (15).
ــ النظر الى الوجه الجميل عبادة (16).
ــ أربع لا تشبع من أربع: أنثى من ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر، وأذن من خبر (17).
_____________________
(1) الموضوعات، ابن الجوزي، 1/145.
(2) المصدر نفسه.
(3) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزيّة، ص98-99.
(4) المصدر نفسه.
(5) الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، القاري، ص372.
(6) المصدر نفسه.
(7) الموضوعات، ابن الجوزي، 3/17.
(8) الموضوعات، ابن الجوزي، 2/301.
(9) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزية، ص51.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر السابق، ص51-52.
(12) في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].
(13) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزية، ص52.
(14) الموضوعات، ابن الجوزي، 3/3.
(15) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزيّة، ص54.
(16) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزيّة، ص62.
(17) المنار المنيف، ابن قيّم الجوزيّة، ص99-100.
الاكثر قراءة في مقالات متفرقة في علم الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة