النبيّ إبراهيم عليه السلام هو أوّل من أشرق في قلبه نور يقين
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص267-269
2025-08-29
505
إن النقطة المهمّة والأساسيّة وذات الشأن العالى التي نجدها في الآية الشريفة هي: في البدء أحكمَ الله سبحانه قلب إبراهيم عليه السلام بنور اليقين الحاصل من مشاهدة ملكوت السماوات والأرض، ثمّ أرسله إلى قومه بمهمّة خاصّة وهي إظهار وإيفاء مسألة السير نحو سبيل التوحيد عن طريق البرهان الفلسفيّ والقياس المنطقيّ؛ ذلك أن نور اليقين الحاصل في القلب أقوى وأشدّ وأسمى بكثير من استخدام القوى التفكيريّة والتفكّر والتعقّل الفلسفيّ الداخلة إلى الدماغ والذهن والفكر والخيال. ولم نشهد إبراهيم يَفُز بمهمّة مقارعة قومه بالاستدلال والمنطق إلّا بعد أن تسلّح بالسلاح والحربة الإلهيّتَيْنِ الملكوتيّتَينِ السبحانيّتَينِ.
ويمكن استنباط ذلك من الآيات الشريفة التي سبقت الآيات الشريفة الأخيرة، حيث قال:
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.[1]
ومحصّل الكلام أن على الإنسان أن يخطو بخطوات ثابتة وعزم راسخ وإرادة متينة في طريق المجاهدة واجتياز البهرجة والزخارف الدنيويّة المغرية والخدّاعة، وينأى بنفسه عن جميع هذه التعيّنات والأهواء الشيطانيّة الماكرة والأنانيّة المضيِّعة لعمره، وأن يستند إلى العمل ويترك القول. وكذلك أن يجتاز «لِمَ» و«بِمَ» و«لَعَلَّ»، ويهجر الدعاوى الباطلة والتجمّعات التي تنعقد تحت اسم مجالس العرفان وذكر الحقّ، وأن يصل بنفسه إلى حقيقة العرفان وواقعيّة اسم الحقّ تعالى. على الإنسان أن يخطو إلى الأمام خطوة فخطوة؛ أن يحجّ ويصلّي ويؤدّي باقي أقسام العبادات بحذافيرها. أن يحيي الليالى ويقوم الفجر، ويقضي حوائج الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. ولا يهتمّ بالمصلحة العامّة على حساب نفسه، وأن لا يرمي بنفسه إلى التهلكة ويضرّ نفسه مادّيّاً ومعنويّاً من أجل إيصال المنفعة والخير إلى الآخرين.
هذا هو مذهب الأنبياء! وهذا هو سبيل وسلوك الأنبياء! وهذا هو المنهج والطريق إلى لقاء الله! هذا هو مذهب العرفان الذي ليس من شأنه إبطال مذهب البرهان؛ وهو القائل: أن ذلك المذهب لا يكفي لبلوغ الإنسان الحياة الخالدة.
فذاك صحيح في محلّه، وهذا صحيح ولازم في محلّه كذلك، والإنسان بدون ذلك سيظلّ جائعاً وعطشاناً. أن النفحات الربّانيّة التي يجب أن تهبّ على القلب وتنعشه وترضيه هي الطعام الهنيء والشراب السائغ الذي يحتاج إليه القلب.
إن مذهب الفلسفة والبرهان هو بمثابة رمح تقابل به العدوّ؛ فما الذي تحمله لأجلك أنت؟! إذا أردت أن تهنأ بطعامك وشرابك فعليك أن تحمل سيفاً لتتمكّن من الدفاع عن نفسك في مقابل العدوّ أو الحيوان المفترس! وأمّا الرمح فهو لا يُسمن من جوع ولا يؤمن من خوف! ولو أمسك امرؤٌ بيده سكّينةً لما شبع، وعليه أن يتناول الأطعمة المطبوخة والأشربة المأنوسة ليشبع ويرتوي، وعليه في نفس الوقت أن يمتلك حربةً يستفيد منها عند الضرورة.
فلو اشتغل ألف سنة في مذهب البرهان واكتفى بمطالعة كتب الحكمة والفلسفة واقتنع بمجرّد الاطّلاع على أفكار الإلهيّين في العالم فلن يصل إلى غايته المنشودة.
ولن يهدأ قلب الإنسان أو يطمئنّ فؤاده حتى يتمّ له لقاء الله؛ لأنّ الطمأنينة والسكينة تتلخّصان في ذكر الله وعدم الغفلة عنه، ورؤية الجمال السرمديّ والنور الأحديّ بعين القلب. أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.[2]
[1] - الآية 75، من السورة 6: الأنعام.
[2] - الآية 28، من السورة 13: الرعد: الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة