صفة الوضوء وبيان فرائضه وسننه وفضائله
المؤلف:
الشيخ المفيد
المصدر:
المقنعة
الجزء والصفحة:
ص43_50
2025-08-26
225
إذا أراد المحدث الوضوء من بعض الأشياء التي توجبه من الأحداث المقدم ذكرها فمن السنة أن يجعل الإناء الذي فيه الماء عن يمينه ويقول حين ينظر إليه قبل إدخال يده فيه.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُوراً ولَمْ يَجْعَلْهُ نَجِساً ثُمَّ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وبِاللَّهِ.
ويدخل يده اليمنى في الإناء فيأخذ ملء كفه من الماء فيتمضمض به ثلاث مرات ويقول
اللَّهُمَّ لَقِّنِّي حُجَّتِي يَوْمَ أَلْقَاكَ وأَطْلِقْ لِسَانِي بِذِكْرَاكَ.
ثم يأخذ كفا آخر فيستنشق به ثلاثا ويقول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي طَيِّبَاتِ الْجِنَانِ واجْعَلْنِي مِمَّنْ يَشَمُّ رِيحَهَا ورَوْحَهَا ورَيْحَانَهَا.
ثم يأخذ كفا آخر فيضعه على وجهه من قصاص شعر رأسه ويمر يده على ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا منه إلى محادر شعر ذقنه طولا ثم يأخذ كفا آخر فيغسله به مرة أخرى على الصفة التي ذكرناها ويقول وهو يغسل وجهه- اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَسْوَدُّ فِيهِ الْوُجُوهُ ولَا تُسَوِّدْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ فِيهِ الْوُجُوهُ.
ثم يأخذ كفا آخر من الماء بيده اليمنى فيديره إلى كفه اليسرى ويغسل به يده اليمنى من مرفقه إلى أطراف أصابعه ولا يستقبل شعر ذراعه بغسله ويأخذ كفا آخر فيديره إلى كفه اليسرى ويغسل به يده اليمنى مرة ثانية كالأولة سواء ويسبغ غسلها حتى يدخل المرفق في الغسل ويقول وهو يغسلها.
اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي والْخُلْدَ فِي الْجِنَانِ بِشِمَالِي وحَاسِبْنِي حِساباً يَسِيراً واجْعَلْنِي مِمَّنْ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً.
ثم يأخذ كفا آخر من الماء بيمينه فيغسل به يده اليسرى من المرفق إلى أطراف الأصابع كما غسل يده اليمنى ولا يستقبل الشعر بغسله ثم يأخذ كفا آخر فيغسلها به مرة أخرى ويقول وهو يغلسها اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي ولَا تَجْعَلْهَا مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِي.
ثم يرفع يده اليمنى بما فيها من البلل فيمسح بها من مقدم رأسه مقدار ثلاث أصابع مضمومة من ناصيته إلى قصاص شعره مرة واحدة ولا يستقبل بالمسح شعر رأسه ويقول- اللَّهُمَّ غَشِّنِي بِرَحْمَتِكَ وبَرَكَاتِكَ.
ثم يضع يديه جميعا بما بقي فيهما من البلل على ظاهر قدميه فيمسحهما جميعا معا من أطراف أصابعهما إلى الكعبين مرة واحدة أيضا ويقول اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمَيَّ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ واجْعَلْ سَعْيِي فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي يَا ذَا الْجَلَالِ والْإِكْرَامِ (1)..
والكعبان هما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط وليسا الأعظم التي عن اليمين والشمال من الساقين الخارجة عنهما كما يظن ذلك العامة ويسمونها الكعبين بل هذه عظام الساقين والعرب تسمي كل واحد منهما ظنبوبا والكعب في كل قدم واحد وهو ما علا منه في وسطه على ما ذكرناه.
وإذا فرغ المتوضئ من وضوئه فليقل- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ واجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ (2).
ووضوء المرأة كوضوء الرجل سواء إلا أن السنة أن تبتدئ المرأة في غسل يديها بعد وجهها بباطن ذراعيها ويبتدئ الرجل بغسل الظاهر منهما.
ومرخص للمرأة في مسح رأسها أن تمسح منه بإصبع واحدة ما اتصل بها منه وتدخل إصبعها تحت قناعها فتمسح على شعرها ولو كان ذلك مقدار أنملة في صلاة الظهر والعصر والعشاء الآخرة وتنزع قناعها في صلاة الغداة والمغرب فتسمح على رأسها بمقدار ثلاث أصابع منه حتى تكون مسبغة لطهارتها بذلك وإنما رخص لها في الصلوات الثلاث المذكورة أن تمسح رأسها من تحت القناع لرفع المشقة عنها بنزعه في هذه الأوقات ووجب عليها إيصال المسح إلى حده وإن كان ذلك لا يتم إلا بنزع القناع في وضوء المغرب والغداة لأن من عادة النساء أن يضعن ثيابهن في هذين الوقتين فلا يشق عليهن مسحه على الإسباغ ومن توضأ على ما شرحناه وقال في وضوئه ما أثبتناه فقد أتى بالفرض و السنة.
ومن ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء لم يخل تركه بطهارته إلا أنه يكون تاركا فضلا.
ومن غسل وجهه وذراعيه مرة مرة أدى الواجب عليه وإذا غسل هذه الأبعاض مرتين مرتين حاز به أجرا وأصاب به فضلا وأسبغ وضوئه بذلك واحتاط لنفسه.
وليس في المسح على الرأس والرجلين سنة أكثر من مرة مرة وهو الفرض لأنه مبني على التخفيف وتثنيته موجبة للتثقيل وربما أشبه إعادة المسح الغسل بالإسباغ فلذلك لا يجوز المسح أكثر من مرة واحدة.
وإن توضأ الإنسان فقال على وضوئه من الكلام ما شرحناه أصاب السنة والفضيلة وإن لم يقل شيئا منه لم يضر ذلك بفرضه وإن كان تاركا عملا طيبا يؤجر عليه.
والوضوء قربة إلى الله تعالى فينبغي للعبد أن يخلص النية فيه ويجعله لوجه الله عز وجل وكل ما فعل فيه فضلا وأصاب به سنة كان أكمل له وأعظم لأجره فيه وأقرب إلى قبوله منه إن شاء الله.
ومن توضأ وفي يده خاتم فليدره أو يحركه عند غسل يده ليصل الماء إلى تحته وكذلك المرأة إذا كان عليها سوار أو نحوه فينبغي أن تديره أو تحركه ليدخل الماء فإن كان الخاتم ضيقا لا يمكن تحريكه فلينزعه عند الوضوء وكذلك الحكم في الدملج عند الطهارة المفترضة بالغسل والسير يكون في عضد الإنسان لحرز وأشباهه.
وليس يضر المتوضئ ما رجع من الماء الواقع على الأرض أو غيرها على ثيابه وبدنه بل هو طاهر وكذلك ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي يستنجي به ثم يرجع عليه لا يضره ولا ينجس شيئا من ثيابه وبدنه إلا أن يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها في رجوعه عليه فيجب عليه حينئذ غسل ما أصابه منه ولا يجوز التفريق بين الوضوء فيغسل الإنسان وجهه ثم يصبر هنيئة (3) ثم يغسل يديه بل يتابع ذلك ويصل غسل يديه بغسل وجهه ومسح رأسه بغسل يديه ومسح رجليه بمسح رأسه و لا يجعل بين ذلك مهلة إلا لضرورة بانقطاع الماء عنه أو غيره مما يلجئه إلى التفريق وإن فرق وضوئه لضرورة حتى يجف ما تقدم منه استأنف الوضوء من أوله و إن لم يجف وصله من حيث قطعه و كذلك إن نسي مسح رأسه ثم ذكره وفي يده بلل من الوضوء فليمسح بذلك عليه وعلى رجليه و إن نسي مسح رجليه فليمسحهما إذا ذكر ببلل وضوئه من يديه فإن لم يكن في يديه بلل وكان في لحيته أو حاجبيه أخذ منه ما تندى به أطراف أصابع يديه و مسح بهما رأسه وظاهر قدميه وإن كان قليلا فإن ذكر ما نسيه وقد جف وضوئه ولم يبق من نداوته شيء فليستأنف الوضوء من أوله ليكون مسح رأسه ورجليه بنداوة الوضوء كما قدمناه.
ويجزي الإنسان في مسح رأسه أن يمسح من مقدمه مقدار إصبع يضعها عليه عرضا مع الشعر إلى قصاصه وإن مسح منه مقدار ثلاث أصابع مضمومة بالعرض كان قد أسبغ وفعل الأفضل كما ذكرناه.
وكذلك يجزيه في مسح رجليه أن يمسح على كل واحدة منهما برأس مسبحته من أصابعهما إلى الكعبين وإذا مسحهما بكفيه كان أفضله.
ولا يجوز لأحد أن يجعل موضع المسح من رجليه غسلا ولا يبدل مسح رأسه بغسله كما لا يجوز أن يجعل موضع غسل وجهه ويديه مسحا بل يضع الوضوء مواضعه فيغسل الوجه واليدين ويمسح بالرأس والرجلين ولا يتعدى أمر الله عز وجل إلى خلافه.
فإن أحب الإنسان أن يغسل رجليه لإزالة أذى عنهما وتنظيفهما أو تبريدهما فليقدم ذلك قبل الوضوء ثم ليتوضأ بعده ويختم وضوئه بمسح رجليه حتى يكون بذلك ممتثلا أمر الله تعالى في ترتيب الوضوءه فإن نسي تنظيف رجليه بالغسل قبل الوضوء أو أخره لسبب من الأسباب فليجعل بينه وبين وضوئه مهلة ويفرق بينهما بزمان قل أم كثر ولا يتابع بينه ليفصل الوضوء المأمور به من غيره إن شاء الله.
وليس في مسح الأذنين سنة ولا فضيلة ومن مسح ظاهر أذنيه أو باطنهما في الوضوء فقد أبدع.
وغسل الوجه والذراعين في الوضوء مرة مرة فريضة وتثنيته إسباغ وفضيلة وتثليثه تكلف ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا.
ولا يجوز المسح بالرأس في الوضوء أكثر من مرة واحدة وكذلك مسح الرجلين لأنه موضوع على التخفيف.
ولا يستأنف للمسح ماء جديدا بل يستعمل فيه نداوة الوضوء بالغسل على ما قدمناه.
ومن أخطأ في الوضوء فقدم غسل يديه على غسل وجهه رجع فغسل وجهه ثم أعاد غسل يديه وكذلك إن قدم غسل يده اليسرى على يده اليمنى وجب عليه الرجوع إلى غسل يده اليمنى وأعاد غسل يده اليسرى وكذلك إن قدم مسح رجليه على مسح رأسه رجع فمسح رأسه ثم أعاد مسح رجليه فإن ترك ذلك حتى يجف ما وضأه من جوارحه أعاد الوضوء مستأنفا ليكون وضوئه متتابعا غير متفرق إن شاء الله.
ومن كان جالسا على حال الوضوء لم يفرغ منه فعرض له ظن أنه قد أحدث ما ينقض وضوئه أو توهم أنه قدم مؤخرا منه أو أخر مقدما منه وجب عليه إعادة الوضوء من أوله ليقوم من مجلسه وقد فرغ من وضوئه على يقين لسلامته من الفساد.
فإن عرض له شك فيه بعد فراغه منه وقيامه من مكانه لم يلتفت إلى ذلك وقضى باليقين عليه.
فإن تيقن أنه قد انتقض بحادث يفسد الطهارة أو بتقديم مؤخر أو تأخير مقدم أعاد الوضوء من أوله على الاستئناف.
فإن تيقن أنه قد تطهر وتيقن أنه قد أحدث ولم يعلم أيهما سبق صاحبه وجب عليه الوضوء ليزول الشك عنه فيه ويدخل في صلاته على يقين من الطهارة.
ومن كان على يقين من الطهارة وشك في انتقاضها فليعمل على يقينه ولا يلتفت إلى الشك وليس عليه طهارة إلا أن يتيقن الحدث.
وكذلك إن كان على يقين من الحدث وشك في الطهارة فالواجب عليه استئناف الطهارة ليحصل له اليقين بها ولا يجزيه صلاة مع شك في الطهارة لها فينبغي أن يعرف هذا الباب ليكون العمل عليه.
__________________
(1) كلّ الأدعية من أوّل الباب إلى هنا- مع اختلاف- موجود في الوسائل ج 1، الباب 16 من أبواب الوضوء، ح 1، ص 282.
(2) الوسائل ج 1، الباب 26 من أبواب الوضوء، ح 1 ص 298 مع تفاوت.
الاكثر قراءة في مسائل متفرقة تتعلق بالوضوء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة