الدور الذي قامت به الاسكندرية في الأدب والعلوم (الشعر في الاسكندرية)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 258 ــ 260
2025-07-26
362
يُلحَظ مما ذكرناه عن النثر في العهد الهيلانستيكي أنه كان نموًّا طبعيًّا لنثر القرن الرابع عشر ولكن الشعر في هذا العصر إذا استثنينا التمثيليات الهزلية والمقطوعات الشعرية الحاذقة كان لا يدل على اتصال مستمر بالتقاليد، وسبب ذلك أن الأثينيين قد رفعوا شأن الدراما على حساب النواحي الأخرى من الشعر، وقد ظهر انتعاش الشعر الخارج عن نطاق الدراما أولًا حوالي 300ق.م وقد كان أول الشعراء الذين برزوا في هذا المضمار في المدن التي تقع على الساحل الجنوبي الغربي لساحل «آسيا الصغرى» والجزر المجاورة لها هم:
«فيلتاس» Philetas مواطن جزيرة «كوس» و«أسكليبيادس» مواطن «ساموس» Ascdepiades Of Samos و«سيمياس الروديسي» Simias، وقد جمع الأول والثاني حولهما تلاميذ ورفاقًا ساروا على مذهبهما، وفي هذه الأيام كانت المسافة من جزيرة «كوس» أو «ساموس» حتى «الإسكندرية» مهد الحضارة والعلوم سهلة ميسورة، وفي حين نقرأ أن الشعراء القدامى كانوا يَثْوُون في عقر دارهم، نجد الجيل الجديد يولي وجوههم شطر مصر، وقد أغْرَتْ هذه الروح الجماعة التي نشئوا فيها جو «الميوزيون»، يضاف إلى ذلك أنه قد نشأت سهولة عظيمة في المواصلات بين رجال الأدب وقتئذ فنُشرت هذه التقاليد حتى امتدت إلى كل أرجاء العالم الإغريقي.
وكانت أحب صور الشعر عند الإسكندريين الملاحم والمراثي والشعر الغنائي والرَّجَز Iambus والمقطوعات الصغيرة Epigrams، ومما يطيب ذكره هنا أن الشعر الديني لم يكن له مكانة تلفت النظر في الشعر الإسكندري، وذلك لأن الشعر عند الإسكندريين كان معناه علم الأساطير، وكان الأولمبيون يشاطرونهم على السواء في ذلك، وسبب ذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الأبطال والبطلات في القصة الإغريقية بأنهم شخصيات هامة تقدم تراجمهم الفنية بالتفاصيل المنوعة للشاعر بعرض ممتاز، وذلك لإظهار تعمقه في المعرفة وحسب.
ومن جهة أخرى لم يكن من المنتظر أن نجد شعرًا وطنيًّا حماسيًّا كما كانت الحال في العهد الإغريقي المبكر، غير أن المدن والأقوام كانوا مهتمين بماضيهم.
هذا ونجد أن بُعد القوم عن الدين والوطنية وعدم ذكرهما في أشعارهم قد سهل عليهم اتخاذ العلوم الطبيعية موضوعات لشعرهم، ولا أدل على ذلك من أن الإسكندريين قد احتفلوا بالأعمال العظيمة التي قام بها زملاؤهم في «الميوزيون»، يضاف إلى ذلك أن «إراتوستنيس» نفسه وهو جغرافي مبرز كما ذكرنا قد كتب قصيدة في النجوم، ولكن كان هناك ميدان معلومات آخر اهتم به الإسكندريون اهتمامًا بالغًا، وذلك هو سجل عهد طفولة الدولة الإغريقية، وكان القوم قد ورثوه منذ أقدم العهود، وقد جُمع الآن في أمهات المكتبات فكان في متناول العلماء المثقفين، وقد اتخذ شعراء الإسكندرية من هذه الموضوعات منبعًا فياضًا ينهلون منه في صياغة شعرهم وبخاصة الأساطير المحلية التي أنشأها خيال الشعب في العهد الإغريقي المبكر، وذلك في حين أن أدب العصر الكلاسيكي لم يكد يَلحظ ذلك، وقد كان الغرض من نسْخ هذه القصص في صور شعرية هو تفسير بعض عادات قومية أو شعرية دينية أو صورة من صور الحياة الريفية، وقد كان هذا العنصر البعيد هو الذي حببها للإسكندريين الذين كانوا غالبًا ما يجعلون هذه القصص ترجع إلى قصة غرام بين إنسانين أو بين إنسان وإله، وكان «كاليماكوس» يعد أعظم شاعر في العصر الذهبي الإسكندري؛ فقد كان يقول متمدحًا بشعره:
دع آخر ينهق على طريقة ذي الأذنين الطويلتين، ولكن دعني أكن الرشيق المجنح.
وُلد «كاليماكوس» حوالي عام 310ق.م ثم هاجر من «سيريني» إلى «الإسكندرية» وكشف عن مواهبه عندما كان يعمل مدرسًا في مدرسة ضاحية «إليوزيس» Eleusis، ومن المحتمل أن مقطوعاته الشعرية القصيرة التي كانت تنطوي على نكات، وكانت السائدة في هذا العصر، قد لفتت نظر بلاط «بطليموس» إليه، وقد منحه الأخير وظيفة أمين مكتبة الإسكندرية، وكان في صباغ مشغولًا بتحضير فهرس المكتبة، ولم ينقطع عن قول الشعر حتى آخر أيام حياته في عهد بطليموس الثالث «أيرجيتيس»، ومن سوء الحظ لم يبقَ من الكتب الثمانية التي وضعها على حسب قول «سويداس» إلا القليل جدًّا، ويُلحظ في بعض شعره أنه كان ينهج نهج «هومر»، غير أننا نجد في قصيدتين على الأقل أنه أقحم فيها السياسة؛ فقد وصف أنشودة له وضعها عن الإله «زيوس» بأنها مقال عن الحقوق الإلهية للملك، ومن ثم نفهم أن «كاليماكوس» كان قد درس نظام الحكم المصري القديم، وأراد أن يرضي «بطليموس» بوضعه في مصافِّ ملوك مصر الذين كانوا يعدون أولاد «رع» وأنهم آلهة، أما قصيدته للإله «أبولو» فالظاهر أن الغرض منها كان عودة السلام مع «سيريني» وجعْلها تحت سيادة «أيرجيتيس» على أن أهم شعر صاغه «كاليماكوس» هي قصيدة «الأسباب» وهي عبارة عن خليط من المعلومات في التاريخ والجغرافيا والأساطير أملاها خيال الشاعر بوساطة إلهات الشعر والموسيقَا والفنون الأخرى الحرة (أولاد الإله «زيوس» و«منوزين») وأسماء «الميوزيس» هي: (1) كاليوب Calliope وهي خاصة بشعر الملاحم. (2) و«كليو» Klio التاريخ. (3) الغزَل. (4) إيترب Euterpe = الشعر الغنائي. (5) ميلبومين Melpomene = المأساة. (6) بوليهمنيا Polyhymnia = الشعر الغنائي والبلاغة. (7) «تربسيكوري» Terpsichore = الرقص. (8) تاليا Thlia = التمثيل الهزلي. (9) أورانيا Urania الفَلَك.
ومن أهم ما أنشأه لنا «كاليماكوس» مرثيته التي أنشأها في موت «أرسنوي» زوج «بطليموس» الثاني وقد خالف فيها هذا الشاعر نغمته المعتادة؛ إذ وضعها في نغمة عاطفية مؤثرة، فنجد في البداية القصيرة التي يصف فيها صعود روح «أرسنوي» إلى النجوم، وكذلك المشهد الذي يأتي بعد ذلك نشاهد «كاريس» بعد سهرها على جبل «أثوس» تخبر «فيلوتيرا» الحزينة وهي أخت «أرسنوي» المؤلهة أن السحب العابسة التي تغطي السماء تأتي من جنازة الملكة في مصر حيث تنعي الأمة قاطبة فقيدتها، وقد عبر الشاعر عن ذلك على الرغم من تمزيق المتن بكلمات مؤثرة في النفس.
ومما تجدر ملاحظته هنا أن صعود روح الملكة إلى السماء لتتحد بالنجوم وتصبح واحدة منها فكرة مصرية ترجع إلى متون الأهرام ولم تظهر عند ملوك البطالمة إلا بعد أن أصبح الملك «بطليموس الثاني» وزوجه مؤلَّهين وذلك باعتناقهما المذهب الإلهي المصري وهو أن الملك هو ابن الإله «رع» أو «آمون رع» وأظن أن في ذلك برهانًا قاطعًا يدحض الفكرة القائلة إن موضوع التأليه إغريقي في أصله.
وأخيرًا نذكر من شعراء «الإسكندرية» النابهين في هذا العصر «أبوللونيوس» الذي يطلق عليه لقب الروديسي، ولكنه كان في الأصل من «نقراش» أو من «الإسكندرية»، وهو يعتبر الشاعر الهيلانستيكي الوحيد من بين شعراء الطبقة الأولى الذين وُلدوا في مصر، وقد أطلق عليه «كاليماكوس» اسم الطائر «أيبس» وهو طائر له طبائع قذرة. وقد وُلد في النصف الأول من حكم بطليموس أيرجيتيس حوالي عام 235.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة