الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أبو عمر أحمد بن عبد ربه
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص49-52
2025-07-16
57
وقال في ترجمة صاحب العقد الفريد العالم أبي عمر أحمد بن عبد ربه (1):
عالم ساد بالعلم ورأس، واقتبس به من الحظوة ما اقتبس، وشهر بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذكره، واستطار شرر الذكاء فكره، وكانت له عناية بالعلم وثقة، ورواية له متّسقة، وأمّا الأدب فهو - كان - حجّته، وبه غمرت الأفهام لجته، مع صيانة وورع، وديانة ورد ماءها فكرع، وله التأليف المشهور الذي سمّاه ب " العقد "، وحماه عن عثرات النقد؛ لأنّه أبرزه مثقّف القناة، مرهف الشّباة، تقصر عنه ثواقب الألباب، وتبصر السحر منه في كل باب، وله شعر انتهى منتهاه، وتجاوز سماك الإحسان وسماه.
أخبرني ابن حزم أنّه مرّ بقصر من قصور قرطبة لبعض الرؤساء فسمع منه غناء أذهب لبّه، وألهب قلبه، فبينما هو واقف تحت القصر إذ رشّ بماء من أعاليه، فاستدعى رقعة، وكتب إلى صاحب القصر بهذه القطعة:
يا من يضنّ بصوت الطائر الغرد ... ما كنت أحسب هذا الضنّ في أحد
لو أنّ أسماع أهل الأرض قاطبة ... أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد
فلا تضنّ على سمعي ومنّ به ... صوتاً يجول مجال الروح في الجسد
أمّا النّبيذ فإنّي لست أشربه ... ولا أجيئك إلاّ كسرتي بيدي وعزم فتى كان يتألّفه، وخامره كلفه، على الرحيل في غده، فأذهبت عزمته قوى جلده، فلمّا أصبح عاقته السماء بالأنواء، وساقته مكرهاً إلى الثّواء، فاستراح أبو عمر من كمده، وانفسح له من التواصل ضائق أمده، فكتب إلى المذكور، العازم على البكور:
هلاّ ابتكرت لبين أنت مبتكر ... هيهات يأبى عليك الله والقدر
ما زلت أبكي حذار البين ملتهباً ... حتى رثى لي فيك الريح والمطر
يا برده من حيا مزنٍ على كبدٍ ... نيرانها بغليل الشوق تستعر
آليت أن لا أرى شمساً ولا قمراً ... حتى أراك فأنت الشمس والقمر
ومن شعره الذي صرّح به تصريح الصب، وبرّح فيه وقائع اسم الحب، قوله:
الجسم في بلدٍ والروح في بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد
إن تبك عيناك لي يا من كلفت به ... من رحمةٍ فهما سهماك في كبدي ومنه قوله:
ودّعتني بزفرة (2) واعتناق ... ثمّ نادت متى يكون التلاقي
وبدت لي فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق
يا سقيم الجفون من غير سقم ... بين عينيك مصرع العشاق
إنّ يوم الفراق أفظع يومٍ ... ليتني متّ قبل يوم الفراق وله أيضاً:
يا ذا الذي خطّ الجمال بخده ... خطّين هاجا لوعةً وبلابلا
ما صحّ عندي أنّ لحظك صارمٌ ... حتى لبست بعارضيك حمائلا
وأخبرني بعضهم أن الخطيب أبا الوليد ابن عيال (3) حج، فلمّا انصرف، تطلّع إلى لقاء المتنبي واستشرف، ورأى أن لقياه فائدة يكتسبها، وحلّة فخر لا يحتسبها، فصار إليه فوجده في مسجد عمرو بن العاص، ففاوضه قليلاً، ثمّ قال: أنشدني لمليح الأندلس، يعني ابن عبد ربّه، فأنشده:
يا لؤلؤاً يسبي العقول أنيقا ... ورشاً بتقطيع القلوب رفيقا
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درّاً يعود من الحياء عقيقا
وإذا نظرتَ إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا
يا من تقطّع خصره من رقّةٍ ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا
فلمّا أكمل إنشادها استعادها منه، وقال: يا ابن عبد ربّه، لقد تأتيك العراق حبواً.
وله أيضاً:
ومعذر نقش الجمال بخطّه ... خدّاً له بدم القلوب مضرّجاً
لمّا تيقّن أنّ سيف جفونه ... من نرجس جعل النّجاد بنفسجا وله أيضاً:
وساحبة فضل الذيول كأنّها ... قضيبٌ من الريحان فوق كثيب
إذا ما بدت من ثغرها قال صاحبي ... أطعني وخذ من وصلها بنصيب
وله أيضاً:
هيّج الشوق دواعي سقمي ... وكسا الجسم ثياب الألم
أيّها البين أقلني مرّة ... فإذا عدت فقد حلّ دمي
يا خليّ الذّرع نم في غبطة ... إنّ من فارقته لم ينم
ولقد هاج بجسمي سقماً ... حب من لو شاء داوى سقمي
وبلغ سنّ عوف بن محلم (4)، واعترف بذلك اعتراف متألم، عندما وهت شدته، وبليت جدّته، وهو آخر شعر قال، ثم عثر في أذيال الردى وما استقال:
كلاني لما بي عاذليّ كفاني ... طويت زماني برهةً وطواني
بليت وأبليت اللّيالي مكرهاً ... وصرفان للأيام معتوران
وما لي لا أبلى لسبعين حجّة ... وعشرٍ أتت من بعدها سنتان
فلا تسألاني عن تباريح علّتي ... ودونكما منّي الذي تريان
وإنّي بحول الله راجٍ لفضله ... ولي من ضمان الله خير ضمان
ولست أبالي من تباريح علّتي ... إذا كان عقلي باقياً ولساني وفي أيام إقلاعه عن صبوته، وارتجاعه عن تلك الغفلة وأوبته، وانشائه عن مجون المجون إلى صفاء توبته، محص أشعاره في الغزل بما ينافيها، ونصل من قوادمها وخوافيها، بأشعار في الزهد على أعاريضها وقوافيها، منها القطعة التي أوّلها:
هلاّ ابتكرت لبينٍ أنت مبتكر ... محصها بقوله:
يا راقداً ليس يعفو حين يقتدر ... ماذا الذي بعد شيب الرأس تنتظر
عاين بقلبك إنّ العين غافلة ... عن الحقيقة واعلم أنّها سقر
سوداء تزفر من غيظ إذا سفرت ... للظالمين فلا تبقي ولا تذر
لو لم يكن لك غير الموت موعظةً ... لكان فيه عن اللّذات مزدجر
أنت المقول له ما قلت مبتدئاً: ... هلاّ ابتكرت لبينٍ أنت مبتكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المطمح: 51 - 53 وبعض مقطعات ابن عبد ربه وردت في الأجزاء السابقة.
(2) المطمح: بزورة.
(3) كذا هنا وفي بعض أصول المطمح: ابن عقال.
(4) هو القائل:
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
