عودة الإسكندر من واحة سيوة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 75 ــ 77
2025-07-13
299
بعد أن عاد الإسكندر الأكبر من واحة «سيوة» وهو يحمل لقب فرعون بكل معاني الكلمة أمضى الشهر الأخير من إقامته في مصر في مدينة «منف»، وقد كانت أول مهمة قام بها هي تنظيم أحوال البلاد وتعيين موظفين مختلفين ليقوموا بإدارة الحكومة، وفي هذه الفترة زاره رئيس أسطوله المسمى «هجلوكس» Hegelochus، وكان معه أسرى «أريستونيكوس» مبتمنا Aristonikus of Mythymna، وغيره من مختلف ملوك مدن الإغريق، فأمر الإسكندر أن يسلموا هؤلاء إلى مدنهم وأن يعاملهم السكان كما شاءوا باستثناء «شيان أبوللونيدس» Chian Apollonides الذي أُرسل إلى الفنتين ليُسجن هناك، والظاهر أن هؤلاء المستبدين قد ارتكبوا فظائع كبيرة في معظم المدن لدرجة أنهم لما سُلموا إلى بلادهم عُذبوا حتى الموت (راجع: Cartius, IV, 10, 3; Arrian III, 261; Curtius VI, 18, 8).
ويُلحَظ أن الإسكندر منذ اللحظة التي تُوِّج فيها ملكًا على مصر أصبح يُدعَى ابن الإله ووارثه ملك القطرين، وبعبارة أخرى كان يُعَدُّ في نظر المصريين إلهًا، ولكن الإغريق في مصر لم يكونوا ينظرون إلى هذا الحدث كما كان ينظر إليه المصريون، بل كانوا ينظرون إليه بأنه إجراء سياسي ولم يأخذوه بصورة رسمية، وذلك في العالم الإغريقي الذي ألَّهه بهذه الصورة، وقد كانت رغبة الإسكندر في تأليهه عند الإغريق ليثبت قدمه في المدن الإغريقية وينشر سلطانه عليها، وقد اعتقد بعض الإغريق في إلهية الإسكندر وعبادته في مدة حياته، وذلك عندما بدأت المدن تتعبد لأخلافه، وذلك لأن هؤلاء رحبوا بالفائدة السياسية التي ستعود عليهم كما عادت عليه، فقد عُبِد كل من «أنتيجونوس الأول» و«ديمتريوس الأول» و«ليزيماكوس» و«سيلوكوس» و«بطليموس الأول» وكلهم من قواده، وكذلك عُبدت «كاسندر» في مدن مختلفة، غير أنه لم يصبح واحد منهم إلهًا رسميًّا مدة حياته، وقد نجا ثلاثة من الإغريق في مصر من الخطر لأنهم عظموا «بطليموس الأول» وزوجته «برنيكي» بوصفه الإله المخلص، (راجع: Archiv V, 156, No. 1) غير أن ذلك لم يكن تأليهًا رسميًّا، وعلى أية حال عُبد «الإسكندر» في الإسكندرية بوصفه مؤسس المدينة، (راجع: Plaumann Archiv VI. 77) كما كان يعبد مؤسسو مدن أخرى في الغالب، وبعد وفاته عُبد «إيمنيس» وجيشه المقدوني، ومن المحتمل أنه كانت هناك عبادة رسمية «للإسكندر» كما توحي بذلك النقود في مملكة «ليزيماكوس».
ولكن العبادة التي كانت تعد حقًّا مفاجأة للعالم كانت العبادة الرسمية للملك وهي التي أسسها «بطليموس الثاني» كما سنتحدث عن ذلك بعد، ويحتمل أن ذلك قد حدث بعد أن تُوِّج ملكًا على مصر، وبعد ذلك أسس «بطليموس» الثاني عام 280ق.م في الإسكندرية عيدًا عظيمًا لوالده «بطليموس» الأول وقد حذا حذوه «أنتيوكوس» فإله «سيلوكوس» بوصفه «زيوس نيكاتور»، وبعد ذلك أصبح كل ملك على هذا المبدأ يُؤلَّه رسميًّا بعد موته مثل الإسكندر.
ومن المحتمل أن «بطليموس الثاني» هو الذي اتخذ الخطوة الحاسمة في هذا الصدد، وذلك أن أخته «أرسنوي الثانية» قد أُلِّهَت رسميًّا قبل موتها بوصفها الإلهة «فيلادلفس» ومعها «بطليموس الثاني» (الذي لم يدع قط فيلادلفس) الذي أصبح كذلك إلهًا في مدة حياته؛ إذ كان يُعبد معها أو بمفرده، وبعد ذلك أصبح كل ملك يحكم مصر يُدعَى إلهًا بطبيعة الحال، ويأخذ مكانته في العبادة الرسمية، وقد كان على رأس هذه العبادة «الإسكندر الأكبر» الذي يقوم بالكهانة له أعظم من في مصر (راجع: Bibligraphy: C. A. H. Vol. VI, 598, add-L.R Taylor J. H. S, (1927) 5; Tarn J. H. S. (1928), P. 206).
هذا ما كان من أمر الإغريق بالنسبة للإسكندر، أما المصريون أهل البلاد فكان «الإسكندر» في نظرهم ابن «آمون»، وإله يُعبد بوصفه فرعون مصر، وقد كانت القاعدة المتبعة أن يحمل كل فرعون خمسة أسماء كبار يختارها لنفسه وتكون خاصة به وتُنقش على الآثار، وقد كانت هذه هي العادة المتبعة منذ الدولة القديمة، وهذه الأسماء هي:
(1) «الاسم الحوري» أو اسم «القرين»: ويمثل الملك بوصفه المثيل الأرضى للإله القديم الذي كان يمثل في صورة الصقر «حور» الذي أصبح في الأزمان القديمة جدًّا إله مصر الأسرى وبهذه الصفة وحد بإله الشمس «رع» نفسه، وهذا الاسم كان يكتب عادة في إطار مستطيل وفي أسفله رسم باب وهمي كما نشاهد ذلك في مقابر الدولة القديمة المصرية، وعلى قمة هذا المستطيل يشاهد الصقر الذي يمثل حور، والظاهر أن هذا المستطيل والباب الوهمي الذي في أسفله يمثل القصر الملكي.
(2) الاسم الثاني هو «نبتي»: ومعناه السيدتان، ويظهر الملك بوصفه موحدًا في شخصه الإلهتين الرئيسيتين للبلاد في العهد الذي سبق الأسرة الأولى مباشرة عندما كانت مصر لا تزال مقسمة مملكتين، وهاتان الإلهتان هما العقاب «نخبت» إلهة الوجه القبلي في مدينة الكاب، والإلهة و«اجبت» (أجو) وتمثل في صورة حية للوجه البحري ومقرها مدينة «دب» وهاتان المدينتان كانتا تجاوران مباشرة العاصمتين «نخن» (هيراكليو بوليس) و«ب» على التوالي، وهذا السبب في شهرة هاتين الإلهتين.
(3) الاسم «حور الذهبي»: ومعناه في أول الأمر «حور المصنوع من الذهب» ثم قُصد به في العصر المتأخر حور المنتصر على «ست»، وبعد ذكر نعت حور الذهبي يأتي الاسم الذي كان يصف هذا النعت.
(4) لقب الملك: وهو الذي يسبق اللقب «نسوت بيتي» (أي الخاص بنبات البردي أو الحلفا والنحلة، وذلك أن النبات «سوت» كان يمثل الوجه القبلي والنحلة تمثل الوجه البحري، ومعنى اللقب (نسوت بيتي) ملك الوجه القبلي والبحري ويُكتب اللقب الذي يأتي بعد ذلك في طغراء).
(5) اسم الملك: ويقدَّم بالنعت «ابن رع» أي ابن «إله الشمس» «رع» والاسم الذي يكون في طغراء بعد عبارة «ابن رع» هو الاسم الذي كان ينادى به الملك مثل الإسكندر أو بطليموس أو «تحتمس» … إلخ.
ومما يؤسف له جد الأسف أنه لم يصلنا من الأسماء الكبيرة الخمسة للإسكندر إلا ثلاثة أسماء نذكر منها اسمه المصنوع من الذهب أو «حور القاهر ست»: وهو الأمير الشجاع الذي استولى على البلاد الأجنبية وحامي مصر، وفي هذا اللقب ما يشعر بما كانت تطمح إليه نفس الإسكندر الأكبر.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة