النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
منطلقات ثورة الإمام الحسين "ع" وثمارها
المؤلف:
السيد علي الخامنئي
المصدر:
إنسان بعمر 250 سنة
الجزء والصفحة:
ص209-220
2025-07-11
39
الأرضيّة الممهّدة للثّورة
إنّه خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الّذي يقع في عصره هذا الانحراف بشرط أن يكون الوقت مناسبًا للقيام بذلك، لأنّ الله لا يُكلّف بشيء لا فائدة فيه. بالطّبع، الوقت المناسب لا يعني عدم وجود الخطر، كلّا، ليس هذا هو المقصود، فمعنى هذه العبارة، هو أن يعلم الإنسان أنّ هذا العمل الّذي يقوم به تترتّب عليه نتيجة، أي إبلاغ النّداء إلى النّاس وإفهامهم وعدم بقائهم على خطئهم. وربّما أنّ الإسلام في عصر الإمام الحسين عليه السلام قد تعرّض للتحريف وكان الوقت مناسبًا والأرضيّة ممهّدة، لذا وجب على الحسين عليه السلام أن يثور. فالشّخص الّذي تولّى السّلطة بعد معاوية لم يُراعِ حتّى ظواهر الإسلام. وكان منغمسًا في الخمر والمجون والتهكّم على القرآن وترويج الشّعر المخالف للقرآن والّذي يتهجّم على الدّين ويُجاهر بمخالفة الإسلام، غاية الأمر، لأنّ اسمه رئيس المسلمين لم يُرد أن يحذف اسم الإسلام. فهو لم يكن عاملًا بالإسلام ولا محبّاً له، وكان بعمله هذا كنبع الماء الآسن الّذي يُفسد ما حوله ويعمّ المجتمع الإسلاميّ. هكذا يكون الحاكم الفاسد، فبما أنّه يتربّع على قمّة المرتفع، فما يصدر عنه لا يبقى في مكانه، بل ينتشر ليملأ ما حوله، خلافًا للنّاس العاديّين حيث يبقى فسادهم لأنفسهم أو لبعضٍ ممّن حولهم. وكلّ من شغل مقامًا ومنصبًا أرفع في المجتمع الإسلاميّ كان ضرره وفساده أكبر. لكن لو فسد من يقع على رأس السّلطة لانتشر فساده وشمل كلّ الأرض، كما أنّه لو كان صالحًا، لامتدّ الصّلاح إلى كلّ مكان. فشخصٌ مفسدٌ كهذا أصبح خليفة المسلمين بعد معاوية، وخليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ! فهل هناك انحرافٌ أكبر من هذا؟
هل أنّ معناه عدم وجود الخطر؟ كلّا، فالخطر موجود. فلا معنى أن يبقى من هو على رأس السّلطة ساكتًا أمام معارضيه ولا يخلق لهم المخاطر، بل من البديهيّ أن يوجّه لهم الضّربات، فعندما نقول الوقت المناسب، فمعناه أنّ الظروف في المجتمع الإسلاميّ مؤاتية لأن يُبلّغ الإمام الحسين عليه السلام نداءه إلى النّاس في ذلك العصر وعلى مرّ التاريخ.
فلو أراد الإمام الحسين عليه السلام الثّورة في عصر معاوية لدُفن نداؤه، وذلك لأنّ وضع الحكم في زمن معاوية والسياسات كانت بحيث لا يُمكن للنّاس معها سماع قول الحقّ، لذلك لم يقل الإمام الحسين عليه السلام شيئًا طيلة السّنوات العشر الّتي كان فيها إمامًا في زمن معاوية، فهو لم يفعل شيئًا ولم يُقدم ولم يثُر لأنّ الظّروف لم تكن مؤاتية. الإمام الحسن عليه السلام كان قبله ولم يثر لأنّ الظروف لم تكن مؤاتية أيضًا، لا أنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يكن أهلًا لذلك. فلا فرق بين الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، ولا بين الإمام الحسين عليه السلام والإمام السجّاد عليه السلام، ولا بين الإمام الحسين عليه السلام والإمام علي النقيّ عليه السلام أو الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام. بالطّبع، فإنّ منزلة الإمام الحسين عليه السلام - الّذي أدّى هذا الجهاد - هي أرفع من الّذين لم يؤدّوه، لكنّهم سواء في منصب الإمامة. ولو وقع هذا الأمر في عصر أيّ إمام، لثار ذلك الإمام ونال تلك المنزلة. فالإمام الحسين عليه السلام واجه مثل هذا الانحراف وكانت الظّروف مؤاتية، فلا محيص له عليه السلام من تأدية هذا التكليف، فلم يبقَ هناك أيّ عذر. لهذا، عندما قال له عبد الله بن جعفر، ومحمد ابن الحنفية، وعبد الله بن عباس - الّذين كانوا من العلماء والعارفين بأحكام الدين ولم يكونوا من عامّة النّاس - إنّ تحرّكك فيه خطرٌ فلا تذهب، أرادوا أن يقولوا: إنّ التكليف قد سقط عنك لوجود الخطر، لكنّهم لم يُدركوا أنّ هذا التكليف ليس بالتكليف الّذي يسقط بوجود الخطر، لأنّ مثل هذا التكليف فيه خطر دومًا، فهل يمكن لإنسان أن يثور ضدّ سلطة مقتدرة في الظاهر ولا يواجه خطرًا؟!
إنّ العمل الّذي جرى في زمن الإمام الحسين عليه السلام كانت نسخته المصغّرة في عصر إمامنا الخميني قدّس سره، غاية الأمر أنّه هناك انتهى إلى الشّهادة وهنا انتهى إلى الحكم، فهما أمرٌ واحدٌ ولا فرق بينهما. فقد كان هدف الإمام الحسين عليه السلام وهدف إمامنا الجليل واحدًا، وهذا الأمر يُشكّل أساس معارف الإمام الحسين عليه السلام، وإنّ المعارف الحسينيّة تُمثّل قسمًا عظيمًا من معارف الشّيعة. فهذا أصلٌ مهمّ وهو نفسه من أركان الإسلام.
فالهدف كان عبارة عن إرجاع الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الصراط المستقيم والخطّ الصحيح. ففي أيّ زمان؟ في الوقت الّذي تبدّل الطّريق، وانحرف المسلمون نتيجة جهل وظلم واستبداد وخيانة بعض القوم. بالطّبع، إنّ التّاريخ يمرّ بمراحل مختلفة، فأحيانًا تكون الظّروف مؤاتية وأحيانًا لا تكون. وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام كانت الظروف مؤاتية وفي زمننا كذلك، فأقدم الإمام على العمل نفسه، وكان الهدف واحداً. غاية الأمر، عندما يكون الإنسان متّجهًا نحو هذا الهدف ويريد الثّورة على الحكومة ومركز الباطل من أجل إرجاع الإسلام والمجتمع والنّظام الإسلاميّ إلى موقعه الصحيح، تارةً يصل إلى الحكومة، وأخرى لا يصل إلى الحكومة بل يصل إلى الشهادة، ألا يكون القيام في هذه الصّورة واجبًا؟ فلو وصل إلى الشهادة لكان واجباً أيضًا. فهل أنّه في هذه الصّورة التي وصل فيها إلى الشهادة، لا يكون للقيام فائدة؟ لمَ لا، فلا يوجد أيّ فرق. فهذا القيام وهذا التحرّك مفيدٌ في كلا الحالتين، سواءٌ وصل إلى الشّهادة أم وصل إلى الحكومة، غاية الأمر أنّ لكلّ منهما نوعًا خاصًّا من الفوائد يجب القيام به والتحرّك نحوه.
فهذا هو العمل الّذي قام به الإمام الحسين عليه السلام. غاية الأمر، أنّ الإمام الحسين عليه السلام هو أوّل من قام بهذا التحرّك، ولم يقم به أحدٌ قبله، لأنّه في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ما كانت مثل هذه الأرضيّة والانحراف موجودين، أو إذا كان هناك انحراف في بعض الموارد فلم تكن الأرضيّة مناسبة ولا المقتضى موجوداً(للثورة)، أمّا في زمن الإمام الحسين عليه السلام، فكلا الأمرين قد وُجدا، فهذا هو أساس القضيّة في مورد نهضة الإمام الحسين عليه السلام.
الثورة تكليف وواجب
يُمكننا أن نُلخّص القضيّة بهذه الصّورة: إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت لتأدية واجبٍ عظيمٍ وهو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الخطّ الصّحيح أو الثّورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلاميّ. وهذا ما يتمّ عن طريق الثّورة وعن طريق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، بل هو مصداقٌ عظيم للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. بالطّبع، فقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة، وقد تكون الشّهادة، وقد كان الإمام الحسين عليه السلام مستعدًّا لكلتا النّتيجتين. والدّليل على ذلك هو ما يُستنتج من أقوال الإمام الحسين عليه السلام. وهذه بعض أقوال أبي عبد الله عليه السلام وكلّها تشير إلى هذا المعنى:
أ- عندما طلب الوليد، والي المدينة، الإمام الحسين عليه السلام ليلًا وقال له: إنّ معاوية قد مات وعليك بمبايعة يزيد، ردّ عليه الإمام عليه السلام : "نُصبح وتُصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة"[1]. وعند الصباح عندما لقي مروان أبا عبد الله عليه السلام طلب منه مبايعة يزيد وعدم تعريض نفسه للقتل، فأجابه الإمام عليه السلام: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السّلام إذ قد بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد"[2]. فالقضيّة ليست شخص يزيد، بل أيّ شخصٍ مثل يزيد، فما يريد الإمام الحسين عليه السلام قوله هو: لقد تحمّلنا كلّ ما مضى، أمّا الآن فإنّ أصل الدين والإسلام والنّظام الإسلاميّ في خطر، إشارة إلى أنّ الانحراف خطرٌ جدّي، والقضيّة هي الخطر على أصل الإسلام.
ب ــ إنّ أبا عبد الله عليه السلام قد أوصى أخاه محمّد ابن الحنفيّة، مرّتين: الأولى عند خروجه من المدينة، والثّانية عند خروجه من مكّة. ولعلّ هذه الوصيّة كانت عند خروجه من مكّة في شهر ذي الحجّة ــ فبعد الشّهادة بوحدانيّة الله ورسالة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول الإمام عليه السلام : "وإنّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم"[3]، أي أريد الثّورة لأجل الإصلاح لا للوصول إلى الحكم حتمًا أو للشّهادة حتمًا. والإصلاح ليس بالأمر الهيّن، فقد تكون الظّروف بحيث يصل الإنسان إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السّلطة وقد لا يمكنه ذلك ويستشهد، وفي كلتا الحالتين تكون الثّورة لأجل الإصلاح. ثمّ يقول عليه السلام: "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾[4]..."[5]. والإصلاح يتّم عن هذا الطّريق، وهو ما قلنا أنّه مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ج- عندما كان الإمام عليه السلام في مكّة، بعث بكتابين، الأوّل إلى رؤساء البصرة، والثاني إلى رؤساء الكوفة، جاء في كتابه إلى رؤساء البصرة: "وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتت والبدعة قد أُحييت، فإن تسمعوا قولي وتُجيبوا دعوتي وتُطيعوا أمري أُهدكم سبيل الرّشاد"[6]. أي يريد الإمام الحسين عليه السلام تأدية ذلك التّكليف العظيم وهو إحياء الإسلام وسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والنّظام الإسلاميّ. وجاء في كتابه إلى أهل الكوفة: "فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائر بالحقّ والحابس نفسه عن ذات الله، والسلام"[7]. الإمام ورئيس المجتمع الإسلاميّ لا يمكن أن يكون فاسقًا فاجرًا خائنًا مفسدًا بعيدًا عن الله، بل يجب أن يكون عاملًا بكتاب الله، وذلك بالطّبع على مستوى المجتمع، لا أن يحبس نفسه في غرفة الخلوة للصّلاة، بل أن يحيي العمل بالكتاب على مستوى المجتمع، ويأخذ بالقسط والعدل ويجعل الحقّ قانون المجتمع. ولعلّ معنى الجملة الأخيرة هو أنّه يثبّت نفسه على الصّراط الإلهيّ المستقيم بأيّ نحوٍ حتّى لا يقع أسير الإغراءات الشّيطانيّة والماديّة. أي إنّ الإمام عليه السلام قد بيّن هدفه من الخروج.
د- كان الإمام عليه السلام بعد خروجه من مكّة يُخاطب النّاس في كلّ منزل ينزل فيه، عندما (واجه الحسين عليه السلام جيش الحرّ) وسار بأصحابه في ناحية، والحرّ ومن معه في ناحية، حتّى بلغ "البيضة" خاطب الإمام عليه السلام أصحاب الحرّ، فقال: "أيّها النّاس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًّا لحُرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه بفعل ولا بقول، كان حقًّا على الله أن يُدخله مدخله"[8]. فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيّن ما يجب عمله إذا انحرف النّظام الإسلاميّ، وقد استند الإمام الحسين عليه السلام إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا.
فالتّكليف هو أن "يُغيِّر بفعل أو قول"، فإذا واجه الإنسان مثل هذه الظّروف، وكان الظّرف مؤاتيًا كما تقدّم، وجب عليه أن يثور ضدّ هذا الأمر ولو بلغ ما بلغ، سواء أدّى ذلك لأنّ يُقتل، أو أن يبقى حيًّا، أو أن ينجح في الظّاهر أو لا ينجح، يجب على كلّ مسلم في مثل هذه الحال أن يثور. وهذا تكليفٌ قال به النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّ قال عليه السلام: "وإنّي أحقّ بهذا"[9]، لأنّي سبط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أوجب هذا الأمر على المسلمين فردًا فردًا، فإنّ سبط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووارث علمه وحكمته الحسين بن علي عليه السلام سيكون أحقّ بالثّورة، "فإنّي خرجت لهذا الأمر"، فيُعلن عن سبب وهدف ثورته وهو لأجل "التغيير" أي الثّورة ضدّ هذا الوضع السّائد.
هـ- كان للإمام الحسين في منزل عُذيب، ــ حيث التحق به أربعة نفر: بيانٌ آخر، قال لهم الإمام عليه السلام : "أما والله إنّي لأرجو أن يكون خيرًا ما أراد الله بنا قُتلنا أم ظفرنا"[10]. وهذا دليل على ما تقدّم أنّه لا فرق سواء انتصر أم قُتل، يجب أداء التكليف.
وفي أوّل خطبةٍ له عليه السلام عند نزوله كربلاء، يقول عليه السلام : "وإنه قد نزل من الأمر ما قد ترون" إلى أن يقول: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقًّا..."[11] إلى آخر الخطبة.
إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام، إذًا، كانت تأديةً لواجب، وهذا الواجب يتوجّه إلى كلّ فرد من المسلمين عبر التاريخ، وهو أنّه على كلّ مسلم لزوم الثّورة حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلاميّ بحيث يُخاف من تغييرٍ كلّي في أحكام الإسلام، بالطّبع، بشرط أن تكون الظّروف مؤاتية، وعُلم بأنّ لهذه الثورة نتيجة، أمّا مسألة البقاء على قيد الحياة وعدم القتل وعدم التعرّض للتعذيب والأذى والمعاناة، فهذه الأمور ليست من الشّروط. فالحسين عليه السلام قد ثار وأدّى هذا الواجب عملياً ليكون درسًا للجميع.
لقد قام الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام وأيقظ وجدان النّاس. لهذا ظهرت تلك النّهضات الإسلاميّة الّتي بدأت واحدة تلو الأخرى، بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، والّتي جرى قمعها حتمًا. ولكن ليس المهمّ أن يجري قمع التحرّك من قبل العدوّ وإن كان بالطّبع مرًّا، ولكن ما هو أمرّ هو أن يصل المجتمع إلى حيث لا يظهر أيّ ردّة فعل مقابل العدوّ، هذا هو الخطر الأكبر.
الثّمار الطيّبة للثّورة الحسينيّة
لقد قام الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام بعملٍ، أدّى إلى ظهور أشخاصٍ في جميع عهود الحكومات الطاغوتية، ورغم أنّهم كانوا أبعد عن عصر صدر الإسلام إلّا أنّ إرادتهم للقتال والجهاد ضدّ جهاز الظّلم والفساد كانت أكبر من عصر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ـ كما كان يُقضى عليهم جميعًا، فبدءًا من قضية قيام أهل المدينة المعروفة بالحرّة، إلى الأحداث اللاحقة وقضايا التوّابين والمختار الثقفي إلى عصر بني العبّاس، ففي الداخل هناك شعوبٌ دائمًا ما تثور. فمن ذا الّذي أوجد مثل هذه الثّورات؟ إنّه الحسين بن علي عليه السلام. فلو لم يثر الإمام الحسين عليه السلام هل كانت لتتبدّل هذه الروحية الكسولة والمتهرّبة من المسؤوليّة إلى روحيّة مواجهةٍ للظلم وتحمّل المسؤوليّة؟ لماذا نقول إنّ روحيّة تحمّل المسؤوليّة كانت ميّتة؟ إنّه بسبب أنّ الإمام الحسين عليه السلام ذهب من المدينة، الّتي كانت مهد الرّجال العظام في الإسلام، إلى مكّة. وكان أبناء العبّاس والزبير وعمر وأبناء خلفاء صدر الإسلام قد اجتمعوا جميعهم في المدينة، ولم يكن أيٌّ منهم حاضرًا أو مستعدًّا لمساعدة الإمام الحسين عليه السلام في هذه الثّورة الدمويّة والتّاريخيّة. إذًا، فإلى ما قبل بدء ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن الخواصّ مستعدّين ليخطوا خطوةً واحدة. أمّا بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام فقد أٌحييت هذه الرّوحيّة. وهذا درسٌ كبير ينبغي أن نُضيفه إلى الدّروس الأخرى في واقعة عاشوراء. عظمة هذه الواقعة هي هذه. هذا الّذي يُقال: "الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، (هذا الّذي) بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها"[12] قبل ولادته، إنّه الحسين بن عليّ عليه السلام الّذي له ذلك العزاء الكبير ونحن نُعظّمه. وبحسب هذا الدّعاء أو الزّيارة فإنّ البكاء عليه هو من أجل ذلك. لهذا، عندما ننظر اليوم نرى أنّ الذي أحيى الإسلام وحفظه هو الحسين بن علي عليه السلام.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص325.
[2] م.ن، ص326.
[3] م.س، ص 329.
[4] سورة الأعراف، الآية 87.
[5] بحار الأنوار، ج44، ص 330.
[6] أبو مخنف الكوفي، وقعة الطف، تحقيق وتصحيح محمد هادي اليوسفي الغروي، نشر جماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، 1417هـ، قم ـ إيران، ص107.
[7] م. ن، ص 96.
[8] م.س، ص172.
[9] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 382.
[10] وقعة الطف، ص 174.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 381.
[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 98، ص 347.
الاكثر قراءة في الأحداث ما قبل عاشوراء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
