بقاء السالك ببقاء الحقّ بعد فنائه في التجلّي الذاتيّ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص207-210
2025-07-09
783
حالة البقاء بالله تكون على حسب الكاملين الواصلين، وذلك بعد فناء السالك في التجلّي الذاتيّ، يخلد ببقاء الحقّ وخلوده، حيث يرى نفسه مطلقاً، بلا تعيّن جسمانيّ أو روحانيّ، وقد أحاط علمه بكلّ ذرّة من الكائنات، واتّصف بكلّ الصفات الإلهيّة، وإنّه القائم المدبّر لهذا العالم، ولا يرى شيئاً غير نفسه، وهذا هو المقصود من كمال التوحيد العيانيّ.
آن كه سُبحانى همى گفت آن زمان *** اين معانى گشته بود او را عيان
هم ازين رو گفت آن بحر صفا *** نيست اندر جُبّهام الّا خدا
آن أنا الحقّ گفت اين معنى نمود *** گر به صورت پيش تو دعوى نمود[1]
ليسَ في الدّارَين آن كو گفته است *** دُرّ اين معنى چه نيكو سفته است
چون نماند از توئى با تو اثر *** بى گمان يابى از اين معنى خبر[2]
وما كتبه سلطانا العالم، والواصلان الموقنان، الشيخ أبو محمّد روزبهان، والشيخ شمس الدين محمّد الديلميّ قدّس سرّهما عن الوقائع التي عاشاها حكايات عن هذه المراتب التي مرّ ذكرها.
وكذلك في مراحل التصفية، يعرج السالكون معراجاً روحانيّاً بالبدن المثاليّ أو بدونه، حيث يري السالك في كلّ سماء وعلى حسب الحالة، أرواح الأنبياء والأولياء والملائكة، ويحلّق في السماء، إلى العرش وإلى ما فوق العرش، وكيفيّة وكمّيّة مكشوفات الأولياء كما ينبغي، هي فوق البيان، وبعيدة عن إدراك العقول وإحاطتها.
فَثَمَّ وَرَاءُ العَقْلِ عِلْمٌ يَدِقُ عَنْ *** مَدَارِكِ غَايَاتِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ
عقل اينجا ساكت آمد يا مضلّ *** زانكه دل با اوست با خود نيست دل[3]
بعد تمهيد المقدّمة نشرع في شرح البيت، ونقول: «ستاره با مه وخورشيد اكبر» اي لأنّ السالك المسافر، انطلق نحو الله، فيجب أن يرجِّح ذلك على جميع مراتب التنزّلات لكي يصل إلى المرحلة المطلقة، وليصل النقطة الأخيرة من الدائرة بالأولى. وبما أن رحلته إلى عالم المثال المتجسّد بالملكوت والربوبيّة، فهناك يشاهد القوى الروحانيّة المتمثّلة بصور المثل وعلى حسب صفاء السالك. وحيث قال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: «خليلآسا برو حقّ را طلب كن»[4] تعبيراً عما جاء في الآية الكريمة: {وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً}- إلى آخر الآية.[5]
يقول الشيخ: إذا شوهِدَتْ شمس أكبر من النجم والقمر والشمس الكبيرة، فاعلم أن هذه الكواكب هي الصورة المتمثّلة للحسّ المشترك، وهو القوّة الاولى من القوى الباطنة، والقمر الذي هو قوّة الخيال، وهي القوّة الثانية من القوى الباطنة، واستفاضة النور من العقل هي بمثابة القمر نسبة إلى الشمس، فالشمس هي الصورة المتمثّلة بالعقل، والنسبة بينهما واضحة. فالقوّة العاقلة هي سبب تنوّر ظلمة الجهل في الوجود الإنسانيّ بنور العلم.
[1] يقول: «أن الذي قال كلمة «سُبحاني» في ما قبل، إنّما كانت هذه المعاني قد تجلّت له في الحقيقة بالكامل. وكذا قوله «ليس في جُبّتي إلّا الله سبحانه». وهو الذي أشار إلى هذا المعنى بقوله: أنا الحقّ، وإن بدا لك في الظاهر غير ذلك».
[2] يقول: «و ما أروعَ ما نظّمَ دُرَر هذا المعنى، ذاك الذي قال «ليس في الدارَيْن...». فإذا لم يَبقَ للـ (أنا) فيكَ أيّ أثر أو بقيّة، فإنّكَ لا جَرَمَ ستحصل على هذا المعنى وستصل إليه». سبق أن ذكرنا في هذا الكتاب أن بايزيد البسطاميّ هو قائل عبارة سُبحاني ما أعظمَ شأني. وهنا نكرّر أنّ: الشيخ نجم الدين الرازيّ قال في كتاب «العشق والعقل» ص 89: «و إذا خرج الجسم من بيضة الوجود، صرخ قائلًا: سُبحاني ما أعظمَ شأني؛ بينما لا تزال قدَمه داخل البيضة». وقال مصحّح الكتاب في تعليقه ص 113: «هذه العبارة قالها بايزيد البسطاميّ («كشف المحجوب» ص 327، طبعة جوكوفسكي، لينينغراد، سنة 1926 م). وقد مازج العراقيّ في «اللمعات» بين عبارة بايزيد البسطاميّ وكلامه هو قائلًا: «فتارةً يُلبَس العاشقُ حُلّة البهاء والكمال ويُزَيَّنُ بأنواع زينة الحُسن والجمال، حتى إذا نظر إلى نفسه رأي المعشوق بالألوان المختلفة؛ بل يرى في نفسه المعشوق بكماله وتمامه؛ حينها سيقول: سُبحاني ما أعظمَ شأني؛ مَن مِثلي وهل في الدَّارَيْن غيري؟» («أشعّة اللمعات» للجامي، ص 54 و55، الطبعة الحجريّة)».
[3] البيت 675 من تائيّة ابن الفارض الكبرى. وأمّا في النسختَيْن المطبوعتَين لدى الحقير، الاولى في 1372 هـ، دار العلم، والثانية في 1382 هـ، دار صادر بيروت، فقد وردَتْ لفظة «النقل» بدل «العقل»: فثَمّ وراء النَّقل. وهذا أنسب مضموناً، خلافاً للبيت الذي وردَتْ فيه لفظة «العقل»، ذلك أن الشيخ ابن الفارض يقول في البيت الذي يسبق هذا البيت: (وَلَا تَكُ مِمَّن طَيَّشَتْهُ دُرُوسُهُ *** بِحَيثُ اسْتَقَلَّتْ عَقْلَهُ واسْتَقَرَّتِ)، أي، بحيث صارت العلوم المنقولة هدفهم الأساس ففقدوا بذلك عقولهم وقضوا باقي عمرهم بالترّهات والقيل والقال ولم يرجعوا إلى ألبابهم فيجدوا لأنفسهم مخرجاً.
[4] يقول: «لقد سكت العقل هنا، يا مُضلّ، وتوقّفَ، لأنّ القلب معه هو (أي مع المعشوق) وليس مع صاحب القلب».
[5] الآيتان 75 و76، من السورة 6: الأنعام.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة