الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أثر التعليم في التنمية الاقتصادية
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 123 ــ 127
2025-07-07
26
تقول حكمة صينية مأثورة: (إذا أردت مشروعاً تحصده بعد عام، فازرع قمحاً، وإذا أردت الحصاد بعد عشرة أعوام، فاغرس شجرة، وإذا أردت حصاد مائة عام، فعلم الشعب. فالحبوب التي تزرعها مرة تحصدها مرة، والشجرة التي تغرسها تقطعها عشر مرات، وإذا علمت الشعب حصدت مائة عام) (1).
إن مما لا يخفى أن (العلم) يحدث نوعاً من الانقلاب الشامل في شخصية المتعلم وبما أن الإنسان هو محور التنمية وهدفها وأداتها، فإن تغيير العلم لشخصيته أكبر من أن تترجمه الأرقام حيث إن المنافع الحاصلة ليست اقتصادية بحتة، وإنما هي تغيير لنوعية الحياة كلها. إن للتعليم عطاءات كثيرة غير مباشرة؛ فهو المحرك الأكثر مصداقية للنمو، والمساعد على تغيير الاتجاهات، كما أنه المولد للثقة في التغيير؛ وعلى ذلك فإنه يشجع على المشاركة في الحياة السياسية، ويساعد في اختيار الصالح من الجديد، والتخلص من السيئ القديم، كما يسهم في زيادة الوعي بالأفكار والخيارات الجديدة في تنظيم الحياة (2).
ويصف أحد الاقتصاديين الهوة الإنمائية بين الولايات المتحدة وأوريا بأنها هوة تربوية قبل أن تكون هوة تقنية، فأوربا واهنة تربوياً، وهذا الوهن يعطل نموها تعطيلاً جذرياً، إنها واهنة في التربية العامة، وفي التربية التقنية وأوهن ما تكون في التربية الإدارية (3).
كثير من الناس ينظر إلى (التعليم) على أنه نوع من الرفاهية، ومظهر من مظاهر الوجاهة، وكثير من الدول الإسلامية إلى هذه اللحظة، يصنف التعليم مع القطاعات غير المنتجة، مما جعلها تقطع من نفقاته في أوقات الأزمات، وتحولها إلى قطاعات أخرى (4)!.
إن تفاقم ظاهرة (بطالة المثقفين) قد دفع كثيراً من الآباء في بلدان كثيرة إلى إخراج أبنائهم من المدارس قبل إتمام المرحلة الابتدائية أو المتوسطة ظناً منهم أن ذلك خير لهم ولأبنائهم، وهذا ليس بصحيح قطعاً من الناحية المادية، أما من الناحية الحضارية، فإنه يشكل مأساة، حيث إن إخراج الطفل من التعليم في هذه المرحلة، سيجعله غير صالح للعيش والمشاركة على نحو مقبول في زمان يتطلب من الناشئة أن يمتلكوا عقولاً أكثر تفتحاً، ومهارات أكثر ارتقاء وتنوعاً.
إن هناك فيضاً من الدراسات التي تدل على أن ما يبذل من قبل الدول والأفراد على التعليم ذو مردود مالي وتنموي عالي يفوق المردود الذي يحصلون عليه من وراء الأحوال التي تنفق في المشروعات الزراعية أو الصناعية. وسنستعرض بعضاً من تلك الدراسات والمؤشرات في النقاط التالية:
1- إن التعليم هو الأسلوب الأمثل لتعويض الأمم والمجتمعات عن نقص مواردها وثرواتها الطبيعية؛ حيث إنها تستطيع من خلال العلم والتدريب أن تجعل من بلدانها مراكز عالمية لتقديم الخدمات، وللتصنيع وللتقدم في مجالات مريحة جداً، وتعتمد على العنصر البشري، ولا تحتاج إلى مواد خام كثيرة، مثل مجالات الأشعة والتحكم عن بعد و(الإلكترونيات) والمعلوماتية، والهندسة الجينية، وما شاكل ذلك... إن في العالم اليوم دولاً كثيرة يتمتع الفرد فيها بدخل عالي جداً مع ضيق مساحتها، وقلة ثرواتها، فمتوسط دخل الفرد في اليابان يتجاوز اليوم (21) ألف دولار وفي سنغافورة يتجاوز عشرة آلاف دولار، ونصيب كل طفل يهودي في فلسطين المحتلة نحو من (14500) دولار سنوياً إلى جانب هذا هناك دول كثيرة، تتربع على ثروات معدنية هائلة، وشعبها يعاني مما يشبه المجاعة مما يدل على أن المهم ليس أن تمتلك الثروات، وإنما أن تتعلم وتتدرب وتوفر الأطر والتقنيات لاستغلالها على الوجه الأكمل.
ب- دلت الدراسات التي أجراها البنك الدولي أن رفع المستويات التعليمية للقوى العاملة، عبر فسح المجال لهم للدراسة سنة أخرى، يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته 9 % وبينت دراسات أخرى أن من شأن أربع سنوات من الدراسة أن تسهم في زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة 10 % (5).
وفي دراسة حول أجور المتعلمين وغير المتعلمين تبين أن الأطفال من سن (13) سنة، ممن يحملون مؤهلا تزيد مرتباتهم عن غيرهم (157) %. ومن هم في سن (26) سنة، ويعملون في أعمال رسمية، تزيد مرتباتهم عن غير المؤهلين بنسبة (110) % شهرياً.
ج- أجريت دراسات كثيرة حول حساب العائدات المتوقعة من الإنفاق على التعليم، ومن نتائج تلك الدراسات: أن تعويض الأموال التي تنفق على التعليم، يتم خلال مدة (9) سنوات أو (10) سنوات، في حين أن تعويض القروض الطبيعية التي تؤخذ من أجل التنمية، يحتاج إلى مدة تترواح بين (12) سنة و (18) سنة، وفي حين أن برنامج استصلاح أراض جديدة لا يسد نفقاته قبل (15 الى 18) سنة (6).
وهذا يعني أن استدانة الأب من أجل تعليم ابنه ليس مجازفة، كما أن إنشاء صناديق لإقراض الطلاب من أجل إكمال دراستهم أمر حيوي لا يصح تجاهله وتأخيره.
د- حظيت الولايات الأمريكية بدراسات كثيرة حول مساهمة العلم في تغییر حالها، ونقلها من دولة تعتمد على الزراعة إلى دولة صناعية في المقام الأول. ومن تلك الدراسات ما قام به (دنيسون) من محاولة للكشف عن حصة العلم في النمو الاقتصادي في أمريكا حيث تبين له أن 21 % من النمو الاقتصادي الذي حدث في أمريكا بين عامي (1921 - 1957) يرجع إلى أثر التربية، وتبين دراسات (سولو) عن الإنتاج غير الزراعي في أمريكا بين عام (1900 - 1960) أن عوامل رأس المال المادي، وتزايد السكان وتزايد منابع الثروة المادية تفسر 10 % فقط من النمو الاقتصادي الذي حدث هناك، وأن ما تبقى (90%) يرجع إلى عوامل أخرى يفسرها ما قاله العنصر البشري من تربية وإعداد (7).
وتفيد بعض الدراسات أن 90% من الأمريكيين كانوا يشتغلون بالزراعة في بداية القرن العشرين، وقد انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 10 في عام 1963، وبالرغم من هذا النقص الكبير في ميدان الزراعة، فإن الإنتاج الزراعي قد زاد زيادة كبيرة عما كان عليه بسبب تسخير معطيات التقدم العلمي والتقني في خدمة الزراعة (8).
إن أثر العلم في تغيير حياة الناس، مما يعسر قياسه على نحو دقيق. ويمكن أن نفهم كل ما ذكرناه من دراسات وأرقام على أنه مؤشرات ذات معنى إلى إسهام العلم في توطيد أركان الحضارة وتحسين نوعية الحياة.
إن العلم بكل فروعه واختصاصاته ومستوياته، هو عبارة عن عنصر من عناصر البناء الحضاري وهذا العنصر - على جلالة قدره - لا يستطيع أن ينفرد في تطوير أحوال الناس؛ إنه يتفاعل مع الجذور الثقافية والأحوال المعيشية، والأوضاع السياسية... على نحو ما تتفاعل العناصر الكيميائية بعضها مع بعض؛ لذا فقد ترى كليتين متشابهتين في كل شيء إلا أن آثارهما في الحياة العامة مختلفة بسبب انتمائهما إلى مجتمعين أو بيئتين أو أمتين مختلفتين. وهذا كله يؤكد أن الإصلاح الشامل هو الذي بإمكانه أن ينعش التعليم وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ التربية وتنمية المجتمع العربي: 173.
2ـ انظر: وضع الأطفال في العالم عام 1992: 32.
3ـ التربية وتنمية المجتمع العربي: 171.
4ـ التعليم مشروع اقتصادي: 24.
5ـ وضع الأطفال في العالم عام 1992: 30.
6ـ التربية في البلاد العربية: 185، 186.
7ـ المصدر السابق: 150.
8ـ بحوث ندوة العالم الإسلامي والمستقبل: 802، أما اليوم فإن نسبة الذين يشتغلون بالزراعة من الأمريكيين لا تتجاوز 3%.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
