وقاعة «سلامس» البحرية 480 ق.م
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 527 ــ 529
2025-05-14
470
تقع جزيرة «سلامس» غربي «أثينا» وتسد جونا يظهر كأنه بحيرة بخليج ضيق على كل من جانبيه، وهنا تجمعت السفن الإغريقية. وكان «تمستوكليس» يعلم أن قواد البلوبونيز يرغبون في أن ينسحبوا إلى «كورنث»، وينضمون إلى قواتهم البرية التي كانت قد بنت بسرعة جدارًا عبر البرزخ لحماية أنفسهم، وذلك كان لا يعني فقط هلاك اللاجئين من الأثينيين، بل كان فيه كذلك خراب بلاد الإغريق؛ لأن أملها الوحيد كان تحطيم سفن الفرس، ومن أجل ذلك أرسل «تمستوكليس» رسولًا إلى الملك العظيم «أكزركزيس» مدعيًا فيه بأنه على ود وصفاء معه، وحاثًّا إياه على أن يسرع في الهجوم وإلا فإن السفن الإغريقية التي في الجون قد تهرب قبل حلول الليل، وقد وقع «أكزركزيس» فعلًا في حبائل هذه المكيدة، وقرر حصر سفن العدو فجلس على عرش وضع على منحدر جبل يطل على المضيق الشرقي يحيط به كتابه على أهبة تدوين الملاحظات عن النصر الذي كان ينتظره؛ وفي غرب المضيق كان ينتظر آخرون وهم الهاربون من «أثينا» على جزيرة «سلامس»، التي كان مصيرها معلقًا على هذه الواقعة.
بدأ الأسطول الفارسي يتحرك إلى الأمام عند انفلاق الصباح وتقدم الإغريق لمقابلتهم، وكلما دخلت السفن الفارسية المياه التي كانت تأخذ في الضيق اشتد ازدحامها وأصبحت لا ساعد لها، وقد اضطرت أن تتلاصق بعضها ببعض، وتتقابل أطرافها وسادت في وسطها الفوضى بسبب كثرة عددها وبهجوم مراكب الإغريق عليها، وقد غرق أو حطم أمام عيني «أكزركزيس» مائتا سفينة من سفنه وقتل رجالها أو غرقوا، وعند غروب الشمس كان كل شيء قد انتهى، وقبل الفجر هربت البقية الباقية من الأسطول الفارسي إلى «هلسبونت». بعد ذلك عاد «أكزركزيس» إلى بلاده بطريق البحر مع جنوده، وقد مات كثير منهم من الجوع أو بالطاعون، وما بقي منهم على قيد الحياة عبر «هلسبونت»، ووقفوا ثانيةً في آسيا. ومن ثم لم يحقق «أكزركزيس» حلمه بفتح أوروبا. وترك «أكزركزيس» خلفه أحد قواده لقيادة جيش عظيم، ولكنه هزم في واقعة كبيرة عند «بلاتا» Platea في إقليم «بوشيا»، فكانت هذه الضربة نهاية الفرس في بلاد الإغريق. وقد انتصر الإغريق في نفس السنة (479 ق.م) على الأسطول الفارسي على ساحل آسيا الصغرى، وقد كان هذا النصر هو بداية تحرير البلاد الأيونية من حكم الفرس. وهكذا نرى أن بلاد اليونان الحرة قد صدت بعيدًا عنها الاستبداد الفارسي، أو بعبارة أخرى الشرقي وهذه لحظة حاسمة في تاريخ العالم.
هذه الحقائق التي دوناها هنا مأخوذة عن المؤرخ الإغريقي «هردوت»، وهو أكبر مصدر لدينا عن حروب هذه الفترة، وبخاصة أنه عاشرها وعاش فيها. وقد ترك لنا أحد شعراء الإغريق في هذا العهد رواية تمثيلية تصف لنا الأحوال والحوادث كأنها الشاهد العيان. والتمثيلية للشاعر «أسكيلس» Aeschylus، وقد سماها «الفرس» كتبها بعد واقعة «سلامس» بثمانية أعوام.
ومنظر الفصل الأول منها هو قصر مصيف الملك العظيم في «سوس» على مقربة من قبر الملك «دارا الأول»، وذلك بعد حدوث الواقعة ببعض الزمن، حلمت «أتوتا» أم الملك حلمًا مزعجًا ينذر بموت «أكزركزيس»، وكانت هي وشيوخ «سوس» في انتظار أخبار عن الحرب، فنشاهد رسولًا يأتي مسرعًا يحمل أخبارًا مزعجة، فيخبر كيف أن الأسطولين واجه الواحد منهما الآخر في مياه «سلامس»، وكيف أن الإغريق تقدموا إلى المعركة ينشدون أنشودة النصر وهم يصيحون:
يا أبناء بلاد الإغريق
تقدموا حاربوا من أجل حرية أرضكم
وأطفالكم وأزواجكم ونجوا محاريب
أجدادكم الآلهة، إن كل شيء في خطر.
وبعد ذلك نرى في الموقعة التي نشبت بعد أن السفن الفارسية قد أغرقت، أو استولى عليها وغرق الجنود أو قتلوا و«أكزركزيس» ينظر إليهم، ترتدي بعد ذلك الملكة ملابس الحزن، وتقدم قربانًا للموتى وتأمر الشيوخ أن يدعوا «دارا» للعودة إلى الأرض ويسديهم النصح، فيظهر شبحه ويندب جنون «أكزركزيس» الذي جلب مثل هذا الخراب على بلاده، ثم يخبرهم أن أمل الفرس الوحيد هو ألا تهاجم مرة أخرى بلاد الإغريق، أما عن عقابهم:
ذهبوا إلى «هلاس» وكان عندهم الشجاعة
أن يسيئوا إلى صور الآلهة ويحرقوا المحاريب
والمعابد ويهشموا الموائد
ومن أجل ذلك عوقبوا.
يختفي الشبح بعد ذلك — وهو خيال ملك جبار — ويعود «أكزركزيس» بأثواب مهلهلة في صورة حزينة، تنقصها عظمة «دارا» ومهابة الملك وتنتهي التمثيلية بصيحات الحزن والخسارة.
وفي استطاعتنا أن نلمس شعور أهل «أثينا» عند رؤية هذه التمثيلية، إذا تخيلنا تمثيلية تمثل أمام المصريين كسر فيها العدو وعاد بالخيبة والفشل، كهزيمة الجيش الإنجليزي مثلًا عند «دمياط» في عام 1807 ميلادية أو هزيمتهم مع الفرنسيين في بورسعيد هذا العام.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة