1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

الاخلاص

المؤلف:  الشيخ علي رضا بناهيان

المصدر:  النظام التربوي الديني

الجزء والصفحة:  ص 424 ــ 434

2024-09-20

192

العلاقة بين الحب وجهاد النفس من نافذة الإخلاص / لا يستطيع العمل أن يقرب الإنسان بدون الإخلاص

إن الأخلاص من المفاهيم البارزة في الدين. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الْإِخْلَاصُ غَايَةَ الدِّين) (عيون الحكم، ص 20) يعني أننا نريد أن نصل إلى هذه النقطة في آخر المطاف. ليس الإخلاص غاية الدين فحسب، بل محتاج إليه في بداية الحركة أيضا، إذ أن الله لا يقبل عملا غير خالص.

طيب؛ ما معنى كون الله لا يتقبل عملا بلا إخلاص؟ هل معناه أن العمل غير الخالص هو عمل واقعا ولكن الله لا يعجبه ولا يقبله؟ أو إن معناه هو أن العمل بغير إخلاص ليس بعمل أساسا ليدفع العبد إلى الله. لا يمكن أن تكون عملية قبول العمل أو رفضه على أساس الذوق أو قوانين اعتبارية. وأساسا لا يستطيع العمل بغير إخلاص أن يقرب أحدا. بل إن العمل الخالص هو الذي يستطيع أن يترك أثرا وضعيا في العالم ويغير موقعكم فيه ويصعد بكم إلى المقام الأعلى. كان المفترض في مسار جهاد النفس أن نذل النفس ونحقرها في مقابل الله لا أن نقوم بأعمال صالحة لصالح النفس. السبب في عدم قبول العمل غير الخالص هو أن العمل غير الخالص ذاته لا يمكن أن يقبل، فكأن الإنسان لم يعمل شيئا إن كان عمله غير خالص.

إن ماهية حركة الإنسان التكاملية والهادفة إلى الدرجات العليا هي أن يعمل من بداية المطاف إلى نهايته على خلاف رغبة نفسه التي تحاول أن تمتلك كل شيء وتجر إليها كل مصلحة ولذة. حتى أنها تحاول أن تصادر الصلاة في أول الوقت لصالحها وتستخدم هذا السلوك أداة للحصول على بعض المكاسب. ولذلك يمتحننا الله أحيانا بأعمال أهم من الصلاة في أول الوقت ليرى هل سوف نبقى ملتزمين بوقت الصلاة أم سوف نقوم بذلك الفعل الذي هو أكثر ضرورة وله الأولوية عليها.

الأعمال الأكثر إخلاصا هي ما كانت بضررك لا لصالحك

أي الأعمال أكثر إخلاصا؟ هو ذاك العمل الذي كان بضررك لا لصالحك. يعني ينبغي أن يكون العمل بالنحو الذي يعزّز تذلك لله. إن شرط العمل الخالص هو أن لا يكون من أجل كسب قلوب الناس والجاه إذ أن مثل هذا العمل في الواقع عمل للأنا ولصالح الأنا. عندما يقال أن الإخلاص يعني أن لا يكون عملك في سبيل إظهار الفضل للناس، فمعنى ذلك هو أن لا يكون العمل من أجلك. يتجسد عدم الإخلاص في جر المصالح للنفس أما الإخلاص فهو العمل في سبيل الله.

نمطان للحياة: 1ـ رغبة النفس في امتلاك كل شيء وانتفاعها به 2- رغبة النفس في أن يمتلكها الله ويستعملها لأجله

إن لنا نمطين في الحياة. وبعبارة أخرى هناك رؤيتان عن الحياة تختلف أحدها عن الأخرى تماما وهما ساريتان في حياة الناس. بمقتضى الرؤية الأولى يسحب الإنسان كل شيء إلى نفسه. فإن كانت هناك رغبة، فمحور رغباته كلها نفسه. والمعيار في ما يحبه ويشتهيه هو ما كان لصالحه. ففي مثل هذه الحياة سوف تكون أنت المحور وتسعى لامتلاك كل شيء. إن هذه الرؤية على خلاف الإخلاص.

ولكن في الرؤية الثانية، ليست علة الرغبات والمساعي كلها امتلاك المصالح، بل أن يشتريك الله. فبمقتضى هذه الرؤية عن الحياة، أنت تحب أن تجذب إليه لا أن تجذب كل شيء إليك. إن هاتين الرؤيتين على طرفي نقيض، وإن بعض الناس لا يبلغون أبدا لإدراك النموذج الثاني من الحياة.

في النمط الأول من الحياة، إنما تفكر بما ترغب فيه وما تشتهيه؟ ولكن في النمط الثاني لا تزال تسأل عن ما يحبه الله وما يرضى به. إن هذين الاهتمامين والتفكيرين يعبران عن رؤيتين وشعورين ونوعين من الحب، أحدهما يحاول جذب كل شيء إلى نفسه والآخر لا يفكر إلا به عز وجل.

الحب الأناني يهدف إلى امتلاك المحبوب والتضحية به من أجل المحب، بينما الحب غير الأناني يصبو إلى تضحية المحب في سبيل المحبوب / تروّج الثقافة الغربية الحب الأناني / الأفلام الغرامية الغربية تروج الأنانية لا الحب

من هنا تظهر علاقة الحب مع الإخلاص وهي أن الحب الشديد الذي يذل الإنسان للحبيب هو ذلك الحب الذي يرغبك في الانجذاب وفي أن تكون مملوكا، لا أن تجذب وتمتلك. إن الحب الشديد الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا} [البقرة: 165] من هذا النوع.

لو كان الناس قد أدركوا قبح الحب من النوع الأول بدقة، لما رغب أحد بمشاهدة الأفلام الغرامية ولاشمأز الناس من مشاهدة لقطات المحب الأناني عندما يحاول أن يمتلك حبيبه ويتمتع به. تروج الثقافة الغربية لغرام يسعى المحب فيه أن يصادر لصالحه كل شيء، وقد دفعت هذه الرؤية الأسر إلى هاوية عميقة من الأنانية، ولم تجلب لهم المحبة. بينما في المقابل يوصي ديننا الإسلام الرجال بأن يراعوا رغبة أهلهم في الحياة ولا يكونوا أنانيين في تقييم المضار والمصالح. فعلى سبيل المثال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الْمُؤْمِنُ يَأْكُلْ بِشَهْوَةِ عِيَالِهِ، وَالْمُنَافِقُ يَأْكُلُ أَهْلَهُ بِشَهوته) (وسائل الشيعة، ج 21، ص 542) تحاول الثقافة الغربية بشتى الأساليب أن تحوّل المرأة والرجل إلى إنسانين إنانيّين بحيث كل يجر النار إلى قرصه.

السعي في سبيل أن لا تكون أنانيا ولا تجعل نفسك محورا في كل شيء ولا تهدف إلى جر المصالح إلى نفسك هو تمرين الإخلاص. الحب القيم هو ذلك الحب الذي يدفعك إلى امتلاك المحبوب وجر المصالح، ولكن قلّ من يفهم هذا الحب اليوم.

سر الحسد لولي الله / الإنسان الأناني الذي يهدف إلى تملك المصالح، لا يتحمل أن يرى عبدا قد تفضل الله عليه أكثر منه، فيحسده.

ما الفرق بين الحب بغرض الامتلاك والتمتع وبين الحب من أجل الانجذاب وبيع النفس إلى الله؟ إن لسان حال الإنسان الذي يحب الله ليجذبه ويشتريه هو أن يقول له: (فَوَ عِزَّتِكَ يَا سَيِّدِي لَوْ نَهَرْتَنِي مَا بَرِحْتُ مِنْ بَابِكَ وَلَا كَفَفْتُ عَنْ تَمَلقِكَ) (مصباح المتهجد، ج 2، ص 586) كما يحمد الله على تفضله وتنعمه على غيره من أولياء الله فيقول: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ، إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ * الْمُقِيمِ الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ وَ لَا اضْمِحْلَالَ، بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي زَخَارِفِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زِبرجها، فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ، وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَ قَدَّمْتَ * لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّنَاءَ الْجَلِيَّ، وَأَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَتَكَ، وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدَتَهُمْ بِعِلْمِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الذرَائِعَ إِلَيْكَ، وَالْوَسِيلَةَ إِلَى رضْوَانِكَ) (إقبال الأعمال، ج 1، ص 295)

أما في العشق الأرضي فلا يرضى العاشق بأن يقبل المعشوق على الآخرين، إذ لا يهدف العاشق إلا إلى امتلاك المعشوق. أما الأمر يختلف تماما في عشق الله وعشق أهل البيت (عليهم السلام)، وهنا يتضح سر الحسد لولي الله. فالإنسان الأناني الذي ينتحل محبة الله ولكنه يهدف إلى تحقيق مصالحه ولا يحظى بالإخلاص، إذا رأى أن الله قد تفضل وأنعم على عبد غيره، ينزعج ويحزن ويقول لربه بلسان حاله: (لقد جئتك وتعبدت بين يديك وأطعتك، ثم أنت تتفضل على غيري وتتحبب إليه من دوني؟!) وهكذا يتغلغل الحسد في قلبه تجاه ولي الله.

وكم قد حسدوا عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) بسبب هذه النفسيات. إذ كان يتوقع بعض المسلمين الذين قدموا الحد الأدنى من الخدمات للإسلام وللنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أن ينضم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى تياراتهم وجماعاتهم. فعندما شاهدوا حب النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) واهتمامه الخاص به دون غيره خرجت أضغانهم وحسدوا عليا (عليه السلام). بينما لو كانوا يحبّون النبي (صلى الله عليه وآله) لا لمصالحهم بل في سبيل أن يتقربوا إليه ويشتريهم ليكونوا عبيدا له لما كان رد فعلهم مثل هذا.

ما هو تأثير الصوم على الإخلاص؟ يترك الإنسان أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرها إلى نفسه

لقد قالت السيدة الزهراء (سلام الله عليها): (فَجَعَلَ اللَّهُ ... الصِّيَامَ تثبيتاً للإخلاص) (الاحتجاج، ج 1، ص 199) إذن على أساس ما قالته فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) إن ثمرة الصيام كسب الإخلاص، ولكن لابد أن نقف عند هذا المفهوم لنرى ما هي علاقة الصيام مع الإخلاص وكيف يؤثر الصيام على الإخلاص.

عندما تصوم وتمسك عن الطعام والشراب، يتسنى لك القيام بالعمل الخالص. إن الصيام هو ترك أوليات ما تشتهيها النفس بطبيعة الحال. إنك تترك أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرها إلى نفسك. وكسب الإخلاص هو شيء من قبيل أن يشتريك المحبوب ويجعلك عبدا لنفسه، لا أن تمتلك المحبوب وتنتفع به. ولا يخفى أن تحصيل الإخلاص ليس بعمل هيّن.

روايتان في الحب

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِيكَ خَيْراً فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اللهِ وَيُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ فَفِيكَ خَيْرٌ وَاللَّهُ يُحِبَكَ وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ فَلَيْسَ فِيكَ خَيْرٌ وَاللهُ يُبْغِضُكَ وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ) (الكافي، ج 2، ص 127) وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَ أَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لله، فَهُوَ مِمَّنْ كَمَلَ إِيمَانُه) (الكافي، ج 2، ص 124).

الساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحب لأهل البيت (عليهم السلام)

إن أهل البيت (عليهم السلام) لفرصة استثنائية في تحقيق الإخلاص، إذ حتى الأنانيين من الناس قادرون على حب أهل البيت (عليهم السلام) نوعا ما. والسبب في ذلك هو أن حب أهل البيت (عليهم السلام) يحرق القلب وفي أوج الحب لا يبقى منك شيء بل تفنى في المحبوب. فالساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحب لأهل البيت (عليهم السلام). إنك تستطيع أن تعيش الإخلاص في مجالس مصيبة الحسين (عليه السلام) وذكر مصائب أهل البيت (عليهم السلام)، فإنك في تلك الساعة لا تفكر بمصالحك بل تحترق لغيرك. ففي ذلك الحال الذي أنت تبكي فيه على الحسين (عليه السلام) مثلا، إن أخبروك بثواب هذا البكاء لا تبالي كثيرا، وتقول: لم أبك الآن للحصول على الثواب ولا أبكي من أجل أن أحصل على شيء، بل أريد أن أكون للحسين (عليه السلام) ولأطفاله.